نبوءة العقل

نبوءة العقل

منظومة تكوين الفكر

 

الفكر حركة التاريخ ولاهوته ومعارفه وعلومه وتجاربه وأنظمته وسياساته وقضاياه وأحداثه ومناهجه وخلافاته وصراعاته .. فأنت والعالم من حولك والوجود والحياة والخير والشر والإله والشيطان في عقلك أفكاراً.. سمها ما شئت ، لكن وجودها فيك هو سر وجودك ولسان حالك في الزمكان حضوراً وتأثير.. وهو أنت وعي نشاطك في عالم الحركة والصيرورة .. وأنت  هو مظهر تجسيده في عالم  الكينونة..

وحين تستحضره خواطرك وتأملاتك تكون مقيداً بما اختزل وعيك عن قضاياه من مفاهيم ودلالات ومقاصد صاغت وجودها فيك تفاعلاً وتمكين .. وحين تراه خارج عالمك حقائق ملموسة فأنت تراه بعين استيعابك لتراكماته الذهنية في وعيك تجسيداً حسياً ومنظومة  بناء..

______________________________________________________________ وفي مقولة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت(أنا أفكر إذاً أنا موجود) ما يلخص أنطولوجيا العقل في المعرفة بالوجود كمفهوم موسوعي تترجم موضوعاته صلة الفكر بحقيقة الإنسان قرينة استدلالية على تجسيد حضوره في الواقع وهي بالمفهوم القياسي ترمز إلى جوهر الإنسان الروحي باعتبار العلة في تحقق وجوده هو الكيان الفكري كمحور ارتكاز للوعي والتأثير الزمني وله صلة التوثيق بالخلود الأزلي للروح الموازي للتجسيد الظاهر للصورة الجسمانية بطبيعتها الماهوية القابلة للتلاشي والفناء ..

وبين مخاض الحياة وإشكالياتها المعقدة كثيراً ما تنزع بنا الخواطر والتأملات للولوج بين تضاريس الفكر وقضاياه العائمة في متاهة الظروف والأحداث وتعقيداتها وتحكمنا ضرورة البحث على الغور في شتات المعارف الزمنية والتجارب وإرهاصاتها المتشابكة في تجاذب الآراء وتعدد الاحتمالات النظرية لها وقل أن نعمل عقولنا في التحقق من ملابسات الفكر وتناقضاته وانحرافاته وخلافاته وقصوره وانعكاساته على حياتنا الخاصة وواقعنا بالقياس والمقارنة وتحليل أوجه الكمال والنقص والصدق والكذب والخطأ والصواب باتجاه محاولة فهم وتفكيك مواطن الخلل واللبس لاستدراك المعالجات الصحيحة  في جدوى تقرير سُبل الانتظام ..

وفي سياق المعالجات النظرية للفكر غالباً ما تبرز أمامنا العديد من الاطروحات المعرفية المتشابكة بين جدلية الشك واليقين في تجاذبات الخلاف وفرضياته الاحتمالية المتضاربة حول تقرير مصيرنا في  الحياة !! وبين تناقضاتها غالباً ما نجد أنفسنا مكبلين بقيود الموروث الثقافي والمعرفي والفهم المسبق وعي امتداد السباق التفاضلي المتعارض، بل وكثيراً ما ننساق وراء المؤثرات النفسية لانطباعاتنا فنحتكم لعفوية الارتهان في توظيف المنطق الدغمائي والتسطيح النظري للمفاهيم الزمنية بتمثل القناعات لردود الأفعال العدوانية نحو الرأي المخالف.. 

وموضوع الفكر شامل جامع لقضايا الوجود والحياة ففي معادلاته قواعد البناء والهدم والتطور والتخلف ومفارقات التشكل الثقافي والمعرفي والأخلاقي المتناقض وهو ساحة الأحداث والتجارب وروح التفاعل وعقل الحراك الزمني والمكاني  وجسر التواصل بين الشعوب والأجيال ..

ولذلك فنحن نستقي الموروث عُرف امتداد الزمن في تشكيل وعينا فنؤمن بالأوهام والأساطير والخرافات مثلما نؤمن بالحقائق الملموسة ونحتكم لمعطيات التناقض والتجريد الغيبي عقيدة مزدوجة مع مسلمات العلم وكشوفه وكثيرا ما نستلهم التجارب الخاطئة بانعكاساتها السالبة على حياتنا دون مراجعة أو تمييز ..

وتلك هي مرجعية الفكر في تشكيل وعينا كمحور ارتكاز لتوثيق المعرفة التقليدية لقيود الالتزام وفي حاجتنا لفهم ثوابته ومتغيراته حد الفصل بين تفكيك عُقدِه ومعضلاته واستيعاب روافده المعنية بتجسيد الغاية من وجودنا في الحياة بالتلازم مع استشعار مواطن الخلل في تعارضاته وانحراف مساراته التي شكلت عائق الانتظام مع الوجود ووقفت حائلاً بين الإنسان واستقرار وجوده .. 

من هنا تتصدر اتجاهات الفكر بمختلف قضاياه وميادينه وأدواره عائق الامتداد الزمني لعدم انتظام الحياة وراس الإشكال المتجذر في تشكيل الوعي البشري وانحراف أهدافه كمعضلة تراكمية للتفكك والانقسام المتشابك بتمثيل الخصوصية المعرفية للخلاف والاختلاف مفترقاً للصراع  المتعذر بامتراء الحق مشروعية للتفرد بالاستحقاق ..

وموضوعنا في تشريح الفكر يرتكز من حيث المبدأ على وضع اللبنة الأساس لدراسة وتقييم ثوابته ومتغيراته كمعادلة كونية لمنظومة البناء ومصفوفة معرفية متسلسلة في التدرج والبناء ركيزتها في معادلة الانتظام قواعد وقوانين ومعادلات تحققت بالوفاق التناسبي لتخلق الممكنات مظاهر وظواهر وعلاقات ومقاصد وغايات انحرف بها الوعي البشري في صياغة فكر واقعه خارج سياق الوفاق نتاجاً مضطرباً أرسى قاعدة التعايش على انعدام التوازن والثبات..

من هذا المنطلق خلصت الضرورة المعرفية إلى حتمية الخوض في دراسة وتشريح قضايا الحقيقة في فلسفة الفكر من خصائص العلاقة المترابطة بين حقائق الوجود(الله والكون والحياة والإنسان) واستخلاص تحديد مفاصل الإشكال النظري في ستة محاور  :

1- ماهية وخصائص الفكر

2 - أسرار الفكر

3 - الثابت والمتغير في الفكر 

4- الخطأ والصواب في  الفكر وموازينه

5- قوانين  الفكر 

6- مناهج الفكر واتجاهاته

أولاً: ماهية الفكر وخصائص تكوينه

قد يكون من السائد أو المتعارف عليه بين الأوساط المعرفية أن ترتبط دلالة الفكربالنتاج الاستقرائي للعقل البشري تضليلاً بحصره على خاصية التفكير في تصوراته الذهنية للمشكلات والحلول في دراسة ومعالجة القضايا،  بيد أن لطبيعة المفهوم أبعاد أخرى تتجاوز التشخيص الظاهر إلى استيعاب ماهية وخصائص العلاقة الارتباطية بمنظومة التكوين.. 

فبالنظر لكونه محور التصورات الذهنية للقضايا فللدلالة مناط الاقتران بخصائص المعرفة كقاعدة بناء لطبيعة التكوين المساوي لتقويم حضور الإدراك الواعي قرينة متصلة بتجسيد مخزون الفكر لانعكاس حركة ونشاط الوجود..

من هنا يشكل الفكر في تكوين الإنسان طاقة الحركة والنشاط المقترن بتجسيد الوعي الذهني والحسي لمستوى القدرة على التواصل والتفاعل في تمثيل علاقاته الارتباطية لقاعدة امتداد حضوره في الوجود.

ووفقاً لذلك يختزل مفهوم الفكر ماهية الطاقة(الروحية) لكل ظاهره معقولة أو محسوسة أو رؤية نظرية أو فلسفية أو قراءة معرفية أو عقائدية أو ظاهرة ثقافية من حيث التأثير المباشر والموجه وانعكاساته على الإنسان والواقع ..

كما أن لدلالاته المعنوية في توثيق الإنسان لميادينه وقضاياه مرتكزات ومبادئ وأهداف ومنطلقات هي عماد توافقاته ونطاق قدرته على التأثير والانتشار..

وفي الدلالة البنيوية تختزل ماهيته صفة النشاط العقلي (للمعرفة بالوجود)الموازية لاختزال الذاكرة (لحركة التاريخ) مجملة بتوثيق الوعي البشري للأحداث والتجارب والقوانين والتفاعلات والمعاملات بمجمل قضاياها المتشابكة كنتاج زمني لتحلل مفاهيم وعلاقات الحياة واتساع ميادينها في توصيف مقاصد وروابط الإنسان بمقاصد الحياة..

 كما تتشكل أنساقه ومفاهيمه المعرفية بخصائص السالب والموجب في تشكيل طبيعة الإنسان والواقع  سياقاً متصلاً باستيعاب معطياته لتناقضات (الخير والشر والعلم والجهل والصدق والكذب والحق والباطل) وانعكاساتها على تشكيل مفارقات التميز في تكوين الشخوص والمجتمعات ..

وللفكر في اتصال العقل بالظواهر والمظاهر الكونية المحيطة بنا وترجمته للأحداث والتفاعلات من حيث تقييد الماهية (لفيزياء النشاط)الذهني والحسي المقترن بتشكيل اللاوعي وتمثيل تفاعلاته الباطنة لروابط الإنسان بالوجود والحياة..

وتفسير المعنى أن ميادين المعرفة بإشكالاتها المتجذرة شواهدها في استقراء وتوصيف أنماط العلاقات المحورية بين الإنسان والوجود بيتتها فكر مركب بخصائص موازينه هو عقد الارتباط والتوجيه وماهية الوعي في الاستيعاب الذهني والحسي والتفكير المقنن بتقييد المدارك للنشاط الفيزيائي لدلالاته قرائن نسبية لطبيعة الوجود والحياة يتشكل بها الوعي الذهني والحسي صلة وصل بين الإنسان والمحيط فيما تختزلها الذاكرة بخصائصها الانفعالية دلالات مركبة تترجمها المفاهيم المتعارف عليها لغوياً بسماتها المعنوية نتاج نسبي لحصيلة الاستيعاب ..

ولذلك حين نبحث عن تفسير لماهية الوجود وعلاقاتنا الارتباطية بمنظومة قوانينه قل أن نتجاوز المفاهيم السطحية إلى العمق لاستيعاب المعادلة من الجذر الذي تشكل به وجودنا حضوراً معلوماً بتجسيد الفكر للانعكاس وعياً ذهنياً وحسياً قرينة مماثلة لحركة الزمن والوجود والحياة..

وبهو الإشكال أن محاولة تشخيص الإنسان للحقيقة الماورائية لخلق الكون ظل غائباً عن استيعاب فيزياء (الفكر)   من حيث كونه مصدر الوعي بحركة العالم من حوله بوصفه ماهية المعرفة في تقييد مداركه العقلية والحسية لخصائصه الانفعالية منظومة بناء يختزل طبيعة تكوينه ..

كما أن كل فكرة بطبيعتها المركبة لها في حكم التشكل النفسي سمة التحول المتدرج في سياق التطبع التراكمي إلى روح منفصلة بذاتها تحكم قياد(الإرادة)النفسية بنسبة دلالاتها المعرفية وقدرتها على التأثير المعلوم قياسا (بالطاقة النسبية) والتي تحكم توجيه الانفعال الباطن والسلوك بدوافعها وانطباعاتها العشوائية المتعذرة باختزال تناقضاتها لتداخلات الخير والشر طبيعة مزدوجة والارتهان لعفويتها المتشابكة قاعدة لانحراف موازين البناء..

وتلك بدورها هي التي صاغت إشكالية مفارقات التكوين الارتباطي بمقاصد ودلالات الوجود والحياة سمة متلازمة مع اختلاف وتعدد العقول وانحرافها بسبل  الوفاق واتجاهاته مسوغاً لتفكيك لحمة العلاقات ..

وكون الإنسان هو المعني بفهم واستيعاب معنى وجوده وعلاقاته في الحياة فركيزة استيعابه انتظمت في سياق التجريد العشوائي لآلية العقل في التواصل المقترن بترجمة وترميز الماهيات والأحداث والوظائف والمقاصد المعنوية بالمفاهيم اللغوية كقرائن (معرفية)يتشكل بخصائصها الروحية منظومة بناء موازٍ للمحسوس المادي والمعنوي فيما يستقيم بوعيها حضور الذهن في تمييز وتصفيف  أنماط الروابط  والعلاقات  الكونية وتقييدها في الذاكرة بخصائصها التناسبية صيغة تفاعلية للنشاط الفيزيائي كمعادلة تراكمية لانضباط أو اختلال  موازين البناء..

وتفسير ذلك أن وعي الإنسان رغم تطور المعرفة لم يرتقي بطبيعته الحيوانية إلى  مصاف العقل في الإدراك والفهم الصحيح لماهية الفكر في بناء وتقويم سلوكياته حيث ظل على مدى القرون المتلاحقة يعيش الحياة بتضاريسها وأحداثها وتعاملاتها وتفاعلاتها المتشابكة شواهد معرفية يستمدها من الواقع دون إعمال العقل في الموازنة بين الخير والشر في طبيعتها أو النظر إليها كماهية للبناء يتشكل بمفاهيمها وعياً تختزله الذاكرة العقلية في سجلاتها الحافظة لخصائص الفكر (طاقات) انفعالية لاشعورية موجهة للفاعلية والنشاط الباطن ومرجعية للتفاعل في مشهدية الانتظام والانحراف ..

وعلى ذات السياق فنحن نتعاطى مع الوجود بمظاهره المختلفة بوعي مخزوننا المعرفي عن الأشكال والألوان والأبعاد والأعداد والرموز والتجارب والأحداث صور ومفاهيم مركبة يترجمها عقلنا اللغوي (بمعاني)دلالاته وسماته المجسدة فينا بطبيعة التفاعل والنشاط لنعيش بوعي اختزاله تجربة الحياة مشاعر وأحاسيس لاإرادية هي عقل اللاوعي الباطن لتحلل العلاقات والروابط الوفاقية والمتناقضة وطاقة الانفعال في تكويننا والتفاعل في نشاطنا الظاهر وردود أفعالنا وسلوكنا وتواصلنا مع المحيط ..

وتلك هي ماهية الفكر في تمثيل وجودنا وجذر الحقيقة الغائبة في مفارقات التكوين والاختلاف والتعدد والتباين والتجانس والتشابه والتمايز وساحة الاشتباك المعرفي الحافل بالتداخل والتفكك والتضاد والصراع المتآكل في تهويم قاعدة التعايش في الحياة ..

وللفكر في تكوين منظومة العقل صورة مماثلة لانعكاس الوجود فينا في تشكيل ماهيته لعالمنا الصغير في الدماغ وجود نسبي تحتكم معادلاته للخصائص والسمات الحركية لمؤثرات كل ظاهرة من مظاهر الوجود وأحداثه وتفاعلاته واستيعاب توافقات تكوينها أو العكس وعياً ذهنياً له حكم الارتباط في الاتصال بالنظائر قرينة موجهة لانعكاس التأثير المتبادل..

 والفكر بموازاة الحقائق المادية متناسل بالتزاوج والتوافق والانسجام متنام قابلٍ للتطور والنماء والامتداد والجمود والتراجع والاضمحلال والتماهي غير أن صحيحه على خلاف القيم المادية يتحقق بالثبات وهو ما يعني اكتساب صفة البقاء والخلود..

من هنا كان الفكر بطبيعته المزدوجة هو النتاج الزمني لتحلل العلاقات والمفاهيم والشواهد والأحكام والقيود في صيغة المعرفة بتعدد مصارفها يختزل تفسيره ظاهرة الخلق والإبداع في قدرات العقل البشري الموازية للعقل الكوني في تخليق الظواهر المحسوسة وقوانينها الماورائية..

وصلته بالوجود والإنسان والحياة صلة المكون بالتكوين والروح بالمادة والصفة بالموصوف والقدرة بالفعل  والشكل بالمضمون وهو في كل ظاهرة أو قيمة علة مقاصدها ووعي توافقاتها المتصلة بتناسب الجزئيات في تشكيل الكليات المعنية بتوجيه مداركنا وردود أفعالنا كما تتشكل أيضاً وفقاً للتداخل بين  المتضادات في دلالات التكوين المزدوج لخصائص العناصر الطبيعية ..

كما أن تلازمات الخصائص الفيزيائية للفكر تنتظم في سياق توثيق محاذير التراكم الاستيعابي للدلالات  والمفاهيم والصور والأحداث  والتفاعلات مع قوة التأثير الموازي بتقييد نشاطها وعياً انفعالياً مقروءاً بطبيعته الحسية لردود الأفعال..

فثمة أفكار تتشكل توافقاتها الانفعالية بالطبيعة الحارة(كالحقد والكراهية والتعصب والغضب والغيرة والحسد والظلم والقهر والعدوانية) وغيرها تختزل طبيعة البرودة ومثالها(الخوف والحزن واليأس والعجز والكسل والاكتئاب والتقوقع مع الذات)وأخرى الطبيعة الهوائية ومثالها(الأنانية والغرور والتطلع والكبر والجشع والشك والكذب والتسليم بالأوهام) ومنها اليبوسة ومثالها (الجوع والعطش والشهوة والجهل والتخلف وانحراف السلوك) وهي حد الارتباط المادي..

يأتي هذا التوصيف في سياق تمثيل غلبة العناصر وليس تفرد عنصر بذاته في تقييد السمة الظاهرة للفكرة بطبيعته وباختلاف مفارقات التمثيل الوفاقي تختلف قوة تأثيرها على الشخص وعلاقاته بالمحيط..

 والفكر في محيطنا قائم بوعي الطاقة الكونية لنسيج الحركة والتواصل والنشاط في منظومة العلاقات والروابط والمفاهيم والقواعد والقوانين والضوابط والأخلاق السالبة والموجبة التي تحكم تفاعلاتنا اليومية حيث عللته بعض العقائد في الفكر الديني بالأرواح الخفية ومنها الاعتقاد ب(الجن والشياطين) وفقاً لقواعد الفهم في تشخيص المؤثرات الخفية على النفس البشرية وقدرتها على التحكم والسيطرة على الوعي في توجيه الفاعلية والنشاط ..

وباعتبار اقتران ماهية الفكر في تمثيل علاقتنا بالوجود بالطاقة الذهنية والحسية فحصيلة توافقاته النسبية  في توثيق المفاهيم والمقاصد تنتظم في سياق تكوين النفس قرائن ارتباطية بتقييد شخصية الفرد المعنوية واختزال سماتها الروحية لمفارقات القوة والضعف والقدرة والعجز والجرأة والاستلاب والغرور والتواضع والعلم والجهل والقياد والانقياد..

مثال ذلك قد نستلهم فكرة (القوة) من مسلماتها المادية فنراها في بعض الشخوص صورة للعضلات المفتولة والقدرة على مواجهة الخصوم وقهرهم غير أن هذه القوة قد تتماهى في السقوط أمام جسد هزيل اكتسب المعنوية الروحية في سياق استجماع طاقتها للقدرة الذاتية ..

وتلك أيضاُ تقاس بمقومات الدولة وقدراتها العسكرية فى التسلح  ولها في ايدلوجية الفكر حكم المؤثر النفسي على الخصوم غير أنها بالمثل تمتثل للقوة المعنوية والاستراتيجية النوعية في المواجهة وفي التاريخ وقائع وأحداث تكشف عن مثل هذه القرائن..

وللفكر أيضاً سلطان السيطرة والتحكم بتوجيه سلوكياتنا باعتبار كل فرد منا محكوم بنسبة التراكم المعرفي لموازين وطبيعة الفكر ومقاصده فهذا يحكمه سلطان المال والمصالح والطموح وذاك تحكمه الرغبات وشهوات الدنيا وغيره تحكمه النزعة والعصبية وآخر تحكمه سبل البحث عن لقمة العيش وكلٌ بعلته أسير تجربته  الزمنية في بناء الذات ..

ولذلك  تتشكل متناقضات بناء الذات في سياق  تمثيل كل فكرة لتوافقات ووحدة النظائر في تجسيد كيانها الروحي لخصائصها الانفعالية في اللاشعور سمة متفردة  بتمثيل سيطرتها أو انقيادها اللاواعي للقرائن الموجهة لإرادة النفس وفقاً لمعادلة  القوة والضعف  في نسب وخصائص تكوينها  المتلازم مع تحديد اتجاهات  الذات ..

ومن وعي ذلك استلهم الإنسان من سلطان الفكر على النفس وتوجيهها أحكام الربوبية واللاهوت الكوني غير أنه اختزل تجسيده في المظاهر والشخوص في سياق انعدام الرؤية والاستلاب المتعذر باستحكام الروابط والمطالب والغايات وتقييد العلاقة بالدافع والمانع في المقاصد الدنيوية وأحكامها ، الأمر الذي صاغ توثيق المفاهيم المعرفية لازدواج المعايير في تظليل(الخير والشر) سمة ثابتة للتناقض فرضت عواملها توثيق الصراع قاعدة كونية ..

ثانياً: أسرار الفكر

للفكر في خلفية الوجود والحياة أسرار وخفايا كامنة استخلصها الإنسان منذ القدم من موازين التناسب الطبيعي للعناصر قاعدة توافقية لتوصيف ديناميكية الحروف والألفاظ المركبة بدلالاتها المعنوية وحركاتها (المنطوقة والمكتوبة) بخصائصها الروحية في التأثير المتناغم مع محور توافقاتها الفلكية المقروءة من مسارات القاعدة (الكونية) حيث تشكلت في ثلاث مسارات :

الأول: وهو الأقدم ظهوراً بالتلازم مع معتقدات البشر الأولى حيث اختزل توثيقه(سيمياء السحر والشعوذة) كظاهرة متصلة باستيعاب المعرفة البدائية للأساطير والمعجزات والتي صاغت تطبيع الوعي العام بالأوهام واستحكمت عوامله بثبوت الاعتقاد في النفس البشرية بالجن والشياطين وانطباع اليقين في التسليم بتمثيل تداعياته لمقاصد التأثير ..

كما تعود جذوره الزمنية للمعتقدات القديمة المتأصلة في التسلسل الزمني بحكم سيطرة الجهل على الواقع وإحاطته بالمعتقدات والخرافات المصبوغة بتوظيف الكهانة الدينية للشعوذة والطقوس للسيطرة والتأثير على الجمهور في سياق  استغلال الظروف المتعذرة بالحاجة..

الثاني:  اتجاه الزهد والتصوف في الفكر الديني حيث تأصل بداية مع ظهور فلسفة(التوحيد)في البوذية والجانتيه والهندوسية في الهند فيما امتد تأثيره فيما بعد للاتجاهات الصوفية في اليهودية والمسيحية والإسلام..

وترتكز فلسفة التصوف على تقدير ارتباط الحروف والألفاظ بالحركة الفلكية وموازينها العددية المقترنة بتمثيل طبيعة الجمع  والتكرار لقوة  التأثير وتقييدها بلاهوت الفكرة(آيل)بمعنى تحقق الأمر وتسخيره للهدف..

وبرغم أن تلك القاعدة شكلت حلقة امتداد العارض الذهني للسحر والشعوذة إلا أنها في السياق العام لفكر التصوف اختزلت الهدف في اتحاد المريد باللاهوت الكوني في جدوى تطهير النفس والتحلل من الشهوات في نبذ الدنيا والزهد عن ملذاتها صلة وصل بإعادة البناء على قاعدة التدرج بين(الأحوال والمنازل والمقامات) في سُلم التحقق(الصوفي)فيما تقوم منهجيته على استرقاء الفتوح الربانية للاستنارة المعرفية و المكاشفة بالأسرار في محور التجرد من المقاصد بالغايات  ..

وتلك قد نختلف معها من حيث  الشكل في تقييد طبيعة الحروف والألفاظ المنظورة باختلاف اللغات المنطوقة واعتماد المعاني الباطنة لطاقة الفكر قاعدة وفاقية للتطبع الحسي جاز بها استخدام الترجمة اللغوية قاعدة لاستحضار طبيعة الدلالات ..

وهي في شرط التلازم بين الحسي والمعنوي تعتمد التجرد منهجاً للاتحاد بالمثل الروحية التي يتحقق بموجبها المريد بالمكاشفة الإلهية في معرفة خفايا الوجود وأسراره والتجلي الفيضي للتدرج من الأحوال إلى المنازل إلى المقامات في اكتساب ملكات القدرة اللاهوتية كالتواصل الذهني عن بعد والانتقال الزمني والتنبؤ وغير ذلك من الخوارق ..

الثالث : الاتجاه العلمي الحديث والمنقسم بدوره إلى ثلاثة اتجاهات

-الاتجاه الفلسفي لدراسة  العقل وتحليل وظائفه وقدراته

- الاتجاه الرياضي لدراسة فيزياء القوانين الكونية وعلاقتها بانطولوجيا العقل

-الطب النفسي كبديل علمي لتحليل الظواهر المنحرفة والعمل على معالجتها

وباعتبار القضية التي نستقصي بموجبها دراسة وتحليل أسرار الفكر هي قضية العلاقة بين الإنسان والوجود  فإشكالية الغموض فيها قياسا بتعدد مناهج البحث يتمحور حول تركيبة الفكر في تشكيل مقومات بناء الحياة واختلال موازينه في بنية تكوين الإنسان المعرفي كمعادلة متناقضة اختزلت تداخلاته تجسيد حواجز الوعي قرينة لانحراف السلوك المتلازم مع تفكيك جسور التعايش في الحياة ..

وما يستوقفنا عند هذه القضية أن جهل الإنسان بتركيبة الفكر ظل عبر مراحل التدرج المعرفي يبحث عن مسوغات للغموض في تكوينه المترابط مع الوجود دون محاولة فك شفرته من طبيعة العلاقة الارتباطية بالوجودوقوانينه  وتلك برغم التطور العلمي في عصرنا الحديث  واستكشافه للعديدمن الأسرار  التي ظلت خلف ستار الغيب  إلا أن واقعنا اليوم لايزال يعيش تلك المتاهات بحثاً عن الجن والملائكة ومن ثم الكائنات الفضائية والتي أصبح البعض يروجون لها في احتمال سيطرتها على الإنسان وتوجيهه لهدم الحياة.. 

وجل ما يعنينا في الاستشهاد بالنماذج الثلاثة  أن ظاهرة ترابط العلاقة بين الطبيعة والفكر بصيغته اللغوية والمعنوية كان لها في الأساس جذورها المستخلصة من قراءات العقل لمفارقات الطبيعة الكونية وحاجة الإنسان لمعالجة قضاياه المستعصية والتي استوعبتها النخب المستفيدة من واقع تشخيص مواطن الضعف في طبيعة النفس البشرية ومتلازماتها مع رسوخ الاعتقاد بالأوهام والأساطير والمعجزات منفذاً للسيطرة والاستغلال المتعامد مع تعزيز روافد الجهل والتخلف لتقويض سُبل الوفاق وتهميش القدرة على التعاطي مع تعقيدات الطبيعة الكونية وقوانينها الماورائية المعنية برسم منهجيه الاستقرار في الحياة..

من هنا كانت فلسفة الفكر معنية بتجاوز الموروث إلى استكشاف معضلات الكون من خفايا وأسرار العلاقة الرابطة بين الإنسان والوجود مقارنة باستيعاب منهجية الفكر لحركة الزمنكان وتجريداته الحسية للمقاصد والغايات بدلالاتها المتضاربة في تمثيل مجمل قضايا الوجود والحياة بهدف تفكيك ملابسات الغموض ومعالجة إشكالاته العالقة في تشابك العقل البشري عبر التاريخ ..

والقضية هنا أن أسرار الوجود وارتباطها بمعضلات العلم في تفسير فيزياء الطاقة الخلفية لنشاط الكون هي بالمعنى التجريدي للصفة لها دلالة أسرار الفكر التي ورد توثيقها في لغز الفكر  بملكات (الروح) الكونية المنظورة بتجسيدالفعل الإلهي لمعاني القدرة قياساً بترسيم القوانين لبنية النظام كما أن لها في تمثيل طبيعة التشكل والامتداد معادلات وموازين قياسية وعلاقات تناسبية بين النظائر والخصائص الحركية للنشاط شبيهة بمكونات المادة المقروءة في تركيبة العناصر الطبيعية وتخلقاتها عن بعض..

فمن حيث الوقوف على أهم المعضلات نجد العلم وقف عاجزاً  أمام تفسير العديد من الظواهر الكونية منها على سبيل المثال الوقوف على(سر الحياة) كمسألة رئيسة تشابكت معطياتها بين فلسفة المادة والروح وانحسار المعالجات النظرية على دراسة العناصر الطبيعية وتمحور الجدل حول عنصري الماء والهواء كمقومات أساسية لنشأة الحياة..

ونحن هنا قد نلتقي ظاهرياً مع تلك الفرضيات من حيث ارتباط الكائنات والظواهر الحية بمعدلات التكوين التناسبي لعناصر الطبيعة وحاجتها الارتباطية للهواء والماء كضرورة لازمة لاستمرار البقاء بيد أننا نختلف كلية من حيث تقييدها بعلة الحياة لأسباب جوهرية أهمها أن تناسب وحدة العناصر في تكوين الظواهر الحية تعتمد وظائفها تمثيل كيمياء النشاط المعني بإنتاج الطاقة الحيوية للجسم بوصفها علة الانتظام والبقاء، كما ليس في تلك العناصر ما يؤسس تفرد أيا منها بإنتاج الطاقة اللازمة لاستقرار تفاعلات الجسم الحيوي ..

ولذلك ارتبطت معدلات الخلل في انتظام واستقرار الحياة فينا بنقص كل منها في تحقيق التوازن المقدر بتجميد أو تقليص وظائف الأعضاء بموازاة تقليص وانكماش حركة ونشاط الطاقة الروحية في منظومة الجسد..

ولذا فإننا حين نربط بين مفهوم الحياة في وجودنا ودلالات النشاط والتفاعل الباطن والظاهر فنحن بذلك أيضاً نستوعب الموت من تماهي النشاط في الجمود والتلاشي كنتاج مقروء باستفراغ الطاقة المحركة وليس المكونات الطبيعية للجسم ومتغيراتها..

الأمر الثاني أن فهمنا للحياة في تشخيص معاني الوجود مقروء لمداركنا العقلية بطبيعة التفاعل والاستيعاب الذهني والحسي لخصائص المعقول والمحسوس كمركب لانعكاس الأثر في تكويننا المعرفي والذي يشكل بدوره وعي العقل في الاتصال والتواصل وطاقة اللاشعور الباطن والإدراك الظاهر المعلوم بصيغة النشاط الحركي لفيزياء الفكر ودلالاته وله في قاعدة البناء سلسلة من التحولات المتدرجة من تقييد صوره المعرفية والحسية في الذاكرة إلى توجيه مسار الذهن إلى استيعاب اللاشعور الباطن لخصائصه الانفعالية واختزال طبيعتها مشاعر وأحاسيس ورغبات ودوافع وردود أفعال إلى تمثيل الأداء في السلوك الحركي للجسم في معنى تجسيد الطاقة الروحية للحياة..

كما تكشف لنا حالات الموت السريري في الطب الحديث انحسار بقاء الطاقة الذهنية في الدماغ وانقطاع صلتها ببقية أعضاء الجسم وفي ذلك ما يعني إمكانية عودة الحياة لبقية الأعضاء إذا ما استطاع الطب الموائمة بين كيمياء الجسد وفيزياء الفكر..

من هنا يختزل فيزياء الفكر بصيغته الديناميكية للنشاط سر الحياة من حيث تقييد خصائصه الحركية للطاقة المقترنة باستيعاب الوعي الذهني لعلاقات وروابط الإنسان بالوجود مقاصده وغاياته واكتساب مقدراته التناسبية لمقومات النشاط الحسي حضوراً بتجسيد التفاعل لمنسوب القدرات الذاتية على الأداء..

وتلك لها في دلالة الاقتران بتناقضات الحياة صيغتين تناسبية من دلالات التمثيل الفيزيائي للطاقة الكونية هما:

1- الفكر الموجب

وهو الفكر المقروء بانتظام توافقاته الروحية في توحيد المقاصد الشمولية بمنظومة العلاقات صلة باستيعاب المعرفة لقيم التواصل والتفاعل المعني بتجسيد الضمير الإنساني الواحد في توثيق الشراكة المنضبطة وقواعدها الأخلاقية المقننة بتوطين التوازن في تكوين الذات الموازي لانتظام علاقات وروابط الوجود الرافد للارتقاء بملكاته الذهنية والروحية إلى مصاف التميز في القدرة على التأثير الإيجابي في المحيط..

ومثاله في ذلك المحبة والعدالة والمساواة ومجمل القيم الروحية التي توحد الروح الإنسانية على الوفاق واحترام الحقوق المشروعة للآخر كمقاصد للانتظام واستقرار علاقات وروابط الحياة..

ودلالتها في معادلة النشاط الفيزيائي تترجمها موارد الاتصال والاستيعاب الحركي لجسيمات الطاقة الفكرية وتقييدها في ذاكرة الوعي الذهني واللاشعور ضابطاً روحياً للالتزام الوفاقي تنتظم بجدواها علاقات الحياة..

ولذلك تمثل سر الارتباط بين الإنسان والوجود في استيعاب العقل لمنظومة العلاقات الكونية قراءات معرفية يتشكل بخصائصها الحركية حضوراً ذهنياً للتواصل والإدراك وطبيعة حياة بالتلازم مع تلاقح الأفكار المخزونة في الدماغ مع نظائرها في الوجود وتحللها بوعي التفكير نتاجاً توافقياً لانتظام العلاقات..

2- الفكر السالب

وهو الفكر المقيد بعوامل الارتباط الغريزي لمتطلبات ومقاصد الروابط المادية واستيعاب علاقاتها من قوانين الطبيعة تلازماً مع تمثيل أحادية الذات لاستحقاقات التفرد في امتلاكها.. فيما تؤسس قاعدة الاستلاب في توجيه الإرادة وقيادها..

ومثاله في ذلك يتدرج من عوامل الارتباط بالحاجة إلى تقييد الوسيلة بالمال واستيعاب تراكماته في الوعي الذهني للضرورة في الخوف من المجهول وتلازماته الشرطية واختزال منافذ تحصيله في استخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة حكم انقياد واستلاب حتى إذا ما بلغ الإنسان منه حد الثراء استحكم به الجشع في طلب المزيد وهكذا تتسلسل مؤثرات القياد في توجيه الإرادة بردود أفعال القلق والاضطراب ونتائجها المنعكسة على الذات ومن ثم على علاقة الإنسان بالمحيط..

وبواقع أن الأفكار التي تحكم علاقتنا بالوجود تستحضرها دلالات المقاصد والغايات فشاهد كل منها ينتظم على خط التناسب الوفاقي لموازين الأفكار المستحضرة للقيمة بالتلازم مع توظيف الوسيلة الصحيحة لتوجيه القدرة على التمكين..

مثال ذلك أن نستشعر قيمة الجمال من دلالاته في مؤثرات الطبيعة وتناسقها في تمازج الألوان واختلاف الأشكال والسمات الجوهرية للظواهر والأنماط وتوظيفها للارتقاء بالحس الجمالي في وعينا والتخلق بروحانيته بالتلازم مع توجيه التجارب لبناء القدرة على صياغة مظاهر التطور الحضاري في محيطنا..

وتلك المظاهر لا تقاس وحسب بالهندسة المدنية للعمار والطرقات والحدائق والوسائل المختلفة للتطور والارتقاء وإنما تتعدد صيغ الجمال بتعدد المظاهر الحضارية والثقافات البشرية كالفنون والآداب وغيرها من الروافد الجمالية التي ترقى بأحاسيسنا ومشاعرنا إلى مصاف الانتظام ..

فالشعور بالجمال كقيمة حسية دليله في توجيه القدرة قرينة الإبداع ولكل عقل وسيلته الخاصة في التعبير عنه.. فالرسام يستجمع أحاسيسه ومشاعره في تجريد فني يعبر عنه في لوحة والشاعر يعبر عنها من خلال توظيف المعاني البلاغية والرموز والأفكار المتناغمة في ترجمة المشاعر بصيغة القصيد وكذلك الروائي والموسيقي والمفكر والباحث وغيرهم يعبرون عن أحاسيسهم باللغة التي استوعبتها تجربتهم الإبداعية للارتقاء بالحس الجمالي لتطور الحياة..

وتلك في تحليلنا لأسرار الفكر لها قراءاتها المستجدة في توثيق العلم للأسس والمبادئ النظرية في المعادلات الرياضية لفيزياء الجسيمات وقوانين الحركة في المجال وعلاقة كل منها بتمثيل الزمن المعلوم والزمن القياسي أو(الضوئي) بموازاة محدودية قدرة المدارك الحسية عند الإنسان على استيعاب وتقييد موارد الفكر في الفراغ..

 فمن حيث التدرج الاستيعابي لمنظومة العلاقات والقوانين الكونية فمعادلة الفكر في تشخيص علاقة الإنسان بالوجود تحتكم بداية لخمسة مسارات :

الأول : الوجود المادي بعناصر تكوينه وتعدد واختلاف مكوناته ومظاهره النوعية كمنظومة بنيوية مركبة من عناصر الطبيعة المنظورة بتجسيدكل ظاهرة للكتلة والحجم والشكل والماهية الملموسة والمقروءة للإدراك الذهني والحسي بتوافقاتها في الاندماج..

الثاني: الطاقة الضوئية المنبعثة عن الكتل النجمية والشمسية كمنظومة اتصال وتفاعل وفاقي مشترك بين الظواهر بمختلف أشكالها وأحجامها وكتلها تنتظم علاقاتها ونشاطها التناسبي في سياق تمثيل مقاييس الأبعاد..

الثالث: الفراغ الكوني بوصفه قاعدة التشكل المادي والبناء ومجال الحركة والنشاط والذي يختزل وجوده  تمثيل الأبعاد الفراغية بين الظواهر الكونية وقوانينها الوفاقية لانتظام العلاقات..

الرابع : الطاقة الخلفية أو الباطنة المقيدة بتمثيل طبيعة تكوين الظواهر وخصائصها الانفعالية واختزال تواصلاتها مع الظواهر الأخرى  لقوانين الجاذبية في استيعاب النظائر..

الخامس: تلازمات المسارات الأربعة مع تمثيل الحركة الزمنية للنشاط وتقييد وعينا الحسي لها في صيغة الفكر كطاقة روحية للحياة تنتظم في سياق توثيق مبدأ التشكل قرينة لتقييد السمات الجوهرية لخصائص العلاقات والمقاصد والغايات الارتباطية فيما تختزل جسيماته أدنى درجة من الشفافية المتعذرة قراءتها للعين المجردة ..

من هنا كان الفراغ المحيط بناء مليء بالأفكار المنعكسة عن مجمل تفاعلات النشاط الكوني بما في ذلك نشاطنا السالب والموجب ، غير أن مخزون وعينا الذهني قل أن يستطيع تمييزها أو استيعاب ماهيتها بواقع محدودية توافق القدرات الحسية اللازمة لتقييدها مع تماهي جسيماتها في أدنى مستوي من الشفافية التجريدية للألوان والأشكال بموازاة اقتران الرؤية  بالتمثيل الضوئي كوسيط للاستقراء..

وتفسير ذلك أن كل ظاهرة من ظواهر الكون المادي والطبيعي تسير وفق تلازمات التدرج في تراتب الطاقات وتشكلها عن بعض بداية من الصيغة الأدنى المجسدة في صورة الظلال الخافت وانتهاء بالكتل المادية وتسلسل الأبعاد الفراغية عن محور ارتكازها وتقييد طبيعتها المقروءة بتمثيل النشاط وهو ما نعني به تسجيل طاقاتها المنبعثة في الفراغ لمنسوب الأثر المتدرج في توثيق الحركة الزمنية لمسار الظاهرة في سلسلة الابعاد الضوئية..

مثال ذلك ما نراه في قياسنا الحسي لحرارة الشمس كلما اقتربنا منها وتعذر قدراتنا الحسية على احتمال طاقتها غير أننا في الاتجاه العكسي يصبح معيار القياس الحسي في تراجع تلك الحرارة بالتدرج نحو الضمور كلما ابتعدنا عنها تلازماً مع تقلص الضوء المنبعث عنها كلما اتسعت مساحة التمدد في الأبعاد وصولاً لدرجة التماهي في صورة نجم ومن ثم التدرج اللوني إلى الاحمرار فالغياب في أقصى الأبعاد..

والمعنى في توضيح هذه المسئلة أن وعينا الذهني والحسي مقيدان بحالتي الاستيعاب الحركي لنشاط التمثيل الحسي ومساراته الارتباطية بالأبعاد حيث تختزل كل صورة منسوب طاقتها قرينة زمنية لحركة التواصل مع النظائر ..

ولذلك تتشكل مفارقات التقييد الذهني للأفكار وارتباطاته وفق منسوب الاستيعاب الزمني للفرد لمعدلات النشاط الحركي في الفراغ وتقييده في الوعي الحسي بصيغة الفكرة الملازمة لخاصية القوة الجاذبة للنظائر والاتصال الموازي لطبيعته..

وما يستوقفنا عند هذه  المسئلة أن تلازم الفكر مع تمثيل الوعي الذهني والحسي لنشاطه الحركي أرتبط بتقييد محدودية القدرة الذهنية على التواصل والاستيعاب بالزمن المعلوم في رصد وتوثيق العلم لدوران الأرض حول نفسها ثم حول محور الشمس وتقييد التسلسل الحركي للأحداث في صيغة الثانية فالدقيقة فالساعة فاليوم ثم الأسبوع والشهر وانتهاءً بالعام كمعادلة قياسية لتطابق الوعي مع حركة الزمن بالتلازم مع تمثيل نمط الطاقة الفيزيائية لخصائص الفكر الحركية في تمثيل النشاط الحسي كمنظومة توافقية للاستيعاب وتقييد الممكنات بعلاقاتها الارتباطية اللازمة لتمييز السمات الخاصة والماهيات  بدلالاتها المعرفية..

وذلك بخلاف الظواهر الكونية بكتلها وأحجامها الهائلة والتي يخضع نشاطها للزمن القياسي تحديداً بسرعة الضوء في الفراغ وتدرجه في الارتفاع والانخفاض والتحول الاشعاعي في الأبعاد كمعادلة فيزيائية لقوانين التناسب في المجال ..

وبناء على ذلك يختزل الزمن المعلوم والقياسي للنشاط الضوئي أهم الأسرار العلمية لفيزياء الفكر من حيث تحلل جسيمات الصور والألوان والسمات الجوهرية للظواهر في الأبعاد صلة باستيعاب الذهن لطبيعتها الحركية وتقييدها قرائن حسية تتشكل في الوعي قوة متصلة بالنظائر الخارجية المقروءة بامتداد العلاقة الجسرية للحركة الزمنية أو الضوئية للنشاط التناسبي لمقاصد الفكر وتجريداته الحسية المنظورة بتوثيق الجزء المحدود في الدماغ لأحداثه واكتساب مقدراته المعرفية والروحية صيغة حياة..

وتوضيح المعنى أن الجسم المادي للإنسان ليس سوى وعاء يختزل تكوينه صيغتين من النشاط  الزمني للبناء هما:

-  النشاط الطبيعي المقترن بتمثيل كيمياء التحلل الغذائي لعناصر النمو وتوافقاته مع انتظام طاقة الجسم الحيوي والمعلوم باكتساب  السعرات الحرارية وغيرها من لوازم البقاء.

-  النشاط الفيزيائي للاستيعاب المعرفي للفكر مقاصده وارتباطاته والمعني بتقييد وتوجيه طاقة الجسم الانفعالية والسلوكية بموازاة بناء القدرة الذهنية للوعي كوسيلة للتواصل وتشكيل سمات الشخصية واتجاهاتها في الحياة.

وفيما يمثل النشاط الطبيعي صيغة الطاقة الخلفية أو الباطنة لعناصر التكوين المادي وحركتها الزمنية في تنامي الجسد يختزل النشاط الفيزيائي للفكر قاعدة التمثيل الذهني والحسي لاستيعاب الحركة الزمنية للأحداث والتفاعلات واختزال طاقاته التراكمية للتوافقات الروحية منظومة حياة..

 وفي ذلك ما يعلل محدودية الارتباط الذهني بين توافق طاقة النشاط المادي لمكونات الجسد مع حجم الطاقة المكتسبة لمخزون الفكر الموازي للتمثيل الحسي والذي يحدد بدوره مسار قدرات الذهن على التواصل والاستيعاب المعرفي المقترن بتحلل مقاصد الفكر في العقل الباطن لسياقات انفعالية تتحول بدورها إلى ردود أفعال فيما تقترن تلك المحدودية بالحد الأدنى لاستيعاب الفكر المتلازم مع تمثيل  الجزء البسيط من نشاط الدماغ..

 وهو ما يبدوا لنا واضحاً في مفارقات الشخوص الذهنية بين مقدرات حجم الاستيعاب المعرفي للفكر وتوافقات الذكاء وسرعة البديهة ودقة الملاحظة بينما في مقاربات الزمن القياسي يستحيل أن تجد شخصاً يستطيع تمييز ملامح مركبة أو طائرة تمر من أمامه بسرعة الضوء على سبيل المثال وهو ما نعني به توافق الأدراك الذهني مع السرعة..

ثالثاً: الثابت والمتغير في الفكر

 قد تختلف تصورات البشر للثوابت والمتغيرات باختلاف منسوب الوعي والثقافة التقليدية التي تشكلت بطبيعة التجربة الارتباطية بالواقع واتجاهاتها العملية في قراءة وتوصيف المعرفة البشرية للمسلمات المتعارضة كحقائق سندها تعارف المجتمع الحصري على تصنيفها بالثوابت ..

من هذه الثوابت على سبيل المثال ما تعارفت عليه الأديان بمختلف اتجاهاتها حول استيعاب الألوهة قاعدة كونية للخلق المحمول على تأسيس مرجعيتها العقائدية للخلق والتي تماثلت في تصنيف الثابت الإلهي  بالمتغير في الظواهر ثم الوسائط والبدائل النصية مفترقاً لانحراف كل دين بخصوصيته المعرفية عرفُ تقليدٌ متجانس استحكمت تعارضاته بتوثيق التناقض قاعدة للثبات..

 وعنها لو سألت رجال الدين في كل ملة عن حقيقة الإله الذي يؤمن بحقيقة وجوده كمسلم ثابت للدين لأجابك كل منهم بلسان النص الذي نسب إلى ربوبيته وتشكل بفكره  المتغير قاعدة التزام لايرى في تناقضاته سوى حكم اليقين ..

وعلى ذات السياق قد تلتقي رؤية الناس بشكل عام على كثير من القضايا المتأرجحة بين الثابت والمتغير في ملتقى التوظيف ومنها الوفاق الديني على تشخيص العدالة والمساوة الإلهية في القراءات المتشابهة لمقولة (الناس سواسية كأسنان المشط) و التعاطي بروح الإنسانية المتناسلة عن السلالة الآدمية الواحدة بيد أن هذه الثوابت تتماهى في تجسيد المتغير البشري للعنصرية والهوية العقائدية والقومية والعرقية والسلالية المتجذرة وغيرها من المفاهيم الدارجة في تشكيل الواقع المتناقض حلبة لصراع الاستحقاق..

وتشخيص العلة الجوهرية في هذه المسألة أن لدلالات العلاقة الارتباطية بين الإنسان والوجود ثوابت سابقة لظهور المعرفة البشرية كمتغير احتمالي هي حد الفصل بين الحقائق والأوهام في متلازمات التوظيف العارض بتوثيق الجهل معرفة افتراضية مسلكاً لتأطير الواقع  بالمفاهيم العائمة  عن موروث التجارب المتجانسة في الارتهان لطبيعة الشر في استيعاب التناقض عقد التحول بمقاصد الوفاق إلى الافتراق وتطبيعه قاعدة منهجية للحياة..

وبديهية الفهم في توضيح إشكالية الفكر وتلازماته مع تجسيد الواقع للتناقض  قياسه في استقراء  المعادلة النظرية للحقيقة يرتكز أولا على تشخيص المبادئ التي صاغت وحدة الفكر قاعدة وصفية لثوابت الوفاق في انتظام قوانين البناء مروراً بالتحول الضدي للشرفي توجيه التفكك قرينة للهدم والشقاء ..

وتلك في تشخيص معادلة بناء الوجود والحياة انتظمت في محورين:

ثوابت البناء : وهي ِركائز النظام الكوني في معادلة البناء وميزانها المقنن بتصفيف الموائمة بين تناسبات عناصر المادة الكونية وتمثلها للقوانين الفيزيائية منظومة وفاقية لحركة الزمنكان صاغت مفاصل البناء على وحدة الغاية المضمرة بتوثيق مقاصد الخير (للسعادة) ركيزة قاعديةً لانتظام حركة التطور والنماء صلة بتقييد الوعي الفردي لأدواتها قاعدة روحية يسترشد بها العقل في تقرير مواطن الحق والاستحقاق قرينة للعائد في التمكين المنظور في المطلب الدنيوي للأمان والاستقرار في الحياة وتحقق الإنسان بنتاجه بعد الموت بالخلود الأزلي في الغاية..

كما تؤسس(ثوابت)النظام بمعادلاته وقوانينه ومفاهيمه الكونية(محور الحقائق)ومادتها المعرفية المنظورة بتقنين العقل الكوني لتوافقات البناء قاعدة خلفية للنشاط صلة بتمثيل طاقاته التناسبية لحركة الزمان في المجال واقترانها بالقيم والأخلاق كقاعدة روحية لتوجيه وتعزيز وسائل وأدوات الانضباط مرتكزات لتصفيف جسور وروابط العلاقات على انسجام وحدة القدرة على التمكين..

متغيرات الهدم :  وهي النتاج المعرفي للإنسان المحمول على فصام النفس البشرية عن العقل الجمعي كقرينة للانحراف عن الثوابت في التحول الضدي(للأنا) والتفرد باحتواء مقاصد الحق والاستحقاق  قاعدة للخلاف والصراع الموجه لتفكيك وحدة الوجود والإنسان والحياة في سياق تعزيز المعرفة العشوائية لمقومات الشر وسيلة للهدم والشقاء..

ومعيار المتغير في الفكر دليله في تجارب الإنسان المعرفية منظور بجدوى استيعاب العقل النمطي لعشوائية القياس المتداخل واختزاله إلى  معارف ومقاصد وأحكام وقوانين وضوابط وقواعد ومناهج وصفية لعلاقات وروابط الحياة وتضليلها بالنتاج العام لتشكيل طبيعة الواقع ..

وتلك على بيدها تشكلت المفاهيم الكلية مصادر شمولية للإحاطة بمفاصل المعرفة  كالإله والوجود والدين والدولة والمجتمع والنظام والحقوق والواجبات ركيزة لتصفيف طبيعة المصالح والتي وقفت إشكالية التوظيف المتعدد عند انحراف الثابت للمتغير ولوجاً بتوطين الخلاف والصراع ساحة للانقسام والتفكك والذي شكل مفترق الطريق الواحد في توثيق التجارب المتباينة لمتغيرات المناهج الدينية والسياسية وتمثلها لتطويق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية قاعدة للهوية والخصوصية وعنها تشكلت مجمل الهويات  المتجذرة في تمزيق علاقات وروابط الإنسان بالمحيط البشري العام..

وبنتاجه تجذرت إشكالات الواقع وقضاياه بمفارقات التفاضل المعرفي والاختلاف إلى مشاريع استغلال ونفوذ متدرج في تفكيك العلاقات والمصالح وتعتيم قواعد الارتباط بين الإنسان واستحقاقاته المشروعة  كنتاج زمني  استحكم بتوجيهه تداخل الفكر في صياغة الأهواء والنزعات الذاتية وتمكينها من السيطرة على الواقع الأمر الذي فرض تأثيره على طبيعة تكوين الإنسان وانحرافه بالارتهان لدوافع الشر وعياً وسلوك..

وتبيان القصد أن للفكر في معادلة الوجود والحياة منظومتي(بناء وهدم)دلالاتها في استفراغ العقل البشري لمعضلته في استيعاب علاقته مع الوجود قاعدة للتناقض والتضاد وفي مرجعية القوانين الماورائية  للتكوين توثيق معادلات التناسب الطبيعي لمكونات العناصر الوفاقية نظام مقنن بموازين الترتيب والتركيب الموازي لتجسيد كل ظاهرة للقيمة المعرفية بخصائصها الفيزيائية ومعادلاتها الترجيحية عقد بناء ثابت في تمثيل الأداء لتوازنات النشاط  الموازي لتحلل الضد في الهدم عن ثوابته صيغة متلازمة مع انحراف الطبيعة البشرية عن القوانين وهو ما نجده في كوكبنا قرينة لمتغيرات التناسب الوفاقي في اختلال موازين الفكر مجسداً بالظواهر التي تحكم توجيهها كدلالة على الإنسان بوصفه الظاهرة المسيطرة على الأرض والذي شكل انحرافه في خلق وسائل الشر عامل الهدم في تقريب نهاية الحياة ..

وتلك قل أن نستوعب تناقضاتها في تكويننا نتاج يحكم وجودنا وسلوكنا وتصوراتنا للعلاقة الارتباطية بما وراء الوجود والطبيعة الكونية واستيعاب خلفية توصيفها قراءات متباينة حكماً على تداخل الفكر في تشكيل وعينا بمفاهيم الارتهان لعبثيتها بوجودنا ومصيرنا في الحياة وما بعد الحياة ..

وتلك من حيث المبدأ تستخلصها موضوعية التحلل التدريجي للفكر من نور العلم إلى ظلام الجهل كمنفذ للمقارنة بين ثوابت  الوفاق وحركة التاريخ  البشري ونتاجه في التوصيف الآتي :

أولاً: ثوابت الخير في معادلة البناء والانتظام

الأصل في ثوابت الخير هي مرتكزات القاعدة الكونية المنظومة على تمثيل قوانين التناسب للكليات المنضبطة على الثبات المطلق وتلك ما تعارف على توصيفها الأجماع البشري بدلالات (القيم والأخلاق والمبادئ والفضائل الروحية) كمقومات لانتظام الحياة بالإضافة لمعطيات الفكر الجمعي ودلالاته في ترجمة علاقات وروابط التواصل كالأسماء والصفات من حيث كونها تعرف الأشياء بسماتها المتفق عليها وإن اختلف منطوقها اللغوي في التعريف المتباين لاختلاف اللغات ..

ولذلك كانت القيم في الفكر الإنساني هي دين الحياة وحياة الإله في توحيدنا بوصفها عقد الائتمان التي تقيم توازنات الشراكة الإنسانية على قاعدة الوجود الواحد والوفاق على ثوابتها الكاملة منظومة بناء واستحقاق عادل..

كما أن للمعنى في تجريد المثالية الفكرية ما يؤطر خصوصيتها بالجمع بين صفتي الكمال والإطلاق في معادلة الوجود الأسمى كمفاهيم روحية للتخلق الإنساني بثوابت الحياة.. وهو ما نختلف حوله مع رؤية البعض ممن يجيزون تصنيفها من خلق الإنسان تصريفاً لتوثيقها بالمثالية أو الطوباوية المنافية للواقع لاعتبارات جوهرية أهمها أن لها في توافقات النظام الكوني ما يعلل استيعابها ركيزة ثابتة لمعادلات البناء..

من هنا كان الإنسان هو محور القيم في جدوى استيعاب ثوابتها ركيزة وفاقية لانتظام علاقاته بالوجود والحياة وكان في الاتجاه المعاكس ضمير تاريخها من حيث تصفيف المعرفة النسبية لوسائل الارتقاء بالحياة حضوراً وتمكين .. 

فعلى جسورها تدرج في استبطان معنى وجوده في الحياة واستلهم من معانيها دليل انتظام روابطه وعلاقاته بالمحيط .. ورغم أنها شكلت بمعيته جسر التواصل المعرفي بين الحضارات حتى يومنا هذا إلا أن وعيه بها ظل محكوماً بالتوظيف النسبي لمعطيات الواقع ..

ولذلك فقد عرف الإنسان دلالات القيم الروحية من تأملاته في الوجود وتجاربه في الحياة فترجم لقضاياها العديد من الفلاسفة والحكماء والمفكرين والباحثين والكتاب والشعراء عبر مراحل التدرج المعرفي حيث شكلت ملتقى الوفاق البشري على توثيقها مُثل عليا للسمو والفضائل الروحية فيما شخصت محور ارتكاز الفكر الديني بمختلف مشاربة واتجاهاته في استيعاب أحكامها مرجعية كونية للربوبية وركيزة لبناء وتوجيه الإنسان للتعايش الأخلاقي في الحياة..

وتلك دون شك لها في جذور الزمن وتحولاته عقد الامتداد في التشكل والنماء حيث استوعبها الإنسان القديم من واقع الظروف والأحداث ومواجهته لتناقضات الطبيعة الكونية على هامش التجارب العشوائية  والبحث عن حلول لأزماته المتراكمة حول علاقاته المفترضة بالوجود وكان عليه أن يخوض تجربة الحياة بوعي التدرج المعرفي حتى بلغ من الرشد ما استكان عليه الوعي الجمعي في استخلاص ضدية الخير والشر قاعدة افتراضية لطبيعة الوجود والحياة والاحتكام لثوابت الخير كمسلمات اعتبارية لارتباط وجوده بمقاصد وعوائد المنفعة على بقائه في الحياة والتي استشعر بأحكامها ضرورة الالتزام بتعميدها أسس ضامنة  لبناء واستقرار علاقاته مع المحيط ..

وبغض النظر عن الأسباب التي فرضت  عدم تمكينها إلا أن فضلها في التجارب الإنسانية أنها شكلت خلاصة المعرفة المستقيمة لموازين البناء والتفاعل المشترك التي أرست ثوابتها قاعدة الوفاق البشري على توثيق مسلماتها مرجعية كونية  لبناء الوجود والحياة واستقام بتقييد روحانيتها توظيف اللاهوت الديني وعلى وجه الخصوص الديانات التوحيدية للصفات والأفعال والأسماء قاعدة إلهية جاز بتضليل توافقاتها المضمرة تشخيص القدرة الماورائية للخلق والبناء والتدبير المحكم وتوثيقها عقد التزام ثابت في وجوب الائتمان لقاعدتها فيما وقف إسقاطها عند توظيف البدائل ..

وللقيم في تطور المعرفة البشرية ما يؤسس الركيزة الفكرية للحراك الإنساني وتوثيقه لتحقق الجدوى بنتيجة مرجعية تجسد ضمير الوفاق الإنساني وروحه الواحد وتلتقي حول مسلماتها مصالح الأمم والشعوب دون استثناء كالعدالة والمساواة والحق والأمان والسلام والمحبة والوفاق والتسامح والرحمة والحرية والعلم والجمال والتكافل والتعاون والتواصل والتضامن والتكامل والتي تؤسس بمجملها منظومة الشراكة الاجتماعية والإنسانية الرافدة لاستقرار الحياة..

وهي بالمعنى الشمولي محور العلوم الكونية والمعارف الإنسانية بمجمل تصنيفاتها المحمولة على توثيق مفاهيمها لمنهجية النظام واتجاهاته المتفرعة بتصفيف علاقات وروابط الإنسان بالوجود بمقوماتها الأخلاقية ودلالاتها الروحية واختزال أحكامها للضوابط الاعتبارية قاعدة معرفية لانتظام وجوده في الحياة بامتداد تجسيد الأداء لمقومات البناء المتوازن ..

وما يؤكد هذا أن الوعي البشري رغم اختلاف مكوناته واتجاهاته الفكرية والعقائدية قل أن تجد فيه من لا يؤمن بالقيم والفضائل والأخلاق ركيزة منطقية لقراءاته وأحكامه كمسلمات روحية تعارفت البشرية عليها في سياق الوفاق على مبادئ وقواعد وأحكام وضوابط التعايش المشترك في الحياة ، غير أن وجه التعاطي يختلف مع بروز عوامل التفكك والخلاف والصراع وارتهان مؤثراتهما لطبيعة التعصب ونزعاته الدونية في رفض الآخر..

وخلاصة الفهم أن منظومة القيم كمفاهيم كلية استقامت وفق جدوى الحراك الإنساني على خط الثبات المعرفي وكان لها صفة القاعدة الارتكازية للتواصل والامتداد التوثيقي المجاز بتلاقح وتوالد المفاهيم المتجددة شأنها في ذلك شأن التزاوج والتوالد النوعي لمظاهر الوجود والعناصر الطبيعية التي جسدت بنية الكون ونظامه، وفي ذلك ما يعني تمثلها للثبات في استقامة البناء المتدرج في الارتقاء المنظوم على تمكين استقرار حركة وتفاعلات  الحياة ..

ودلالة القيمة في التعريف اللغوي هي(المقدار أو الثمن)واصطلاحاً هي: ما يقّوم به الشي كالقول(قيمة المرء ما يحسنه)وبارتباطها بمفهوم البناء كما يمكن توصيفها بمجموع المقاصد العليا التي يلتقي حولها الناس كمقومات  أخلاقية وعملية للتفاعل المنضبط في الحياة ..

وخاصية البناء في القيمة لها دلالة تحقق المنفعة والعائد المعنوي للظاهرة المادية أو  الاخلاقية كقرائن منظورة  بتمثيل الجدوى في توثيق طبيعتها لمضمون الفكرة في الواقع  كركيزة لتخلق الشخوص يسماتها فضائل روحية لها حكم الأثر في الارتقاء بملكاتهم الابداعية إلى مستوى القدرة على التأثير والتمكين في تجسيد  تفاعلاتهم لوحدة الروابط الإنسانية  ..

وقيم البناء في معطيات الفكر العملي والمعرفي والأخلاقي هي ما تؤسس إجمالاً الركيزة الأساس للفكر الإنساني بمختلف قضاياه ومشاربه الفكرية كأهم المقومات الروحية لانتظام العلاقات وجدواها في الارتقاء بالوعي إلى خلق وتمكين وسائل وأدوات استقرار الحياة من حيث تمثيلها لقاعدة الوفاق والإجماع إذا ما استثنينا عوامل التوظيف الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المنحرف بتوجيه مقاصدها في الحدود والأهداف الفاصلة بين الإنسانية الواحدة.. 

ولذلك فنحن نحكم على أخلاق وتحضُر أو تخلف الأمم والشعوب وسلوك الأديان والسياسات والأفراد أيضاً من قيمها بل وكثيراً ما تعتمدها غالبية الأديان والنظم الاجتماعية شرطاً من شروط الولاية والعصمة في اجتباء القدوة ..

وحين نبحث في إشكالية الواقع بتجاربه الزمنية وصراعاته الدينية والسياسية والاجتماعية نجدها وثيقة الارتباط بسقوط القيم وتحللها في الفكر العشوائي بحيث تتصدر أخلاقيات التجرد من ثوابتها معظم المواقف والأحداث والمعوقات كمقوم للتفكك والتشظي والصراع وتوطين النزعات والسلوكيات المنحرفة في كل مجتمع بامتداد علاقاتها الاستثنائية بالشعوب الأخرى..

وبمقتضى مراجعة الخلل في الواقع وإشكالاته الزمنية تتصدر حتمية المعالجة ضرورة العودة لاستيعاب قيم الخير في البناء كأداة  لتقويم مبادئ ومقومات الفكر الإنساني وركيزة قاعدية لانتظام العلاقات نستخلص توصيف وظائفها في ثلاثة محاور:

-  بناء الإنسان كوحدة وفاقية لاستقرار كيان الفرد وانتظام علاقاته مع المحيط

-  بناء المجتمع كقاعدة  توافقية متوازنة تحتكم للشراكة الأخلاقية والانضباط العام

-  بناء الدولة كمنظومة ضابطة للوفاق العام

فمن حيث بناء الإنسان تؤسس قيم التعايش الأخلاقي  قاعدة توطين التوازن والوفاق النفسي والعقلي ركيزة روحية لانتظام بنية الفرد بامتداد علاقاته وتفاعلاته مع المحيط البشري بتسلسل تكويناته نستخلصها في وجهتين :

توثيق القيم لشجرة المعرفة كقاعدة ثابتة لبناء الروح والعقل ومقوم أساس لتنمية وتطوير القدرات الذهنية على التفكير والموازنة القياسية والتمييز توثيقًا لانضباط الأداء في التفاعل والتواصل المعرفي بحكم استيعاب الفضائل والمبادئ الأخلاقية السامية مرجعية  لتقويم النفس وانتظام توافقاتها الروحية مع مقاصد وعلاقات الحياة..

 ذلك أن بناء الإنسان شبيه بالعمار من حيث تعميد جسور القاعدة وأعمدتها والتي تؤسس بدورها حدود ومعالم قابلية النموذج للتشكل الهندسي والجمالي الظاهر والباطن والاستقرار الزمني وفق معطيات القاعدة لتوافقات عناصر البناء ..

تعزيز وحدة الذات كمنظومة متوازنة بروحانية الوفاق وضوابطه الأخلاقية  تنتظم في سياق استيعاب العقل لطاقاتها في التأثير الموازي لتحقيق التفاعل الإيجابي مع المحيط والارتقاء باتجاهات الفرد إلى مصاف الشراكة المتضامنة في الحياة ..

 ومن حيث بناء المجتمع تعتبر القيم أهم المقومات الجذرية للتعايش الأخلاقي المتوازن وعقد الوفاق الروحي لتوحيد جسور وقواعد وضوابط العلاقات والروابط الاجتماعية  والإنسانية بشكل عام والركيزة الضامنة لتحقيق الأمان والاستقرار في الحياة..

أما من حيث بناء الدولة فترتكز فلسفة البناء على معادلتين متلازمتين في الفكر والأداء هما:

أولاً : القيم الأخلاقية كقاعدة لبناء النظام

ثانياً: القيم المادية كركيزة لاستقرار المجتمع

ودلالة القيم الأخلاقية كقاعدة لبناء النظام لها وظيفتين :

أ-  أنها تؤسس الركيزة الاعتبارية لفلسفة النظام من حيث تمثيل علاقة السلطات بالمجتمع وتعزيز مقاصد الانضباط في الحياة وتلك ترتكز من حيث المبدأ على تشخيص وتحديد أطر وضوابط الفكر الأخلاقي لمنظومة العلاقات والروابط الاجتماعية كقاعدة (دستورية) توافقية تُعنى بتوحيد الإطار العام لمنظومة الدولة لقواعد ومقومات البناء بحيث يستقيم بجدواها توثيق لحمة الشراكة المتضامنة للتعايش الآمن في  الحياة..

ب-  تصفيف مقومات البناء من خلال تشريع القوانين والنظم الاجتماعية كركيزة قاعدية ضامنة لتمثيل التوازن في انتظام العلاقات والروابط الأخلاقية بحيث تنتظم مبادئها في سياق تجسيد العدالة والمساواة ركيزة لوحدة المجتمع.

كما ترتكز القيم المادية أيضاً على وظيفتين :

-  العمل على بناء وتحديث الوسائل والإمكانات العلمية والعملية الكفيلة بتطوير وتنمية قدرات الإنسان والارتقاء بحياته إلى المستوى المطلوب لتحقيق استقراره وانتظام علاقاته ومصالحة مع المجتمع والشعوب الأخرى.

-  تعزيز وسائل القدرة الانتاجية للقيم المادية كركيزة اقتصادية لإشباع حاجة المجتمع وتوفير متطلباته الأساسية بحيث  تقوم الدولة بتهيئة المناخات والظروف المستقرة والارتقاء بها نحو تمثيل الهدف للتوازن في الواقع..

وباعتبار الثابت في وظيفة القيم المادية أنها تؤسس عمود الحياة وركيزتها في بناء وانتظام جسور العلاقات فموضوعها في مركزية النظام كان ولا يزال يدور عبر تاريخ الوجود البشري حول مطلب (الأمان)المعيشي والنفسي للفرد والمجتمع كقضية رأسية تتصدر مجمل إشكالات وظروف وقضايا الواقع المتأرجحة بين عوامل الانتظام والانحراف..

وهي بلا شك  القضية التي تعذرت معالجاتها في التسلسل الزمني بموضوعية تعذر الفصل بين المفارقات الاجتماعية في تركيبة الواقع وضلوعها في خصخصة القيم المادية بموازاة الأخلاقية كركيزة لبناء الإنسان والمجتمع حيث وقف الالتباس عارضاً في الاشتباك حول الثروة وتعاطي القلة المتنفذة للاستغلال بالاستئثار والتفرد بامتلاكها والتي أنتجت بدورها عوامل التمايز الطبقي والمعيشي وبروز البطالة والفقر وتفشي الأمراض والانحرافات الاجتماعية والتي صاغت بدورها دوافع التفكك والانقسام والصراع عائقاً مستداماً للانضباط .. 

والقضية من حيث استخلاص النتاج الزمني لتحلل القيم أن صلتها بالواقع رغم أنها تبلورت في الاتجاه المعرفي العام قرائن ثابتة للوفاق إلا أنها وقفت خلف دائرة التطبيق والالتزام تسوسها النزعات البشرية بمنطق التسطيح والادعاء قاعدة تفاضلية للفصام الفكري والأخلاقي اختزلت جوهر المعنى بالتوظيف المحوري للمفاهيم السطحية وتسويقهامن خلال تعزيزمحاذيرالتفكك العائم في أيقونة المصالح وتضاريس الهوية الاجتماعية والعقائدية والسياسية وغيرها من عوامل التشظي والانقسام..

وهو الأمر الذي أرسى واقع الحياة وتحولاتها الزمنية على تحلل القيم إلى الضد شمولاً باتساع دوائر الشر عنها نتاجاً طبيعياً للفصام الأخلاقي والمعرفي المتلازم مع التنشئة العشوائية والمتباينة والتي حكمت تجسيد النفس البشرية للطبيعة الحيوانية بسماتها الارتباطية لقوانين الغاب منهج حياة..

ثانياً- متغيرات الشر في طبيعة الهدم

وهي المقاصد الضدية لقيم البناء المنظورة في تحلل الخير للشر والعلم للجهل والسعادة للشقاء تستحضرها بشكل عام مظاهر الافتراق الديني والسياسي والحضاري والإنساني في توظيف المفاهيم والقواعد الأخلاقية للخصوصية المتعارضة باحتواء المعرفة لمنهجية الفكر مشاريع استحقاق متضارب ينتظم بموجباته توطين التفكك والصراع قاعدة متشابكة بين الأمم والشعوب فيما تسوس عوارضه النزعات والرغبات والأهواء والدوافع وفق تداعيات الأهداف والغايات المنوطة بها..

وللمتغير في مبدأ التحلل الزمني للفكر مرجعية تكوين الإنسان المزدوج بين تجسيد الذات للتناسب الوفاقي منظومة بناء وبين قابليته كوحدة جوهرية للتفكك العارض بامتثال النفس للطبيعة المادية القابلة للتغيُّر في سياق توثيق اللاوعي الحسي للتداخل الارتباطي بالمقاصد قاعدة منفصلة عن العقل في التشكل العشوائي بالفكر المتشابك طبيعة متجردة بتمثيل (الأنا) لاستحقاقها قرينة يحكمها الجهل بدوافع الاضطراب  ..

وتفسير ذلك أن وعي الإنسان بالخير والشر ارتبط بعوامل الوفاق والصراع المتدرج من انحراف النفس البشرية  عن ثوابت  القيم والأخلاق كقاعدة للعقل الجمعي نستدل عليها من قراءات الفكر الديني لخلق الإنسان آدم وفيه كل البشر والشيطان بوصفه رديف النفس في التحول من الأبوة إلى النفي الملتبس بالأبلسة في التحول من نور العلم إلى ظلام الجهل والتجرد الذاتي بنزعة الغرور  والتفاضل وتسلسل مفاصل الغواية في تحلل مفرداتها إلى مفاهيم ومعارف وهويات ومعتقدات ومصالح استحكمت بيادقها بتعزيز منهجية الصراع وتجذر وسائله وأدواته في عارض تمكين الشر من السيطرة على منافذ الحياة وتفكيك مقوماتها ..

 وتلك وإن ارتبطت جذوره في المسار الزمني بلاهوت التاريخ وتعللاته الافتراضية بتوظيف التناقض الكوني قرينة  لضدية (الإله والشيطان) وعلاقتهما بتوجيه صيرورة الحراك الزمني إلا أن الشاهد في موروث التجارب الدينية لم يتجاوز على الإطلاق موضوعية الفصل بينهما من حيث إسدال الخير والشر على المشيئة الإلهية في مقتضى توجيه الضرر أو المنفعة على الإنسان توثيقاً لتبرير المفارقات في الرزق والتمكين حكماً على عدالته واختياره المساوي لتعميد الحق فتنة ضميرها الصراع حول التفرد باستحقاقه  ..

وعلى بيد الصراع ارتبطت عوامل الهدم بتحولات الفكر الزمني لحركة التاريخ الذي ترافق مع التشكل العشوائي للنفس البشرية بطبيعة التداخل المعرفي المتشابك  بتمثيل الإرادة الفردية  والفئوية لأرجوحة المصالح  المتصاعدة في تعزيز منهجية التفكك بمختلف اتجاهاته وأهدافه وانحلال موازينه المستقيمة على هامش التوظيف المحوري والانحراف المعرفي والأخلاقي للضمير الفردي والعام المستثنى بتماهي تغييب الاستحقاق البشري للأمان في منازعات الأطماع والاستغلال المتشابك عبر المراحل الزمنية  لحركة التاريخ حضوراً متسلسل لتداعيات الصراع وانحسار الفكر الإنساني خلف أوهامه وتطلعاته رديفاً لانحراف الوعي التبعي نحو استفراغ وتسطيح قيم الوفاق بالمفاهيم البديلة واستيعاب فلسفة التناقض مرتكزاً لتعطيل موازين  الشراكة الأخلاقية ووسيلة لتمكين سباق القوة والغلبة من ترسيخ قوانين الغاب مسلكاً لتوطين الصراع قاعدة للحياة ..

من هنا كان للمتغير في تداخل الخير بالشر حكم الانحراف بالقيمة عن وظيفتها توثيقاً للتصرف في تفكيك وحدتها وتوظيفها لاشتراع المفاهيم والأهداف المحورية مشاريع للتفرد والاحتواء المتضارب مثالها في ذلك تفكيك وحدة الكوكب الذي نعيش على سطحه في صيغة الحدود الجغرافية  والعلاقات في هوية النظم السياسية والمصالح الدولية وتفكيك وحدة (الحق) الإلهي في تعدد الآلهات والأديان والمقدسات وتفكيك وحدة الجنس البشري في الأعراق والأجناس والسلالات والطوائف وتفكيك موازين وقواعد العدالة الاجتماعية والإنسانية في تحلل الطبقات والمصالح الفئوية وغيرها الى غير ذلك من أشكال التمزيق وانعكاساته على تطبيع مفارقات الواقع للإشكالات المتجذرة في خلق الأزمات  وصياغتها لمحاور الصراع  المسترسل في التاريخ ..

وفيما تتسم متغيرات الشر بالتمدد واتساع دوائرها في كل قضية من قضايا التعايش والصراع البشري كنتاج لعشوائية الاستقراء المعرفي وارتباطه بموروث التجارب وارتهانها للسائد في الواقع بمقاصده المتجذرة ، غير أن مفاصلها المعرفية تشكلت  من وعي العلاقة النمطية بين الإنسان والطبيعة القاسية في صراع البقاء والتي حكمت بدورها تلازم الأخطار مع الخوف من المجهول موطئاً لتطوير وسائل المواجهة وتجذر أشكال الصراع مع تنامي متطلبات الفرد والمجتمع ..

وباعتبار الشاهد في وحدة القيم والأخلاق أنها تؤسس للثبات والانتظام في تعميد أسس وقواعدالخير في  البناء فمعطيات الشر على خلافها غالباً ما تحتكم للتجذر المتصاعد والمتشاكل بتوطين انعدام التوازن والتغير والتفكك والتناقض والاضطراب والتماهي  في السقوط والهدم..

فالمحبة كقيمة روحية تنتظم في سياق تعزيز أواصر التواصل والتقارب والانسجام والتلاحم بخلاف معطى الكراهية وانعكاساتها على تقييد النفس بالأحقاد والصراع الباطن وانبعاث القلق والاضطراب بما في ذلك  توجيه علاقة الفرد بالمحيط على انعدام التوازن والاضطراب بشقيه المادي والروحي المرتبط بتلازمات الخوف مع المطلب الضرورة للبقاء وتوجيه الذات للسقوط في الامتهان أو الانحراف وانعكاساته على توجيه مستقبل الفرد بامتداد تركيبة الواقع ..

وبرغم أن قضية الشر في الحياة كانت ولا تزال هي رأس الإشكال الزمني المستعصي عن معالجة معضلة استقرار وانتظام حياة الإنسان بامتدادالتعايش المشترك بين الكيان البشري الواحد إلا أن قراءات الفكر الإنساني ومعالجاته لقضاياالحياة ظلت تدور حول كيفية الموازنة بين مقتضيات السيطرة على الإنسان وبين الوسائل والامكانات المفترضة لتلبية متطلباته وتأرجح الحلول بين تعزيز الأنظمة الحاكمة لفرض هيمنتها على الشعوب بالقوة وبين الارتهان لمفارقات الواقع المتناقض الأمرالذي خط جذر الإشكال في تمحور العلاقات حول انعدام التوازن حيث جاز به تأصيل المعرفة البشرية للتضاد قاعدة كونية للخلاف والاختلاف فيما كان لهذا التشخيص حكم التوثيق الزمني المساندلتوطين سيطرة الصراع وتجذره في مشاريع الفرقة والانقسام منابر وساحات للفتنة والصراع أرست منازعاتها جسر الامتداد في اتساع  هوة الشر والجهل وتنامي ظروف ومعوقات استقرار الإنسان في الحياة..

وقضايا المتغير في الفكر متعددة الوجوه والأقنعة غير أن مصادره الأساسية في حركة التاريخ اقترنت  من حيث المبدأ بمنظومتي الصراع في تركيبة الدين والدولة واتجاهات كل منها في السيطرة على الشعوب واستلاب إرادتها والتي شكل تفككها محور  المنافسة والسباق الموجه بمقاصدالتأصيل والتجديدعلى التفرد بالقياد ..

وتلك حين نضعها في ميزان الفكر الديني قدنجد غالبيتها تقوم على التسليم بوجود آلهة كونية واحدة كمرجعية ثابته لخلق الوجود والإنسان والحياة  فيما تختزل الإيمان بالمتغير في النصوص والشخوص بدائل ائتمان الحق في فكرها ومعتقداتها قاعدة استحقاق تبعي لكل دين استحكمت تناقضاته بتوظيف الربوبية قاعدة صورية للملك الموازي للعبودية في الترهيب والترغيب وتغييب القيم كمنهج ثابت لانتظام الحياة في متغيرات الطقوس والنواميس المختلفة بتعميد صلته بالعبادات بدائل للتوحيد بامتداد تطبيع الخلاف والصراع  مسلكاً للتفرد بالوصاية عليه في سباق السيطرة على الوجود ..

وفيما نجدها جميعاً تتقمص  ثوب القيم السماوية كثوابت سماوية بيد أنها تؤسس فكرها ومعتقداتها على المتغير بدأً من تفكيك مقاصدها في تمثيل الضابط الروحي لوحدة العلاقات وانتهاءً بتفصيلها مشاريع استحقاق تبعي لكل دين ..

وبمقياس تركيبة الدولة إذا ما أمعنا النظر في التجارب الزمنية حتى يومنا هذا نجد أنظمة الحكم بما تشكلت به من فكر منحرف عن الثوابت تتصدر رأس الشر في صياغة الواقع من حيث تسلسل الأدوار.. فالحاكم الفرد لكي يحافظ على سلطانه يحيط نفسه بالمنتفعين من أقرانه فيحكم المجتمع وفق دواعي السيطرة وأخلاق المنفعة الخاصة وحين يعجز عن تمثيل مسئولياته نحو المجتمع يعلن التجييش لغزو الدول المستضعفة فيمارس القتل والنهب والقهر والاستعباد وهتك الأعراض ناهيك عن الثمن الذي يدفعه مجتمعه في التضحية بخيرة أبنائه من أجل تمجيد انتصاراته والاحتفاء بغروره وعظمته وسلطانه ..

ولذلك نجد الكثير من الشعوب غالباً ما تتطبع بأخلاق حكامها بما فيها تركيبة النظم المتدرجة في تشكيل انعكاسات السلوك التراتبي للوظائف ..

فتفكك العلاقات الاجتماعية ليست سوى نتاج لاتجاهات النظم السياسية  وانحرافهاعن تمثيل التوازن وانحراف النظم أيضاً هي نتاج لفساد السلطات  والقائمين عليها وفساد السلطات متصل بفساد الحاكم وفساد الحاكم نتاج لفساد أخلاقه وهكذا دواليك..

وفيما قد يرى البعض أن واقع الدول المتقدمة اليوم يختلف من حيث التمثيل الديمقراطي لحاكمية الأحزاب نخالفهم الرأي ثبوتاً باستخلاص النتائج من واقع الفصام بين الحكام والشعوب والمحمولة على تصدير السياسات لتفشي البطالة والفقر والانحرافات الاجتماعية وتفرد السلطات بالقرارات المصيرية في حق شعوبها وعلاقاتها الإنسانية بالشعوب الأخرى..

وحين نبحث عن أسباب تفشي الانحرافات الاجتماعية في كل دولة كالقتل والجريمة المنظمة والإرهاب والسرقة والاحتيال والاستغلال والفساد الأخلاقي وانتشار المخدرات نجدها مرتبطة بانعكاسات سياسات النظم وأدواتها ..

 من هذا المنطلق كان سبيل الشر في الهدم حكماً على جهل الإنسان وأدائه المتناقض في تصديرالمعرفة  لمتغيرات الفكر المنحرف على قاعدة التباين والخلاف واتجاهاته العملية نحو خلق وتعزيز وسائل الشر وتمكينه من الامتداد والتوسع حتى بات وجود الإنسان والحياة على سطح كوكب الأرض على شفى مشارف النهاية المرتقبة ..

ففيما تتدرج التشكلات الكونية لوحدات النظام بعلاقاته المترابطة ينتظم وجود  كوكب (الأرض) في إطار المجموعة الشمسية بوحدة تكوينه المنفرد ككتلة مادية متنوعة في التشكل تتميز بخاصية استيعاب مجمل العناصرالمتسلسلة في التركيب لتناسب المكونات في تجسيد طبيعته لموازين الوفاق وتمثيل نشاطه المحوري لقوانين الثبات ..

ولذلك فعلة ما نراه في اختلال موازين الطبيعة في كوكبنا وانحراف نشاطه في انبعاث الكوارث المتمثلة (بالزلازل والبراكين والعواصف والأعاصير والزوابع والتغيرات المناخية والأمراض والأوبئة) وغيرها ليس سوى الانعكاس الطبيعي لسلوكيات الظواهر الموجودة على سطحه والتي يتصدرها الإنسان بوصفه الكائن المسيطر حيث شكل أدائه كقرينة لاستيعاب الفكر العشوائي مصدر الاخلال المتسلسل بقوانين الطبيعة الكونية وصولاً لتجسيد همجيته للنهاية المفترضة للحياة..

رابعاً: الخطأ والصواب في الفكر

لعل من البديهيات المتعارف عليها أن ليس هنالك بشراً لا يعتقد أنه كائنٌ مفكر وعاقل بمن فيهم محدودي الفهم والمعرفة  والمتخلفين عقلياً والمنحرفين وكذلك من نصفهم بالمجانين ، غير أن كل منهم لا يؤطر صورة التفكير والعقلانية سوى في فهمه وما اختزلته ذاكرته ووعيه من مفاهيم وتصورات وقناعات وأوهام وتجارب قل أن يرى فيها وجوه الخطأ والصواب في قراءاته وسلوكه ..

  وفيما قد تأتي هذه الفرضية كرديف لاعتبار أن الإنسان هو الكائن الحيواني المتميز بقدراته في الاستيعاب العقلي  والتفكير والتمييز والإدراك والتعبير اللغوي عن سائر الأجناس النوعية، إلا أن هذا التميز قد يتماهى بين عدمية الرؤية في التمييز الصحيح والاقتران اللاواعي بعشوائية الفكر المتناقض على خلاف الترجيح وتلازماته من حيث تصفيف النتاج الزمني لانعكاسات العائد على واقع الإنسان والحياة ..

وقضية الخطأ والصواب في الفكر من حيث تلازمها مع قضايا المعرفة البشرية هي في مجمل تفاصيلها تصب حول قضية بناء الإنسان ومنهج الحياة المتدرج من تأسيس قواعد الوفاق الروحي كمنظومة أخلاقية لانتظام تكوين الفرد  إلى تمثله لطبيعة الارتباط وضوابطه في تمثيل مصالحه وعلاقاته المتسلسلة بدأً من المحيط الأسري إلى النطاق الاجتماعي فالإنساني ..

ولذا كان الأصل في صحة الفكر حكماً على ثبوت المعرفة الوفاقية بين البشر كمرجعية لاستيعاب مسلماتها منهجية للتفاعل المشترك باعتبار  أن فضل المعرفة  يتمحور  حول تمثيل مقاصدها لتحقيق المنفعة العامة ركيزة لانتظام وثبات العلاقات كضرورة وجوبية تسترقي تمثيل القيمة للغاية من وجود الإنسان  وارتباطه باستحقاقات وعوائد المنفعة عليه على أسس ومبادئ البناء الصحيح المنظور قياساً بتوثيق الهدف لمقومات  الاستقرار في الحياة ..

وعلى العكس من ذلك يؤسس الفكر المتأرجح بين الصواب والخطأ بمفارقاته في تشخيص الفهم لطبيعة المعرفة المتشابكة محور الخلل في تطويق الوعي الفردي والعام بالنهج المتعثر بتقييد انعدام التوازن في تكوين الإنسان بمجمل علاقاته المتسلسلة في تركيبة الواقع مروراً  بتماهي التفاعل المشترك إلى حالة مضطربة تستحكم بتوجيهه صراع المصالح ..

من هنا كان معيار الخطأ والصواب في الفكر مقاصد وروابط وعلاقات ودلالات وصفية  وقواعد أخلاقية هي في مشهدية التجارب المعرفية ميزان الوفاق الشرطي وبيد انحرافاته يستخلصها العقل من دلالات الخير والشر والعلم والجهل والصدق والكذب والحق والباطل مفارقات أخلاقية تستجمعها النفس البشرية من تفاعلاتها مع الواقع وتتشكل بمفاهيمها وعياً وسلوكاً وسمات وتعاملات ومظاهر وشواهد عينية متجددة تحيط قضاياها بجميع مفاصل الحياة ..

وتلك في معايير ودلالات الفكر يرتكز تحليل مفاصله على توصيف القاعدة المعرفية لمفارقات التشكل البشري بطبيعتها قياساً بالثابت والمتغير في موازين الفكر وسياقاته المتدرجة في الانحراف  نستخلص عرضها في ثمانية مظاهر هي:

 _   الفكر المستقيم 

_  الفكر المنحرف  

_  الفكر المتشابك 

_ الفكر الملتبس  

_ الفكر الاحتمالي

_   الفكر المتناقض  

_  الفكر السطحي  

_  الفكر النسبي

وتلك بمجملها تنتظم في سياق تفاعلات الإنسان في الوجود والحياة من حيث تحديد معايير الوفاق والتضاد والعلم والجهل والخير والشر والصدق والكذب والصحيح والفاسد فيما تؤسس صلتها بالإنسان محور التحقق بالخيار المنهجي كمسلك للحياة حيث يتشكل بطبيعتها الوعي الباطن قاعدة بناء يستقيم بعقده توطين سلوكيات وأخلاق الفرد وتنتظم أو تنحرف بموازينها تفاعلاته مع المحيط  ..

كما يؤسس هذا التفصيل لمحاور التقييم الوصفي لأنماط المعرفة بموازينها التراتبية في بنية الفكر ومقاصده الاعتبارية كقضايا متشابكة في توجيه مفارقات السلوك الفردي والعام وبمقاييسه قد يحيط فكر أو اتجاه بعينه كالفكر الديني أو السياسي أو الاجتماعي وغيرها من القضايا المشتملة على مجمل التصنيفات الواردة في التحليل الموضوعي للسياق..

ووفقاً للتقسيم الآنف  نستخلص تحليل المضامين في الآتي:

1- الفكر المستقيم

يتمحور الفكر المستقيم حول منظومة العلاقات المتوازنة وقواعدها الثابتة في بناء وتوجيه منهج الحياة    للانضباط العام صلة وصل بتشخيص قضايا الوفاق المعنية بتوثيق لحُمة الروابط الإنسانية بوصفها مناط الاستقامة في الاقتران بالمعرفة المتسقة مع تمثيل النهج لاستيعاب المقومات الأخلاقية لانتظام جسور العلاقات على المحبة والصدق والإيثار والتواضع والتسامح والأمانة والوفاء  واحترام حقوق وخصوصية الغير ركيزة لبناء الإنسان المساوي لتصفيف موازينها للقيم الكلية التي يثبت فيها شرط الوفاق الجمعي على الانضباط العام كالحق والعلم والعدل والسلام والأمان قاعدة للتعايش الأخلاقي والاستقرار في الحياة ..وتلك بمجملها ترتكز على تصفيف البناء لمنسوب التكامل في تمثيل الجدوى لطبيعة الانتظام ..

مثال ذلك تحقق الاستقامة في العلم بثبوت المنفعة العامة في عوائد الخير على الإنسانية من كشوفه ونتاجه وانعكاسات تأثيره على تطور الحياة والارتقاء بها إلى مصاف التكامل الموجه لاستيعاب متطلبات الواقع ومعالجة ظروفه ومعوقات انتظامه..

 وكذلك العدل قياساً باستقامة موازينه على الحق والمساواة ومثلها أيضاً قواعد وقوانين الانضباط العام بشموليتها على تحقيق روافدالتعايش الآمن والاستقرار  وعلى ذلك يكون مبدأ القياس ..

والفكر المستقيم قد لا  تقتصر دلالاته على اتجاهات الفكر الإنساني بما في ذلك القيم والفضائل والأخلاق كمرتكزات ثابتة لمنظومة العلاقات باعتبار أن موضوعاته غالباً ما تتشكل في سياق تطور المعرفة واستيعابها للخلل في التجارب الإنسانية بتفاعلاتها مع مجمل قضايا الوجود والحياة كالأعراف والتقاليد والمعتقدات والنواميس والثقافات والمعارف والتفاعلات البشرية بمختلف روافدها وانعكاساتها على الواقع المعاش والتي تنتظم بدورها في سياق تحقق الجدوى بالثبات في تحقيق المنفعة العامة..

وللفكر المستقيم في جدوى بناء الإنسان حكم توجيه انتظام طبيعة النفس في التشكل الذاتي بمقاصد الوفاق والتوازن وخلوها من الأعراض النفسية والصراع الباطن كمعيار لانتظام علاقات الفرد في سلوكه مع المحيط ..

كما أن له في معيار التشكل الاجتماعي أفق انضباط الشراكة الأخلاقية للتعايش المنظوم على توازن العلاقات والروابط والمصالح واستقرارها وفي معادلة البناء الاقتصادي سقف التحقق بالروافد والمقومات الانتاجية للاستقرار  ..

وبرغم أن الفكر المستقيم يفترض فيه أن يشكل محور انعكاس النتاج الزمني لتحلل المفاهيم والعلاقات الإنسانية في بنية الفكر المعرفي المعلوم بترجيح موازين الخطأ والصواب في قراءاته إلا أنه ظل ولا يزال في طور التشكل المحدود بالهامش النسبي محكوماً بالتجارب الفردية بتلازماتهامع محاولة التعاطي مع اختلالات الواقع..

2- الفكر المنحرف

وهو الاتجاه المضاد للفكر المستقيم المنفرد بطبيعة الشر في تجسيد مظاهر الصراع والهدم والاستغلال الموجه بانعدام التوازن في توجيه علاقات وتعاملات الحياة يضلله في السياق العام ما يتشكل به الواقع من اختلالات ومفاسد وأخلاق هابطة وفوارق اجتماعية وانقسامات وصراعات ومصالح متضاربة كنتاج لاختزال الوعي المتشظي لعوارضه المرضية سمات انطباعية يتطبع الفردوالمجتمع بنوازعها وأخلاقياتها في سياق التنشئة المتصلة باستيعاب ظروف الواقع أو المحيط بعلاقاته المتصاعدة في التفكك تستحضره عشوائية التشكل المتناقض بين الشعوب ..

وله في طبيعة التشكل حكم التدرج الأفقي بدأً من تغييب النظم السياسية أو سلطات الحكم للعدالة الاجتماعية إلى بروز مظاهر التفكك والصراع إلى تفشي البطالة فالفقر إلى سيطرة الخوف من المجهول على اتجاهات الوعي الفردي والعام وتحلل الأطماع بين فساد القائمين على ولاية الأمر الموازي لحلحلة قيود وضوابط النظام  وانحراف الواقع في تفشي مظاهر الاستغلال التجاري والقتل والسرقة والنهب والنصب والاحتيال والاتجار بالسلاح والمخدرات والجنس والتي وصلت في عصرنا الراهن إلى المتاجرة بحياة وأعضاء الإنسان..

ويختزل الفكر المنحرف في طبيعة التجارب الزمنية مجمل قضايا الارتباط بالمصلحة بعلاقاتها المتجذرة 

وله في سجل العلاقات التاريخية  بين الدول قاعدة المصالح المتضاربة بين الشعوب والأمم في منهجية  الفكر السياسي القائم على ترجيح فلسفة الصراع لموازين القوة وتطلعات أنظمة الحكم لإستعراض عظمتها من خلال تطبيع النزعات الاستعمارية والاستبدادية  قرينة موازية لسقوط الضمير الأخلاقي واحتراف منهجية الغزو  لاحتلال واستعباد وقتل الشعوب المستضعفة وسرقة مقدراتها قاعدة مبررة بحماية حقوقها المشروعة وتخليصها من طغيان الحكم الجائر ..

وهو في العلم ظاهرة توجيه المعرفة لاكتشاف وتطوير آلية الصراع والتسلح بمجمل وسائله وأدواته الموجهة لتهديدالحياة والإنسان وفي العلاقات الإنسانية بشكل عام هو كل ما يتنافى مع فضائل القيم والأخلاق والمبادئ وتحتكم فرضياته لعوامل الجهل والشر في تفاعلات الحياة ..

3-  الفكر (العشوائي)

وهو الفكرالجامد المتصل بموروث التجارب الزمنية للجذور العقائدية في التسليم بالخرافات والسحر والشعوذة والثقافة التقليدية المتناقلة بين الأجيال والأقل استيعاباً لموضوعية التطور المعرفي ومستجداته والموجه في الغالب بواقع سيطرة الجهل وعوائق  الهم اليومي للمعيشة وتداعيات الظروف  فيما يمثل الظاهرة الأكثر شيوعاً وانتشار في المجتمعات المتخلفة والمترابطة مع طبيعة النظم والأدوات التي تحكم الواقع واتجاهاتها العشوائية في استيعاب ومعالجة قضايا الحياة ..

 كما تحتكم طبيعته لعوامل الجهل والغموض المتجرد بالتلقائية فيما تجده في كثيرمن الحالات محكوماً بالظروف والمشكلات المتعثرة بين تخلف الشعوب والسياسات الموجهة لها وفق فرضيات الأهداف السلطوية في البقاء وبين تمثيل عجزها عن تحقيق متطلبات المجتمع في تصدير القهر والخنوع وسيلة لتطبيع الظلم والفسادوالصراع قاعدة متوازية مع توجيه إمكانات الدولة للبحث عن مصادر الإلهاء والتغييب في التمحور حول الموروث الاجتماعي وتقاليده الجامدة بتمثيل انعدام التوازن وانتشار الانحرافات تقودها الحاجة للتواكل والخضوع والاستسلام لثقافة الواقع والتبعية العمياء للمؤثر الزمني والتفاعل وفق معطياته..

كما لاينحصر الفكر العشوائي على الثقافات الهامشية التي تحكم غالبية الشعوب المتخلفة لما لها من صلة بالتفكك الاجتماعي وتعدد الطبقات بقدر ما نجده ينتشر بين المجتمعات المختلفة التي تحيط بها عوامل الفقر والبطالة والجهل والفساد ..

4-  الفكر المتشابك

وهو الفكر المتجذر  بتوظيف متغيرات المعرفة البشرية واتجاهاتها المتعارضة على قاعدة التفاضل المتجرد بالخصوصية الذاتية في منازعات الخلاف والاختلاف  صلة وصل بحركة التاريخ وانعكاساته على مجمل قضايا ومعوقات الحياة بدأً من توثيق أهدافه الخلفية للاتجاهات الأيدلوجية المنقسمة في تمثيل الهوية للنزعات المتجردة باحتواء الحق مفترقاً يتجاوز الحق البشري العام مروراً بتضمين الاستحقاق مرجعية لتعزيز وسائل تمكين كل اتجاه من التفرد المفرغ  بتوسيع دوائرالتفكك والانقسام والصراع  وتبعات تأثيرها على واقع وحياة الشعوب ..

وفي مساق الخلاف الزمني المتجدد يؤسس الفكرالعقائدي المنبع الرئيس لانبثاق التعدد المتشابك بوعي التجانس في توثيق الأصول معرفة لاهوتية والاختلاف في شخصنة الوسائط قاعدة للتفرد باحتواء الحق الإلهي مشروعية استحقاق لكل دين مقنن بأرجحية التفاضل والتميز بالخصوصية المعرفية والعقائدية وتوظيفه لاستحقاق الهوية مشاريع للتبعية والسباق التبشيري المضمر بعقلنة الصراع والفتنة وسيلة للسيطرة على حاكمية الوجود..

وعلى منواله ومرجعية استحقاقه تعددت مناهج الفكر السياسي واختلفت مسوغاته في توصيف النظم لطبيعة العلاقات بين تركيبة كل مجتمع من ناحية وبين تمثيل الهوية الجغرافية والسياسية لمنظومة الدولة  بسلطاتها المعنية بتوجيه العلاقات مع الشعوب  الأخرى من ناحية أخرى..

5-  الفكر الملتبس

والفكر الملتبس هو ما يوحي ظاهر قراءاته توصيف مقاصد الخير في انتظام تعاملات الحياة و يخفي باطنه تمكين وتعزيز منهجية الشر وتطبيعة وعياً وسلوك مضمرٌ بتقييداستحقاقه وسيلة للتضليل والاستغلال والسيطرة على عقول العامة وغالباً ما ترتكز أسانيدة على توثيق الجهل بصورة العلم وتلبيس الكذب ثوب الصدق والباطل وجه الحق والظلم قاعدة للعدل والخوف مطية للأمان وغير ذلك من الشواهد..

مثاله في ذلك ماتعارفت عليه المعتقدات البشرية في توظيف الأساطير والمعجزات والخوارق قاعدة معرفية وجوبها التسليم والتصديق  وكذلك الفكرالسياسي في توظيف بعض المصطلحات والمفاهيم كالغاية تبرر الوسيلة والحرب طريق السلام والديمقراطية وسيلة لحكم الشعب وغيرها من المفاهيم التي تنتظم في سياق تبرير فلسفة الصراع قاعدة للحراك الطبيعي في الحياة ..

ومنها أيضاً أفكار ومفاهيم درجت في السياق الزمني الممتد لتشابك العلاقات الاجتماعية وواقع التباين في تركيبة الشعوب كنشأة البرجوازية والإقطاع التي أطلقت حرية التملك الفردي والاستغلال على عواهنه وعلى رسلها تشكلت فلسفة (حرية) الاقتصاد في النظام الرأسمالي دون احتراز الالتباس بين معنى الحرية كقيمة فضيلتها حفظ كرامة وحق الإنسان في التعبير عن رأيه  والمطالبة بحقوقه المشروعة وبين إطلاق هذه الحرية للتفرد بامتلاك واستغلال مقدرات الشعوب ونتائجها في تمكين الجشع من استعباد الإنسان لأخيه لإنسان وانعكاسات محاذيره على طبيعة الواقع في ظل انعدام الضوابط الأخلاقية والاعتبارية كقرينة متلازمة مع مفهوم الحرية المقيدة بعدم تمثيل الضرر في الحق الخاص والعام..

6-   الفكر المتناقض

وهو الفكر الذي تتداخل في معطياته عوامل الخير بالشر كنتاج لانعكاس المؤثرات الزمنية في تشابك الواقع وانطباع مفاهيمه وأعراضه في الوعي الجمعي مسلمات قاعدية للتفاعل والتعايش المتضارب على هديّ التناقضات  المتشابكة في الواقع ..

وللفكر المتناقض جذوره الزمنية المسترسلة في تعزيز عشوائية التشكل بالنزعات والأهواء في طبيعة النفس البشرية كقرينة متلازمة مع الاتجاه العام مثالها في ذلك تشابك الوعي بين منسوب الحاجة والطمع والقدرة والعجز والحسد والرضا والمحبة والكراهية والتسامح والحقد والثقة بالنفس والنقص والتواضع والغرور والعلم والجهل والصدق والكذب والخوف والأمان والتخلق بكل ما من شأنه تمزيق العلاقات والروابط الإنسانية  ..   

8-  الفكر السطحي    

وهو الفكر التلقائي أو العفوي الذي غالباً ما يعالج أو ينظر للقضايا من السطح الظاهردون تحليل أو استيعاب العمق الذي تحيط به مضامينه بل وكثيراً ما يفتقر للمعلومة الصحيحة في قراءاته مثاله في ذلك ما نعيشة في العصر الراهن من أزمات تتضارب الآراء والتصورات حول كهنها وأسبابها وأهدافها فيعكف البعض على محاولة تحليلها من واقع ميوله وانطباعاته ..

9-  الفكر النسبي

وهو الفكر الذي يؤطر الحقائق المعرفية بالنسبية تستحضره في الاتجاه العام مجمل العلوم والمعارف الإنسانية كالفلسفة وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والطبيعة وغيرها والتي لا تزال بمجملها تراوح في المقاربات النظرية والحلول النسبية وهو وإن درج في سياق الفكر الخلافي إلا أنه على خلاف الاتجاه الآنف الذكر لاعتبارات جوهرية أهمها أنه يسير على خط التدرج المعرفي في البناء الغير قابل للتأصيل الثابت باستثناء ما تحتكم موضوعاته  للمقاصد الاعتراضية في التوجيه..

ولذلك فهو يندرج ضمن معطيات الخير والشر بواقع نسبية القصور والنقص في انعكاسات تأثيره  وجدواه غير أن خطورته قد تستفحل حينما تتحول معطياته إلى مسلمات ثبوتية كما هو السائد في تقرير ثبوت الحقيقة النسبية بمسوغاتها الجدلية لتبرير الواقع..

وتقديرنا لموضوعيةالخطأ والصواب في تلازمات الأنماط المذكورة يرتكز في استدلالاته على إخضاع الحيثيات المفترضة لموازين الخير والشر في توثيق كل مسئلة لعوامل الوحدة الفكرية في مقابل تصدير النتاج المعرفي لعوامل التفكك المنعكس على تكوين الإنسان بطبيعة تعزيز انعدام التوازن النفسي لمبدأ الصراع في الوجود الواحد ..

فالفكر كمقوم لانتظام علاقات الحياة أصبح من حيث انفراط عقدالوفاق الجمعي على ثوابته ومتغيراته مجرد  أداة أو وسيلة لتمكين الجهل والشر من السيطرة على منافذ الحياة..

خامساً: قوانين الفكر في البناء

حين تستوقفنا رؤية الكون كمنظومة بناء فنحن نراه  بعين قوانينه فكر موازين ومعادلات تمثيل العناصر للتسلسل الذري في التركيب المادي عقل استيعاب تناسباتها الوفاقية لتراتب البناء بل يستحيل أن نراه بمنأى عن تجريد النشاط الفلكي للنظام المتوازن على قوانين الثبات..

وبحكم العلاقة بين تمثيل قوانين النشاط الكوني لفيزياء الطاقة واستيعاب الوعي الذهني والحسي لخصائصها قرائن ودلالات معرفية وحسية فنحن ندونها في ذاكرة العقل أفكاراً موازية لطبيعة النشاط بتناسباته الوفاقية وعلاقاته الارتباطية في تمثيل وحدة النسق في البناء ..

من هنا كان للفكر في بناء الوجود والحياة قوانينه الانضباطية المقننة بتمثيل توافقات وموازين البناء واختزال معادلاته التناسبية لانتظام الحركة والنشاط في توحيد روابط وعلاقات  الحياة المنظورة في تكوين الإنسان بتصفيف توازنات الفكر لمفارقات السمات قرائن ومقاصد وقدرات وضوابط روحيه لانتظام علاقاته بالوجود والحياة..

وباعتبار الثابت في استيعاب ماهية وخصائص ودلالات الفكر في تفسير معاني الوجود تستحضره في وعينا انعكاسات الصور والأشكال والألوان والأبعاد الضوئية والقراءات بصيغة الاقتران بالطاقة الفيزيائية للنشاط  فمعادلاته تنتظم في سياق تمثيل التواصل الذهني والحسي لتقييد وترجمة خصائصه الفيزيائية مفاهيم وصفية لحقائق وروابط وعلاقات ومقاصد وقضايا الوجود والحياة والتي تشكل بدورها منظومة القوانين الفكرية للبناء..

وهي القوانين التي تعتمد تحديد موازين واتجاهات الأفكار الجزئية في ترتيب وتركيب المفاهيم الكلية قرائن مماثلة لطبيعة المعقول والمحسوس تختزل معادلاتها القياسية تمثيل الروابط الضابطة لتسلسل الفكر وانتظام حضوره في تمثيل علاقات الواقع للثبات ..

ولأن  الغاية من تصفيف  قوانين  الفكر تنتظم في سياق استيعاب وتحديث منهجية واتجاهات العقل البشري في صياغة التجارب المعرفية التي حكمت ولا تزال تحكم وجودنا بعشوائية الاجتهاد الخلافي واتجاهاته الأحادية العارضة بتمكين التفكك والصراع قاعدة للحياة ، فموضوعية المعالجة تقتضي توثيق الشواهد من خلال المقارنة بين تصفيف القوانين لوحدة الفكر في البناء وبين تحولاته المرحلية في تشكيل الواقع  بالمتغيرات  وهو ما نستخلصه في تمثيل وحدة الفكر لقوانين الثبات وتصنيف النتاج العشوائي لمتغيرات الفكر بالعوامل الموازية لتوثيق الاتجاهات  وهي على ثلاثة اتجاهات :

- قوانين الثبات المتوازن

- متغيرات التحلل النسبي

- منهجية التحول الضدي

وبناءً على ما سبق فإن حيثيات التقسيم والتوصيف  ترتكز على معيار الفصل بين الوظائف من حيث تصفيف القوانين للمقاصد الارتباطية لوحدة الفكر  واختزال المتغيرات لتمثيل منهجية التناقض الخلافي ..

أولاً:  قوانين الثبات المتوازن

وهي القوانين المرجحة من روابط ومعادلات الوجود بواقع انضباط توافقات الفكر في البناء ركيزة متوازنة لانتظام العلاقات الكونية بالتلازم مع استيعاب الإنسان لها موازين ثابتة لتصفيف الفكر يعتمد توثيقها تمثيل النتاج للقواعد الوفاقية اللازمة لتعزيز وحدة الفكر في الأداء الموازي لتمكين مقاصد الخير قاعدة لانتظام علاقات الحياة   وهي:

قانون التناغم :

وهو القانون المثالي المعني بتمثيل توافق الخصائص المشتركة لطاقة الأفكار في ترجيح الشعور الحسي للأثر المعنوي للقيمة أو الهدف المعلوم بمقاصده الاعتبارية ومثاله في استيعاب ترتيب وتركيب الظواهر المرئية تناغم الماهيات المجردة باستيعاب مقاييس الألوان في تشكيل الأبعاد الذهنية للصور والأشكال وانعكاساتها في تشكيل روحانية الجمال ، وفي النتاج الأدبي تجريد الفكر الروائي أو الشعري أو الغنائي للدلالات الوصفية في توظيف رمزية المعاني للنسق اللغوي  مع ترتيب الأحداث للتناغم الحسي في تمثيل انعكاس الأثر على المتلقي في تقييد الحالة بالفرح أو الحزن أو غير ذلك..

قانون التناسب

وهو القانون الطبيعي المنظور بتمثيل توافقات النسب المركبة لخصائص الفكر بتوحيد طاقة ونشاط العناصر الموضوعية في الأثر  الحسي والمعلل بتمثيل التناسب النوعي لخصائص النشاط الفيزيائي في بناء وتوجيه الفكرة للوعي الذهني والشعور الانفعالي كمثال موازٍ لتركيبة العناصر الطبيعية في المتدرجة من وحدة  الذرات  إلى تشكيل  العناصر وصولاً إلى تجسيد طبيعة الحياة..

قانون الارتباط المتجانس

وهو القانون الأخلاقي للفكر الموازي لتعميد الروابط الروحية ضوابط لانتظام العلاقات في السلوك وله في بناء وتوجيه الفكر صفة تمثيل الوسيط كالأمانة الأدبية قرينة رابطة بين الائتمان والشعور بالأمان  والنزاهة رابط بين الشرف والعدالة والتجرد من العصبية الفكرية رابط بين الفهم والتعاطي المتوازن في استيعاب الغير وعلى ذلك يكون القياس..

قانون التلاقح والتوليد

وهو القانون الرافد لبناء وتوجيه القدرة على الخلق والإبداع من حيث استيعاب الوعي الذهني للسمات المتجانسة بين معادلات الفكر واتجاهاته وينتظم  بالتزاوج بين النظائر كتلاقح المحبة بالتسامح وتخلق السلام  وتلاقح السلام  بالقدرة  وخلق الأمان وتلاقح الأمان بالرضا وانبعاث الاستقرار كما يتخذ هذا القانون أربعة أشكال :

-  تلاقح ذاتي وينتظم في سياق الحوار الباطن والتفكير القياسي والاستنتاج

-  تلاقح الأفكار في حوار العقول واستيعاب كل طرف للآخر

-  تلاقح المعارف والعلوم في النتاج الزمني وانبعاث التجديد

-   تلاقح التجارب الزمنية كمقياس للتحولات 

قانون  التوازن الانضباطي

وهو القانون المرجح لمعادلات الانضباط وله في تمثيل موازين الفكر صفة التحري في تمييز الصواب من الخطأ والعلم من الجهل والخير من الشر والصدق من الكذب كمعايير قياسية ضابطة لانتظام الجدوى في توثيق صحة الفكرمن عدمة مثال ذلك الموازنة بين منهجية واتجاهات الفكر في تصفيف المفاهيم القديمة والمستجدة كالدين والدولة والسياسة والديمقراطية والحرية وغيرها من خلال إخضاعها للمقاييس الأخلاقية وانعكاسات الأداء على الوقع ..

قانون الوحدة الموضوعية للفكر

وهو القانون المنطقي المعتمد بتصفيف التسلسل الموضوعي لاتجاهات وترابط الأفكار في توحيد القيم  للمقاصد والأهداف المرجحة بتمثيل الجدوى لمعالجة قضايا الوقع وإشكالاته المعقدة بالتلازم مع توثيق النسق لانعدام التداخل المتناقض والمتشابك بتوجيه الفكر للانحراف عن الهدف..

قانون التلازم الوظيفي

وهو القانون  المعني بتوثيق النسق الوظيفي لوحدة الفكر وتراتباته في التشكل والأداء من  حيث اختزال معارفه وقضاياه  للمقصد الاعتباري بالتلازم مع تصفيف القيمة للإمكان الموازي لتحقيق الهدف في التمكين والعارض بتمثيل الأثر نتاجاً ملموساً في انعكاس الفكر على انتظام متطلبات ومقاصد وعلاقات الواقع ومثاله في استيعاب وظيفة المعارف والعلوم ما تحقق به الواقع من تلازمات الأثر  في النتاج  الملموس بعوائدة  على  الحياة وفي وظيفة النظم والقوانين ثبوت الانضباط الاجتماعي دليلاً على تمثيل العدالة  المتساوية في الحقوق والواجبات ..

قانون الوفاق الجمعي

وهو القانون الاستثنائي الثابت بتصفيف وحدة الفكر للمفاهيم والقيم الروحية بمقاصدها المعرفية والأخلاقية وتمثلها لمعطيات الوفاق على توثيق مبادئها أسس للبناء وقواعد ضامنة لانتظام العلاقات  انطلاقاً من مبدأ الشراكة المتضامنة وهو القانون الذي استوعبته غالبية الدول المتحضرة  قاعدة تربوية للتنشئة مع قصور التوجيه المتضارب بين تمثيل روافدها لانتظام العلاقات والمصالح الاجتماعية وتحللها الأخلاقي في العلاقات الإنسانية ..

ثانياً: الاتجاهات والتجارب المعرفية التي تشكلت بواقع الغموض في سياق تحلل وحدة العلاقات والمصالح واستحكام السياسات والنخب المستفيدة  بتوجيه الفكر لصياغة معطيات التفكك والخلاف والصراع منهجية متعارضة انحرفت عن استيعاب وحدة الفكر كمنظومة قوانين للثبات إلى اختزال وتوثيق المعارف قواعد منهجية متدرجة من التحلل النسبي إلى التحول الضدي وانحرافاته في صياغة إشكالات وتعقيدات  انتظام الواقع..

ثانياً: متغيرات التحول النسبي

وهي الشواهد المتحولة من تمثيل توافقات الفكر لوحدة القوانين  إلى التحلل التدريجي للانحراف والمتمثل بالنتاج البشري لتجارب المعرفة الزمنية وخلافاتها الفكرية القابلة للمعالجة والإصلاح من حيث احتواء التداخل بين الخطأ والصواب والعلم والجهل والحق والباطل والتي يمكن توصيفها بالقرائن العشوائية الموازية للقوانين كونها لا تتعاطى مع الفكر كمنظومة بناء مترابط فيما يختزل حضورها الفاعل  تعطيل آلية الفكر في سياق تمثيل عوامل التفكك الموازي لمتغيرات الواقع  وهي :

قاعدة التدرج المعرفي

وهي الظاهرة التي تختزل طبيعة الفكر في النتاج الزمني المتسلسل لاستيعاب  وتدوين الإنسان لعلاقاته بالوجود والحياة  في سياق مواجهة الأحداث والظروف المعقدة واستحكم بتوجيه العقل لاكتشاف الوسائل الكفيلة بحماية وجوده وتحلل اتجاهاته من التطبع بمبدأ ومشروعية القوة إلى حب السيطرة والاستحواذ في تمثيل الملكية الخاصة بموازاة  تعميد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية قاعدة للتمايز والصراع الموازي لخلق التنافس والتطور الحضاري للارتقاء بمقدرات الحياة..

قاعدة الاستنساخ الموازي

   وهي الظاهرة التي ترسم اتجاهات الفكر على خط امتداد الموروث الزمني واستيعاب مفاهيمه وقراءاته شواهد وقرائن تحكم أدائه وتوجيه قناعاته فيما تختزل متغيراته المعرفية فرضية التجديد والإصلاح المتعارض مثال ذلك على سبيل المقارنة ما نراه في تناسخ غالبية الشعوب ومنها المتحضرة لموروث العصور الغاربة في عمق التأريخ كالأعراف والتقاليد والنواميس والنزعات والأحقاد والقيود والحواجز الفكرية المؤطرة بترسيخ عوامل تفكيك النسيج البشري الواحد بتلازماته  الفكرية في تطبيع سيطرة الشر وتمثيل أخلاقياته في الصراع قاعدة ثابتة للحياة..

قاعدة التعاطي مع الواقع

  وهي القاعدة التي تحكم توجيه مقاصد واتجاهات الفكر وفق معطيات الواقع وتحولاته الزمنية في صياغة وتحديث متغيرات التجارب والمفاهيم التي تحكم علاقات واتجاهات المجتمع بمختلف مكوناته كالنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية المقيدة بعوامل التفكك  ومحاذيره الظرفية والاعتبارية في تمثيل علاقاته..

قاعدة التلاقح المعرفي

وهو الظاهرة التي استحكمت بتوجيه متغيرات الفكر وفق معطيات التواصل الحضاري والثقافي بين الشعوب الموازي لاستيعاب التمازج قاعدة للارتقاء والتطور غير أن هذا الاتجاه رغم إيجابيته في توثيق رابط التقارب لم يسلم من الأخطاء من حيث اختزال التمازج للشكل وانعدام تمثيل الموازين للمضمون في استيعاب النتاج للعائد والجدوى الانعكاسية على معالجة الظروف والعوائق المفترضة لتحقيق استقرار الشعوب ..

قاعدة التجديد المتحول

 وهو عامل التعاطي مع هوية الفكر بوعي الالتزام التبعي والاجتهاد في  تفسير معارفه وتقويم معطياته على سبيل الإصلاح والتجديد المتحول في استيعاب ومعالجة قضاياه وتوظيفها الخلافي في سياق محاولة التفرد باحتواء تمثيل منهجيته للاتجاه المغاير ومثاله في ذلك فكر المذاهب الفلسفية والسياسية والدينية بشتى انواعها..

قاعدة الاستيعاب المادي

وهي القاعدة الفلسفية التي تؤطر الاستدلال المعرفي بالشواهد المادية فصلاً بين طبيعة الفكر في تمثيل النظام بقوانينه ومعادلات النشاط الفيزيائي كانعكاس لتجريد الوعي الذهني والحسي للظواهر المعقولة والمحسوسة بخصائصها الطبيعية ..

قاعدة التأمل والتفكير العقلاني

 وهي القاعدة النظرية للاتجاه الفلسفي المغاير والتي تختزل آلية استيعاب وتصفيف  منهجية الفكر في سياق التأمل والشك والمنطق الجدلي للقياس والمقاربة النظرية المزدوجة بين توثيق الاحتمال المتشابك بترجيح القناعات الانطباعية للفهم المتضارب وبين تجريد وظيفة العقل وسيلة للبحث واستيعاب المعرفة دون احتراز تمثيل الموازين الأخلاقية للفكر وتراتباته وهو ما صاغ  نتاجه تعدد واختلاف قراءات  الفكر الفلسفي والعلوم والمعارف الإنسانية شواهد واتجاهات متعارضة..

قاعدة الاستدلال العلمي(التجريبي)

وهي القاعدة التي صاغت منهجيتها في عصرنا الحديث معطيات التطور العلمي بروافده ومحاذيره المزدوجة بين تمثيل النتاج لأعلى نسبة من الكشوف والأسرار المعرفية وبين توثيق العائد لتماهي دور العلم في التحلل الأخلاقي والسقوط في دائرة التوظيف السياسي والاقتصادي الموجه للاستغلال وسباق التسلح والصراع بالإضافة إلى ضلوع أدواته في تفكيك قوانين الطبيعة وانعكاساتها على استقرار الحياة..

ثالثاً-  منهجية التحول الضدي

وهي الظواهر المنحلة كلية عن تمثيل روابط  الفكر لقاعدة البناء والمتجذرة مجازاً عن انحراف الإنسان (آدم) في تمثيل العصيان باستيعاب الضدية لانتظام العلاقات الوفاقية في توجيه الفكر وتلازماته المعرفية للتحلل النفسي  بفرضية الاعتقاد والذي صاغ منهجية الفكر الديني في تمزيق النسيج  البشري الواحد وتعزيز وتوسيع دوائر الصراع وسيطرة الشر وتربعه على عرش الوجود والحياة ويمكن تصفيفها في الترتيب التالي:

منهجية التفاضل

وهي القاعدة الشيطانية الموجهة بتمثيل معطيات الفكر للتحول المنبعث عن دوافع الغيرة والغرور والاستعلاء والتجرد بالخصوصية الذاتية والاستحقاق في معارضة فكر واستحقاق الآخر وشيطنته كمنطلق للتفرد والاحتواء المستثنى بتلبيس الجهل صفة العلم والباطل  معنى الحق  أو العكس والتعلل بالكذب والدّجل والتضليل والتزوير في سرد وتشويه الحقائق ولعل أبسط مثال على ذلك ما تعكسه لنا منابر الإعلام والإرشاد الديني وفكره التفاضلي في السباق التبشيري الحافل بتطبيع الكراهية والأحقاد بين الأمم والشعوب منذ بداية التاريخ وحتى لحظتنا الراهنة.

منهجية الاحتمال النظري

وهي القاعدة التي ترافقت مع مبادئ الاستعراف الزمني لعلاقة الإنسان بالوجود والإله الخالق واختزلت معادلة استيعاب الغموض المعرفي لمنظومة البناء ومقاصده الوفاقية بفرضية اعتماد عوارض الاحتمال الظني لانطباعات اللاوعي التراكمي قرائن ثابتة لتجريدات الخيال للماورائيات وربطها بالأساطير والمعجزات والأوهام شواهد غيبية موازية لطبيعة الفكر  والواقع  فيما جاز تعميد خصوصيته بالاستعراف النبوي المنزل على قلوب المبلغين بواسطة الوحي الإلهي وتقييده بالقداسة الموثقة بتمثيل الوسيط للمرجعية الإلهية قاعدة  وجوبية للتسليم المنافي لمراجعة وقياس موازين الخطأ من الصواب والخير من الشر والعلم من الجهل والحق من الباطل والصدق من الكذب في قراءاته بالتلازم مع تطبيع الإيمان بمصداقية الدعاة حكماً لثبوت اليقين في صحته والتعاطي مع الفكر بوعي الغموض المسترسل في خلق العوائق وتشكيل النظائر لخارطة الانقسام البشري وتعدد مصارفة اللاهوتية في تمثيل الوصاية  الحاكمية على الشعوب  وتعزيز النزعات العصبية  لفلسفة القوة والصراع..

منهجية التأصيل والإسناد الإلهي

وهي قاعدة الفصل بين أحكام وصفات الألوهة كمقاصد ثابتة لانتظام علاقة الإنسان بالإله الخالق وقوانين الوجود والحياة في محور تمثيل علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والمتجانسة بتأصيل النصوص الدينية لمتغيرات  الفكر بالمرجعية الإلهية توثيقاً للقداسة البديلة وتلازماتها لاستحقاق التبعية المفردة بتعميد لاهوت الدين وشخوصه وهو الأمر الذي ساس تحولات الفكر الديني بمنحى توظيف الألوهة السماوية أو المتناقضة مرجعية مغيبة بتعميد صحة ومصداقية الوسائط المتعارضة قرائن لاهوتية موازية لتصفيف منهجية الفكر قاعدة ربوبية مؤطرة لاستحقاق التابعية لكل دين..

منهجية التوظيف الجبري

وهي  القاعدة  التي انبعثت عن منازعات التأصيل القداسي وشكلت  مفترق  الخلاف التبعي لكل دين بعوامل الترهيب والترغيب أو التسليم الظرفي لمخرجات الصراع وهيمنة القوة في غزو وتطويع الشعوب للدخول في معتقداتها ومن فرض القيود والحدود الجبرية لحمايتها من الغزو الفكري المناوئ أو التراجع  والارتداد المنظور بأسبابه..

منهجية التوظيف الغائي

وهي القاعدة التي تؤطر استيعاب وتوجيه بناء الفكر وفق آلية ومرتكزات التوظيف وأهدافه الغائية المتلازمة مع تمثيل مقاصد الفكر للمعنى النقيض في انحراف الهدف عن جوهر المضمون كتوظيف  الدين قاعدة إلهية منحرفة بتعدد تمثيل الوسائط قرائن بديلة لأحكام وقيم وجود الله ومثالها توظيف النظام الدولي لمفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان  والعدالة الدولية والإرهاب والاقتصاد الحر آلية للصراع  وانتاج الحروب واستغلال مقدرات الشعوب..

منهجية الارتباط الايدلوجي

 وهي القاعدة التي تؤصل قضايا الفكر واتجاهاته بالمنهج والعقد الثابت توثيقاً للهوية والعصبية الدونية ويرتكز على تطبيع الخصوصية الذاتية أو الاعتبارية مسلكاً للتفرد بالحق واستحقاقه  واحتراز ترسيخ الاستلاب الموجه بتعزيز فلسفة التميز لازدراء وكراهية الخصوم منطلقاً لتحقيق الهدف بتجاوزاته الأخلاقية في تمثيل أدوات الصراع  والمواجهة ومثاله في ذلك الاتجاهات العقائدية والسياسية المتغلغة في تفكيك وحدة الشعوب بمؤثرات الفكر(الطبقي والعرقي والطائفي والسلالي والمذهبي) وتوظيفها للحق التاريخي قاعدة استحقاق متشابك..

منهجية التأويل التبريري

 وهي القاعدة التي استفرغت معطيات الفكر المتناقض في تصفيف منظومة العلاقات  بإجازة  تلبيس الجهل بالعلم والخطأ بالصواب والباطل بالحق والشر بالخير في سياق خلق المبررات والشواهد المفتعلة في تزوير الحقائق مثال ذلك ما نراه في فتاوى رجال الدين في التحليل والتحريم والتعبئة ضد الخصوم وطاعة الحاكم والفتنة وتوظيف الكشوف العلمية في تأويل النصوص المبهمة  وغيرها من الشواهد..

منهجيةالتطبيع 

 وهي القاعدة التي صاغت توجيه الفكر الديني والسياسي والاقتصادي بمقاصده الغائية لاستغلال وتوجيه إرادة ومقدرات الشعوب لخدمة مصالح الحكام والنخب المستفيدة كما فرضت معطياتها تطبيع الارتهان للهوية والعصبية المعززة بتمجيد التخلف والجهل والصراع الدموي والانتصارات موروث حضاري وعقائدي يتجاوز تفكيك اللحمة البشرية إلى تعزيز النزعات العدوانية والكراهية والأحقاد قاعدة استلاب  متجانس استحكم بالوعي العام منذ بداية التاريخ حتى يومنا هذا..

سادساً: مناهج الفكر واتجاهاته

في تحليلنا للقضايا المعرفية كثيراً ما نحكم عليها من خلال ما تشكلت به عقولنا من مفاهيم وقراءات متسلسلة في تركيبة الوعي المتدرج من التوافقات الإنسانية فالاجتماعية فالوظيفية فالانطباعات الفردية والتي تختزل بدورها مراتب تمثيل الفكر في تشكيل مفارقات الأنماط وهي:

الاتجاه (المثالي)

وهو أعلى مراتب الفكر سمواً وحكمة واشمل تمثيلاً للإجماع البشري في الوفاق المعرفي على توصيف الحقائق والمتغيرات وأكملها نضجاً واستقامة في تمثيل العلاقات والسلوك وتقرير الأحكام والقواعد وضوابط الشراكة الأخلاقية في الحياة..

ولذلك يمكن تضليله بالظاهرة النادرة في طبيعة الواقع من حيث تمثيل حضوره بين الأوساط الاجتماعية والإنسانية بشكل عام وبحكم الندرة فلا يتسم باستيعابه سوى العظماء ممن بلغوا من الحكمة مرتبة الاستنارة والكمال في التجرد من الذاتية والتضحية الواجبة حضوراً مجسداً بالضمير الإنساني الواحد..

والفكر الجمعي وإن تعذر تمكين مقاصده في التسلسل الزمني للحياة كنتاج للتفكك وتعارض المصالح وتمحور العقل حول التراكم السائد في تشابكات الواقع إلا أنه ظل حاضراً في وجدان الروح البشرية متمثلاً بالقيم والفضائل والمبادئ والأخلاق كشاهدٍ معرفي وحسب غالباً ما يتجاوز الاقتران بالذاتية والهوية واللغة والثقافة والعقيدة والأعراف والتقاليد والنواميس والمحاذير والقيود إلى تمثيل القاعدة الشمولية في قراءاته وأحكامه متجرداً من توظيف الأهداف والغايات ..

الاتجاه الوسطي

وهو الفكر البيني المتأرجح بين التسليم بمسلمات القيم والمبادئ الإنسانية وفلسفة الواقع في التعاطي بمحاذير السائد والخوف من إعلان الملتزم لآرائه وأفكاره ومعتقداته والاكتفاء بالمناورات الهامشية تعللاً بفرضية الاحتمالات والاحتكام للظروف الاستثنائية في مجاراة الواقع..

وبرغم امتلاك هذه الفئة للشفافية المعرفية والقدرة على استيعاب الحقائق إلا أنها ظلت تسير على هدي انطباعات النفس ومخاوفها في التوفيق بين الحق الجمعي والاستحقاق الذاتي..

وتلك الظاهرة العقلية غالباً ما تسود بين النخب السياسية وغالبية المفكرين وقطاع المثقفين والكتاب والإعلاميين كطبقات مؤثرة في الرأي العام تعتمد الموازنة بين ترتيب علاقاتها وعدم المواجهة أو اللامبالاة في تغيير مفاهيم الواقع..

الاتجاه الواقعي

وهو الفكر الذي يترجم القضايا من منظور الواقع ويفلسف أصحابه الحقائق والمقاصد بمنطق النسبية والتناسب في ترجمة المصالح والغايات كما يتعاطون توظيف القيم والمبادئ والأخلاق وسيلة للتأثير واستغلال الجمهور لتحقيق مآربه وكثيراً ما يُنِّظرون للهوية والانتماء ويدافعون عن استحقاق المجتمع الحصري وفق معادلة التراتب الاجتماعي فيما تتسع هذه الظاهرة بين دوائر الحكم والأحزاب السياسة ورجال الاقتصاد والأعمال..

 الاتجاه النمطي (الوظائفي)

وهو فكر الاختصاص في التحصيل المعرفي المعلوم بتوثيق ماهية الوظيفة في دلالات المعارف المتعددة ابتداءً من منطوق اللغة بوصفها(عقل التفاهم)المتعارف عليها في تواصلات المحيط ووظيفتها المحورية في ترجمة العلاقات الأخلاقية والأفكار والمعارف والتفاعلات وانطباعها في الوعي العام قاعدة وفاقية للاتصال والتواصل بامتداد توثيق كل علم أو معرفة(عقلاً) مجازياً للصفة المؤطرة بوظيفتها كالعقل الديني العام والعقل السياسي والعقل الاقتصادي وكذلك العقل الفلسفي والعلمي وغيرها من الظواهر المعرفية كقرائن تتفرد كلٍ منها بتمثيل حضورها في تشكيل الواقع..

الاتجاه الآيديولوجي (الدغمائي)

وهو فكر الهوية المؤطر بتمثيل العصبية العقائدية والعرقية والسلالية والطائفية وغيرها والتقوقع في محيطها والذي قل أن يقبل التأقلم مع استيعاب مستجدات المعرفة والتواصل مع الغير دون إقحام مسلماته والتنظير لها كثوابت لا تقبل الشك والاعتراض ..

فإن جادلت الملتزم به عن العلم ألبسه رداء معتقده تأويلاً وتضليل وإن سألته عن الإله أجابك بلسان الأصول التي استقى منها قراءاته تصريفاً وتحوير والمخالف له أما كافر أو ضال، وهو بذلك يستقي عصبيته من التنشئة الزمنية والتطبع الارتباطي بالمقاصد والغايات فيما تحتكم قراءاته للتفكك السريع في عارض الاجتهاد الخلافي..

الفكر  الخيالي(الميثولوجي)

وهو الفكر الميتافيزيقي المتعذر بالغموض في تجريد الخيال للحقائق الماورائية بالأساطير والمعجزات تستحضر أهم قراءاته مفارقات الاستشعار الإيحائي للتنبؤات  المتضاربة حول تفسير معضلة الغيب  في تجاذبات الفكر العقائدي والمتشاكل إثباته بواقع التشخيص المتضارب والاختلاف والتناقض والتداخل والقصور في قراءاته وتفسيراته ..

وفي معطياته تتجلى العديد من الشواهد المسترسلة في التراكم الزمني على توثيق الخيال للخوارق والأوهام وتوظيف السحر والشعوذة والجن والملائكة في الطب البديل وغيره من عوارض وإشكالات الواقع وغالباً ما ينتشر في أوساط الشعوب المتخلفة كنتاج لتفشي الجهل ورسوخ الاعتقاد بها في سياق تعلل النفس بالآمال والأحلام في معالجة الظروف والمقاصد الاستثنائية..

الفكر الرياضي(العلمي)

وهو الفكر الذي يعتمد الحسابات الدقيقة لتفكيك معضلات واسرار الوجود والكشف عن قوانين الطبيعة الكونية وركيزة التطور والبناء غير أنه درج توظيفه للهدم في سياق تحلل الضمير الأخلاقي للسياسات الموجهة لكشوفه نحو ترجيح موازين الصراع ..

وفيما تتسم قراءاته بالدقة الموضوعية للتحليل والاستنتاج وتقريب المسافات والأبعاد، إلا أنه لايزال في دور النشأة إذا ما جاز لنا مقارنة نتاجه بالهدف الإنساني العام من حيث معالجة مجمل معوقات الانتظام لاستقرار الحياة..

وعليه فإن قضية تراتب الفكر في المعرفة البشرية هي قضية التركيبة المتدرجة في تشكيل مفارقات الوعي بالمقاصد والغايات والقراءات والأحكام معطيات موضوعية للاستيعاب والقدرة على التواصل بجدواها تنتظم المعايير الاستدلالية على الحقائق والمتغيرات كقرينة موازية لوحدة الفكر في العقل الجمعي وتفككه في التراتبات الأخرى..

وهي أيضاً محور فلسفة العقل وتباين اتجاهاته المزدوجة في تقييد مفارقات الوعي والإدراك بعوارض الانحراف النفسي ودوافعها المضطربة في توجيه نزعات الفرد أخلاقياته وعلاقاته وسلوكياته في الحياة..


الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق