نبوءة العقل

نبوءة العقل

الحقيقة الكاملة

 

كثيراً ما تمر بنا لحظات عارضة من الـتأمل ومحاولة البحث عن تفسير لحقيقة الوجود وتعدد واختلاف مظاهر تكوينه وكيفية انتظام قوانينه في تمثيل الحركة والنشاط وقد يحيط بنا الذهول والاستغراب حول العديد من مسائله المستعصية على الإدراك غير أننا قل أن نعمل العقل في محاولة فهم طبيعة تكوينه كمنظومة مادية مجردة للوعي الذهني والحسي  بدلالتها المعقولة والمحسوسة قرينة منعكسة في مرآة الوعي بصيغتها الفيزيائية  فكر قراءاتها كصلة وصل بين الإنسان والوجود  ..

وهنالك لحظات من التأمل قد تستوقفنا أحياناً أمام تساؤلات افتراضية لها في مقتضى الضرورة ما يستوجب المعرفة بعلة وجودنا واستيعاب التناقضات التي تحيط بواقعنا كالبحث عن تفسير لمعنى الحياة واختلال موازين العدالة الكونية واختلاف السمات والقدرات البشرية  ؟ غير أن  قصور الإدراك عن فهم معادلاتها في تكويننا غالباً ما يستثني الضرورة المعرفية بالارتهان لعفوية اللامبالاة والتسليم بالغيب فنسقطها على المشيئة الإلهية لنعيش الحياة تجربة عشوائية دون قراءة لمحاذير المعرفة التي نتشكل بمقاصدها ودلالاتها وبنتاجها  يصبح وجودنا محكوماً بموازين معطياتها قدرة وتمكين   ..

وبين متاهة الأحداث والظروف والأزمات تعودنا  أن نخوض معترك الجدل في قضايا السياسة والاقتصاد والدين والتاريخ وجميع العلوم والمعارف بما في ذلك قضايا ومعضلات الحياة بحثاً عن المعالجات الآنية وكثيراً ما نجد أنفسنا عالقين في مشاريع الخلاف وتعارض الاتجاهات الفكرية كنتاج طبيعي للتشكل بعشوائية المعرفة المتداخلة  أو التأثر بمعطيات التجارب الزمنية المقيدة بموروث الهوية الدينية أو الجغرافوسياسية أو الثقافية بجمودها وتحولاتها الهامشية دون ملامسة الجدوى المرحلية لانعكاسات الخطأ والصواب على حياتنا وواقعنا واستيعابها من ماهية المعرفة واختلالها في تشكيل وعينا المتناقض..

وكنتاج لتشابك القضايا في وعينا قد تمر بنا لحظات من الشتات الذهني المغلف بعفوية العماء منها على سبيل المثال أن نُعمل جهدنا في البحث عن أشياء تكون في متناول أيدينا  أو معلومة سبق وأن دونتها الذاكرة وتلاشت في غيبوبة النسيان فنعيش حالة من الاضطراب والقلق والتفكير حتى يستعيدها الحوار الباطن أو ما يمكن  أن نطلق عليه بالباحث التلقائي في اللاوعي من أفق التذكر أو الإلهام..

 وعلى غرار المعنى فقد وقفت بي السبل مراراً وتكراراً  أمام مسألة المعرفة الخلافية وتشابكاتها في محاولة البحث عن معيار ثابت للحقيقة الكاملة يتخطى السائد في متاهة الواقع بيد أن مساحة التداخل المعرفي في الذهنية المتناقضة كادت أن تحصر شتات الوعي والتفكير  في حدود التسليم بالواقع وفرضياته ..

 ولأن للمعرفة حضور ها في اللاوعي فعلى حين غِرة  وبينما كان تفكيري يخوض عملية التأمل والبحث عن شواهد متفرعة لقضايا الحقيقة  تبادر إلى ذهني همس الخاطر وهو يخاطبني بلسان الإلهام(الحقيقة فيك ماهية وعيك وسر حضورك في الوجود معرفة وتمكين) ..

وبرغم أن بديهيتي القاصرة لم تستوعب حينها المعنى المقصود بتلقائيته المنطوقة بتضمين ماهية الوعي، إلا أنه شكل مفتاح القضية في تحليل وتوجيه مسار البحث عن لغز الحقيقة من تكوين الإنسان المعرفي وصولاً للتحقق باليقين ..

وباعتبار جذر المعضلة الزمنية وقفت إشكاليته عند شتات المعرفة الخلافية فقد غاب عن العقل المتشظي في التركيبة الخلافية بقيودها دليل استيعاب الحقيقة من ماهية المعقول والمحسوس الكوني في تكويننا كتجريد(للفكر)بوصفه محور المعرفة في بنيان الوعي الذهني والحسي وجسر العلاقة الارتباطية بين الإنسان والوجود..

لذلك حين نبحث في عمق الإشكال النظري للحقيقة الغائبة نجد أن مجمل قضايا الوجود والحياة بما في ذلك موسوعة العلوم والمعارف والتجارب والمشكلات المتجذرة في طبيعة الواقع تلتقي جسورها عند طبيعة(الفكر) حضورٌ  وتوظيف، فضلاً عن توثيق ماهيته المركبة لبنية تكوين الإنسان بسياقاتها المتدرجة بين النفس والروح والعقل كحلقة امتداد للتشكل بالمتطلبات والمقاصد والقواعد الوفاقية بدلالاتها الارتباطية بالوجود سمات أخلاقية وسلوك وتفاعل هو نطاق انعكاس الأثر والتأثير في تمثيل علاقته بالمحيط وشاهد أدائه وتمكينه..

وقضية الفكر كعلة ثابتة للحقيقة هي قضية القاعدة المعرفية لمنظومة العلاقات والروابط الكونية والتي شكلت معضلة الغموض في استيعابها كوحدة جوهرية مترابطة بين الإنسان والوجود مفترق التوظيف الخلافي المتباين فيما وقف الإشكال عارضاً بين انحراف الإنسان عن تمثيل وحدة كيانه كحلقة امتداد لطبيعة الوجود المركب بتسلسل قوانينه وبين اختزال مفارقات التكوين المتناقض قاعدة لاختلاف وتعدد تصوراته النظرية لها حقيقة  ..

ولو تأمل الإنسان بطبيعة الفكر في منظومة تكوينه لوجد نفسه محكوماً بطاقات مفاهيمه ودلالاته بالإضافة إلى كونه يختزل معادلة البناء المتدرج في تصفيف مقاصده للتركيبة الثلاثية (العقل والنفس والروح)..

فهو في كيان الإنسان لسان حال منظومة الوجود والحياة بمقاصدها وقواعدها وعلاقاتها وتعاملاتها المجسدة بطاقة الحركة والنشاط الباطن والظاهر وتفاعلاته الموجهة لطبيعة السلوك والتفاعل وعقد التواصل مع المحيط ..

وهو الإله الافتراضي بمنطق فهمنا لقيمه ودلالاته الروحية المجردة بتمثيل أحكام وضوابط الوفاق وقواعده المستقيمة على ثوابت الخير في بناء الوجود وتوجيه حياة ومصير الإنسان وأقداره ..

وهو فينا لسان حال معرفتنا بالدين والمنهج والدولة والنظام والمعارف والعلوم والثقافات واللغات ومجمل قضايا الوجود والحياة المترابطة في تشكيل منظومة العلاقات الأخلاقية وقيمها وأحكامها وقواعدها وضوابطها وتعاملاتها في الحياة ..

وهو الشيطان المسيطر والمتصرف بتوجيه إرادة النفس للانقياد للجهل والشر صلة بتمثيل الفكرة الأعلى تراتباً وحضور كالمال أو السلطة أو التطلع والغرور والنزعة الذاتية الموجهة للتفاعل المنحرف بالتعاطي المتجرد بتمثيل الأنا لجدوى الكسب في ميزان الاستحقاق..

لذلك فنحن نختزل الوجود في عقولنا (أفكاراً) مركبة عن دلالات معارفه ومسوغاته تعكسها المدارك الذهنية والحسية في وعينا(صوراً وسمات وأبعاد وأشكال ومظاهر وظواهر وأحجام وألوان ونشاط)يترجمها البرنامج اللغوي المخزون في ذاكرتنا عن معانيها مفاهيم وقراءات وتجارب وأحداث  وشواهد ومقاصد وروابط وعلاقات وأحكام وقوانين وضوابط نتشكل بطبيعتها قاعدة بناء ومنهج حياة ..

كما نستقي مفهوم الألوهة من موروث العقائد الزمنية (فكرة) استوحاها الإنسان القديم من تأملاته للوجود والخلق روح القدرة والتصرف بتوجيه حياته ومصيره واستخلص في تقدير مشيئتها من وعي الخوف من المجهول حكم ارتهان النفس لمطلب الوفاق والخضوع في التواكل والتسليم بتقييد الصلة بالملك والعبودية في مسلك الإدانة دليل امتثال لطاعته على قاعدة للتراضي وكان حكم امتداد التعاطي مع تناقضاتها تقييد مسلمات وجودها فينا لاهوتا يحكم قيادنا بنسبة ما اختزلت عقولنا عنه من دلالات الارتباط بالدين عقد التزام ثابت .. 

وبناء على ذلك فنحن نستقي مفهوم الدين(فكرة) نمطية استخلصها الإنسان القديم من موروث المعتقدات القديمة عن علاقته بالكون والخالق رؤية منهجية للحياة اقترنت بمنظومة الحكم ومقاصده في السيطرة على المجتمع وفقاً لمرجعية الآلهة المنظورة باختلاف وتعدد قراءاتها وتوظيفه لها إطاراً (رمزياً) أو صورياً لتطبيع الطاعات مفترقاً لاهوتياً للإدانة الشرطية في الإيمان والتسليم بمعتقداتها وجوب احتراز الخوف من المصير المجهول في الرجاء والتواكل وسيلة لتقييد النفس بمقاصد وأحكام التبعية لكل  دين..

وبرغم أن غالبية الأديان تلتقي حول وجود آلهة كونية واحدة إلا أنهاغالباً ما ترتهن لقضايا الخلاف المنقسم حول تفسير الدلالات من واقع التشكل(بمعطيات الفكر) العقائدي وقراءاته كتابعية منقسمة وراء الدعاة تقودنا الأهواء والانطباعات والنزعات والقناعات بحكم سيطرة المفاهيم الدينية على عقولنا وتوجيهها برسم الحدود والقيود مفترقاً للخلاف والصراع حول توظيفه لاستحقاق كل دين..

وحين نختلف كتابعية قل أن تستدرك فصام الوعي الديني وخلافاته من تجزئة الإله الواحد واستيعاب حقيقة وجوده من وعي قيمه ودلالاتها الوفاقية في جدوى توحيده مسلكاً للتخلق الروحي بمقاصد الألوهة واتجاهاته المستقيمة كقاعدة كونية تتنافى مع سُبل الارتهان للضدية المتناقضة وانعكاساتها السالبة على توجيه علاقاتنا الارتباطية بالوجود والحياة..

وعلة الفهم أن فكرة(الإله)وغيرها من المفاهيم التي تحكم علاقاتنا بمضامينها المعرفية هي في التوصيف العام لجوهر المعنى عقل معارفها وحكم الوفاق عليها هو ما يؤسس ثبوت الإجماع على تأصيل أحكام وجوده حقيقة  ثابتة وعلى العكس حين نختلف حول تأصيل القاعدة على الافتراق تصبح تلك الحقيقة مجرد وسيلة أو أكذوبة منحرفة مسوغها محاولة التفرد بتوظيف الغاية من تمثيل وجوده مشروعية استحقاق .

كما يؤسس الفكر منظومة الحياة المتصلة بتشكيل وعينا وسلوكنا بمفاهيم وروابط علاقاتنا بالوجود والحياة في مسلة المقاصد والغايات التي يتشكل بها الفرد في عارض التطبع النفسي بالرغبات والدوافع كفكرة المال والسلطة والتطلعات المرتبطة بالتجربة الخاصة والمطالب الضرورية للأمان والاستقرار المعيشي وغيرها من الأفكار التي تستحوذ على توجيه الإرادة وتسوس اتجاهات وسلوك الإنسان بوعيها حضوراً وتفاعل..

 وكما يؤسس الفكر مجمل قضايا الوجود والحياة فهو أيضاً في بنية تكوين الإنسان  شبيه القاعدة الخلفية لمنظومة الوجود في صياغة فيزياء البناء لخارطة العقل عالم موازي يتشكل بمضماره الوعي الذهني والحسي بما يمكن تضليله بالنطاق الافتراضي للاتصال والتواصل..

وللفكر في طبيعة الإشكال الزمني جذوره العميقة والممتدة عبر حركة التاريخ  وتجاربه المتعثرة عن فهم ومعالجة قضايا الوجود والحياة حضوراً تمثله الإنسان في التعاطي مع عشوائية المعرفة وتوظيفها المتباين صلة بتمحور الافتراضات النظرية بين معضلتي التناقض والغموض العارض في كمون لغز الوجود وأسراره الماورائية كإشكالية ممتدة استحكمت خلافاتها  بتوسيع  وتجذر  أسوار المتاهة دون الوصول إلى نتيجة يلتقي حول ثوابتها  الجميع  ..

وباعتبار جميع قضايا الفكر بميادينه المختلفة وإشكالاته المتعثرة  تلتقي مقاصدة المحوريةعند تشخيص معنى وجود الإنسان كقيمة روحية متصلة بحركة الوجود في استيعاب روابطه وعلاقاته لقاعدة الوفاق مع طبيعة الحياة فتلك في تشخيصنا لثوابت الحقيقة ومتغيراتها في الفكر المتناقض تستخلص قراءة وتحديد موضوعية الإشكال في محورين :

الأول : الفكر الثابت بتعميم الوفاق لوحدة والتقاء البشرية على تجسيد معطياته لمقاصد الخير في القيمة الأسمى لمعنى وجود الله كقاعدة كونية لبناء الوجود تتفرع عنه الصفات والأفعال المجردة بالقيم والأخلاق والفضائل المعنية بتمثيل انتظام سُبل التعايش في الحياة بدلالاتها المعرفية الثابتة بترجيح مقاصدها لقاعدة العقل الجمعي مرجعية لاستيعاب توافقات الشراكة  المنضبطة في الحياة ..

الثاني: الفكر المنحرف عن قاعدة الثبات كمتغير ارتبط بعقلنة النفس للفهم المتباين قرائن شخصت مفارقات الوعي المتناقض واستحكمت تداخلاته المتشابكة بتجسيد حواجز الغموض لمعضلة استيعاب خلفية الوجود بقضاياه وألغازه المستعصية والتي أرست بدورها تضييق سبل المعرفة على قاعدة الاحتمال النظري والتوظيف المفرغ بتداعيات أسبابه وأهدافه..

وهاتين القضيتين حين نستقصي تفكيك معضلاتها غالباً ما نجدها مترابطة مع الجذور العقائدية والفكرية التي شكلت طبيعة النفس البشرية بظروف وعوامل الارتباط بثقافة المحيط المسترسل في تصدير الموروث للأجيال فيما ظلت عبرمراحل التاريخ وتحولاته المتدرجة في التطور الحضاري والنماء تتأرجح بين إشكالية فهم طبيعة تكوين العقل وآليته المعنية باستيعاب المعرفة والتي فرضت عقدتيهما تمحور الفكر البشري في نطاق الانقسام والخلاف المتجذر بتبعاته في الاتجاه المتوازي مع تغييب القاعدة الوفاقية في الاحتواء المتجانس باستفراغ التباين المعرفي في الحقيقة النسبية كمنظور افتراضي لشرعنة التناقض قاعدة كونية ثابتة..

وفي ضوء ذلك يصبح الشاهد في ترابط العقل بالمعرفة منظور بتوثيق إشكالية الفكر لمجمل قضايا الوجود والحياة  وعنها نستوفي دراسة وتحليل مقاصده في تراتب مصفوفة الحقيقة الواحدة..


الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق