نبوءة العقل

نبوءة العقل

الدين ومنتظرية الخلاص

  لم يكن السعي وراء الحقيقة هدفاً بحد ذاته أستقصي بفرضيته تحقيق الذات أو احتراف لعبة المنتظرية في السباق التقليدي لنزعات الاحتواء اللاهوتي المتعارف عليه في توظيف التجارب الدينية لمشروعية الوصاية على أمر الرب تجويزاً مبهماً  للتعلل بالخلاص..

كمالم تكن قراءتي للحقيقة مجرد تسطيح نظري أو استعراض فلسفي أحاول من خلاله توظيف رؤية غائمة المحتوى تسير على هدي التقليد الديني في اشتراع قداسة صنمية مستجدة  أستقصي تمثيل استحقاقها في دائرة السباق..

وإنما هي الحقيقة الكاشفة لكل ما استعصى فهمه عن علاقة الإنسان بالكون وقوانينه ووقفت قراءاته الهامشية عارض إشكالية فكرية تماهت في جدلية الخلاف والاختلاف الديني منابر احتواء تتنازع امتلاك الحق الإلهي وتوظيفه متاهة عائمة في التسطيح المعرفي والتجويز الغيبي سفر عماء الإنسان وارتهانه لظلامية جهله طوق تسليم باستحقاق مبهم ..

وما حكم وجهتي للولوج في هذه القضية أني وجدت الدين يعمه في توظيف الإله طوق عبودية مفرغة بالترهيب والترغيب والإدانة المجازة بالمقايضة في امتثال العبد لأداء الطاعات في الطقوس والنواميس والتقرب بالدعاء طلباً لتسهيل وقضاء حاجته في الدنيا والرحمة والغفران في الآخرة المجازة بتمثيل النعيم في الجنة في مقابل استجابة الرب وجوب استحقاق ..

ورأيت عماء الدين في فهم حقيقة الإله لغو تجسيد وثني مجزأ في فكر الأديان وشخوص دعاتها لاهوت متعدد يتنازع وصاية الحق نبوءات ورسالات متناقضة أضمرت شيطنة الرب وتوظيفه ساحة للصراع ..

ووجدت في شاهد الحقيقة غير ما أجازته مقاصد الدين  بمختلف قراءاته فهي في أولويات المعرفة حقيقة الإنسان والحياة في مناط التكليف وبيانها قاعدة تكوينه المركب بعلة التناسب وسياقاته الممتدة في روابط الوجود وقوانينه في تمثيل وحدة المكون الطبيعي للجسم المادي قاعدة للوعي التسجيلي المتدرج من مدارك وأدوات العقل إلى تشكيل النفس بطبيعة المخزون المعرفي رغبات وأهواء ودوافع وطباع إلى حركة ونشاط الروح في توجيه سلوك الجسد وتفاعلاته مع المحيط..

ووجدت حقيقة الخالق قاعدة كونية لبناء الوجود والحياة ثابتها الأول هباء محيط هو مجال التشكل ونطاق تجسيده والثاني قيم ومثلٌ عليا هي طاقة التناسب الوفاقي وقوانين البناء وميزان العلاقة في انتظام حياة الإنسان واستحقاقه للغاية..

من هنا كانت أهمية المعرفة بالحقيقة عمادها تشخيص منظومة العلاقات الكونية في سياق اختزال العقل البشري لقوانينها عقد انتظام الحياة في طبيعة النفس وتحقق الروح بتوافقاتها المعرفية والحسية قاعدة للتماثل في توحيد وجوده ..

ولأن مفترق التعدد والانقسام الديني تشكل بداية في السياق التقليدي لمعتقدات البشر وترعرع في أحضان الدولة ومشروعية الحكم فقد تلازم حضوره في الاتجاه العام مع فكرة المنتظرية والخلاص سياقاً متصلاً بظهور كل نبوءة فيما تعذر الوفاق على أي منها بحكم القصور والنقص في ترجمة الحقائق الماورائية وتجوير الإيمان قاعدة بديلة استرقت امتداد المنتظرية والخلاص حتى أخر الزمان قاعدة منظورة باحتواء كل دين للظهور.. 

ولتوضيح هذه المسألة فقد وجدت الانطباع السائد عن المنتظرية في جميع الملل والأديان غالباً ما يرتكز على توثيق ملكية الحق الديني والمذهبي أو الكنائسي أو السلالي والعرقي بتخصيص الظهور المرتقب للخلاص في الانتصار لكل دعي بالانقضاض على خصومه وصولاً لتوحيد الصف الديني ومن ثم فرض هيمنته وتأثيره بالوسائل الممكنة وغير الممكنة لالتحاق البشرية في ركبه..

ووجدت في دعاوى المنتظرية ما يشخص(شيفونية) الوهم المتفشي في النفوس المضطربة والحالمة بالسياد والملك ونجواها في انقياد الناس لطاعتها وخدمتها ما شق بعجزها لاستشعار العارض النفسي وسيلة للتطلع والجموح المتعاظم بجلال الوهم في السياق المتناغم مع فهمها القاصر للدين واحتمالات القراءة السطحية لمفهوم الحقيقة والخلاص على هامش التعلل بالإصلاح الديني ومعالجة اشكالاته..

ولست بذلك أحاول الانتقاص أو التسفيه بمن يرون في أنفسهم صفة النزاهة والعلم والاستقامة فيعلنون عن أنفسهم كمختارين أو مصطفين بالحق الإلهي فكل بشرٍ بفكره مختار وبعلمه رسول غايته لكني وجدت ظاهرة التعاطي مع الوهم تتسع في دوائر الانحراف الديني والسياسي حتى بلغ نجواه أحلام الجهلة ومرضى النفوس والمبشرين والدعاة والساسة دون الإعلان عنها بانتظار التأييد الإلهي فيما تتلاشى قدسيتها في تغييب المعرفة والارتهان لأوهام الطموح والأطماع الدنيوية بالسقوط في أوحال التسلط وشطط العظمة والسياد..

والقضيةفي فهمي البسيط ربما كانت ولا تزال أبعدمن وهم الشخصنة وتطلعات الذاتية وأحلامها المريضة وأسنى من تجاذبات التفاضل الديني في امتلاك المشروعية بالانتصار للعصبية المجازة باحتواء الحق الإلهي ..

ذلك أن فضل المنتظرية لا تقوم على ثبوت الحق لدين أو بشر ما وإنما فضلها في الفكر تحقق المقصد الإنساني العام وفي ذلك ما يستوجب أن يتمثل الرافد المعرفي للوفاق والصلاح والخروج بالإنسانية من مستنقع الجهل والشر المستشري في مخاض الصراع والتشظي شاهدها بالمعنى الأخلاقي ثبوت التجرد من وهم العصبية وتطلعات الذات والشعور بمآسي وآلام البشرية والتضحية في سبيلها باحتراز المسئولية الجماعية في البحث الدؤوب عن المشاكل والحلول الممكنة والعمل على تحقيقها ، وتلك هي رسالة الإنسان السوية في قاعدة الاصطفاء الإلهي إن جاز بها شرط التحقق بروحانية الأحكام الإلهية وفضائلها في الحياة..

والقيمة من حيث بعدها(الميثولوجي) في الفكر الديني أن المنتظرية لم يكن لها أن تبرز في سياق دغماءيه العصبية الدينية وسباق التجديد المعرفي كمنطلق لاحتواء الحقيقة لأسباب جوهرية أهمها أن ظهور الفكر الديني المتشعب في الانقسام درج في غالب اتجاهاته ومساراته الزمنية منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا ضمن تصدير المنتظرية المعلنة والغير معلنة بالتلازم مع تقييد مناهج الاحتواء في كل دين واحتراز التفرد بالحق الإلهي المتجرد برفض الآخر والعمل على تطويعه ..

فموسى جاء مخلصاً للشعب اليهودي من اضطهاد الفرعون والخروج بقومه من مصر إلى الأرض الموعودة وفيما لم تكتمل رسالته تنبأ احبار اليهود ومنهم النبي دانييل بظهور المسيح ابن الانسان مخلصاً فاجتبى يسوع نفسه ذلك المخلص في سياق مناهضة اليهودية وانحرافاتها والدعوة للإصلاح الديني وكان لصلبه تقييد التضحية بحياته لخلاص أمته وصعود روحه إلى السماء وافتراض عودته آخر الزمان لاستكمال مهمته فيما ظلت رؤية اليهود بأن المسيح المنتظر هو من نسل داوود وسيكون ظهوره تعميدا لاستحقاق السلالة في السيطرة على العالم..

وفي الإسلام جاء ظهور محمد مخلصاً لأمته من ظلام الوثنية استرقت دعوته توحيد البشرية على دعوته ولاستكمال رسالته شرعت تابعيته ظهور المهدي المنتظر من سلالته آخر الزمان سفر توظيف متبع ..

ولم يقتصر ذلك على الديانات الكبرى بل لا تزال البوذية تنتظر نزول بوذا السادس والهندوسية والجانتية وغيرها من الديانات المنتشرة في الهند والصين ومساحات مختلفة من العالم تنتظر كل منها ظهور مخلصها حتى اللحظة الراهنة..

وهو الأمر الذي جعل من ساحة السباق المنتظري قيداً على فلسفة الصراع وتطويق الحقيقة في عدم التعاطي مع المعرفة كقضية فاصلة في الحق أو القبول بالآخر حتى وإن جاز في أطروحاته ثبوت الحقيقة المنتظرة وتحقق الاصطفاء المفترض في رؤية الدين..

ولست بذلك أدعي الاصطفاء بالاعتصام وراء الحق الإلهي في تجويز الدعوى قرينة استحقاق  مفترض فما أنا إلا بشر غير منزه من الأخطاء والعوارض حكمتني الضرورة المعرفية أن أخوض في قضايا المعرفة كباحث ودارس استشعر مسئوليته الإنسانية نحو واقع الشر في الحياة فأعمل العقل في التأمل بالدواعي والأسباب والنتائج واستكشاف الحقائق من ثوابتها، فإن جاز بها ثبوت الحقيقة كان فضلها على الناس أن يتحملوا مسئوليتهم الأخلاقية نحو أنفسهم في التحرر من طاغوت الجهل ودغماءيه الصراع المنقاد خلف لاهوت السباق وشياطينه والدفاع عن وجودهم باستحقاق التسليم والائتمان لله وحده دون شريك..

فإن لم يجدوا فيها ثبوت الحق في المعرفة والكشف تيمناً بما ثبت عليه الاعتقاد فما أنا إلا شاهدٌ مجتهد حمل على عاتقه أمانة التبليغ  وقد يصيب ويخطئ وسبحان الذي يتصف بالكمال وحده وباب الحوار والمراجعة هو السبيل الأمثل للوصول إلى اليقين ..

ومن خالفني الرأي عن معرفة وحجة راجحة الدليل والثبوت كان لي سنداً في إصلاح خطئي وكنت له شاهد حق في  أمانته وتلك هي رسالة العقل  في ميزان المعرفة وفضل الاجتهاد..

وهنا أجد بحكم الضرورة توضيح الالتباس في الفهم حتى لا يؤخذ الأمر على أنه جزأً من سباق المنتظرية والادعاء المتشاكل بين الأديان حول احتواء الحقيقة لأعلن براءة يسوع المسيح مني وبراءتي من ادعاء صفته ومن دعوى المنتظرية الواهمة بشخصنة الحق وجوب التزام بالفكر وصفته (كمفكرٍ أو كاتب أو مجتهد)لا وجوب استحقاق الاصطفاء في الكمال والتنزيه..

وباعتبار توجيه الرسالة باسم ابن الإنسان فتلك هي نسبتي لوالدي (آدم) طيب الله ثراه تعللت في احتراز الصفة تيمناً بروح الأب الجامع للسلالة الإنسانية الواحدة ولا أدعي فيها شطط الوهم بالنزول اليسوعي أو الحلول والتجسيد أو النبوءة الكاذبة وحسبي أن أكون بشراً عرف الله في نفسه فألهمه حقيقته فتجشم عناء المواجهة لإصلاح المفاسد في الحياة وتحمل أعبائها بمسئولية أخلاقية والتزام متجرد..

وفيما قد يستغرب المتصفح الكريم كون الرسالة تدحض جميع الرسالات السماوية وهو الأمر الذي ينطلق من تكذيب الرسل والأنبياء والمساس بعقائد رسخت في عقول البشر عبر آلاف السنين فلست بذلك أنازع الموتى بمآثرهم حول صنمية الحق في القداسة ولا أنطلق من مغالاة أو عدوانية لدين أو ملة أو دعي نبوءة كاذبة وما كان لي أن أخاف في الحق لومة لائم ..

وحجتي في ذلك أن قضية الحقيقة ليست مجرد فلسفة تناظرية للسباق العددي حول تمثيل قداسة الشخوص والنصوص المبهمة بقدر ما تمثل قضية المعرفة الحقة بحقائق الوجود واستحقاق الإنسانية لاستقرار الحياة..

وذلك هو رأس الإشكال الزمني المتجذر في انحراف الفكر البشري وجنوحه في التأصيل القداسي الذي رسم تضييق الدائرة المعرفية للحقيقة في المسلمات الإيمانية لكل معتقد بقيوده القدسية والتي وقف التعاطي معها بروح العصبية والاغتراب العقلي المنافي للتحقق باليقين المعرفي والاستقراء الصحيح ..

كما أن القضية من حيث المعطى الزمني للفكر الديني وخلافاته لم يقف وحسب عند حرية الفكر والاعتقاد بقدر ما شكل حضوره عبر المراحل الزمنية محور الشر في أزمة التاريخ الإنساني وساحة الصراع  الممتد في  مفترق الحياة  حتى يومنا هذا..

وهو الأمر الذي يستلزم وجوباً إعمال العقل في فكره ونتاجه بتجرد أخلاقي في ضرورة المراجعة التاريخية والبحث عن جذور الإشكال الزمني في ملابسات الخلاف وتداعياته كقضية ملحمية فرضت معطياتها واقعاً مريراً على حياة الشعوب وعلاقاتها الإنسانية ظلت ولا تزال مفاسدها وانحرافاتها الغوغائية ترسم ملهاة العبث بروح الإنسان وتسوس شيطنة الإله مفترقاً بين المعرفة والجهل والخير والشر شرع حياة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق