نبوءة العقل

نبوءة العقل

المرتكزات النظرية لمنهج الحياة

 

حين تحكمنا ضرورة البحث في دراسة قضايا ومعضلات الحياة نجدها وثيقة الارتباط بسيكولوجية الإنسان وانحرافاته المتجذرة في عمق الواقع كصلة امتداد بحركة التاريخ وصراع الحضارات المتلازمين مع تدرج المعرفة البشرية وتنامي اتساع ميادينها وصولاً لغزو الفضاء وتمحور الهدف حول سباق السيطرة على الوجود كإشكالية ممتدة استحكم برسملة فصولها انفراط عقد الهوية الإنسانية في عارض اختلاف توظيف واحتواء منهج الحياة ..

وبمقتضى تشخيص العقدة الزمنية في الإشكال النظري لمنهج الحياة سنجد جذر المعضلة ارتبط منذ بداية التاريخ  بلغز الوجود وخلفية نشأته وتكوينه كمسألة متصلة بمعنى وجود الإنسان والتي وقفت تصوراته لها تتأرجح بين عشوائية التشكل الارتباطي بتجربة وثقافة المحيط وبين ضبابية التوظيف العائم في جدلية التفاضل والاحتواء المتعثر في منازعات اللاهوت الديني على الوصاية الإلهية بامتداد الفكر السياسي حيث تعددت النظريات واختلفت باختلاف الأهداف والأسباب والتي استحكمت بحياة ومصير الإنسانية منذ بداية التاريخ حتى يومنا هذا ..

 في ضوء ذلك استوقفتني بعض الأطروحات التي ترى في العلاقة الضمنية بين الدين والدولة ضرورة حتمية لفرضية التمكين من حيث ارتباطه الزمني بالمشروعية الإلهية والوصاية الشرطية على الحكم كمناط استحقاق ثابت  ..

منها على سبيل المثال ما يلتقي حوله بعض المهتمين بمقارنة الأديان في تضليل العلاقة الافتراضية بأن الدين واحد ويتفق مع خلفية الاعتقاد المتجانس في توظيف كل دين لفكرة ومعتقداته حقيقة ثابتة تختزل فرضية الاجماع البشري على ثبوت  تمكينه في عودة المؤسس آخر الزمان أو ظهور مخلص من تابعيته مكلف  بالتأييد الإلهي بالقضاء على ثلثي سكان المعمورة من مخالفيه وتوحيد البقية على دينه تثبيتاً لمشروعية السيطرة على حاكمية الوجود في جدوى تمثيل الحق الإلهي واستحقاقه ..

وحول هذه المسألة كان منطلقي في دراسة واستيعاب إشكالية الحقيقة في صحة الدين من أكذوبته محمولاًعلى ضرورة المقارنة بين الاتجاهات المختلفة من طبيعة تمثيل كل منها للمشروعية الإلهية ومنظورها لقضايا الحق والاستحقاق المشترك في جدوى الاقتران الشرطي بالوصاية على الحكم قياساً بتوثيق تجاربه السلطوية لقواعد وضوابط نظام الحياة ..

وبرغم التثبت باليقين القاطع على أن الدين أكذوبة على الله تتجاوز الانحراف بتوظيفه إلى تقمصه للشيطان فكراً واعتقاد إلا أني من زاوية الاعتبار للسائد في الواقع لم أجد بداً من محاولة التواصل مع بعض رجال الدين والمؤثرين في الاتجاهات المختلفة وعرض رؤيتي المبدئية من خلال مدونتي الشخصية في النت تحت عنوان (رسالة ابن الإنسان إلى العصر) بالإضافة إلى مراسلات البريد  الالكتروني والتي ترجمت حصيلتها وعي الرفض الكامل لمجرد القبول المبدئي بالنقاش، فيما وقفت ردود أفعال البعض عند محاولة قرصنة الموقع وتسخير شياطينها لمراقبة واختراق حاسوبي الآلي والعمل على وشوشة أفكاري وتقييدي عن مواصلة الكشف عن خفايا الحقيقة..

وهنا إذا ما جاز لنا تبرير السلوك العدواني بفرضية التوجس والخوف من تمكين الخصوم إلا أن في ذلك ما يترجم بوضوح أن واقع تمترس الخلاف الديني حول قضايا الصراع والسباق التبشيري لا ينطلق وحسب من رؤية كل دين للحقيقة في القاعدة اللاهوتية الخاصة به والتي لا شأن لها بالحق الإلهي والمعرفة بخلفية ومعنى وجوده كمنظومة قيمية للحياة بقدر ما ينطلق أيضاً من أحلام التفوق في تمثيل أدوات القوة وآليتها في مقتضى تحفيز التابعية لحتمية المواجهة المحمولة على توظيف الظهور المنتظري مبدأ استحقاق لمشروعية السيطرة على الوجود..

وما يعنيني شخصياً في استعراض الشاهد هو أن شيوع ارتباط الدين بالعبادات كما يحاول تبريره البعض بالضرورة المفترضة لبقائه لا أساس له من الصحة في أمر ومشيئة الخالق وإنما تعارفت الأديان على توظيفه بديلاً للمنهج في الاتجاه المتوازي مع تقييد الحق الإلهي قاعدة للوصاية على الحكم واستفراغ  المنتظرية مفترقاً للتمكين..

وبمقتضى الاستدلال بالشواهد الزمنية لتجارب الدين السلطوية في حركة التاريخ مروراً بما آلت إليه أدواته من تفكك وسقوط في مستنقع الجهل والشر .. فإن قضية الحقيقة كمشروع للخلاص تتجاوز فرضية وحدة الدين كمسمى وظيفي لمشروعية تمثيل القاعدة الإلهية إلى عودة الحق لصاحبه مرجعية استحقاق واجب التمكين ..

وهنا إذا ما وقف الدين بأدواته من الحق الإلهي موقف الضد فهو بذلك يكشف عن حقيقته بإعلان أبلسته لاهوتاً متجرداً باستحكام الغواية في منازعته للرب كما شخصتها أصوله المرجعية وصاغت محاذيرها توثيق مسلماته لعصيان (الأب)  بانحرافه عن الطريق وعنها أصبح ملزماً بإعلان التوبة والاعتراف بخطيئته في السير على ذات النهج تطهراً من دنس شيطنته للرب وإفساده للحياة..

وما يعنينا في تصدير هذه المسألة أن قضية وجود الله كما هي في تجسيد قدرته لخلق الكون منظومة بناء ثابت بموازين قوانينه فعقدلاهوته في التصرف والتوجيه اقترنت  بتمثيل قيم وجوده للضابط الكوني قاعدة لتطور وامتداد حركة الحياة ..

وبحكم انفراد كوكب الأرض بكيانه المحوري لوحدة التشكل والبناء في السياق المترابط مع وحدته بالنشاط الكوني فوجوب تمثيل الضابط لوحدة الوجود ينطبق عليه من حيث توثيق القيم لقاعدة الحياة نظاماً يحكم علاقات وروابط بنيانه ..

وكما يتشكل الإنسان بموازين الفكر ودلالاته المعرفية منظومة بناء له ركيزة التخلق بمنهج الحياة فقد كان للقيم الروحية حكم تمثيل القاعدة الإلهية للضابط الموجه لانتظام وحدة علاقاته بالمحيط المتسلسل في التركيبة المتصاعدة بمقاصدها الارتباطية بظروف ومتطلبات الحياة..

وتلك من حيث توصيفنا للقاعدة الكونية للحياة منظومة متسلسلة لتدرج البناء فلها أيضاً ما يقابلها من القيم والمبادئ المعنية بتعميد مقومات النظام للضابط الاعتباري مرجعية لتصفيف القاعدة النظرية لمنهج التعايش الأخلاقي قاعدة توافقية تقتضي وجوباً أن يلتقي حولها الإجماع البشري كركيزة لوحدة العلاقات والروابط المتسقة مع ضرورة غربلة حركة التاريخ واستيعاب نتاجه منفذاً لحتمية التغيير وإعادة التوازن لطبيعة الحياة في الكوكب..

 في ضوء ذلك نستخلص تبويب القاعدة النظرية لمنهج الحياة في الآتي :

أولاً: التوحيد

إن مثًّل الوجود البشري في تشكله الديموغرافي المتناقض كمثّل النفس البشرية في تكوينها المعرفي والطبيعي وتفاعلاتها الباطنة بأمراضها وانحرافاتها لحقيقة غابت عن وعينا هي أن الكيان البشري لا يشكل حالة منفردة عن القاعدة الأرضية لوجوده وإنما هو في مساحة الخارطة الطبيعية لكوكب الأرض أحد مظاهر الخلق المتسلسل في تشكيل  منظومة تكوينه الواحد .. 

وفصل الخطاب في توضيح الرؤية أن أهم مقومات القاعدة الخلفية لبناء الوجود وتطوره ترتكز في الأساس على وحدة تكوينه كمنظومة توافقية مترابطة الأجزاء والنسق الطبيعي في التشكل والامتداد وتسلسل مسارات التطور والنماء وليس الإنسان سوى أحد مظاهر الارتقاء في بنيانه المزدوج صلة باختزال الدماغ المحدود لأنطولوجيا الوجود بقوانينه قرائن لفيزياء الفكر وطاقاته المعنية بتوحيد النشاط الباطن للنظائر ملكات للقدرة الروحية على الأداء والتوجيه المتناغم مع فرضية تصريف شئونه واتجاهاته منهج حياة ..

من هنا تلتقي موضوعية اقتران التوحيد بالمنهج مع فكرة وحدة الإنسان بالخالق المعللة بثبوت اتصافه بالوحدانية والأحدية شواهد متلازمة مع تقييد وجوده بالأولوية والإحاطة بحركة الزمكان حضوراً قائماً بروحانية القدرة والتصرف المنفرد بعقلنة النظام لتوافقات البناء في صيرورة التمكين..

ويُمكن تعريف التوحيد كمفهوم عام بمعنى التحام أو اتحاد النظائر في حدود الإطار أو الشكل الاعتباري لوحدة التمثيل المقنن بتوصيف توافقات الأداء لانتظام علاقاتها..

وبالمعنى الوظيفي يمكن تضليله بالعقد الوفاقي لتوحيد العلاقات المشتركة بين الإنسانية على الغاية من وجودها في الحياة كمنظومة تكاملية مترابطة تعني بتوجيه الفاعلية لتحقيق الأهداف المعلنة لفرضية التمكين .. 

وفي ضوء الاقتران بمنهج الحياة نستخلص توثيق المعنى لعقد الوفاق الشرطي المعني بتوحيد منظومة العلاقات على التناغم والانضباط كمرتكزات روحية لاستقرار الحياة يستحضرها في القياس النظري وحدة تكوين الإنسان ككيان مترابط مع وحدة السلالة البشرية في تسلسل الخلق من آدم صلة بانبعاث وجوده على سطح الكوكب الذي تخلق عن طبيعته قرينة مماثلة ..

وبديهية القياس أن للتوحيد في معنى (علم آدم الأسماء) ما يجيز ثبوت خلقه على حقيقته عقلاً مؤتمناً على وحدة الحياة صلة باستيعاب الدليل المعرفي لقاعدة وجوده مرتكزاً لانتظام علاقاته المترابطة مع توافقات الوجود والذي شكل انحرافه عنها إلى ما رمز إليه بالتحذير من الشجرة المحرمة محور الغواية الشيطانية المتجذرة من عقلنة النفس للجهل معرفة إلى التجرد بطبيعة الضدية في الاقتران بالشر بمسالكه المتجذرة من توثيق الغرور للخطيئة في العصيان قرينة للتفرد المتعالي باحتواء الحق الإلهي وشيطنته إلى تعزيز همجيته للتفكك والصراع مفترقاً لتجسيد معوقات استقراره في الحياة  وتصاعد قضاياها المتعثرة كنتاج للآتي..

التجرد عن قاعدة العقل كمثال للخالق والمعلوم ثبوتا بوحدة وجوده في مخلوقاته دليلاً معرفياً مضمراً بتوحيد صفاته وأفعاله مناط احتراز  الضدية في بناء النفس بأحكامها منهج للحياة إلى تصفيفها للقاعدة الأخلاقية ضابطاً روحياً لانسجام العلاقات إلى توثيق العقد الاجتماعي للنظام الوفاقي لتعاملات الحياة مرجعية لوحدتها بالكوكب الذي تخلقت عن طبيعته وتعيش على أرضيته صلة وصل بوحدته بالوجود.. 

اختزال التفكك والصراع قاعدة كونية للتناقض تماهت أعراضه في تشكيل طبيعة تكوين  الإنسان كمنظومة بناء غيرمتوازن صاغ تجسيدوحدة الذات لطبيعة الصراع الباطن سيكولوجية  مضطربة يستحضرها الوعي المتوازي مع حصيلة  القدرة على الأداء مرجعية لمحدودية التمكين  ظلت تتصدرتصاعدمعوقاته في الانتظام مع الحياة مفارقات التشكل المعرفي المتشابك مرجعية موجهةلعقل النفس الارتباطية بطبيعتها المتناقضة بخلاف اقتران وحدة الروح بالطاقة المنتظمة لصفات وأفعال الألوهة وضوابطها الروحية كقاعدة للتوازن النفسي الموازي لانتظام علاقاته في طبيعة الحياة..

وتبيان القصد في تفسير المعنى أن للتوحيد دليل الغاية في اقتران الإنسان بصفات الألوهة كمرجعية للتخلق بمقومات القدرة على التحكم والتمكين واختزال وحدتها للضابط الكوني عقلاً موجهاً لانتظام بنية الذات صلة بعلاقاته بالمحيط المتسلسل في التركيبة والتي غالباً ما تتجذر في الاتجاه النقيض لمفارقات التشكل العشوائي بمقاصد الحياة  ..

وصلة التوحيد بمناط التخلق هي صلة الممكن بعقد التمكين من حيث اقتران القيم بالأخلاق كروابط معنية بتوثيق جسور العلاقات والتي تجرد عنها الإنسان في سياق عقلنة النفس للتفرد بالحق قرينة للانحراف المتعالي بالغرور والجهل مسلكاً دان قياده لتجذر المصالح مفترقاً للتعاطي بالمكروالدهاء والاستغلال والمواربة والنفاق والتضليل والمغالطة المنطقية والتبريرية وهيمنة المال والقوة سمات مشروعة بتطبيع صراع البقاء فيما اختزلتها سلطات الحكم قاعدة منهجية تحت مسمى السياسة والتي ظلت تستحكم بتفكيك روابط الواقع عبرتحولات  العصور ..

وباعتبار ما يعنينا في معالجة قضايا الحياة يستندعلى ثبوت صحة المنهج فمشروع التوحيدإذا ما استثنينا تسطيح الفكرالديني لمقاصده وأهدافه في التبعية المتحولة هو لاشك يمثل الركيزة الأساس لفلسفة الشراكة الأخلاقية المتدرجة من توحيد منظومة العلاقات الاجتماعية إلى الانسانية إلى تسلسل مفاصلها المتجذرة في التركيبة المتناقضة لطبيعة المقاصدوالمصالح والمعاملات بمجمل قضاياها المتشابكة في تجارب الواقع..

من هذا المنطلق تؤسس قضية التوحيدما يمكن توصيفه بسفينة الخلاص من حيث تلازم انفراط عقده مع تجذر واتساع رقعة الشر في مساحة الحياة وفي تقديرنا لموجبات الضرورة اللازمة لحتمية التمكين مايشخص في طبيعته الركيزة المحورية لتفكيك ومعالجة جميع القضايا والمشكلات العالقة في شتات التجارب المعرفية والعملية بمعضلاتها المتعثرة في تمزيق لحمة الإنسانية في الوجود الواحد منذ بداية التاريخ حتى يومنا هذا..

ثانياً: الاستنارة والتنوير

نحن نرى الوجود بمكوناته المتعددة في مساحة الفراغ الممتد بين تمركزها ونطاق وجودنا صوراً وأشكال وأحجام وألوان ومظاهر وأبعاد منعكسة عن نسبة الضوء أو النور الواصل إلى مرآة العين قرائن مجسدة يترجمها الوعي الذهني بدلالات ما تعارفنا على تسميتها لغوياً بالمعرفة واقترانها بصفة العلم المحمول على تصنيف وتوصيف طبيعة الظواهر..

وبديهية المعنى أن مناط الكشف عن حقائق الوجود ما كان له أن يتصل بالعين المجردة دون واسطة النور بوصفه الكاشف وما كان للوعي أن يستوعب الفروق الجوهرية بين الظواهر لولا اختزال الدماغ لانعكاسات الناسخ الضوئي للظواهر المجسدة بخصائصها المركبة ذاكرة استرجاع معلوم بصيغة العلم والمعرفة ..

 من هنا ارتبط مفهوم الاستنارة بمعنى نور العلم وبصيرته المعرفية الكامنة في جوهر تكوين الفرد المستنير أشبه بأيقونة استشعار روحي تتشكل عن تصفيف الخيال التأملي لوحدته بالوجود ملكة للإلهام يرتقي بها العقل نحو استكشاف حقائق وأبعاد ماوراء الوجود والاسترشاد بمعادلات قوانينه في منظومة البناء كقرائن قياسية للتنوير بمقاصدالحق في تعاملات منهج الحياة..

والمعنى في تضليل السياق أن لتقييدالعلم بصفة النور حيثياته المنظورة باقتران المعنى باستنارة العقل المنافي لتوظيف الدين لنبوءة النفس والمسند بتوافق الفكرالديني على أن الله علم آدم الأسماء في الاتجاه المتلازم مع توصيته وتحذيره من الاقتراب من الشجرة المحرمة كأشارة للنفس وتطلعاتها الدنيوية واقترانها بظلامية الجهل صلة بكونها منبع الغواية الشيطانية ومناط الاختبار..

 وفي تبيان المقارنة بين الاستنارة والنبوءة ما يعلل ارتباط هاتين المسئلتين بقضية الحق الإلهي من حيث اقتران الشاهد المعرفي بصفة الإنسان الكامل كمرجعية اختصاص لاهوتي تعددت واختلفت قراءات كل منهم لخلفية نشأة وتكوين الوجود وصلته بتشخيص العلاقة الارتباطية بين الخالق والخلق في أحكام القاعدة الكونية لمنهج الحياة ..

وتلك إذا ما جاز لنا مقارنة العلم بالأصول المعرفية للفكر الديني والنبوءات بالمرجعية الإلهية المفترضة بشخصنة الإنسان الكامل وتمثله للقيم سنجد في تناقض الفكر باتجاهاته المتعارضة ما يؤسس ثبوت القصور والجهل والشر قرائن تجسدها كل مدع  للاستنارة  أو الكمال لاهوت دعوته والتي غالباً ما تعكس طبيعتها على وعي وسلوك تابعيته مع  نسيجه الواحد بامتداد خصوم الملة منهجية حياة..

وباعتبار الإشكالية التي يتمحور حولها موضوع الاستنارة والنبوءة هي قضية أدوات المعرفة الثابتة أو المتغيرة كمرجعية لاستكشاف ما وراء الوجود والحياة فقد انبعثت فرضية الاقتران من واقع ارتباط العلم والمعرفة بالوسيلة والمصدر والسند المرجعي لتقرير مصداقيته في سياق تجويز الاستنارة أو النبوءة قاعدة افتراضيه للاستقراء المعمد بالإسناد الإلهي دليل حجة وشاهد على صحة الفكر ونزاهة المبلغ في نقل الأمانة للناس..

ومنطق الاستدلال يستوقفنا بداية  أمام تساؤلات ضمنية لها في متلازمات التثبت باليقين المعرفي ما يستوجب التفكير والقياس منها على سبيل المثال:

لماذا وقفت المعرفة بخلفية الوجود والحياة حكراً على تصدير الإنسان الكامل؟ وكيف تلازم هذا التصدير مع تعددواختلاف القراءات والشخوص؟ وما هي معطيات الكمال المقترنة بشخصنتهم؟

وفي ضوء التباين كيف نتحقق من المعرفة الصحيحة من المنحرفة في معيار التثبت من مصداقيتهم؟

وحول القضية الأولى قد نلتقي مع الفرضية من حيث الاستدلال بمفارقات التكوين المعرفي المتصاعد في تميز البعض بالقدرات الاستكشافية والتي تندرج ضمن قاعدة الاستنارة  المتلازمة مع التدرج المعرفي كما نراه ملحوظاً في تطور العلوم واتساع ميادينها، بيد أنها بمجملها لم تصل إلى ما يمكن قياسه بشخصنة فرد بالإنسان الكامل ..

وتلك إذا ما جاز لنا تقدير ظهور الإنسان الكامل فلها ثوابتها المنظورة باقتران لغز الحياة في تكوين الإنسان من حيث تجسيده لوحدة الوجود في كيانه منظومة بناء يلتقي حول مرجعيته المعرفية العالم في مناط الاستنارة والتنوير..

كما أن للقضية الثانية صلة الارتباط بهذا المعنى حيث وقفت معضلة الشعوب مع تصاعدالأزمات واتساع نطاق الفوضى والظلم والقهروالفسادقيداًعلى ظهور قائدمنقذيعمل على توحيدها نحو تغييرالواقع فيماتعارفت على توصيفه بالمبعوث الإلهي والإنسان الكامل والمستنير المتفرد بالحكمة ورجاحة العقل في سياق شخصنته بالعلم والمعرفة بثوابت ومتغيرات الحق صلة وصل بتوظيف القيم والأخلاق قاعدة متجانسة في طبيعة تكوينهم وسلوكهم كسمات للكمال المنزه عن القصور والنقص والجهل والشر الموازي لصفات الألوهة  ..

وبينما تصدرت إشكاليةالخلاف والاختلاف تغييب الحجة في ثبوت المعرفة تماثلت شخصنة الكمال فيهم بتطويق التفرد باحتواء الحق الإلهي في اختلاق المعجزات والخوارق التي رافقت ولادة كل منهم مروراً بنشأتهم ودعوتهم كمقاربات متشابهة للتصديق المضمر بتعميد قدسيتهم قرائن للإله الكوني المتعامد مع توظيف لاهوت الدين مناهج متباينة لاستفراغ العلاقة بين المخلوق والخالق في الطاعات..

أماحول كيفية التثبت من المعرفة الصحيحة والمنحرفة  فتحتكم موضوعيته لقضية الفصل بين المعرفة والجهل من حيث ارتباط الأولى بالعقل كدلالة  مجردة بنور العلم والاستنارة اقترنت بوسيلة الكشف أو  التعاطي من عقلنة النفس المقيدة بظلام الحواجز في تصريف اللاوعي لمجازاته الافتراضية قراءات متناقضة..

وباعتبار هذا التصدير يندرج ضمن تفكيك ملابسات المعرفة بالقاعدة الكونية لمنهج الحياة فركيزة التشخيص يقتضي أولاًضرورة استيعاب وظيفة الاستنارة أو النبوءة من خلفية تلازم اقتران كل منها بشخصنة الإنسان الكامل وصلته الاعتبارية بتمثيل الحق الإلهي كمناط استحقاق وتمكين ..

والحيثية التي بمقتضاها يرتكز الاستدلال على هذه القضية هي أن للوجود في منظومة البناء أربعة مظاهر متدرجة في التشكل من الكمون إلى الظهور والتجسيدهي :

الفراغ الكوني المرادف لمعنى الفضاء والسماء أو(الهباء) المعلوم بالأولوية المجردة بنطاق الحركة الزمنية مجال النشأة والتكوين واقترانه بصفات الألوهة من حيث تجسيدكيانه للروح الكونية منظومة بناء.

الظواهرالماديةالمقننة عن تجانس واتحادالنظائرواختزالها للتنوع المتسلسل في الترتيب والتركيب منظومة بناء مجسد بتفرد كل منها بصيغة الكتلة والشكل والحجم والسمات الجوهرية والبعد قرينة للارتباط  بمحيطه الفلكي . 

الظلام الكوني بوصفه المحيط الخلفي مبدأ الحركة الزمنية والمجسدبنواة التحول كقرينة مجازية للنفس الكونية واقترانها بالحاجز المعرفي للإدراك.

الطاقة الضوئية  المنبعثة عن التفاعلات الحرارية للنجوم والكواكب الشمسية بوصفها محور النطاق الحسي لفيزياء الحركة الزمنية في منظومة العقل الكوني والدليل الكاشف للإدراك عن الظواهر بخصائصها المركبة .

وهذه الأربعة المظاهر هي في معادلة تخلق وامتداد تشكل الإنسان بمصفوفة الوجود محور تجسيد كيانه الذاتي لتوافقات منظومة البناء في طبيعة تكوينة من حيث الآتي:

1-       تجسيد الإنسان لسر (الهباء) في طبيعة تكوينه كخلية كونية متخلقة عن منظومته الخلفية روحاً نفخ فيه من روحه مقومات الحياة قرينة امتداد لوحدته بالوجود المضمر بصلته في الغاية من معنى وجوده.

2-       اقتران تجسيدة المادي بالظاهرة النوعية المتطورة في الخلق والتشكل الوفاقي بمجمل العناصر الطبيعية كمنظومة بناء تختزل معادلته حالتي الارتباط بالقاعدة الكونية بموازاة الطبيعة الحيوانية قرينة للاختبار الموجه وفق عوامل الارتباط المزدوج بين تقييد الحالة الأولى لتوافق الانضباط وبين قابلية الحالة الثانية للفساد.

3-       اختزال تجسيده المادي للمحيط الفلكي قرينة ذاتية للنفس المقيدة بظلام اللاوعي المتشابك بطبيعة التشكل العشوائي والمتناقض كحجاب فاصل بين الاستيعاب الظاهر للممكنات وبين خلفيتها الباطنة في تركيبة البناء والتكوين .

4-       توثيق صلته بمنظومة الوجود في تمثله للعقل ركيزة للوعي والإدراك المقنن باستيعاب واختزال الدماغ لفيزياء الحركة الزمنية(الضوئية) لتفاعلات الوجود قرائن معرفية للاستقراء والتواصل صيغتها الفكر كطاقة نورانية مركبة عن انعكاس طبيعة الممكنات يستقيم بها بناء الفرد لعالمه الذاتي قاعدة توافقية أو منحرفة مع المحيط.

وتلك من حيث اقتران النبوءة بالنفس تصبح الحقيقة المعرفية حكماًعلى طبيعة الارتباط بثقافة البيئة والتقاليد والأعراف والنواميس والعقدالنفسية المتداخلة مع الرغبات والأهواء والدوافع في صياغة البناء والتي تشكل بدورها تمحور  النتاج في النطاق المتشابك للتوظيف وأهدافه ..

كما يتجلى العكس من ذلك في تلازم اقتران العلم بصفة النور والمعرفة بالاستنارة كقاعدة للتواصل شاهدها الأساس تقييد العقل بالوسيلة الارتباطية بالوجود والخالق من حيث كونه مخلوق على حقيقته مناط تمكين   ..

وما يستثني ثبوت الاستنارة في شخصنة الإنسان الكامل أن للصفة مقومات الوحدة الجوهرية للبناء المفترض بتماهي ذوبان النفس في الروح والتي تجسد بدورها أيقونة النور الموجه للعقل قرينة مضمرة بصلة التواصل مع عقل الوجود والخالق والإحاطة بعلمة بحقيقة وجوده في كينونته واقترانه بتجسيد الناطق بفكرة لكلمته عقد مرجعيته لمناط الحق في التبليغ والتنوير..

وباعتبار أن كل فرد منوط ببناء كيانه المنفرد بعالمه الخاص قرينة للحضور والتفاعل فثبوت مفارقات البناء له في ميزان التدرج المعرفي حكم الإحاطة المقننة بتوثيق حصيلة الكسب لنطاق الحق في مرجعية الاستحقاق..

ثالثاً: الائتمان

الائتمان من الأمان هو مناط الحق في اختيار صاحبه لمن يلتمس فيه الأمانة في الحفاظ على وديعته المرجحة بثبوت الاستقامة والنزاهة والصدق والقناعة  سمات في خُلقه وسلوكه تنأى به عن التصرف بما اُئتمن عليه وجوب التزام بما توافق عليه مع المودع عقد مسئولية أخلاقية واعتبارية  مشتركة تحكم كل طرف بموجبات استحقاقه ..

وهو عقد الاختبار المنظور في قراءات الفكر الديني بائتمان الرب للإنسان(آدم)على جنة السعادة الأبدية  وتجرده عن التدخل في الاكتفاء بالتحذير المتعامد مع  إطلاق حريته المتمثلة بتمكين الإرادة من الاختيار بين طريق الخير المشار  إليه في قصة الخلق بتعليمه الأسماء واقترانها بقاعدة وجودة أو الشرفي الامتثال للنفس المرموز  إليها بالشجرة المحرمة مسلكاً في الحياة ..

ومحور الائتمان في هذه المسئلة يتبلور في ثلاث مسائل هي :

 الائتمان على العلم بدلالات ومعاني وجوده في تجسيد منظومة الخلق كقاعدة كونية للمعرفة بثوابت الخير في البناء واستيعابها مرجعية للتنوير والتنشئة الأخلاقية المنضبطة نحو توجيه بناء الفرد على توافقات الانتظام مع الحياة بموازاة الكشف عن النقيض في متغيرات الجهل والشر وصلتهما الارتباطية بدوافع وتطلعات النفس دليل احتراز الانحراف في الكذب على لسانه والولوج في الشقاء والهدم المتدرج من اضطراب بنية الذات إلى خلخلة نسيج العلاقات والروابط البشرية المتسلسلة في التركيبة المتصاعدة إلى تفكيك قوانين الطبيعة الكونية ..

الائتمان على الحق البشري العام في مطلب الأمان  والاستقرار في الوجود الواحد كضرورة حتمية متلازمة مع تطبيق مضامينها في معادلة البناء مرجعية لتوحيد منهج الحياة وفقاً لثبوت منافع الخير في تجسيد عوائدها على الإنسان والوجود صلة وصل باستيعابها للغاية المشتركة قاعدة للوفاق لها حكم وجوب العمل بها بمقتضى تمثلها للضابط الاعتباري والأخلاقي المعني بتجسيد الانضباط لتفكيك مصادر وأدوات الشر من جذورها الملتبسة في الوعي الزمني وانحرافاته المتأصلة في تركيبة الواقع..

الائتمان على الحق الإلهي كخالق للوجود ينبغي أن يكون له دون سواه حق التصرف في ملكيته والمجازة تصريفاًرمزياً بخلق (آدم) وفيه كل البشر وتمكينه من البقاء في الجنة بمعنى الأرض بما صاغ في طبيعتها المتنوعة من مقومات الارتقاء بالحياة  إلى مصاف السعادة الأبدية فيما استحكمت خطيئة النفس الحيوانية بانفراط هذا العقد والسقوط المتدرج بتسلسل انحرافاته.. 

وصلة الائتمان بهذه القضايا هي صلة الجذر بالساق من حيث تقييد العلم بالقاعدة الكونية لعقل الخالق كمناط للاستنارة والتمييز الفاصل بين المعرفة والجهل والصواب والخطأ والصدق والكذب وتماهي انفراط عقد الأمانة في انحراف الإنسان نحو عقلنة النفس للدليل والتي استحكمت بتغييب القاعدة كمنهج للحياة في البدائل تصريفاً لاختزال حرية الإرادة في الاختبار والاختيار بالتقييد المضمر بشيطنة الحق الإلهي في الإدانة الجبرية للدين وعنه تجذرت الأطماع السلطوية كنتاج للتفكك والصراع والذي أرسى بدوره  تمزيق الخارطة الجغرافية إلى هويات وممالك وأمبراطوريات استأثر كل منها بترسيم حدود ملكيته لللأرض وعلى بيده تماثلت تعاملات الواقع  ..

وما يعنينا هنا أن انفراط عقد الائتمان في الثلاث المسائل كان له حكم انبعاث طاغوت الشر وامتداد جذوره في تشكيل طبيعة الواقع من حيث اقتران كل منها بما يلي :

أولا: في الاتجاه المعرفي شكل التفريط بالأمانه العلمية إسقاط وتغييب القاعدة الكونية للعقل الجمعي في عقلنة النفس للانحرافات المتسلسلة ولوجاً في الآتي..

1-       اقتران الفكر العقائدي بالجهل معرفة مشروعة بالكذب على لسان الخالق في توظيف النبوءات الافتراضية والنصوص المقدسة حقيقة ثبوتية متباينة تجانست بخصخصة الحق الإلهي في الطاعات المفرغة بشخصنة الوسائط بدائل شيطانية متبعة ترجمت تناقضاتها تصدير الاجتهاد التبعي والمنقسم في كل دين للتفاضل الملتبس بالأبلسة مرجعية للفتنة والصراع المتناسل حول استحقاق التمكين..

2-       انعكاس تغييب القاعدة على ميادين المعرفة بشكل عام من حيث مرجعيتها كعلم بالمقاصد الفاصلة بين العلم والجهل والخير والشر والثابت والمتغير في موازين الخطأ والصواب والصحيح والفاسد والحق والباطل والتي فرض نتاجها تمحور الإنسان حول جدلية الخلاف والصراع الفكري وتماهي عقلنة النفس لمفارقات الاستيعاب والفهم المتعارض بالحقيقة النسبية..

3-       تجسيد مفارقات المعرفة لمظاهر الوعي المتشابك في تشكيل طبيعة الواقع قرينة متسقة مع الانحراف بتوازناته المتدرجة في خلخلة التركيبة بدأً من اضطراب تكوين وسلوك الفرد إلى المحيط الأسري فالاجتماعي فالإنساني صلة بتطبيع الأمراض والعقد النفسية والاجتماعية قاعدة مجازة بعقلنة النفس للتناقض الكوني والصراع مرجعية افتراضية لانتظام وتطور الحياة..

ثانياً: حول تغييب الائتمان في تطبيق القاعدة الكونية لمعنى وجودالخالق كمنهح للحياة تماثل الإشكال المعرفي في سياق عقلنة النفس للتوظيف الديني والسلطوي المتجانس للمناهج المتعارضة قياساً بموضوعية التحلل من الآتي:

1-       التجردمن الوحدة النوعية للسلالة الواحدة التي تفردبها الإنسان (آدم) وفيه كل البشر بالتميز في الخلق على صورة الخالق عقلاً اقترن بالعلم بحقيقته في منظومة البناء بموازاة الضدية في الهدم بمناط التكليف عقد ائتمان التخلق بصفاته وأفعاله في ذاته منهج حياة صلة وصل بتمثيل وحدة وجوده في مخلوقاته كضابط اعتباري وأخلاقي للتعايش الآمن في الحياة انفرط عقده في سياق الانحراف بالائتمان للنفس وتجردها بالذاتية المتجذرة في تفكيك النسيج الواحد إلى هويات عقائدية وجغرافوسياسية وعصبيات عرقية وسلالية وطائفية استحكمت تبعاتها بتمكين الشر من السيطرة على جسور ومنافذ الحياة ..

2-       التحلل من الاختبار الإلهي المجاز بتمكين الإنسان(آدم) وفيه كل البشر من المعرفة بالخير والشر دليلاً مسانداً لحرية الإرادة في الاختيار بين التحقق بثوابت القاعدة الكونية لمعنى وجوده بوصفها ضوابط البناء في الانتظام وبين الارتهان لدوافع النفس المضمرة بالتحذيرمن الشجرة المحرمة  من حيث كونها مصدر الغواية الشيطانية والتي شخصت خياره في الانحراف مسلكاً للسير على نهج الخطيئة بامتراء الإدانة في العبودية الصورية لله موطئاً لاستفراغ المنهج في الطاعات المقيدة بالتبعية الشرطية لكل مبلغ قاعدة جبرية متجانسة اقترنت بمسمى الدين..

3-       تسلسل التفريط بالأمانة في تقييد منهجية الفكر الديني بالمرجعية الإلهية لنظام الحكم قاعدة متجانسه اختزلت فرضية المعرفة بمنهج الحياة في التعاطي مع السائدفي تعاملات الواقع بمفارقات التركيبة المتناقضة المتسقة مع تطبيع الخصوصية الثقافية لتجارب العصور بمعطياتها المزدوجة مرجعية للهوية المحمولة على تجريد القاعدة الكونية في شخصنة المبلغين بالقدوة الاعتبارية صلة بتقييد الحق الإلهي في توحيد الخلق باستحقاق تبعيتهم في النهج..

4-       امتداد الإشكال الديني إلى منهجية التحول الاشتراكي والعلماني في عصرنا الحديث بواقع السير على خط التحلل من القاعدة المشتركة لمنهج الحياة واختزالها لتحريرالعقل من هيمنة وتخلف الفكر الديني في شرعنة النظم للتفرد بمحاولة الارتقاء بالمعرفة كوسيلة للسباق الاستراتيجي (العسكري والاقتصادي) وتعاطي السياسات الدولية مع عقلنة الصراع لفلسفة القوة مرتكزاً لتضييق وتطويق الغلبة والتفوق لمساحة السيطرة والتحكم بأرجوحة المصالح ..

ثالثاً : ولمسألة الائتمان الإلهي للإنسان على الجنة جذورها المؤصلة في قراءات الفكر الديني في سياق اعتراض الأب الأول للملائكة بوصفه الروح المخلوقة من نور العلم وتحوله إلى الجهل بعد تجرده بنار الغيرة والتفاضل على خلق آدم من طينة الأرض والتي ترمز في المغزى العام إلى انحرافه عن قاعدة العقل إلى ظلام النفس وتعللها بالذاتية الارتباطية بالمقاصد الدنيوية صلة  وصل بتقييد عشوائية البناء لمنهج الحياة..

وتفسير المعنى أن خلفية خلق الوجودكان المؤتمن على نظامه منوطاً بالآرواح الملائكية كتجريد للصفات الإلهية وتمثلها للضوابط الكونية المعنية بتصفيف قوانين البناء لوحدة علاقاته فيما استثنت حكمته تعالى في شمولية كوكب الأرض لمجمل عناصر الطبيعة الكونية اختيار الإنسان كظاهرة مزدوجة بين تقويمه بالنظام المرموز إليه بالنفخ من روحه وتضمينه بالقاعدة المعرفية للعقل المعلل بالخلق على حقيقته وبين تجسيده للطبيعة المادية  القابلة للتحلل والفساد وتقييدها بالنفس قاعدة للاختبار والاختيار صلة وصل باستحقاقها والتي زان انحرافها مفترق السقوط في بوهمية الحياة..

 وكنتاج لاقتران الاختبار بمنهج الحياة تصدر التفريط بهذه الأمانة محور الإشكال الزمني المتدرج من عقلنة النفس للقدرة على السيطرة والتمكين حقاً إلهيا ًمتجرداً بحرية التصرف بما أجاز فيه بحكم التفوق على المخلوقات النوعية تقرير ملكيته للأرض إلى خصخصة الأبناء لهذه الملكية مشاريع للتفكك والصراع وتجذر الأطماع واتساعها على خط امتداد سيطرة الشرعلى منافذ وقضايا التعايش في الحياة ..

وغاية القصد أن لبُعدائتمان الإنسان على جنة الأرض في حكمة ومشيئة الرب مقاصد جوهرية لانتظام الحياة تستخلصها في مناط التمكين بموازاة  التحذير من الاقتراب من شجرة  النفس ما يلي :

أن لبعد التمكين تمثيل وحدته في الإنسان وفيه كل البشر ضابطاً للائتمان على الحق الإلهي في مغزى تقييده بمسئولية الحفاظ على وحدة كيانه بكيان الأرض جاز بتحذيره أن يتخطى محاذير الوقوع في شباك النفس وتجردها بالذاتية المتجذرة  بالارتهان للغواية الشيطانية في عقلنة الجهل معرفة والباطل حقاً صلة بتمثلها للغرور والجشع والتطلع مسلكاً للتفريط بالأمانة.

أن صفة الحق الإلهي في ملكيته للأرض له بحكم توثيق قاعدة وجوده للخلق والبناء عقد تمثيله للنظام الاعتباري منهجاً للحكم يستقيم بمشروعيته تقييد الضابط الكوني لوحدة الحق العام كمنطلق حتمي لاحتراز عقلنة المصالح لموجبات التفكك والصراع وإشكالاتها المتجذرة في صياغة مفارقات الواقع لانعدام التوازن في الحياة  .

من هناكانت قضية الائتمان هي قضية تمثيل الحق الإلهي لملكيته المفردة بوصفه خالق الوجود المتدرج من تصفيف القاعدة الكونية للضابط الاعتباري للمنهج مرجعية لبناء الإنسان صلة بتمثيل النظام المعنِي وجوباً بتوحيد العلاقات والروابط الإنسانية كقرينة متصلة بتجسيد وحدة الكوكب الذي تعيش على أرضيته ..

وبمقتضى ماسبق يؤسس الائتمان حكم العقدالإلهي الثابت للقاعدة المنهجية كمرجعية بديلة لمسمى الدين يستثني وجوب تمكينه توحيد الحق الإلهي للفكر النظري وآلية البناء ركيزة توافقية لاحتواء المشكلات والحلول الكفيلة بتطويق معضلات الشر في الحياة ..

رابعاً: :  النظام

قدلايكون هنالك من شك أن لكل خلق مادي أو معنوي بمافي ذلك قضايا العقل بإشكالاتها الفكرية ومعضلاتها المتجذرة في تشكيل طبيعةالواقع قاعدة بناء هي منظومة تكوينها الخلفي ولسان حال مقاصدها وأهدافها الوظيفية الموجهة لتفعيل توافقات النشاط المحوري قدرة سالبة أو موجبة  محدودة بنمط الاتجاه في الأداء المساوي لانعكاس الأثر على طبيعة الحياة..

وكما هو في خلفية خلق ونشأة وتطور الوجود ملكة القدرة  على توجيه توافقات النشاط الكوني بميزان نظامه الموجه للثبات المنضبط في الأداء فهو أيضاً في تكوين الإنسان يختزل ذات النسق في الخلق الموازي للنظام المزدوج بقوانينه كما تفسره رمزية النفخ من روح الخالق صلة باقتران نظام تكوينه بقاعدة العقل كمثال لحقيقته، بيد أن ثبوت انحرافه كخلية كونية عن وحدة التكوين المترابط إلى التفرد الذاتي في الائتمان لإرادة النفس وتجردها بالامتثال للغرائز والرغبات والأهواء والطباع كان له حكم الفصام الموجه بعقلنة الطبيعة الحيوانية لروابطها العشوائية بتراكمات التشكل المتناقض قرينة موحهة للإخلال بوظائف النظام ..

ولو أمعنا النظرفي تشريح مكونات الإنسان لوجدنا في منظومته أعلى مراتب الإعجاز في الخلق والتكوين المقنن بتصفيف الأدوات لمختلف الوظائف الموازية لقوانين الطبيعة الكونية صلة بشمول تكوينه على مجمل عناصرها بتوافقاتها التناسبية كمعادلة لتطور أنموذج البناء..

من هذا المنطلق يختزل النظام الكوني صفةالقاعدة الخلفية لفيزياء حركة الزمنكان وتصفيفها للقوانين الموجهة لتسلسل الخلق والبناء والنماء صلة بتمثيل توافقاتها لوحدة النشاط المحوري مرجعية للثبات المنضبط والذي صاغ بدوره تطور مظاهر الطبيعة الكونية في كوكب الأرض وتفرد الإنسان بالخصوصية النوعية في التخلق قرينة مجسدة لتركيبة النظام..

وكونه مخلوق على توافقات النظام الكوني لوحدة الكوكب فالغاية أيضاً تسير على هدي استيعاب مقومات تكوينه دليل استرشاد معرفي متصل بتوثيق الارتباط بين معنى وجوده في الحياة وبين وظائف التكوين في طبيعة البناء كمرتكز للقياس والموازنة بين المقاصدوالمتطلبات الارتباطية بعلاقاته المحورية بالوجودمع مصفوفة القواعدوالأحكام وضوابط السلوك والأداء لتعاملات المنهج الأخلاقي كمرجعية لتشكل الفرد بنسيج القيم المفترضة لتعاملاته صلة بتأطيرها لمبادئ الوفاق على توحيدنظام الحياة..

من هنا كانت  قضية المعرفة بالنظام من طبيعة تكوين الإنسان هي قضية ترابط البناء بين اختزال عالمه الخاص لقوانين الطبيعة الكونية وبين امتدادروابطه وعلاقاته بمطالب ومقاصدالحياة كصلة بوحدة الغاية من تمثيل معنى وجوده للعقل دليل بناء  يتمثله الوعي حضوراً مجسداً بالتفاعل والأداء المنضبط كمرتكز لاستيعاب وتوثيق مفاصل الشراكة الأخلاقية عقداً وفاقياً لتأسيس النظام الاعتباري المعني وجوباً بتوجيه ومعالجة قضايا ومعضلات التعايش في الوجود الواحد ..

وفيما يستند تقييمنا لهذا التوصيف النظري على موضوعية اعتبار أن الإنسان هو المعني بتمثيل أسسس ومبادئ وقواعد وأحكام النظام كمقوم رأسي لوحدة الشراكة المنضبطة وموجه لطبيعة توافق مقومات البناء مع روابط وعلاقات الفرد بالمجتمع والمحيط الإنساني بشكل عام يستوقفنا القياس أمام تعدد واختلاف النظريات السياسة وانحسار تجاربها السلطوية عبر مراحل التاريخ على استفراغ وتوظيف آلية وأدوات الحكم للنظم الدستورية  وتشريعاتها قاعدة للتسلط والهيمنة المضمرة  بالسيطرة على إرادة ومقدرات الشعوب الموازي لتصاعد معوقات الحياة ..

وحين نبحث عن خلفية تمكينها نجدها برزت وتشكلت كنتاح لتقييد مشروعية النظم بالهوية التقليدية والخصوصية الاجتماعية والحضارية المتجانسة بتعميدالتفكك لتضارب المصالح السلطوية واختزال الأهداف للمعالجة في تبديدمقدرات الشعوب على التسلح والارتقاء بموازين القوة وتصديرها للتهديدوالمواجهة المشروعة بسباق التفرد والاحتواء..

ولذلك حين نسترجع التاريخ بفصوله الدموية المتراكمة في ساحة الصراع قل أن  تستوقفنا الذاكرة أمام إشكالية الهوية المتجذرة عن تطبيع النظم للخصوصية الاعتبارية وقراءاتها المتباينة في الفكروالأهداف والسياسات التي  أرست قيم التعايش الإنساني على أرجوحة الطموح السلطوي وسياساته الممنهجة في تغييب الشعوب عن الأهداف والغايات في تطبيع شخصنةالبطولات والأمجاد لأساطين وقيول الصراع وتمجيدفتكهم بالخصوم قتلاً وتشريد واستعباد وقهر وتجويع واحتلال للأرض ونهب للثروات شواهد يتماهى في طبيعتها الجرم المشهود قيمة حضارية  تتفاخر بها الأجيال  ..

وتبيان ذلك أن طبيعة الشر في توجيه مسار الحياة له قاعدته الفكرية التي انطلق منها وشكلت منهجيته في تطويق الاتجاهات السلطوية للنظم مفترقاً للتباين المتشابك في تغليب مصالح الحكام على أسس ومبادئ التعايش المنافي لبناء واستقرار الوجود واستقامة موازين الحياة ..

وتلك القاعدة لاشك أن لها جذورها الممتدة في عمق التاريخ حيث برزت مع بداية تشكل المجتمع المدني تحت سلطة الدين المتجانس بتوظيف السياسات لثقافة الانتماء للهوية العقائدية التي أرست خلافاتها منطق التفاضل العرقي والسلالي قاعدة لامتلاك الحق ظلت تستثني منازعاته فرضية القبول بالآخر أو الاعتراف بحقه في الوجود حتى يومنا هذا ..

كما أن اتساع وتجذر الشر بين المجتمعات البشرية لم يكن بمنأى عن تفسخ وسقوط القيم التي شكلت امتداد النسق في صياغة النظم السياسية للظروف الآنية المتشاكلة بدورها في خلخلة موازين العدالة الاجتماعية في الحقوق والواجبات المتناغمة مع توظيف مفارقات التركيبة الطبقية  قاعدة لاستحواذ القوى المتنفذ على مفارق السلطة والمال والتي أرست دعائم التعايش في المجتمع الواحد على طبيعة الصراع ونزاعاته الغائية في سباق التفرد بالسيطرة على مقدرات الشعوب ..

وفي ذلك ما يعزز الرؤية بأن تلك المحاذير بملابساتها المعقدة هي التي أنتجت تجذر مظاهر الشر في السلوك البشري كحلقة امتداد للتنشئة المتداخلة مع اتجاهات النظم السياسية والتي غالباً ما تتماهى أعراضها بين مفارقات العلاقات الاجتماعية لاختلال موازين العدالة المتأرجحة بين ازدواجية وتعارض المصالح المتضاربة والفوارق المعيشية التي غالباً ما تجنح بمطلب الاستقرار في اتجاهات الطبقات الدنيا لانتهاج السبل الخاطئة لتحسين أوضاعها المعيشية..

وهو الأمر الذي ساس حضوره امتداد الخلل في التركيبة الدولية بتعميد الفوارق الأممية وتجزئة العالم وفقاً للتحالفات والمصالح الدولية إلى عالم متقدم يحكمه منطق الاستحواذ على مقدرات الوجود والتحكم  بروافد الحياة وعالم ثاني وسطي البنية والقدرة الانتاجية مع ارتفاع معدلات الفقر بين شعوبه وعالم ثالث يحيط به الفقر والفساد والبطالة والجهل والتخلف والمرض ..

وما يعنينا في طي الاستدلال أن الإنسان منذ بداية التاريخ رغم أنه استطاع أن يستوعب من إشكالات الصراع وانعكاساته على حياته ضرورة  البحث عن نظام يحكم علاقاته إلا أنه ظل بعيداً عن القياس والاستدلال بمنطومة تكوينه كمعيار لترابط المنهج مع المقاصد الاعتبارية لوحدته بالوجود فيما ظل محصوراً على تشخيص طبيعة السائد في تناقضات الواقع  وتوظيفه مرجعية منفصلة لتوافقات المحيط الارتباطي دون استدراك القصور والتضارب في التجارب  منفذاً لاستيعاب الخلل من نافذة الانحراف بطبيعة تكوينه الواحد دليلاً لتقويم المشاكل والحلول اللازمة لتعزيز استقراره..

وتفسير ذلك أن مفهوم النظام لايقتصر وحسب على تمثيل علاقة السلطة بالمجتمع وتصريف شئونه وإنما له في طبيعة البناء حكم القاعدة الارتباطية بتكوين الفرد كمحور ارتكاز لوحدة المجتمع والوظائف المعنية بتلبية متطلباته المتصاعدة بدأً من استيعاب النظام الصحي لمعايير التغذية اللازمة لانتظام البناء وتطويق منافذ الخلل في تكوين الجسم إلى توفير وتحديث الوسائل والأمكانات الطبيه اللازمة لمعالجة الظواهرالمرضية المتفشية والاستثنائية بمختلف أشكالها وتلافي تمكينها من الانتشار إلى احتراز العمل على استصدار قوانين حماية ونظافة البيئة والتوعية اللازمة بالأثار المترتبة عليها وصولا لتثبيت  صحة الفرد والمجتمع..

يليه النظام التعليمي واستيعابه لأسس ومبادئ التنشئة الأخلاقية والمعرفية ووسائلها اللازمة للارتقاء بالعقل كأساس لبناء وتعزيز قدرات الفرد وتوجيه إمكاناته في الاتجاه المناسب لتوافق ميوله مع متطلبات المجتمع العلمية والعملية والعمل على تحصينه بتوفير الوسائل والأدوات اللازمة لمتابعة مستجدات المعرفة وتمكينه من المشاركة الفاعلة حتى يصبح رافداً بنيوياً للتطور والنماء ..

يلي ذلك النظام الاقتصادي بوصفه المعنى بتلبية حاجات ومتطلبات الفرد بوصفه ركيزة البناء المترابط مع وحدة التركيبة الاجتماعية والذي يؤسس القصور في بنيته محاذير اختلال الواقع من حيث تفشي البطالة والفقر واتساع دوائر الاستغلال والجشع التجاري وعنها تتولد الأمراض الاجتماعية بشتى مظاهر الانحراف والسقوط الاخلاقي كنتاج طبيعي لتجذر المفارقات الطبقية وعدم استيعاب التوازن من طبيعة تكوين  الفرد قاعدة للهدف المشترك من توظيفه ..

وعلى ذات السياق يؤسس النظام القضائي مرجعية الضابط الاحترازي المعني بردع وتقييد سلوك الفرد بعدم الإضرار بالمجتمع المحمول على تطبيع النفس البشرية على ضرورة احترام حقوق الآخرصلة بتطويق العلاقة الضمنية بين الحاكم والمحكوم على تمثيل كل منهما للضابط الأخلاقي عقداً وفاقياًعلى توحيدالالتزام بالنزاهة في الأئتمان على الحق الواجب دون إخلال بتوفقاته..

وكذلك النظام الإداري والسياسي كمعيار لتعزيز توافقات العدالة الاجتماعية لوحدة الفرد بالمجتمع صلة بروابط العلاقات الإنسانية  في الوجود الواحد والتي صاغ تفكيكها محور الشر المتنامي بواقع انحسار تقييد انتماء الفرد للهوية المتجذرة بتعزيز مفارقات التركيبة الغير متوانة للصراع والمقترنة بتمثيل تبعية الشعوب لتجاذبات المصالح السلطوية وتعاطيها  مع انعدام القدرة على تثبيت التوازن الاجتماعي وتلبية متطلباته للأمان والاستقرار المعيشي باستفراغ مسئولياتها في حدود فرض السيطرة وتكريس ثقافة الاستلاب قاعدة لاحتواء وتطويق إرادة التغيير ..

خامساً: الحق الإلهي

يختزل مفهوم الحق الإلهي معنى الحق البشري العام كمقصد ثابت بتلازم القدرة على الخلق مع  تقييدصفات  وأفعال الخالق لوحدة وجوده في مخلوقاته منظومة بناء وتفرد الإنسان عنهابخاصية التميز بالعقل قرينة لتطور نموذج التخلق الموازي لتحققه بالمثال لحقيقته مناط اختبار ..

من هنا كان الأصل في ثبوت الحق هو عقد المالك في التصرف بملكيته مضمراً بحق الخالق وحده في تمثيل الميزان الثابت لعدالة توجيه وتصريف شئون علاقات وروابط ومقاصد وضوابط وأحكام وقواعد وجوده في وحدة الحياة حكماً بإسقاط كلما اقترن بتفكيك وجوده وتوظيفه لخصوصية عرقية  أو سلالية أو تبعية لدين أو ملة أو وساطة دعوية استحكمت أدواتها بشيطنة الحياة ..

فإن ثبت تحقق الوفاق على أن للكون خالق واحد كانت مرجعية الحق الإلهي في ملكية الوجود والتصرف بتوجيه مقدراته له وحده وجوباً له قدسية المشيئة في التمكين تلتقي جسوره عند توحيد منهج الحياة قاعدة كونية وجوبها تمثيل وحدة الكيان في البناء المتوازن على ثوابت الاستحقاق البشري المتساوي دون تجزئة أو تخصيص ..

ويعرف الحق في اللغة بالثبوت والوجوب  المتلازم مع تصريف المعنى لقواعد الاستحقاق الفردي والعام..

وفي فلسفة الفكر يقترن المعنى بالدليل الثابت للمعرفة الحقة ومناط استحقاقها الضابط لقواعدالأمانة العلمية في احتراز  المسئولية والالتزام..

وللحق في ميزان العلاقات الإنسانية معنى عقد الوفاق الاعتباري على تأسيس احترام كل فردلحق وخصوصية وحرية الآخر في اختيار طريقة في الحياة..

وفي قراءة كل دين تجانس توظيف الحق صفة للنصوص الكتابية المحمولة على توثيق مرجعية الإله لمنهجية الدين قاعدة نبوية مجملة بتقييد الوصاية على وجوده في تصريف شئون الخلق  عقد التزام بطاعته وجوباً لنيل استحقاق الجزاء العادل في الدارين(دار البقاء ودار الفناء)..

في ضوء ذلك ارتبطت مشروعية الحق الإلهي في الفكر الديني بدعاوى امتلاك الحقيقة  وتوظيفها مقصداً لتمثيل الحق والتي استحكمت منازعاتها بتضييق العلاقة بين الإنسان والرب على التبعية لكل دين وعلى بيد الخلاف والاختلاف تماهت تناقضاتهاعندتفكيك القاعدة الكونية لنظام الحياة والسباق المتعثر تحت طائلة التوظيف المتعدد للشرائع والمناهج الدينية والسياسية فيما تجذر الحق في كل صيغة عقد مشروعية للتفرد باستحقاقه..

وفي ذلك ما يكشف بوضوح  أن إشكالية الحق في منازعات الفكر الديني لم تكن يوماً مشكلة المعرفة بالقاعده الكونية لدلالات وجودالخالق بدليل أن جميع الديانات تلتقي حول تقمص القيم كواجهة صورية للإرشاد الديني يتماهي تفكيكها عند تمثيل علاقات كل منها بالآخر واختزال الحق في قراءاتها المتباينة لمعانى الألوهة في تمحور كل عقيدة حول توظيفه قاعدة للتبعية المفرغة بشرعنة التمكين ..

وباعتبار  الشاهد في  حاكمية الحق الإلهي له حكم تقييدسلطته المطلقة على تصريف شئون ملكيته في وجوده  ففي تمثله لروحانية القيم واقترانها بعقلنة النظام الكوني لقوانين التناسب الوفاقي مرجعية موجهة لوحدة الوجود بالحياة ما يؤسس تعميدها لقاعدة البناء الموازي لتمكين الأحكام والضوابط من تصريف موازين الحق لموجبات الاستحقاق قاعدة منهجية لانتظام علاقات وروابط الحياة..

وتلك في مناط الائتمان على الحق كونها تلتقي من حيث المبدأ حول تأسيس مرجعية الخلق والتكوين قاعدة إلهية فحكم الوفاق على تجسيدلاهوته لمقومات البناء ركيزة للقدرة والتمكين يقتضي ثبوتاً تقييد العلاقة  الشرطية في تمثيل الصلة به في التخلق بمعاني صفاته وأفعاله قرينة إرتباطية بمنهج الحياة في ميزان توحيده والذي يحتكم بدوره لتقييد النفس بالضوابط الأخلاقية منظومة بناء تستقيم بها علاقة الإنسان بأخيه الإنسان في جدوى التعايش المشترك في الحياة ..

من هنا تتصدر قيمة الحق الإلهي أولوية القيم المتصلة بتوحيدمنهج الشراكة الروحية مرجعية استحقاق عام وجوبه ترسيم وحدة العلاقة بين ثلاثية الوجود(الله والإنسان والكون) عقد وفاق أبدي يستقيم بفضيلته  تجسيد الانضباط مرتكزاً لانتظام علاقات وروابط الحياة ..

والمعنى في ذلك أن صفة الحق الإلهي في تمثيل قيم وجوده لمنهج الحياة هي بحد ذاتها قاعدة بناء الحكم ولسان حال وجوده كمتصرف بملكيته المنافي لتغييبه أو تجزئته في الوسائط المفترضة بالبدائل النصية وشخوصها قاعدة شرطية للوصاية على حاكميته في الوجود والمتجانسة باختزال الحق في تأصيل الدين بالأمر الإلهي مناط استحقاق لاهوتي استقام به شيطنته في تفكيك الحياة..

سادساً: الدولة الكونية

وهي محور الحق الإلهي في تمثيل مشروع الحكم لوحدة الكيان الإنساني في بنية الدولة كأداة ضابطة  للسيطرة والتمكين مناطها تمثيل عقد الوفاق الدستوري على التصرف المحكم بتوثيق النظام لوحدة الإرادة البشرية وركيزتها العملية الكفيلة باستئصال جذور الشر وتطويقه بالنظر إلى ما أفرزته عوامل التفكك والصراع الدولي من معوقات مفصلية استحكمت بتعقيدواقع الإنسان وظروف الحياة كقضية رأسية تلتقي جسورها عند تمثيل الحق الإلهي لحتمية التوحيد عقداً وجوبي التمكين  لحاكميته المفردة على الوجود صلة بتأصيل قاعدته الكونية مرجعية لانتظام موازين الحياة..

وما نرمي إليه في هذا السياق أن قاعدة التعايش البشري ظلت عبر مراحل التاريخ محكومة بطبيعة التشكل العشوائي للجغرافيا السكانية وتجارب الشعوب المتأصلة بثقافة التفردبالهوية والخصوصية الحضارية التي انتجت بدورها مظاهر التفكك والصراع المتشابك بين تداعيات امتلاك الحق وتعارض الاستحقاق في اتجاهات الفكر الديني ومن ثم السياسي والاقتصادي والمعرفي والتي ساست مفارقاتها انعدام التوازن واضطراب الحياة ..

 وبفرض أن القيمة الزمنية لاستقرار الوجود والحياة لها حكم الضرورة الحتمية في تمكين المعالجة الصحيحة فمبادئ الحل تقتضي بحكم المسئولية المشتركة أن ترتكز أسانيدها على ثوابت الوجود الواحد وبنيانه بمقتضى تمثيل وحدة العقل في بناء منظومة كونية متوازنة تستوفي شروط التكامل والوفاق على أسس ثابتة تُجسد قوانينها روح الشراكة والعدالة المتساوية ..

وصفة الدولة الكونية  في معيار التشكل بالوحدة الجغرافية هي بمثابة تمثيل العقل الجمعي الموجه للتفاعل المشترك بين منظومات المجتمع الدولي بمرجعية القيم والضوابط الأخلاقية الموجهة للتعايش البشري في السياق الرافد لبناء الوجود واستقرار الحياة ..

 وباعتبار طابع الغموض المتشابك في وعي التدرج المعرفي كان له حكم الظرف الاستثنائي الذي فرض تجزئة الخارطة الكونية بموضوعية التنقل والانتشار الذي فرض بدوره انبثاق التجارب المتباينة في تعدد النظم السياسية والاقتصادية بقوانينها المتعارضة ونزعاتها الخلافية خلال المراحل السالفة وهو ما يمكن تبريره بالتنافس الأممي المتشاكل بافتراق المصالح بين الشعوب..

إلا أن القيمة الاستدلالية بالتجارب الزمنية وبروزهاعلى خط القراءات العشوائية كان لها حكم القرينة التي شكلت معضلة الوفاق والانسجام الأممي في اختزال كل تجربة للقيم المزدوجة بقوانينها المتضادة لطبيعتي الخير والشر في السياق البنيوي لمنهجية الحكم واتجاهاته السياسية والاقتصادية المتجذرة في تشكيل السمات المتباينة في طبيعة وثقافات الشعوب والتي انتجت بدورها مسار الخلاف والصراع حول قضايا الوجود والحياة..

وتلك دون شك هي التي استحكمت بتضييق هامش الوفاق على اتساع وامتداد هوة التشرذم والانقسام وأرست بنيان الخلل في التركيبة الواحدة على اختلاف أدوات الحكم وتعدد وجهات النظر حول أسس ومبادئ العلاقات المشتركة التي انتجت تداعياتها وعي الانقسام والانحراف المقترن بتفكيك وحدة المصالح بين الجنس الواحدوالتي صاغت محاذيرهاعقدة تذويب قيم الشراكة الإنسانية في مفاهيم الهوية الجغرافية والسياسية والدينية والعرقية التي أرست دعائم الفصل بين المكون الواحد بمعايير التمايز الشكلي وعفوية التطبع الثقافي المتباين في سياق توظيف مشروعية التفرد وقوانينه..

ولأن عالمنا اليوم في ظل تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال والتواصل الحديث قد تجاوز الأبعاد والمسافات الزمنية والمكانية واصبح أقرب تشبيهاً بالمدينة الواحدة فإن مطلب الدولة العالمية العادلة بات ضرورة حتمية تستوجب التفكير بوعي المسئولية نحو أنفسنا ووجودنا الواحد لتذويب مفاصل الشر واستئصال جذوره كمبدأ أساس تستقصي أولوياته تجفيف منابع الصراع وأدواته وانتهاج السبل الكفيلة بتحقيق السلام العادل كقاعدة متوازنة لاستقرار المجتمع البشري الواحد ..

ومرجعية الدولة الكونية في هذا السياق لها في مشروعية تمثيل الحق الإلهي للفصل في منازعات التفرد والاحتواء عقد تأسيس حاكمية القيم المشتركة كمنظومة فاصلة في الحق والاستحقاق تظللها مشيئته الرب في تصريف وجوده الواحد ..

من هنا فإن مفهومنا للدولة الكونية ينطلق في الأساس من وعينا بجذور المشكلة التي أرست دعائم التعايش الإنساني على انقسام وتشظي الهوية الإنسانية كنسق امتداد لخارطة التجزئة الجغرافية التي شكلت بدورها تضارب المصالح الاجتماعية والاقتصادية للوجود الواحد وحكمت وجهة الفرقة والشتات بدوافعها الغائية التي أرست قاعدة العلاقات بين الشعوب على التوجس والخوف والكراهية وعمدت مشروعية الصراع وسيادة القوة عِقداً مسلكياً للحياة ..

وفرضية بناء الدولة الكونية كمنظومة أحادية تقتضي مسلماتها توحيد الفكر السياسي والاقتصادي كضرورة زمنية تستمد مشروعيتها من وعي المطلب الإنساني الواحد للأمان والسلام العادل والاستقرار الطبيعي المتوازن ..

ذلك أن مطلب الدولة الكونية ترتكز أهم مقوماته على توطين أسس ومبادئ الاستقرار كمسلم موضوعي للمعالجة تستقيم شروطه على تجسيد ثوابت العدالة الانسانية لتعزيز روافد البناء المشترك واتجاهاته الأخلاقية في تمثيل المصالح المتوازنة للشعوب ..

وما يعزز هذه الفرضية ان مشروع البنية السليمة للحياة يعتمد في الأساس على تقويم ومعالجة مواطن الخلل في التركيبة المتشابكة وجذورها المتشعبة في وجدان الصراع وأدواته انطلاقاً من تجريد وأنهاء سيادة الأقليات المتنفذة والمستفيدة بمفاهيمها المزدوجة للنظام السياسي وتعميد سلطة المؤسسة الوفاقية لوحدة الشراكة الإنسانية كقاعدة ارتكاز تتماهى في طبيعته سمو العلاقات الأخلاقية وانتظامها ..

ومفهوم الدولة الكونية قد يحتمل في دلالاته تشخيص الديكتاتورية العادلة المحمولة على توثيق وحدة الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي كمعيار لتمثيل حقوق وواجبات وقواعد انضباط المجتمع الإنساني بشكل عام ..

وهو كما قد يراه البعض معطلاً للتجربة الديمقراطية تحكمنا معايير الهدف من التوحيد كمبدأ للمعالجة المترابطة بين ضرورة تطويق وتفكيك المصالح المستثناة باستحقاق التحالفات أو العصبيات والكيانات بمختلف أشكالها واتجاهاتها المتشابكة وبين تعميد سلطة المؤسسة البرلمانية  للقاعدة التوفقية بتمكين أدواتها وفق توثيق آلية وقواعد وضوابط تقييم الآداء لشروط التمثيل..

ذلك أن القيمة الرأسية من قيام الدولة يرتكز في الأساس على تمثيل المؤسسة لسلطة النظام والقانون كقضية مفصلية لتعزيز وحدة المجتمع يستوجب أن تستند منهجيتها على تذويب منابع الخلل في تركيبة المصالح والأطماع المتشابكة حول السيطرة على السلطة والمال واحتراز تمثيل الشراكة العادلة بتعميد نموذج الانتخاب المفتوح للسلطات كمفهوم بديل تستوفي قواعده تسلسل التمثيل القاعدي المقنن بالضوابط المستثناة بتقييد معايير النزاهة والكفاءة العلمية والخبرة العملية في الوظائف العليا لسلطات الدولة والمحاور والأقاليم وتعميد قاعدة البحث العلمي في سن القوانين والنظم والخطط التنفيذية كمرجعية داعمة للقرار ..

سابعاً:  البناء

يؤسس البناء كمفهوم وظيفي للأداء صفة العلة الغائية لمعنى الحياة وقاعدتها الكونية المضمرة  بتجسيد الفعل الإلهي لمنظومة الوجود عقد الغاية من خلق الإنسان على صورته مناط تمكينه من المعرفة بتوافقات نظامه منافذ للتأمل والتفكير والموازنة والتخطيط الموجه لاستكشاف وسائل وأدوات الارتقاء بمقدراته إلى مصاف التناغم المتوازن مع قوانين الوجود وطبيعة الحياة..

ويتجلى مبدأ الترابط بين البناء والجمال كمعيار لاستيعاب وتقييدالإنسان لتوافقاته روحاً تسمو بوجدان النفس الغوغائية إلى مرتبة الشعور بقيمة ومعنى قدسية الحياة ..على عكس عشوائية البناء المتشابك مع تجسيد فوضويته لانعدام التوازن والجهل والشر الموجه لتصاعد انحرافات الفرد والمجتمع بطبيعته واختزالها تجربة بوهيمية لتقويض الحياة..

يأتي ذلك في كون الهدف من البناء تلتقي جميع مقاصده عند قضية الارتقاء بالحياة إلى مستوى تجسيد الإنسان لتوافقاته في طبيعة تكوينه سمة متناغمة مع مظاهر التكوين المتسلسل في تركيبة الوجود المترابط في انعكاس الحس الجمالي على توحيدروح الانسجام والسعادة في الشعور العام..

 وكما يخضع البناء لعوامل التمكين المتدرج في تجسيدتوافقات وحدته لجمال الحياة فمسئولية توجيهه وتنفيذ مهامه تحتكم بدايةلمعايير العقد الارتباطي لوحدة المجتمع في شكل منظومة الدولة كمرجعية لتوحيد القدرة على استيعاب الموائمة المتوازنة بين المتطلبات الأساسية للقاعدة الاجتماعية ومقومات البناء المختلف باختلاف الأدوات والوظائف الخدمية ومرتكزاتها العلمية والعملية الكفيلة بتطويق ومعالجة قضايا وإشكالات  الواقع ..

وتلك في سلم الأولويات تقتضي وجوباً ضرورة احتواء التركيبة المفككة بأشكالها المختلفة في سياق تشخيص وبلورة الأسباب والمقاصد الاعتبارية للوفاق للحلول والخطط التنفيذية لاعادة تأسيس وتوجيه آلية البناء كمنظومة موحدة تلتقي مرتكزاتها المبدئية عندتوحيدالخارطة الجغرافية للسكان وتقسيمها إلى محاور وكيانات متوازنة كمعادلة للتوصيف والتخطيط المنضبط على توثيق قواعدوأحكام الشراكة المتضامنة للتكامل منهجية لتعزيز توافقات القدرة مع الأداء للنتاج المتسق مع تجسيد تناغم المصالح لوحدة وانسجام العلاقات ..

وقضية توحيد البناء من حيث ارتباطه بوحدة الكيان البشري في الدولة  لايعني على الإطلاق تدمير أو إلغاء كل ما وصل إليه الإنسان عبر تحولات العصور من نتاج معرفي ومادي صاغت معالمه سمة التدرج في تشكيل طبيعة التنوع الحضاري وإنما لمقتضى التوحيد ما يؤسس القياس بالتمازج المتناغم مع استيعاب مقوماته ركيزةً للارتقاء بجمال البنية إلى مصاف الهدف المشترك للحياة ..

وعلى نفس السياق قديكون لتمثيل وحدة البناء ما يستوجب ضرورة تطويق وتفكيك العوامل والأدوات  التي أسهمت بتمزيق نسيج العلاقات الإنسانية وأرست مفاهيمها تغييب الضمير الأخلاقي في أيقونة المصالح والنزعات المتجردة بعقلنة الصراع  منهاج حياة..

وبموضوعية توحيد قاعدة البناء تختزل المقاصدالوظائفية للإداء سمة التدرج الرأسي المتسلسل من استيعاب آلية الدولة للتوازن المنضبط مرجعية لتوافق المصالح إلى توصيف وتعميم وسائل وأدوات التمكين لمقومات القدرة ركيزة للتكامل إلى تعزيزقواعدوجسورالتواصل للتقارب المتناغم والانسجام إلى بناء الإنسان كقيمة روحية مترابطة بين تعميدالتوازن النفسي لسيكولوجية الذات قرينة متصلة بتوجيه القدرة نحو تجسيد التفاعل والحضور لامتداد علاقة الفرد بوحدة الكيان البشري العام..

ثامناً: الإبداع

يرتبط الإبداع بمنهجية البناء المتوازي مع تعزيز القاعدة الكونية للسمو والارتقاء في الموائمة المعبرة عن جوهر الخلق بشكل التناسق الجمالي البارز في  هندسة الطبيعة لتمازج الألوان بالأشكال والصور المركبة عن استيعاب التناسب القياسي للتدرج ركيزة للارتقاء بالسمات المجردة لكل ظاهرة قرينة للتناغم الحسي في طبيعة وشكل البناء كصفة مميزة للنشاط .. 

وهو في جوهر تكوين الإنسان ما يمكن تشخيصه بملكة التميز في تجسيد القدرة الذاتية للموائمة بين الاتجاه المعرفي والتناغم الروحي كمعيار للارتقاء بالذوق الحسي إلى مصاف الغاية من توثيق النتاج لانعكاس الأثر على تطور وانتظام الحياة ..

وتلك لها في تشخيص ميادين المعرفة للقاعدة الارتباطية بين الإنسان والواقع  أمثلة متعددة منها ما يتعلق بمنهجية الفكر كالآداب والفنون والمعارف الإنسانية بمختلف تخصصاتها ومنها ما يتصل بوظائف العلم واختصاصاته العملية كالطب والهندسة  والعلوم الطبيعية والمشاريع الانتاجية والتي تشكل بمجملها ميزان التكامل في توجيه طبيعة العلاقات نحو الارتقاء أو  التخلف والسقوط بمشروع الحياة..

وهو ما نراه في تعدد واختلاف النتاج الأدبي بين الشعوب (الشعر والرواية والفن التشكيلي والمسرح والموسيقى) بروز التميز عند القلة المحدودة بصفة الإبداع المحمول على استيعاب ومعالجة ظروف ومشاكل الواقع الموازي للارتقاء بنتاجهم إلى مصاف الانتشار والامتداد في تجسيد التناغم الروحي لانعكاس تأثيرهم على العديد من شعوب العالم..

ومثل ذلك تحقق القلة من المتخصصين بالوظائف الخدمية كالطب والهندسة المعمارية والمدنية ووسائل الاتصال والمعارف الإنسانية والطبيعية والعلوم الكونية بخاصية التميز بملكة الإبداع في الأداء المساوي للبحث عن وسائل تطوير الأدوات اللازمة للارتقاء بالمهنة إلى مصاف الغاية من تحقيق أهدافها لمعالجة ظروف ومشاكل الواقع..

 ويرتبط الابداع بطبيعة البناء المعرفي والقدرة الذاتية على تطوير الأفكار من حيث كونه نتاج للمفارقات العقلية بين الشخوص واتجاهاتها الذاتية فيما يتحقق بالتكامل في تجسيد العقل للشفافية القادرة على الموازنة بين طبيعة الأفكار والغور في عمق القضايا في سياق استيعاب المشاكل والحلول..

من هنا كان الإنسان المبدع ظاهرة متفردة في التميز المعرفي والفاعلية في التأثير على الواقع قياساً بتشخيص نتاجه لمعالجة الظروف والإشكالات المعقدة في التجارب الزمنية كمعيار لتجسيد الغاية من خلق الإنسان عقلاً متفرداً بالقدرة على الارتقاء بمقدرات الانتظام مع الوجود والحياة ..

وباعتبار قيمة الابداع كملكة روحية تحقق بها الإنسان للارتقاء بالحياة فقد كان له في تميز القله المؤثرة من الشخصوص حكم انعكاس نتاجه على تجارب الواقع كمعيار صاغت مقوماته توثيق الحراك الزمني للتطور والارتقاء بوسائل النهوض بمقدرات الطبيعة الكونية على عكس ما قديجيزه البعض في كون التطور ظهر كنتاج للتصادم وصراع الحضارات ..

ذلك أن نشوء الحضارات الإنسانية لم يكن لها أن تتحقق بالظهور دون الاستقرار الآني الذي خلق وعياً مرحلياً صاغ حضوره بروز  مظاهر الابداع في الاتجاه المتلازم مع تحققها بمقومات التمكين ، ولو جاز تقييدها بموروث الصراع بما تمثلت صروفه من نتائج وأعباء زمنية لوقف الأمر عند تضييق حركة التاريخ  على تمجيد الحروب وما حفلت به من انتصارات وهزائم أثمرت  هدم وتقويض الحضارات وليس بنائها ..

ولذلك يتخلق الإبداع في كل مجتمع وفق هامش الاستقرار وتطلعات البنية الافتراضية للدولة للارتقاء بمقدراتها في بناء الإنسان توافقاً مع سد حاجات المجتمع المتلازمة مع متطلبات التكامل الاقتصادي والسياسي كمقومات للنهوض المتوازن ..

ولذلك تعتبر الدولة معنية باكتشاف القدرات الابداعية وتشجيعها من خلال توفير الأجواء والإمكانات المطلوبة لتنفيذ مشروعاتها والاستفادة منها لخير المجتمع وهو الأمر الذي قل أن نجد له مكان في الدول النامية كنتاج للسياسات العائمة في الجمود..

كما أن حاجة الشعوب للمبدعين والإبداع هي أشبه بحاجة الثمرة للماء والعقل لفكر البناء وفي غيابهما أو تغييب دورهما ما يستثني تجميد الواقع في دائرة التخلف وسيطرة الجهل والشر بمالهما من انعكاسات  جذرية على تقليص منافذ الحياة..

تاسعاً: العدالة

تؤسس العدالة بالمفهوم العام معنى ميزان الوفاق المعني بتوجيه التوازن المنضبط على تأسيس الموائمة بين الفرد ومنظومة العلاقات في تمثيل الحقوق والواجبات المشروعة كأهم المقومات القاعدية لانتظام التعايش الوفاقي الرافد لاستقرار الحياة..

كما احتلت فلسفة العدالة أهم القضايا المعقدة  في جدليةالتاريخ ومناهج المعرفة من حيث كونها تمثل الركيزة الأساس لتطويق منافذ الشر واحتواء جذوره المسترسلة في تمزيق الروح البشرية وتفشي المفاسد والمظالم والانحرافات والاختلالات المتعامدة مع تقويض مقومات البناء والاستقرار  ..

وفيما اختلفت مظاهر العدالة في التشكل من مجتمع لآخر ومن زمن إلى زمن, إلا أن إشكاليتها ظلت تؤطر أبرز المسائل التي تناولتها اطروحات الفكر الفلسفي والديني والسياسي قديماً وحديثاً كمعضلة زمنية تستقصي معالجة الفوارق الى إصلاح الواقع تحددت مضامينها الأولى في ضوء الجدل الدائر حول تساؤلات ظلت تطرح نفسها دون إجابات مقنعة تؤطر المفهوم الثابت لفرضية الانتظام..

  منها على سبيل المثال :

-  ما هو المعنى الصحيح لمفهوم العدالة؟ وهل لدلالاتها في الواقع من وجود؟

-  وهل العدالة قيمة مطلقة أم  نسبية ؟

- وكيف تتحقق العدالة ؟ وما وسائل تحقيقها ؟

هذه الأسئلة وغيرها وإن برزت في ظل تحلل مظاهرالعلاقات الاجتماعية والإنسانية وتجذرها المتزامن مع تمدد الفوارق الطبقية وانبعاث الهويات العرقية والعقائدية والجغرافوسياسية وغيرها من الظواهرالتي صاغ فصامها تضارب المصالح وطغيان النفعية على الأخلاق .. إلا أنها تترجم واقع الإشكال الزمني المسترسل بتغييب القاعدة الكونية للمنهج في المعرفة المتناقضة بقضاياها وإشكالاتها المتراكمة ..

من هنا فإن تصورنا للإجابة على التساؤلات يقتضي أن نستوعب إشكالية الواقع  كنتاج لتفكيك مقاصد العدالة كقيمة كونية ارتبطت بموضوعية الضابط الاعتباري لموازين الحياة فيما انفرط عقدها في سياق اختزال الواقع للمتغير في تركيبة منظومة العلاقات قرينة  لاختلال موازين الحياة ..

وتبيان القصد أن قاعدة العدالة الكونية لها في إضمار العلاقة بين الإنسان والنظام صفة توجيه القضاء والقدر والتي قل أن يستوعبها العقل أحكاماً موزونة لطبيعة التشكل الذاتي بالمتناقضات وبموجباتها تتحدد الإجراءات والعقوبات الجزائية تلقائياً في الأقدار التي ترسم طريق الإنسان وخارطة حياته ..

وهي لا تقاس بحجم الثراء والفقر والقوة والضعف وغيرهما وإنما تقاس بطبيعة المؤثرات السالبة والموجبة على استقرار النفس البشرية بامتداد روابطها بمقاصد وظروف الحياة  ..

وباعتبار ماهية العدالة قوانين وأحكام وقواعد وضوابط تحكم منظومة العلاقات فدلالتها العميقة تكتسب صفة الميزان الترجيحي للحقوق والواجبات والعقود المتكافئة في ضوء الامتثال للحق الواحد مضمراً بفضيلة (المساواة) شرطاً وجوبياً لاحتراز التكافؤ قاعدة وفاقية لتعميد سلطة القانون على الحاكم والمحكوم والقوي والضعيف والغني والفقير والعالم والجاهل دون استثناء..

 لذلك ارتبط تمثيل الحقوق والواجبات بميزان العدالة الترجيحية للمفارقات الجوهرية بين الشخوص قاعدة تراتبية محكمة الموازين فيما حكم اقترانها بالمساواة ثبوت الحق العام في تكافؤ الفرص واستحقاق كل فرد للحرية والكرامة والعيش الكريم والتزام كل فرد باحترام حقوق الآخر والتماثل أمام العدالة بالصفة الإنسانية الواحدة ومقاصدها المشروعة للانتظام ..

ووفقاً لذلك نستخلص فرضية تعريف مفهوم العدالة الصحيح بالآتي:

العدالة هي ميزان الحق الثابت لقواعد الاستحقاق الخاص والعام وعقد التوازن الواجب  حكماً بتمثيل القانون للضابط الاعتباري الرادع للانحرافات من تجاوز الحقوق الخاصة والعامة والإخلال بالتوازن المتكافئ لانتظام العلاقات وتقييد مسئولياتها بالرادع الأخلاقي للانحراف..

ولمرجعية العدالة في معالجة إشكالات وانحرافات الواقع صفة المقوم الاعتباري لمنظومة العلاقات والروابط المفترضة بتأسيس النظام لقواعدومبادئ الاعتدال المقترن بتوصيف الحقوق والواجبات والمقاصد المنحرفة والمنضبطة في ضوء تجسيدالمعايير الأخلاقية لمبادئ الوفاق وتفصيل قواعدها أحكام وضوابط قانونية واجبة النفاذ والتمكين ..

والعدالة كقيمة موضوعية مترابطة تنقسم مقاصدها إلى أربعة مفاصل هي:

1-       العدالة الاجتماعية

وهي العدالة المعنية بتوحيدالعقد الاجتماعي للقواسم المشتركة مرجعية ثابتة للانتظام والمحمولة على تأسيس مبدأ الحقوق المتساوية والعمل على أنهاء الفوارق الطبقية  والعرقية والطائفية وغيرهابمسبباتها وجوباً شرطياً لتوطين التوازن في طبيعة العلاقات منهجية للالتزام المنضبط على تجسيدالوفاق قاعدة للشراكة المتضامنة في الحياة ..

2-       العدالة المدنية

وهي العدالة المحمولة على تأسيس القوانين المدنية لقواعدالانضباط وأحكامها اللازمة لحماية المجتمع من شوائب الانحراف والإخلال بمنظومة العلاقات والحقوق والواجبات المدنية  بالإضافة  إلى الفصل في المنازعات والعقود المستحقة وإجرائاتها الجزائيةالرافدة لتوطين الرادع  الاعتباري والأخلاقي لتعزيز انتظام العلاقات المتكافئة بين الأفراد ..

3-       العدالة الإنسانية

وهي العدالة المضمرة بتمثيل حقوق الإنسان للحرية والكرامة والعيش الكريم في وجوب احتواء المظالم الناجمة عن فساد وطغيان السلطات والقوى المتنفذة وعلى وجه الخصوص في الدول النامية والعمل على تعزيز استقرار العلاقات بين الحكام والمحكومين..

4-       العدالة الدولية

وهي العدالة المعنية بتمثيل حق الشعوب في الأمان واستقرار والغائبة عبر تحولات العصور كنتاج للتفكك والصراع المتلازمين مع توجيه السباق الحضاري للارتقاء بوسائل وموازين القوة وتمحورها حول تعزيز طموح الحكام نحو أهداف السيطرة على العالم والاستئثار بمقدراته..

 هذا التشخيص يقودنا إلى استنطاق السؤال القديم المتجدد : هل العدالة موجودة على أرض الواقع وعلى وجه الخصوص في عصرنا الحاضر وفيه ما نستخلص ثبوتاً تماهي وجودها بالحدود النسبية في المضمار الأول والثاني وتلاشي وجودها في الثالث والرابع كنتاج للعوامل والأسباب الظرفية المحمولة على غياب المقومات..

 فمن حيث  تقييمنا للعدالة الاجتماعية نجدها لا تزال تمر بطور النسبية المتأرجحة بين مكونات الشعوب  بموازة انحسار محدودية الارتقاء بها في كل محيط على طبيعة القيم التي تحكم علاقاته بمعيار اتجاهات أنظمتها نحو تحقيق العدالة المدنية وهو ما يجيز ارتفاع نسبة انضباط العدالة في الدول المتقدمة وانخفاضها التدريجي في الدول النامية وخصوصاً في العالم الإسلامي وفي ذلك ما يعلل الأسباب الموضوعية بطبيعة ارتباط العدالة بالشرع الديني ومفارقاته القياسية ترسيم الحقوق والواجبات صلة بتمثيل النظم السياسية لمرجعية الدين..

فنصيب الذكر في الميراث مثل حض الأنثيين من وجهة نظر الدين عدالة وحق الرجل في الزواج  من أربع بالإضافة إلى ما ملكت يمينه من جواري شريعة حياة لا تعطي المرأة نفس الحق حتى في الشهادة والسارق الذي فرضت عليه الحاجة والظروف أن يسرق تقطع يده غير أن المرتشي والمسئول الذي ينهب المال العام لا ينطبق عليه الحكم وهكذا دواليك..

وبموضوعية الترابط الوثيق بين العدالة الاجتماعية والمدنية تتجلى مفارقاتها في الاتجاه العام من حيث تنامي الفوارق الطبقية والعرقية والدينية وغيرها وتضييق حقوق الأقليات في الحد الأدنى للمشاركة في القرار والوظيفة العامة والتي ترسم بدورها تفشي البطالة والفقر والفساد واتساع دوائر الشر بمصادرة المتنوعة ..

وتلك تعتمل أسبابها في سياق تخلي الدولة عن مسئولياتها الأساسية تجاه الشعوب وانشغال الحكام بمسألة السيطرة على المجتمع ومقدراته واتجاهاتها العائمة في تفكيك المصالح والاستغلال المتجرد بسقوط القيم وعدم الانضباط..

أما طبيعة العدالة الإنسانية والدولية وهما رأس الاشكال فقد تعذر انتظامها كنتاج لواقع التفكك الدولي والصراع المستثنى بتغييب القاعدة الأخلاقية للعلاقات في السياسات الملتوية التي استحكمت بمفاصل الحياة عبرالمراحل الزمنية وصاغ حضورها عوامل الارتهان للنفعية المتجردة  بتمثيل المصالح للتحالفات الموجهة بتعزيز انعدام التوازن لسيطرة الأقوى على منافذ القرار وتوجيه آلياته..

وحيثية التشخيص أن قيمة العدالة كغيرها من القيم تنتظم وظيفتها وفق موضوعية الهدف والغاية وهو (الانتظام) كقاعدة منضبطة تستحضرها وحدة الترابط الموضوعي بين مقاصد الحق والحرية  والمساواة  في الحقوق والواجبات  المشتركة تمثلاً بالمصداقية في التجرد الأخلاقي شاهد استقامة العدالة على موازين الانضباط..

وباعتماد الواقع شاهداً على نسبية القيمة ففيه ما يستثني تقييدها بمفارقات النزعة الحيوانية عند الإنسان واتجاهاته العائمة في تأصيل قانون الغاب لحق البقاء للأقوى..

ولذلك كان توافق الشعوب على توثيق رمز العدالة بدلالة الميزان مقترناً بتعادل الموازين وليس بتغليب رجحان كفة على الأخرى في تجاوز الحقوق والواجبات المستحقة للفرد والمجتمع..

وتلك بمجملها هي التي شكلت معضلة الوفاق المتدرج من تفكيك العدالة الاجتماعية إلى المدنية إلى الإنسانية إلى الدولية وستضل تحكم واقعنا مالم تتحرر الشعوب من الخنوع والاستلاب وتلتقي كلمتها بروح المحبة والحق الواحدعلى استحقاقها في الحرية والكرامة والعيش الكريم في الحياة..

  عاشراً: السلام

 في ظل غياب العدالة وبين إرهاصات القلق والتوجس من الآخر عاش الإنسان مخاض الصراع مع الذات والآخر قروناً من الزمن يستقصي سبل الخلاص من فيء العارض الذهني لانعكاساته التراكمية المفرغة بتجسيد الفرقة والشتات لجسور الكراهية والأحقاد المتوارثةولوجاً في احتواء سبل التمكين في القوة  والسلام في الحرب  والارتقاء بوسائله والحياة في تمجيد الموت  والتفنن في صياغة أدواته لا يرى من وجهته سبيل الغاية غير التعلل بالنقيض ..

ذلك هو الإنسان صانع الشر في حركة التاريخ ولسان حال الجنوح والعماء المتجذر في تشكيل خارطة التناقض والصراع فواصل متسلسلة من الهويات والنزعات المتجذرة للنسل الآدمي الواحد صلة بكونه العقل المفكر والموجه لشرعنة الحروب  عضد جاهلية عمياء بلغت حد الاستهانة بمصيره وحقه في العيش الآمن والارتقاء بهمجيته نحو تقويض الحياة ..

وهو النفس المجسدة للتناقض وعي تخصيص وتوظيف يتعاطى حرمة الدم في قتل الإنسان لأخيه الإنسان جريمة أخلاقية يحرمها الرب والدين وتمتثل لعقوبة القانون وقتل شعب لشعب حلال في منطق الصراع والتضاد يجيزه الرب والدين والقانون شريعة كونية ..

 وهو روح الحياة المجسد لوحدة الطبيعة الكونية في تكوينه المعني بتمثيل الوفاق والانضباط معها وجوباً لاستقرار وجودها ووجوده المتعالي بجهله وانحراف أخلاقه وقيمه لفرض سيطرته على مقدراتها وتوجيه امكاناته لتقويض الحياة فيها..

وباعتبار السلام ركيزة أخلاقية لمبدأ انضباط العلاقات الكونية ففضيلته الاعتبارية هي عقد الالتزام الواجب شرعاً بتمثيل وحدة الضمير الإنساني لانتظام الشراكة في الحياة وتجسيد الطمأنينة والأمان رسالة كونية لاحتواء الشر وتقويض أدواته ومشاريعه ..

من هناكان معنى السلام مشتقاً من السلم المنظور بسلامة الحق والعرض والحياة وهو ضدالحرب والصراع وجوباً   لتأسيس الوفاق الأخلاقي للتقارب والمحبة رسالة سامية لنبذوتطويق الأحقاد والسمو بالحياة إلى جادة التعايش الآمن في الحياة ..

وله في تقييدالسلام الداخلي للإنسان حكم تعزيز توازن النفس واستقرارها في التجرد من مسببات الاضطراب والقلق والعدوانية تجاه الآخر وتجسيدسيكولوجية الذات لاحترام وتقديس حقوق الغير المشروعة في جدوى الموائمة بين استحقاق النفس للسلامة والبقاء بالتلازم الشرطي مع انتظام علاقاتها مع المجتمع..

والسلام صفة إلهية وقيمة كونية أزلية عقد مشروعيته انتظام العلاقات والروابط الأخلاقية فيما تعذر فهم  مكانته الروحية بواقع سيطرة المصالح على الوعي واتجاهاته العائمة في تفكيك وتسطيح المعنى الظاهر وتجذر مقاصده الارتباطية في تشكيل وتطبيع النفس البشرية على حب الاستحواذ والعدوانية في التفرد بامتلاك مقدرات  الحياة ..

وفي هذا الصدد اختلفت آراء الفلاسفة والباحثين عن طبيعة النفس البشرية وتعاطيها مع قضايا الحرب والسلام  فمنهم من يعتقد أن الإنسان خُلق شريراً بطبعه وأن النزعة العدوانية والشر متأصل في غريزته البيولوجية والسيكولوجية ويستدلون على ذلك أن الأديان والقوانين والتشريعات وقيام الدولة بمؤسساتها المتعددة والاعراف والتقاليد انما جاءت لتحد من شروره التي فطر عليها..

في حين يذهب فريق آخر الى الاعتقاد ان الانسان خير بطبعته الفطرية، وان اتجاهاته للشر هي نتاج الارتهان لشهوات الجسد والتي تجعل منه شريراً بوهيميا محكوماً بإشباع رغباته ومنها حب السيطرة والاستحواذ على مقدرات الغير وانتزاع ما ملكت أيديهم  بالقوة..

وهو الأمر الذي يعلل الافتراق في الرأي خارج السياق الموضوعي للمعالجة من حيث اعتماد الفطرة الغريزية ركيزة لتقييدالخير والشر طبيعة ثابتة في جينات الإنسان وعلى ذلك لو صح ثبوت أحدى وجهات النظر لما تشكلت المفارقات النسبية في اختلاف سلوك واتجاهات البشروكانت الغريزة حكماً على تجسيد الطبيعة الثابتة في النسل الواحد وما جاز أن يتوالدعن الشرير بطبعه ابناء خيرين وعن السوي أشراراً بخلاف سجيته ..

ولذلك نرى أن تمثل الإنسان للخير والشر في طبيعته لا يحتكم قطعاً للغريزة الفطرية في تكوينه بقدر ما تتشكل وتنمو مع التنشئة والتطبع الزمني بالمتناقضات والتي غالباً ما تستمدخاصية الارتقاء بإحدى الحالتين من تراكمات التجربة في التوائم مع الظروف والأزمات العارضة أو العكس في تجسيد تطلعات الأنا لانعدام الموائمة والعجز قرينة للصراع الباطن يسوس اتجاهات النفس بطبيعته..

وتفسير ذلك أن الإنسان يولد متجرداً عن الخير والشر بواقع صفاء الذهن الماثل في تقييد قدراته وعجزه عن الأداء فيستقي الخير لنفسه مطالب واحتياجات لها حكم الارتباط بغريزته الحيوانية فيما يستقي دوافع الشر  من واقع الحرمان وتنامي الرغبات أو العكس في التدليل الموازي لتصاعد الأنا..

وتلك بدورها هي التي أرست قاعدة الأنا وارتباطها في حدود المحيط حيث تنتظم في سياق اختزال الوعي للأفكار والمعارف التراكمية لمعطيات الواقع  والمفترض معالجتها من خلال العمل على تهذيب وتقويم النفس البشرية على الموازنة بين المقاصدوعلاقاتها الارتباطية بالمحيط كمبدأ للتحقق بالسلام الذاتي المترابط  مع تعزيز روابطها بالمجتمع الموازي لعدم اختزالها للمطالب والحاجات حقاً منفرداً متجرداً بالامتثال لإرادتها الموجهة لفرض اتجاهات ودوافع (الأنا) للشروالاحتكام للصراع  في تمثيل علاقاته بواقع الارتباط بالمصلحة الذاتية ومزاياها..

وبديهية الاستنتاج أن الذاتية بصيغها المتجذرة من الأنا ومصالحها الارتباطية إلى تشكيل انماط العصبية الفكرية والمادية وتداعياتها للصراع هي التي انتجت عوامل الشر سلسلة من الحروب العدوانية وصاغ بذرتها تقييد الفكر الديني والفلسفي بمجمل خلافاته للنقيض ثابتاً كونياً للتضاد والتصادم حكم تقييد الصراع بالمشيئة الإلهية عارضاً لانتظام وتطور الحياة..

والقضية بدلالاتها الموضوعية أن قضايا الصراع البشري بمختلف منازعاته ونتاجه الزمني لم تحتكم  يوماً لإرادة الشعوب وحقوقها المشروعة في الحياة بقدر ما استحكمت بعواملها دوافع الطموح السلطوي ونزعاته النرجسية العائمة في جنون العظمة والأطماع نحو تسخير قدرات الدول وإمكاناتها العسكرية للسيطرة على مقدرات الشعوب المستضعفة وفرض هيمنتها عليها كبدائل للقصور والعجز في تحقيق الأمان والاستقرار لشعوبها..

وبوعي التأثير الثقافي والاستلاب تحققت بمقاصده البشرية عقد عصبية عمياء لاستحقاق الهوية ترجمتها أخلاق السياسة والحكم واتجاهاتها العبثية بالإنسان والحياة مشاريع مماثلة ترجمت العدوانية والتسلح في مواجهة الآخر قاعدة حياة ضميرها استحقاق القوة وشاهدها الموروث والتاريخ حكمت توطين الصراع والحروب مشروعية لاأخلاقية لفرض إرادة القوي على الضعيف بالتسليم والخضوع والقهر المقنن بتوظيف التفرد قاعدة مرحلية متداولة للسيطرة  المتعذرة بتطبيع السلام ..

وهو الأمر الذي نسخ تلك العقيدة موروثاً لحضارة الإنسان وبلغ في عصرنا الحديث رغم تطور وسائل العلم أعلى مراتب السقوط الأخلاقي في توجيه قدراته المعرفية والعلمية نحو تهديد بقاء الحياة على كوكب الارض وتلاشي وجود الحضارة  والإنسان ..

من هنا تمثلت قضية الحرب والسلام رأس الإشكال الزمني لتجاذب الأطماع واتساع دوائرها المسترسلة في تطبيع منازعات السيطرة والاستحواذ والتي أفرغت تداعياتها الزمنية تطبيع الكراهية والأحقاد بين الشعوب موروثاً متأصل الجذور صاغ حضارة الإنسان بمزيج الدم تاريخاً من الانتصارات والهزائم والاستعباد والتشريدوالقهر والظلم شريعة حياة..

وجل ما نستقصي ثبوته أن وعي الإنسانية بالسلام المفترض ظل حبيس الفكر المتشظي محكوماً بإرادة الشخوص المتنفذة ونزعاتها المتعطشة للدم والأطماع شائنها في ذلك استلاب الشعوب وخنوعها المتأصل بواقع الارتهان للموروث الزمني المتجذر بتمزيق الهوية  لوحدة الكيان والانكفاء حول هموم ومطالب الحياة اليومية الأمر الذي فرض تمثيل الشعوب للسياسات العائمة في أرجوحة المصالح وعقلنتها للصراع ..

وباعتبار السلام مطلباً إنسانياً له حكم الضرورة الحتمية لانتظام العلاقات بين المجتمعات أولاً وشعوب العالم ثانياً فمقتضى المعالجة تسترعي بداية تحرر الشعوب من الاستلاب والخضوع واحتراز المسئولية في مراجعة الفكر المنحرف وتداعياته منطلقاً وجوبياً لتوحيد الإرادة الجماهيرية نحو إعادة البناء وتلك مسئولية الحكماء والمفكرين والعقلاء في كل مجتمع..

وهي مسئولية الحكام والساسة إن جاز فيهم تجسيد الأمانة الأخلاقية بحق شعوبهم وأنفسهم بالعمل الجاد على دراسة ومعالجة عوامل الصراع أسبابه وتبعاته وتجريد أدواته في سياق توحيد الصفوف نحو تقويم وإعادة تقويم البناء..

حادي عشر : الأمان

يعلل الأمان في الاصطلاح المعرفي معنى الشعور براحة البال  والسكينة المعزز بروح الوئام والاستقرار النفسي المتوازن بتجسيدالتوافق مع ظروف ومقاصدوتعاملات الحياة .. وعن دلالاته تتشكل مقومات وقواعد الانضباط كأسس ضامنة لانتظام جسور العلاقات..

وبفضيلة الأمان تتجلى الغاية من وجود الإنسان وتمثله للحضور والتفاعل في الحياة ركيزة يتمحور حولها مناط التكليف والاختبار   يستقصي المكلف في بلوغه تخطي محاذير الخوف من المجهول وتبعاته المتشاكلة في تقييد النفس بعوارض القلق والصراع  وانعكاساتها المضطربة على تعقيد سبل استقراره في الحياة  .. 

 من هنا كانت صلة الأمان بالكمال ركيزته في تمثيل مسئولية الدولة تجسيد آليتها لتكامل منظومة البناء عقداً وجوبياً لاستيعاب مقومات الوفاق للانضباط مرتكزاً لتطويق محاذير الخوف من المصير المجهول.. وفي مغزى اقترانه بالتكليف المتوازي مع الاستحقاق فقد جاء مرتبطاً بجدوى استيعاب الإنسان للقيمة صفة إلهية وجوبها في  التحقق بالكمال حكم التخلق بتوافقاتها قاعدة بناء وفي ذلك ما يؤسس في تقييدمطلب الأمان بالخوف من المجهول بالمقصد الشيطاني المتلازم مع الارتباط بالوسيلة قرينة  متجردة بالسيطرة على النفس يستحيل بها شرط التمكين..

وتفسير ذلك أن الإنسان قديحتكم للخوف من المجهول باسترقاء الأمان في المال أو السلطة أو المصلحة الارتباطية كمقاصدً تستحكم به تطلعاتها المتصاعدة  في تطويق الإرادة بأهدافها وعنها يصبح محكومًا بقيودها المتجردة بتجسيد المعوقات لصراع النفس والارتهان لمخاوفها بخلاف أن يراه في توائم القدرة مع الرضا والقناعة عقد تمكين يسموا بشعورة الحسي إلى التحقق بالسكينة  والوفاق الذاتي..

ولذلك كانت فضيلة الأمان كقاعدة إلهية كونية وجوبها في مناط توحيده  إسقاط مبررات الخوف من وهم العارض الذهني للمجهول والتحرر من تداعياته شائنه في ذلك استقامة الحياة في النفس على طبيعة الانضباط والانتظام..

وباستحقاقه شرع الله للإنسان قاعدة الائتمان على الحياة صلة وصل بتمثيل القيمة للجدوى ركيزة روحية عمادها توطين الوفاق النفسي والاجتماعي المتلازم مع تحقيق الاستقرار المعيشي بامتداد علاقاته النمطية قاعدة وجوبية للانتظام والانضباط في تفاعلات الشراكة والتعايش الأمثل في الحياة ..

وله في جذور الزمن والإنسان صلة المبدأ والهدف الرئيس لمطلب الوفاق مع الوجود ممثلاً بعوارض وأخطار الطبيعة الكونية والبحث عن سبل مواجهتها وتفكيك عُقدِها المتسلسلة في تناقضات الحياة..

وبركيزته مطلباً لاستقرار الحياة نشأت العقائدوتشكلت بمضمارها الأديان قواعد منهجية للطاعات صاغت مفارقات العلاقة بالألوهة المحتملة وفق محاذير الخوف من غضبه وتسليط نقمته على العاصي  وجوب الالتزام بالشعائر الدينية والتعبد الافتراضي عقد استرقاء النفس للرضا مسلكاً للتحقق برحمته وعطائه في الحياة وما بعد الحياة..

وبمرجعية الخوف من الرب مطلباً للأمان استوحى العقل البشري من التناقض فرضية التناسب بين الخير والشر عقدمشروعية تخطت موضوعية الفصل بينهما في سياق التعاطي مع الواقع بدأً بتقييد الفكر الديني للألوهة بصفة الملك بموازاة عبودية المخلوق وتجريد استحقاق رحمته للتابع بالمنة في العطاء وتصوير سطوته وجبروته بالمنتقم الجلاد تمثيلاً بالعصيان حيث شخصت توصيف الأمان في وجهتين:

- الأمان في الحياة الدنيا تمثلاً بالإيمان وأداء الطاعات والصبر على العناء والبلاء تيمناً برضاه ..

- الأمان في الآخرة تحققاً برحمته وإسدال العطاء لما جاز به حرمانه في الدنيا ..

فيما تعذر فهم التناقض والالتباس حول حقيقته بواقع الارتهان للظروف والمقاصد وسيطرة الجهل معززاً بتمثيل المصالح الفوقية المتجردة بتثبيت نفوذها من خلال ترسيخ وتقييد منافذ العقل طوق استلاب الوعي العام وتسخيره..

من هنا اختزلت قضية الأمان محور الإشكال الزمني في معضلة الوفاق مع الحياة حيث تشكلت معطياته في سياق تجذر مفاصل الشر وتداعياته النفسية والاجتماعية والتي جسدت استحكام النقيض وفرضت بدورها تقييد الواقع بانعدام التوازن  واتساع دوائر الانحراف في جميع منافذ الحياة..

وباعتبار الشاهد في موضوع الأمان له حكم المفصل الرئيس لانتظام الحياة فله في معاني الارتباط بالواقع مفاصل وجذور تشكلت في سياق تجذر عوامل الشر وتبعاته نستعرض منها على سبيل المثال ما يلي:

1-       الأمان النفسي

ويعلله الشعور الذاتي للفرد بالطمأنينة والرضا كنتاج لحالتين :

الأولى: الاستقرار المعيشي وامتلاك مقدرات الحياة بموازاة عدم الاحتياج للغير وانتظام علاقات الفرد مع المحيط على المحبة والتكافل وتلك غالباً ما تكون نسبية وعارضة للظروف  والأحداث ومقتضياتها ..

الثانية: التخلق الذاتي بصفة الأمان بالشعور بالطمأنينة والرضا في سياق التفاعل مع الواقع وعدم الارتهان للحاجة والتعاطي مع المحيط بروح المحبة والحكمة  وتلك لها حكم الثبات..

وللأمان النفسي جذور التلازم مع مواجهة الخوف عبر مراحل التسلسل الزمني للعمر والتي ترتسم في اللاشعور الباطن وفق طبيعة النشأة والثقافة المعرفية بموازاة القدرة الذاتية على موازنة الخطأ والصواب والدواعي والأسباب في محاذير الانطباع..

ذلك أن طبيعة التكوين النفسي غالباً ما تتشكل بموضوعية التراكم المعرفي كنتاج لأعراض الواقع المعاش بصروفه وتداعياته(حاجات ومطالب)تختزل طبيعتها مخاوف وتوجسات من المجهول قل أن تعمل العقل في ملابساتها مالم تتوافق مع القدرة الذاتية للوعي والإرادة ، ولذا كان الأساس في التحقق بالأمان مقدراً بتمثل الإرادة الذاتية للوفاق المتوازن ..

وتبيان المعنى أن النفس تختزل الأمان في الوسيلة والحاجة المتصاعدة للمطالب وقل أن تقبل باليسير توافقاً مع القدرة  والتأقلم مع الظروف ولذلك يتصدر الخوف هاجس الوعي مضمراً بتوطين الصراع النفسي الموازي لتمثيل تبعاته للمحاذير المتجذرة ..

مثل ذلك قد يخاف الإنسان من الفقر والحاجة والموت فيعتمد الوسائل الممكنة وغير المشروعة لجمع المال وحماية بقائه دون احتمال النتائج أو النظر إلى أن وجوده في الحياة مجرد مسألة زمنية لا يستطيع السيطرة عليها بل وقد يفاجئه الموت في اللحظة الغير مرتقبة ودون سابق إنذار ..

2-       الأمان الاجتماعي

 ويتمثل في تمكين العقد الاجتماعي من تحقيق التوازن في التركيبة الاجتماعية بموضوعية تأمين متطلبات وحقوق المجتمع المساوي لكفال الأمن المعيشي للاستقرار الرافد لانتظام علاقاته على قاعدة تجسيد الإرادة المتضامنة لبناء واقعٍ خالٍ من الصراع والفساد والبطالة والفقر والانحرافات  والجرائم بأشكالها المختلفة..

 وركيزة النظام الاجتماعي تقوم على مبدأ الوفاق على تحقيق الشراكة المتوازنة وتجسيدها لروح الانضباط قاعدة للبناء فيما تتجلى مقاصده الاعتبارية بتمثيل مشروعية الائتمان لسلطة النظام والقانون وامتثال الإرادة السلطوية والقاعدية لاحتراز المسئولية الأخلاقية لفضائل الانضباط والانتظام..

وللأمان الاجتماعي مقومات لها في طبيعة الموائمة بين العلاقات وانتظامها مبادئ أهمها:

- تجسيد آلية البناء ومقوماته العلمية والعملية لوحدة المجتمع وتكافله في الاتجاه  المتسق مع تطبيع وترسيخ مبادئ الوفاق لروح المحبة والتضامن والتكامل والانضباط المتوازي مع تحرير الواقع من عوامل التفك والصراع واجتثاث أسبابه..

- كفال النظام للحريات المنضبطة والعدالة المتساوية في الحقوق والواجبات وتطوير أدوات الإنتاج للارتقاء بحياة المجتمع  وتأمين وسائل العيش الكريم لجميع ابنائه ..

- تنوير المجتمع وتثقيفه بالمعرفة بطبيعة النظم والقوانين في سياق تقييده بتحمل المسئولية المشتركة   في محاربة واجتثاث منابع الفساد والظواهر المنحرفة وصولاً لتوطين مبادئ الاستقرار العام..

- تحييد سيطرة الأطماع والسياسات المنفردة بتوجيه القرار وتقويمها من خلال تمكين الشعوب من اختيار ومحاسبة سلطاتها بحرية منضبطة تتوائم مع خلق أجواء الشراكة بالتعاطي الرافد لانتظام العلاقات ..

ولأن الأساس في تحقيق الأمن الاجتماعي ركيزته ترجمه منظومة العلاقات لعوامل الانضباط من الانحراف الأخلاقي في الواقع فتلك في مقتضى المعالجة قل أن تخضع لفلسفة القوة عاملاً للردع وتثبيت الاستقرار  بقدر ما تضفي انعكاساتها اتساع دائرة الخلل في النظام الموجه للعلاقات بطبيعته..

3-       الأمان الإقليمي والدولي

وهو عقد الشراكة الدولية بين الشعوب ممثلة باستقرار العلاقات الاقتصادية والجغرافوسياسية والوفاق على ضرورة التعايش الآمن من خلال توثيق جسور التواصل الحضاري والإنساني بروح الأخوة والمحبة والتكامل  ونزع فتيل الأطماع  والصراع ..

ذلك أن قاعدة الأمان بشتى مظاهره وتداعياته وأسبابه ونتائجه تلتقي محاذيره وتداخلاته المتشابكة عند رأس السلم المعني بتمثيل وحدة الشراكة الأخلاقية المنافية للتفكك المتعذر بواقع توظيف تضارب المصالح..

وفي ذلك ما يؤطر الأمان بالوحدة الجوهرية المتجذرة بواقع تصدير الخوف ركيزة برجماتية للتفكك والصراع واعتماد مرجعيته ثابتاً كونياً وقاعدة منطقية لفلسفة القوة والغلبة عبر تاريخ الحياة على كوكب الأرض..

والقضية بملابساتها أن جذور الوعي البشري بالأمان ظلت على مدى تسلسل المراحل الزمنية رهينة الموروث التقليدي لثقافة الصراع تستقي معطياته حضوراً متجدد لاستنهاض وسائل المواجهة والحماية من الآخر في سياق تضارب المصالح والأطماع ..

وبوعيها تشكلت الهويات مفترقاً للتفكك وصاغت منظوماتها على بساط التوجس من الآخر تقييد الأمان بالارتقاء بوسائل القوة للحماية المفترضة والتي أنتجت بدورها انبعاث الاطماع وهواجسها المعززة لطموح التفرد والاستحواذ وكان لمشهديتها ما أفضى إلى امتهان حق الإنسانية الواحدة في التعايش الآمن والوفاق على استقرار الحياة ..

ولعل في قراءة الواقع المسترسل عبر تاريخ الإنسان ما يفضي إلى أن نسبة تحقق الأمان يكاد يكون منعدماً لتلك الأسباب التي رسمها واقع التفكك والانقسام المتدرج من تركيبة المجتمع الدولي إلى تركيبة الشعوب وسلطاتها وصولاً للنفس البشرية ..

وتلك الأسباب قبل أن تتشكل واقعاً فهي نتاج فكر بشري واهم تعذر عليه فهم الأمان رسالة كونية فصاغ بطبيعته الحيوانية سبل تفكيكها وارتهن لقانون الخوف من المجهول وتعقيداته قاعدة ائتمان الوسيلة عقد حياة ..

ثاني عشر: الاستقرار

وهو عقد الثبات والسكون والطمأنينة الملازم مع تجسيد الأمان للغاية المشتركة في السعادة مرجعية ثابتة لانتظام العلاقات والروابط البشرية والماديةفي جدوى الوفاق على الانضباط الأخلاقي والاعتباري مجسداً بتوطين القيم السالفة الذكر قاعدة للتعايش الآمن في الحياة ..

والاستقرار هو المطلب البشري العام منذ بداية التاريخ والقيمة المتعذرة بتقييد الواقع للنقيض في طبيعة الاضطراب وله سمة الاقتران بتمثيل التوازن النفسي والاجتماعي والإنساني للطمأنينة المتناغمة مع تجسيد العلاقات والرابط الأخلاقية للانسجام الروحي عقد شراكة وانتماء للوجود الواحد..

ولذلك ارتبط مفهوم الاستقرار بالعديد من المفاهيم والدلالات المتدرجة في تشكيل  طبيعة الإنسان والواقع بالمقاصد والغايات الوفاقية لانتظام العلاقات والروابط المتسلسلة نستخلص ترتيبها على النحو الآتي:

1-       الاستقرار النفسي

وهوالاستقرارالمعلل بتجسيدالتوازن النفسي لوحدة التكوين الطبيعي بالمعرفي في اللاشعور الإرادي المنضبط مع تجسيد سيكولوجية الأنا للطمأنينة والرضا والتناغم الانفعالي كمقوم ذاتي لاحتراز وتطويق مصادر القلق والخوف من المجهول من تعزيزسيطرة الاضطراب والصراع الباطن لعدم الاتزان في التواصل والانتظام مع المحيط  ..

2-       الاستقرار الأسري

ويعلل انتظام العلاقات الأسرية على أواصر المحبة والترابط المتضامن بالالتزام الأخلاقي والمادي نحو بعضهم البعض والتواصل والتفاعل بروح المسئولية المشتركة في السراء والضراء المجانبة للتفكك والخلاف والارتهان للمصالح الذاتية..

3-       الاستقرار العاطفي

وهو الارتباط الموثق بتجسيد العاطفة للوفاق النفسي والأخلاقي المعمد بانتظام العلاقة وثباتها بين الأطراف ويمتثل لثلاث حالات هي:

- العلاقة العاطفية بالجنس الآخر:وتمتثل لطبيعة الوفاق الروحي والانسجام الموجه لثبات العلاقة وانضباطها على الإخلاص والوفاء والشعور المتبادل بالمحبة المقيدة بعدم التأرجح في الخيار والقدرة على استغناء أي طرف عن الآخر.

- الصداقة النموذجية: وهي العلاقة الأخلاقية المجردة عن المصالح والممتدة عبر المراحل الزمنية مع جذور النشأة أو الارتباط السببي على تجسيد أواصرالعلاقة لطبيعة الالتزام نحو الآخر وغالباً ما يحتكم استقرارها للذكريات الجميلة والشعور المتبادل بحاجة كل منهم للآخر إذا ما تعذر التواصل..

- الاستقرار الزوجي :ويعلله لحمة العلاقة الزوجية في المسار الزمني وانتظام أواصرهاعلى المحبة والوفاء والإخلاص والعطاء عقد وفاق أبدي .. 

4-       الاستقرار الوظيفي والمهني

وهو الاستقرار العملي المقنن بتمكين التجربة النمطية للأداء في سياق تمثيل القاعدة البيانية لتوصيف الوظائف والمهن والأدوار وله في منظومة البناء دلالتين :

الأولى:الاستقرار الوظيفي أو المهني للفرد: ويرتبط بطبيعة التأهيل المعرفي والتجربة الذاتية للأداء بموازاة توجيه فاعليته للعطاء المتوافق مع قدراته وطموحاته فيما يتحقق الاستقرار بموضوعية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب الرافد للارتقاء بالتجربة والأداء إلى مستوى الانتاج المطلوب بالتلازم مع تمثيل الحافز المادي والمعنوي الموازي ..

الثانية: الاستقرار الوظيفي والمهني للنظام الاجتماعي: ويرتكز على الموائمة بين المتطلبات الوظيفية وحجم الانتاج قياساً بتمثيل العدالة لتوزيع الوظائف باستحقاقاتها المبينةفي التوصيف الوظيفي وتفعيل التدوير الوظيفي حافزاً لتطوير القدرة والارتقاء ..

5-       الاستقرار الاقتصادي

وهو حد الاكتفاء الذاتي للفرد والأسرة والمجتمع المنظور في التوصيف العام بموضوعية الجدوى في الحفاظ على الاقتصاد بمستوى ثابت دون تراجع..

والاقتصاد بمقوماته المادية والروحية للحياة هو المفصل الرئيس المعني بتمثيل وسائل البقاء وله بالمعيار الرياضي سمة الجذر التربيعي لإشكالية الإنسان الزمنية المتعذرة بانعدام التوازن والتكامل بين الأداء ووسائل الانتاج فيما يعتمد ثبوت استقراره على الموائمة بين الحاجة وتوجيه القدرة الانتاجية بالتلازم مع تدرج النمو السكاني ومتطلبات الأعباء ..

وسمة الاستقرار تتجلى بوضوح حين يصبح المجتمع خالياً من مظاهر الفقر والبطالة والفساد يحكمه الانضباط والتوازن والفاعلية المنتظمة للبناء ..

6-       الاستقرار الاجتماعي

وهو الاستقرار المنظور بثبات العلاقات وانضباطها الأخلاقي وله حكم الارتباط بالاستقرار الاقتصادي وانتظام المصالح بين الأفراد مرتكزاً في ذلك على توثيق وترسيخ النظام الاجتماعي للعدالة المتساوية والحرية المنضبطة المقيدة بسلطة القانون ..

ويتحدد أفق الاستقرار الاجتماعي في سياق تماهي أدوات الصراع التقليدي ومسبباته وتلاشي الجريمة بوسائلها المنحرفة أو انحسارها في النطاق المحدود للأسباب العارضة..

7-       الاستقرار السياسي

وهو الظاهرة التي تعلل وحدة المجتمع وانتظام علاقاته بأجهزة وسلطات الدولة وسياساتها نحوه بامتداد علاقة الدولة بالمحيط الجغرافي والاقليمي والدولي المقنن باحترام كل دولة لحقوق الشعوب الأخرى وعدم التدخل في شئونها الخاصة عقد التزام أخلاقي واعتباري لترسيخ جسور العلاقات ..

وباعتبار قاعدة التمثيل السياسي يرتكز على بناء منظومة علاقات متوازنة فالأصل في معادلة الاستقرار والوفاق السياسي يستقي معطياته الفكرية والمسلكية من ثوابت القيم والمبادئ والأخلاق ركيزة بناء ثابت موجه  للتعاطي مع الآخر بروح فضائلها..

من هنا كان سقوط المبدأ العام للفكر السياسي في حضيرة المصالح موطئاً لتجذر العلاقات واتساع دوائر التشظي والصراع على عضب جدليته وشراعه ظل مفهوم الاستقرار السياسي في التراتب الزمني عائماً في التصنيف النسبي المتغير بتغير النظم واتجاهاتها في توظيف المصالح ..

وعلية فإن محصلة الاستقرار ظلت مغيبة في التسطيح العائم للقيم والمبادئ والأخلاق تستثني توظيفها السلطات في السياق النسبي للخصوصية الآنية المفرغة باستلاب حقوق الشعوب وتضييق الخناق عليها لبناء الترسانات العسكرية تعللاً بالمخاوف والتوجس من الآخر ومطلباً للاستقرار الواهم..

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق