نبوءة العقل

نبوءة العقل

الأربعاء، 21 فبراير 2024

الرئيسة

   رسالة إلى العصر

بينما يقف عالمنا اليوم على مشارف الهاوية كمؤشر واضح لاقتراب الخطر من نهاية الحياة على سطح الأرض نجد لعبة المصالح بدوافعها الغائية في سباق التفرد تجنح بالصراع الديني والسياسي إلى دائرة  الاستكبار ورفض الاستماع لصوت العقل في استيعاب ما آلت إليه انحرافات الإنسان والواقع من انحلال وسقوط قيمي وأخلاقي رافق تمكين واتساع سيطرة الشر وأدواته على خارطة الوجود والحياة ..

ولأن قضيتنا اليوم هي بامتداد العصور المتلاحقة قضية الفكر الذي يحكم اتجاهات الإنسان وعلاقاته الارتباطية بمتناقضات الخير والشر في الوجود والتي ظلت رغم تطور العلم واتساع دائرة المعارف تدور خارج نطاق العقل في مراجعة وتشخيص المعضلة الزمنية كإشكالية ممتدة فقد استحكمت موضوعية الظرف الاستثنائي بمحاذيره بحتمية  الخوض في البحث عن الحقيقة الغائبة في شتات الوعي تيمناً بفرضية تطويق الأسباب والملابسات اللازمة لتمكين الحلول والمعالجات من احتواء تبعات الخطر قبل حلوله..   

وهذه الإشكالية إن جاز لنا تشخيص أدواتها كمعضلة زمنية أداتها وساحتها الإنسان ومشروع  الحياة  فمكمن الخلل في امتداد واتساع مظاهر الشر في الحياة كان ولا يزال يختزل حضوره منهجية الدين والدولة بين  تغييب العدالة المشتركة في المشاريع السلطوية وبين سباق التفرد والاحتواء كمدخل لتشريح أدوات الصراع المتنامي والتي شكلت جسور امتداده في حركة التاريخ مشاريع التفكك المتجذر عن تغييب أزمة المعرفة في عقلنة العقيدة الخلافية للإيمان قاعدة لتعطيل الحقيقة بالتوظيف المتعدد لمشاريع الحق والاستحقاق ..

وبحكم أن معضلة الحقيقة بمجمل قضاياها وأدواتها  المتعثرة في التجارب الزمنية ركيزتها الأساس الإنسان في مناط المعرفة بمقاصد ومقومات وضوابط علاقات  التعايش البشري في الحياة ، فجذر الإشكال الزمني الممتد منضور بانحراف الأب ( آدم) في تجسيد الخطيئة للعصيان المنظور بالنزوع لهوى النفس وتطلعاتها للتفرد بالحق والمتدرج من تعطيل قاعدة العقل الإلهي المعللة مجازاً في تعليمه الأسماء كعقد ثابت لوحدة الشراكة الأخلاقية في الحياة وامتدادها في الأبناء بالتعاطي مع المتغير الخلافي في الفكر المتناقض وتصدره لتعقيد الظروف وتصاعد الأزمات مروراً بتشكيل معطيات الواقع بنية ونتاج مضطرب تلتقي تبعاته عند صياغة الوعي المتجرد بالخصوصية الذاتية للمناهج والقراءات والمعتقدات والمفاهيم والقناعات المتعارضة  قاعدة معرفية وسلوكية متباينة أرست تناقضاتها بمعية انعدام التوازن تفكيك النسيج البشري الواحد حضورٌ متشابك الأهداف والعلاقات والروابط والمصالح والسياسات  ..  

وباعتبار جذر الإشكال الزمني ارتبط عبر تحولات العصور بمنازعات الفكر الديني حول التفرد بالحق الإلهي وتصديره قاعدة للوصاية على الحكم ، فلسان حال الواقع الذي نعيشه اليوم ليس سوى النتاج الطبيعي لتقييد الوعي في المعرفة المتشاكلة بتأصيل لاهوت البدائل للمعتقدات المتباينة كثقافة تقليدية تجانست بتوظيف مرجعيه الإله الكوني مرتكزاً للاحتواء المبرر بتوثيق اللاحق لانحراف السابق وإسقاط مشروعيته وعدم تسليم السابق بصحة اللاحق وانحسار خلافاتها حول شرعنة كل دين للتفويض الإلهي باستحقاق السيطرة على حاكمية الوجود والاستئثار بمقدراته ..

وتلك ظلت تستحضر امتداده الزمني بيادق المصالح الدينية والسلطوية مسلكاً للاحتواء المنقسم حول تجزئة الإله الواحد في الوسائط دون النظر إلى انحرافها عن المقصد الإلهي في استيعاب المعرفة بمعاني ودلالات وجوده قاعدة لتوحيد البشرية على قيم الخير كمرجعية ثابتة لأحدية كماله المنافي للقصور والنقص والجهل والشر في شيطنته..

 وكما عاشت البشرية ظروف وتعقيدات الحياة بغموضها العائم في متاهة المجهول واقعاً ممتد لموروث التجارب التقليدية والمعارف والقيود والأعراف والتقاليد والمعتقدات فقد ظلت عبر تحولات العصور  تدور خارج نطاق الحقيقة وقضاياها المشتركة سفر عماء مسترسل نتشكل بإفرازات الوقع وعياً وسلوك وسمات وأخلاق وتعاملات وأهداف متشابكة تحكمها ارهاصاتها العفوية بمحاذير انعدام التوازن في التركيبة والتعاطي بوعيها تسليما بالغيب دون إعمال العقل في البحث عن الأسباب والنتائج وقراءة الخطاء والصواب في انعكاساتها الزمنية من منطلق احتراز الضرورة المعرفية للمراجعة والتثبت من ملابساتها بهدف الإصلاح وتصحيح الخلل في انعكاساتها على واقع ومصير الأجيال ..

 وباتجاه البحث عن الأسباب والنتائج سنجدها متصلة بالنهج المترابط مع الجذور الزمنية للتكوين التي صاغت وعي الإنسان في البقاء على استيعاب  المتناقضات قاعدة كونية للصراع  والغلبة والتي أرست حاضنة الشر المتسلسل بدأً من محاولة تقويض مصادر الخطر على وجوده وتمكنه من استكشاف مقدرات البقاء وصولاً إلى توثيق الظروف والأحداث  للتنقل والهجرات وتأسيسها لمراحل التمدد البشري المتتابع خلال العصور وانعكاساتها الظرفية على تشكيل كل بيئة لطبيعة المجتمعات حضورٌ متباين السمات مرت فصوله بسلسلة من التحولات التي شكلت مضامينها وعي الشعوب والأمم المختلفة وانتجت مفارقاتها أسوار الثقافات والمعارف المتباينة في الفكر والعقيدة والقواعد والنظم السياسية والاجتماعية والعلاقات الأخلاقية باتجاه تصدير سباق الحضارات لموازين القوة مشاريع للتوسع والامتداد دون استدراك اتساع الهوة بين الجنس البشري الواحدوحاجته للبحث عن مشروعية كونية ثابتة تضع الحياة في ميزان الوفاق والتعايش الأخلاقي السليم..

وبرغم أن تلك التجارب كان لها حضور التدرج المعرفي في تشكيل مراحل نمو الوعي البشري واتجاهاته العملية في صياغة وتجسيد التنوع الفكري والحضاري , إلا أن هذا المد في التنوع وإن برز وتشكل كرديف للتنوع الطبيعي والجغرافي وانعدام وسائل التواصل والتمازج الثقافي  إلا أن نشأته وتطوره في ظل تفكك الهوية الإنسانية والسباق الحضاري كان له حكم الجدار الفاصل بين الكيان البشري  الواحد الذي أرسى بدوره ظاهرة التفرد بالخصوصية الاجتماعية والعقائدية والسياسية والاقتصادية مرتكزاً لتوظيف التجارب الهامشية مناهج استحقاق معرفي ثابت بتصدير منازعاته للصراع المتعامد مع تغييب الوفاق في تعدد واختلاف صور الحقيقة بتبعاتها الدونية في تمكين أدوات الشر من السيطرة على جسور  ومنافذ الحياة..

وقضية الحقيقة اليوم وإن ارتبطت عبر العصور المتلاحقة بتوظيف الدين للألوهة الكونية مرجعية استحقاق إلا أنها لم تكن عبر مراحل التاريخ مجرد قضية هامشية عابرة أو آنية فرضت تداعيات الخوض فيها مشهدية الظروف المترابطة مع معوقات السلام والأمان والاستقرار بقدر ما تؤسس محور الإشكال المعرفي التي ظلت ولا تزال تستنفذ جدليتها أهم القضايا المطلبية في تواصل العصور كضرورة حتمية استقصى فيها الإنسان محاولة استيعاب الدليل المعرفي لمعنى وجوده في الحياة كمفصل رئيس لتقويم سلوكياته وعلاقاته المفترضة بهدف الوصول للمخارج والحلول العملية لمشكلاته المستعصية في تركيبة الواقع..

يتجلى ذلك من واقع المقاربة التاريخية حيث عاش الإنسان منذ بداية وجوده على سطح الأرض  ضرار انعدام الوفاق مع الطبيعة الكونية حالات متصاعدة  بدأً من احتراز المخلوقات التي تشكل تهديداً مستمراً على وجوده إلى الخوف من المجهول إلى الإحباط النفسي إلى تفشي الأوبئة والأمراض بإشكالاتها المترابطة مع اتساع دوائر التخلف والجهل إلى متطلبات مواجهة الأخطار الناجمة عن عوامل البيئة والتضاريس إلى تشابك علاقاته ومتطلباته بالمحيط والتي حاول تشخيصها من خلال التجارب المتدرجة حتى استطاع أن يحتوي بعضها في الحدود الممكنة لاستيعاب عوارض الخلل في تكوينه فيما ظلت تتنامى وتتسع وتأخذ أشكالاً مختلفة من النماء و التطور الموازي لانعكاسات تفاعلاته السالبة والمنحرفة على الإخلال بقوانين الوفاق مع الطبيعة بامتداد روابطه وعلاقاته في الحياة ..

وعلى هذا المنوال ظل تشخيص(الحقيقة)عبر مراحل نمو الوعي البشري وتطور المعرفة مجرد بُعدٍ (غيبي) تتجاذب حوله الأيدولوجيات العقائدية كمسّوغ توظيفي لتطويع  واستلاب العقل البشري وتقييده بالخوف من المجهول في سياق تطبيع أهدافها المنوطة  بتمثيل لاهوت الدين للسلطة الروحية المتعارف عليها في العُرف التقليدي بقاعدة نظام الحكم واحترازه من تأثير الغير في تصدير الخصوصية المعرفية والعرقية مشاريع قدسية للتفرد بالحق للهوية وتجذر اتجاهاتها صيغاً متعددة القراءات والمحاكاة الشوفينية المسندة بتوثيق كل اتجاه لمفهوم العقيدة حقيقة في الاتجاه المتجانس مع تقييد التابعية بقواعد ونواميس الطاعة المفردة بالتسليم والالتزام..

وبين أسوار العقيدة وخلافاتها عاشت الإنسانية عبر مراحل التاريخ متاهة الخوف من المجهول عارض امتداد الإشكال الزمني المسترسل في تعقيد سبل استقرار وجودها في الحياة تتوارث لاهوت الهوية ومنازعاته على هامش احتراز الواقع معادلة ثابتة لانتظام الحياة والتعاطي مع أطياف التدرج المعرفي والسباق الحضاري سفر غيبوبة عبثية متجذرة في انتاج حلبات الصراع المتآكل دون بلوغ الغاية المفترضة..

وحول تفكيك هذه المسألة قل أن تستوقفنا ملابسات الحقيقة والعقيدة أمام عُقدة الإشكال الزمني وأبعاده في استدراك الخلط بين ما أجازته البشرية معرفة تقليدية متبعة وبين الجدوى في تعارض أسانيدها بتوثيق كل طرف لقراءاته حقيقة ثابتة..

فنحن كشعوب قد تلتقي تصوراتنا حول تشخيص معالم التقاليد والأعراف والمظاهر الحضارية كسمات ثقافية تقليدية مختلفة تقبل التمازج والتطور بينما تعودنا في ظل الارتباط بالمحيط أن نسلم بلاهوت الدين وشخوصه كمرجعية ثابتة تعارفنا على استيعاب مفاهيمه ومعتقداته معرفة مقدسة وجوبها الالتزام بطقوسه وشعائره ونواميسه تقليداً متبعاً نتوارثه عن الآباء والأجداد وتتشكل بخصوصيته هويتنا العقائدية على خلاف الأمم والشعوب كمنهج حياة دون قابلية لإعمال العقل فيها من خلال تشخيص واستيعاب معايير صحته من فساده قياساً بتعدد واختلاف مشاريعه المتعارضة وانعكاسات فكره واتجاهاته على واقع الإنسان ومصيره في الحياة..

وفيما ظلت الحقيقة في مسلة الوعي البشري هامشاً مفككاً بانقسام الأديان حول معنى وجود الله وتجذر الفهم في تشابك المعرفة وتعارض اتجاهاتها قل أن تجد بين كل تابعية من يحاول أن يستوعب في معتقداته الخلافية شواهد الاحتمال الافتراضي المتعارض في القراءات والأحكام والمبادئ تجرداً بالقياس والمقارنة بنتاج انعكاساته على الواقع ..

وفي قراءة معطيات الواقع الزمني وتجاربه وانعكاساته المرّحلة في توجيه مصيرنا في الحياة قل أن يستوقفنا النقاش الذاتي حول جوهر القضية في معطياته ونتاجه :

_  ما جدوى المعرفة الخلافية في قراءات الفكر الإنساني للحقيقة ما لم تلتقي قضاياها حول استيعاب إشكالية الواقع وتعقيداته المسترسلة بتضييق سبل الوفاق على الشراكة الإنسانية في الحياة وتغييب الأمان والاستقرار في الوجود الواحد؟

فالدين الذي يؤصل فكره بالمرجعية الإلهية ويؤطر حقيقته نصاً معرفياً قدسياً متباين القراءات والأحكام والمفاهيم المعمدة بتوثيق الأساطير والمعجزات المبهمة والمتناقضة ظل ولايزال عبر مراحل التاريخ يتنازع الوصاية اللاهوتية على الإنسان ومنهج الحياة دون الوصول إلى رؤية يلتقي مع الآخر حول ثوابتها سوى تجزئة الألوهة في الوسائط واستفراغ شيطنتها بتجميد العقل في النص الديني قاعدة لاستلاب النفس في التسليم بتبعيته المفردة  ضلوعاً بتمكين الشر من التربع على عرش الوجود والحياة..

والفلسفة التي التزمت بمنهجية العقل نجدها في الغالب تحيد عن قاعدته الجمعية في سياق تغييب الحقيقة في التصور النسبي كقرينة موازية للإيمان في القناعة المساوية للدين في الارتهان لعقلنة النفس وانطباعاتها المتداخلة دون الوصول إلى الحلول والمعالجات المفترضة..    

وكذلك العلم الذي أحدث تحولاً في متغيرات الواقع والمعرفة باكتشاف منظومة الكون بقوانينه وأبعاده بالإضافة إلى الارتقاء بوسائل الحياة نجده في الاتجاه الآخر يتجاهل القضية الأساس في إشكالية التعايش البشري ونظام الحياة ويتحول إلى وظيفة تحكمها السياسات بمحاذير القوة والصراع في سباق السيطرة ليصبح أداة لفرض القوى المهيمنة على الاقتصاد العالمي للاستغلال الموجه للتفرد والاستحكام بمقدرات الشعوب المستضعفة..

وتلك وإن ارتبطت بفلسفة أنظمة الحكم واتجاهاتها، إلا أن كل مجتمع بروابطه وعلاقاته يظل هو النتاج المستهدف بتفشي هذه الأمراض وتصاعدها بدأ من انحراف السياسات عن تمثيل مسئوليات الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية وتأمين متطلبات العامة في العيش الكريم والأمان والاستقرار إلى تغييب دور النظم المفترضة في الإصلاح والبناء إلى تأسيس مطلب السيطرة على الشعوب الذي جسد بدوره تصاعد الانحرافات المرضية بأشكالها المتدرجة من تضارب المصالح إلى تنامي مظاهر الفساد السياسي إلى بروز الأطماع والاستغلال  واستحواذ القلة المحدودة في كل أمة على مقدرات الحياة إلى اتساع المظالم والقهر إلى تفشي دوائر البطالة والفقر والتخلف والجهل إلى تفكيك الواقع بظروفه وأحداثه ومعوقاته المتشابكة على خط الارتهان للصراع وانعكاساته على تطبيع انعدام المسئولية المشتركة لحماية البيئة وتفشي الأوبئة والأمراض إلى حلول الكوارث الطبيعية وهلم دواليك ..

ولأن طبيعة الإشكال المسترسل في الواقع كان ولا يزال وثيق الصلة بغياب الحقيقة فمقتضى الترابط بينهما شاهده الحصري أن مجمل قضايا المعرفة الإنسانية بخلافاتها ونتاجها الزمني ظلت إشكاليته تدور عبر مراحل التاريخ حول قضية المنهج الأخلاقي المعني بتوجيه انتظام سُبل وعلاقات الحياة ..

وقضية منهج الحياة كمحور رئيس لاستيعاب المشاكل والحلول هو إذا ما استثنينا  انحراف الدين محور القضايا المترابطة بين القمة والقاعدة بدأً من تركيبة النظام الدولي كإطار لتوحيد العلاقات الإنسانية إلى النظم السياسية التي تحكم كل مجتمع إلى منظومة الروابط الاجتماعية المتدرجة إلى بناء الإنسان بالمعرفة المستقيمة كوحدة تكاملية يؤطرها وحدة الجنس النوعي في خارطة الوجود الواحد..

وبواقع أن الغاية المشتركة لانتظام علاقات وروابط التعايش في الحياة ركيزته المبدئية تأسيس قاعدة السلام والأمان في خارطة الوجود فضرورة التمكين تستدعي أن تلتقي البشرية على استيعاب حتمية تفكيك مفاصل وجذور الخلاف والاختلاف العالقة في الوعي المتشظي والتي دانت صكوكها لأوهام الفكر المتجذر في حلبة السباق و الصراع الدموي المتسلسل عبر تحولات العصور كمفترق للشتات الذي استحكمت منهجيته بتغييب العقل وتوجيه إمكاناته لتأصيل كل رؤية بالمسَّلم الثابت ..

وما يعزوا لاستعراض هذه الشواهد أن تغييب الحقيقة ظل عبر مراحل التاريخ يزداد تعقيداً من حلال تجذر المناهج والتصورات المجازة بتصرف الاجتهاد التفاضلي المتعثر بين توظيف الفكر الديني للمصالح التبعية لأدوات الحكم وانكفاء الفلسفة حول جدلية الفكر المادي والعقلي ومن ثم الاحتمال النظري المتباين للعلم دون الوصول إلى ثابت معرفي يحيط بمفاصل الوجود والحياة وتلتقي حوله البشرية على طريق واحد ..

وهو الأمر الذي أصبح ظهور الحقيقة يشكل مطلباً حتمياً لإنهاء عجلة الصراع المتنامي تستقصي مرجعيتها تمكين الإنسان من  استيعاب الدليل الواضح لمعنى وجوده في الحياة كمبدأ ثابت يتلازم مع تقويم بناء الفرد وتوجيه فاعليته وإمكاناته لانتظام روابطه وعلاقاته مع المحيط المتدرج نحو تمثيل وحدة المصالح المتسلسلة في التركيبة البشرية واستحقاقها صلة بتقييد واجباته الأخلاقية بالشراكة المتضامنة للقضاء على منابع الشر وإعادة التوازن للوجود كخيار ثابت وجوبه أن يؤمن الفرد بهويته الإنسانية في توحيد الصف على السلام والأمان والعدالة الرافدة لأنهاء الظلم والاستعباد والعيش الكريم دون الارتهان لمصالح النخب المستفيدة وانحرافاتها الموجهة لتدمير الكوكب الذي يحتضن وجودنا بقوانينه..

كما أن حاجة الإنسانية لاستيعاب ثوابت الحقيقة كقضية ملتبسة في السياق الزمني لا يمكن اختزالها هدفاً معرفياً بحد ذاته لاستمرارية الجدل التفاضلي في توظيف معطياتها مشروعا للتجديد القابل لتمديد متاهة التعدد الخلافي لفرضية القبول والرفض وإنما لكونها بحكم التثبت بصحة اليقين المعرفي هي لاشك تشكل ثورة على الفكر الإنساني بجميع اختلالاته كمنفذ لحتمية العمل على تقويمه وإعادة صياغته بما يتوافق مع تفسير وتصحيح علاقات وروابط الإنسان بالوجود والحياة كركيزة لتحرير العقل من ظلامية الجهل ونزعاته وصولاً لتحقيق الأمان والاستقرار  في الحياة ..

ومقتضى توضيح هذه المسألة أن القضية في إشكالية المعرفة بالحقيقة أن الثابت في الكشف عنها كمنطلق للحل لا يمكن تأسيسه مجرد فلسفة تناظرية لتوطين التناقض منطلقاً عائماً للمعرفة المتجذرة  بمتعارضاتها وخلافاتها الممتدة في حركة التاريخ قياساً بفرضية عقلنة النفس في الفهم المتباين مشروعاً لتثبيت الواقع في تشابك الفكر الإنساني كمعادلة نسبية إضمارها تأصيل الصراع قاعدة ثابته للحياة..

وإنما لكون الحقيقة في مقتضى الضرورة الحتمية لمعالجة إشكالية الحياة هي عقد المعرفة المستقيمة للوفاق ورسالته الروحية والأخلاقية المعنية بنزع فتيل الفتنة وتطويقها بموضوعية توحيد العقل الجمعي وترسيم أطره وقواعده كقضية فاصلة تستوجب  مراجعة الخلل في التركيبة المتجذرة في شواهد العصور والتجارب جسر امتداد المتاهة ..

وليس بالوهم والمن والسلوى استقصي التسليم بفرضية عائمة ولا بدعوى أكذوبة شيطانية أحاول اقتحام المقدسات الدينية وتجريدها من تمثيل المشيئة الإلهية وإنما بلسان اليقين المعرفي الثابت بأسانيده العلمية في (نبوءة العقل) وكشوفها الكاملة أضع الدليل في متناول العقل والعلم والدين شاهد ثبوت وتبيان حجة لها في تمكين الحق وجوب الفصل بين المعرفة المستقيمة والمنحرفة دليل رحمة الرب بالإنسان وخلاصه ..

فما أنا إلا فرد من أمة مسلوبة الإرادة والمصير عاشت ولا زالت تعيش رهان الفتنة والصراع الأعمى كغيرها من الأمم التي استحكم  بها طوفان الجهل سِفرُ فرقة وشتات وتناحر ممتد تسوس ظلاميته صكوك الوهم المتعثر في لاهوت التاريخ ومشاريعه العبثية بروح الإنسان لغو بوهيمية عدمية تدور في سديم المجهول بحثاً عن الخلاص من الشر في الشر والارتهان لمتاهة الغيب والتسليم الأعمى لقداسة الموروث وشخوصه ..

 وما كان لي أن أقتحم قدسية الدين والخوض في  جدليته ومنازعاته  لولا أني وجدت الإله في كل عقيدة معبود متناقض يتنازع الوصاية على وجوده شخصنة المبلغين بالقداسة المنزهة عن الجهل والشر بدائل صنمية تسوس توظيفه جلاداً يرسم خط الحياة والإنسان بظلاميته وهم استحقاق تبعي يقوض قيم التعايش وأخلاقياتها وينسخ لاهوت شيطنته سطر الغواية في انحراف الإنسان وغوغائيته طوق غيبوبة متشابكة حول التفرد باحتواء الحق والتي بلغ فصامها في تفكيك الوعي البشري حد السقوط إلى حضيض الحياة..                

ولأن الغاية في مسلك البحث عن الحقيقة يقف مشروعها الأساس بين  محاولة استيعاب الإنسان لعلاقاته الوفاقية مع الوجود والخالق في منهج الحياة وبين الكشف عن لغز الوجود .. فقد حملني ذلك على الغور في أعماق النفس البشرية لسنوات طويلة بحثاً عن الحقيقة في كوامن الوعي والمعرفة ..

فإذا الحقيقة تتجلى واضحة في صورة الفكر ماهية البناء وطاقة التشكل بالكيان العاقل نطاق الوعي  المحدود بنتاج الكسب وتقييده لحركة التفاعل الباطن معرفة وسلوك ..

وصراع الذات في تركيبة الوعي فكر متشابك بين الحاجة والقدرة والإرادة والعجز والحق والباطل والاستحقاق والواجب والأمان والخوف والمعرفة والجهل والقوة والضعف والحب والكراهية والتسامح والانتقام والصدق والكذب والخير والشر في معضلة التفرد بالسيطرة على مقدرات الحياة ..

وبين جسور التاريخ بحثت عن تفسير للشر المتناسل في سجل العصور والأجيال المتعاقبة وشواهده المسترسلة في ملاحم الدم والنزيف المتواصل لهمجية الصراع المروي بثقافة الغاب وانحسار تطلعاته وأهدافه بين مشاريع التوسع والامتداد وسباق السيطرة على مقدرات الشعوب المستضعفة تحت مسميات الحق التاريخي أو الديني ومن ثم الاستعمار التقليدي مروراً بالتحولات الزمنية لموازين القوة ودوافع الإرث المتناسل في نزعات النفس الحيوانية للحقد المتجدد مع كل عصر .

بحثت عن مفهوم الحياة وقواعدها الأخلاقية في شتات المعرفة ومعتقدات الدين ورسالة العلم وثقافات الشعوب والأمم المختلفة وفي كل صورة ومعنىً وعقل ولسان وفي ثوابت الخير ومتغيرات الشر في خصخصة وتحريف موازين الحق والعدل والحرية والأمان والسلام والاستقرار فلم أجد لها عنوان..

وكانت المقاربة التي استحوذت على تفكيري  تقف بين تناقضات الواقع  والقيود والواجز التي تحكم طبيعته وجدلياته وبين صكوك المعرفة وقانون السماء العادل والإرادة التي استحكمت بامتداد عجلة الشر في الحياة  وقدرت مجريات الوقائع والأحداث في الأرض عبر حركة التاريخ  وتحولاته..

فإن كان ثمة وجود لآلهة كونية تحكم قدرتها نظام الوجود والحياة !! فأين الحقيقة بين شتات المعرفة وتشابك الفكر الديني المتعدد بخلافاته ونزعاته المتصارعة حول توظيف الحق لاستحقاق التبعية لوسائط كل دين ؟

وهل الأمر في تقدير الوصاية على وجوده يعود على مشيئته في تعميد الصراع والسباق التبشيري قاعدة إلهية لتأسيس الغلبة في تمثيل الوصاية على وجوده ! ؟ 

أم قاعدة شيطانية استحكم بها تغييبه في الوسائط والطقوس والنواميس طوق فتنة ممتدة شاهدها الجهل والغواية في توظيفه !؟ 

أم أن حقيقته عدمية لاوجود لها استوعبها الأذكياء مشاريع سلطوية للإدانة والتطويع الموجه بصكوك الترغيب والترهيب ولها في معادلة الحق والاستحقاق فرضية أخرى دليلها وعقلها الواقع والصيرورة في معتقدات البشر! ؟..

ومن مرآة العقل رأيت الفكر بنيان الوجود والإنسان  والحياة ولسان حال الخلل في تركيبة الواقع بانحرافاته حضوراً وتمكين .. 

ورأيت العقل قاعدة العلم والمعرفة ولسان حال القدرة على الخلق والبناء  المضمر بتجسيد قيم الخير لروحانية القدرة الإلهية الخالقة كقوانين وفاقيه لها في تعزيز موازين التخلق بتوافقاتها صفة الارتباط الموجه للتفاعل والأداء بنظامه المحكم في التصرف المنضبط على الثبات  والتمكين..

ورأيت وجه الشيطان ضالة الأنا في مراتع الغواية يتربع على عرش الفكر المتشابك بانحرافاته يسوس بظلاميته طوفان الشر المتجذر بعقلنة المصالح للتفكك والصراع قاعدة لتمدد واتساع شبكة الأطماع  والتطلعات العمياء للاستحواذ مسلكاً لهدم علاقات وروابط الحياة..

 ورأيت الإنسانية الواحدة لسان حالها الهوية المتجذرة في مشهد الافتراق السلالي والعرقي والعقائدي  والسياسي والطائفي والكنائسي والمذهبي تسوسها بيادق المصالح المتعالية بنزعات الطموح الأعمى بفرضية  امتهان العقل واستلاب أرادته مفترقاً لتمكين أدوات الشر من فرض السيطرة على مقدرات الوجود والحياة..

والحياة طريق وغاية نهايتها مصير محتوم بالموت وبينهما رحلة أبديه شاهدها الحراك الزمني في التعاطي مع حركة الوجود قاعدة اختبار وخيار دنيوي في التخلق بمقاصد الخير أو الشر عقد بناء الذات في صياغة القدرة على التمكين من استحقاق الأمان في الحياة بامتداد السعادة فيما بعد الحياة أو العكس في العذاب والشقاء كنتاج للكسب..

ورأيت وجه الشبه في اختلال البنية الواحدة كمثل الجسد الواحد إذا ما اختل جزءاً من أعضائه أو انحرف عن طبيعة تكوينه وأدائه انحرفت موازين بنيانه وتلاشى وجوده في مخاض الألم والخوف من المجهول سفر غيبوبة سلسالها الوهم في اضطراب الوعي شبه سديم أعمى يتخبط حول مفترق الخلاص..  

وما زاد إيماني رسوخاً بتحمل مشقة العناء والغور في متاهة البحث عن الحقيقة أني وجدت الجهل لاهوت الشيطان يزغ بوسواسه عقول البسطاء ليبث في عقولهم سبط غوايته على لسان الرب عرف توظيف وجوده طوق عبودية قدسية وسباق احتواء أعمى ضالته شيطنة الحق في الترهيب والترغيب قاعدة لتعطيل معنى وجود الإنسان في الحياة باستحقاقه المبهم في عالم الغيب ..

ورأيت كهنوت الدين يبيع صكوك الرحمة والغفران في كل منبر تجارة رخيصة سلسالها الترهيب والترغيب وجرابها استلاب العقل بالوهم والرجاء والخوف من الجزاء ومشيئة الرب ميزان العرض والطلب في سوق النخاسة والبغاء  ..

ووجدت بيادق الفتنة في أمتي يتنازعون الملك خلافة وولاية يتقمصون ثوب العصمة عُرف استحقاق المذهب والسلالة ويتاجرون بالأعِراض والدماء والأوطان  فرض جباية وولاء يعمهون في رهان المصالح والطموح طاغوت أعمى ويرقصون على أشلاء الشعوب والضحايا لهواً عبثياً ينهلون من فيئ تمزيقها وتسخيرها ينابيع الدم سكراً يتمارى في كؤوسهم بيارق المجد والانتصارات الرخيصة على الأطلال..

ورأيت العدوانية والكراهية والحقد سفينة الخلاص في عقول العامة والبسطاء وسيف الله المنتظر في ساحة الانتقام والإبادة والفقر مقصلة الكرامة والإباء والحق سوط الجلاد والعدل ميزان القوة والبغي والأخ يقتل أخاه ويكفر أمه وأباه ومسخ الإرهاب لقيط أعمى يذبح السكينة والأمان على رصيف الحياة قربانا وجهاداً في سبيل الإله العاجز والشيطان يتربع عرش الوجود ممسكاً بزمام الحياة بسطوة وجبروت والعقول تائهة تذوي بين مرابعه تستجدي منه الكنان من طوفانه في تراتيل السجود والابتهال بالدعاء إلى الله ..

ورأيت سدنة القبلة في أمتي قرائن الشيطان وطغيانه يبددون مقدرات الأمة في الفتن والصراع وقتل أخوة الجنس والعقيدة يستوحون من خصاصته رخص الطوية وينسخون من الملة ألف ملة كوسيلة للسيطرة  والبقاء والمال لسان عزوتهم في شراء الذمم لقتل شعوب زانوا في عجزهم روح الضحية المسلوبة في تجذر الانقسام والولاء ..

ورأيت الفساد في الأرض عزوة السياسات والأطماع ولسان حال المصالح المتعارضة حول خصخصة الحرابة وبرجماتية الاستغلال وموازين القوة فلسفة التمكين .. من وحي شياطينها يرضع الحكام والمتنفذين في الشعوب المتخلفة من نزيف القهر رشفات الظمأ شرع جباية واستحقاق مشروع على أرصفته تمتثل الشعوب لثقافة الارتهان والخنوع..

ووجدت سفينة العلم بيدق الاستغلال والقوة وخطر الإبادة والفناء تقوده نزعات الاستعمار التقليدي للتطلع بالتفرد والسيطرة على مقدرات الشعوب المستضعفة ريع فتنة ممتدة ومتاجرة بالسلاح والدم الرخيص مسلكاً لصناعة الحروب وإنتاج وسائله وأدواته..

 ورأيت سباق التسلح قارعة الختام الموبوء بهمجية الإنسان في رسم خارطة النهاية على بساط الوجود أشبه بفوهة بركان ودخان تتعالى أصداء هزيعه لحظة الانفجار..

ورأيت الله في الظلمة الحالكة طيفُ طائرٍ جريح يروي في ساحة القهر أنين المستضعفين في الأرض سلسال الدماء وينفض عن جناحيه حزن المشقة والعناء حديث النهاية قصة مأساة الإنسان منذ البداية ألف رواية ورواية من سطور الخطيئة في ملهاة الجنوح بالغواية..

فكان ذلك هو بيد انكفائي على الذات لسنوات طويله للبحث عن مفاصل المعضلة والحل في متغيرات الحقيقة وثوابها المتداخلة في تشابك الواقع وانحرافاته المتأصلة في طبيعة النفس البشرية لعلي أجد في شواطئها منفذاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإصلاح ما ألقت به عواهن الفكر والمصالح في غيبوبة الإنسان  ..            

ولأن جوهر الإشكال في تركيبة الواقع وقفت معضلته بين متغيرات تشخيص البعد الخلفي لما وراء خلق الوجود وتكوينه وبين محاولة احتواء مرجعيته قاعدة منهجية للحياة فقد ارتكزت منهجيتي في البحث بداية على دراسة ومقارنة الفكر العقائدي والسياسي منذ بداية النشأة مروراً بتحولات العصور وصولاً لاستنتاج وتحديد أصل المشكلة التي أنتجت مفترق التعدد الخلافي كقاعدة لاهوتية متناقضة بين التسليم بوجود آلهة كونية وبين اختلاف تصنيفه وتوظيفه لها مشروعية احتواء متشابك وقفت إشكاليته بين محاولة التفرد بالوصاية على تمثيل وجوده قاعدة للإدانة والتسليم وبين تغييبه في الوسائط(النصوص والمبلغين بها) مشاريع دونية متعارضة حول استحقاق التفرد بحاكمية الوجود ..



الصفحة التالية