نبوءة العقل

نبوءة العقل

قضايا العقل

 

 حين تعود بنا الذاكرة الجمعية إلى استرجاع حركة التاريخ بإشكالاته المتواترة عبر تحولات العصور قد لا نجد من تفسيرواضح لكل الأزمات والظروف التي أحاطت بواقع الإنسان واستحكمت بتطويق الجهل لإرادته ومصيره في الحياة سوى غياب العقل عن تمثيل وظيفته لاستيعاب ومعالجة قضاياه المتصاعدة من تجسيد متناقضات الطبيعة الكونية للأخطار التي ظلت تهدد بقائه في الحياة إلى التقوقع حول متاهة الخوف من المجهول إلى تعقيد الظروف لسُبل الأمان المعيشي وتفشي الأمراض والأوبئة إلى انحسار الوعي في نطاق الهم اليومي والمصالح الذاتية إلى انبعاث إشكالية الخلاف والاختلاف إلى تعزيز منازعاتها لعوامل التفكك والصراع التي ساعدت على تمكين أدوات الشر من التوسع والامتداد في مسالك الحياة ..

وبرغم أن قضايا العقل تتعدد وتختلف مصادرها بتعدد واختلاف معضلات الفكر وإشكالاته المعقدة إلا أنها بمجملها تتلخص في مسألة الصراع وقضية البحث عن كيفية معالجة السلوك البشري في تمثيل علاقاته المترابطة مع  منظومة الوجود الواحد ..

وقد يكون من البديهي أن تؤسس إشكالية لغز العقل مفترق الاستقراء النظري بين أطروحات الفلاسفة والمفكرين والدارسين لطبيعة تكوينه بيد أن تطويق قضاياه في محيط الصراع الفكري هو ما أرسى تقييد صفته الوظائفية بالاستثناء المعطل بواقع تعزيز وتوسيع قضايا الخلاف والاختلاف لامتداد الإشكال الزمني بمعضلاته ..

وباعتبار ما يعنينا في تأسيس نظرية العقل هو معالجة قضاياه العالقة بين أسوار الزمن ومتاهاته العارضة بانحراف الإنسان فتلك بمجملها ترتكز من حيث  المبدأ على تقييد سُبل المعالجة بإشكالية الخلاف والاختلاف حول المعضلات الرئيسة والتي نستخلص تحليل ومعالجة قضاياها في  ثلاثة محاور مفصلية هي :

 الأولى: حل(أزمة المعرفة) البشرية بقضاياها المتعارضة في حركة التاريخ كمنطلق لمراجعة الشتات المعرفي ومعالجة مسائله الخلافية ..

الثانية: معالجة قضية(الحقيقة الغائبة)بين معضلات الدين والفلسفة والعلم كمرجعية للخلاص من طوفان الشر المستشري في جسور الحياة..

 الثالثة : تحليل إشكالية المجتمع والدولة في تركيبة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعلاقاتها الغير متوازنة في تشكيل النظام العالمي وصولاً لتأسيس نظرية الحل..

 وباعتبار أن جذر المعضلة الزمنية التي صاغت إشكالية الحياة بقضاياها المتجذرة عبر حركة التاريخ هي مسألة تجميد العقل البشري بين شتات المعرفة التقليدية للموروث الزمني بجدليته الخلافية حول قضايا الخيروالشر وبين تعزيز أزمة المعرفة لارتهان الوعي التبعي للاستلاب والتسليم المتناغم مع تطبيع الواقع المتشظي للخصوصية العقائدية والحضارية والثقافية وعلى خطاها تمحور التجديد الديني والفلسفي والمعرفي باتجاهاتها المختلفة في محيط الانقسام والصراع الفكري قاعدة لسباق التفرد المتلازم  مع تطويق خارطة الواقع بالمتاهة الممتدة  بين الأجيال ..

وكما تعد هذه الإشكالية القضية المفصلية التي تصدرت تأسيس وامتداد الخلل في تركيبة الوعي المتشظي بخلافاته ومنازعاته المتصاعدة عبر حركة التاريخ ، إلا أنها رغم وضوح أزمة المعرفة في تجسيد متناقضاتها لإشكالية الواقع ظلت أبعد ما تكون عن متناول المراجعة والقياس بالنتائج تستمد بقائها من صكوك الانقسام المتجذر على خلفية تأطير اللاهوت الديني للمعرفة بقضايا الوجود والحياة في مسلمات العقيدة الغيبية المتلازمة مع تطويق العقل بحواجز الفهم الخلافي الموجه باحتواء كلٍ منها للحق الإلهي مرجعية لتأصيل مشروعيتها بحق الوصاية على الإنسان في تمثيل سلطات الحكم صلة بتطبيع الطاعات لأحكام وقيود السيطرة على التابعية كقاعدة متجانسة استقام بها شيطنة الإله بالمعبود المرادف لتوظيف القداسة للوسائط بالتزامن مع تصدير سباق القوة مسلكاً لصراع التفرد والاحتواء الممتد عبر مراحل التاريخ وحتى يومنا هذا..

وتلك إن جاز لنا تشخيصها بالجذر الزمني الذي أرسى مفترق الطريق بين الإنسانية وتضليله كنتاج موضوعي لتخلف الواقع فالمنظور الاعتباري لتأسيس المعالجة النظرية يستند من حيث المبدأ على استيعاب أن هنالك إشكالية في المعرفة ظلت تحيط بحركة التاريخ وتحولاته ولا تزال تستحكم بحياة ومصير الإنسانية حتى لحظتنا الراهنة..

وانطلاقاً من كون الإنسان كان ولايزال هو المعني باستكشاف سبل المعرفة فالهدف منها مالم يكن متلازماً مع  تشخيص ومعالجة قضاياه المتصاعدة في تعقيد علاقاته المترابطة مع مقومات البناء والتعايش في الحياة فحكمها لا معنى له سوى  تمكين الخلل  من توسيع الهوة نحو استعجال النهاية المرتقبة للحياة..

وما نستقصي توضيح ملابساته هو أن أقضية المعرفة وإن لامست موضوعيتها جوهر التميز النوعي للإنسان كفصيل حيواني متطور بتوثيق العقل الافتراضي للتجارب والأحداث الزمنية والقراءات المحمولة على فرضية تدرج الاستيعاب لقضايا الوجود والحياة كصلة بمحاولة معالجة المشكلات والعوائق المنظورة في الواقع برسم المطلب الضرورة للبقاء ، إلا أن حضوره عبر حركة التاريخ ظل مقيدا بالجذور الزمنية للطبيعة الحيوانية المتصلة بعصور الغاب  ..

وبافتراض أن تطور الحضارة البشرية كانت رديفاً لتدرج العقل في استيعاب المعرفة التي صاغت طبيعة القدرة على التوائم مع الطبيعة الكونية صلة بالتفرد بالسيطرة على الوجود ، إلا أن  هذا التطور الافتراضي بكل مقدراته في صناعة الحضارات لم يستطع حتى لحظتنا الراهنة أن يتجاوز الحد الأدنى للمقصد من تحققه بالمعرفة كقيمة فاصلة بين تجسيد حضوره للطبيعة الحيوانية في التعاطي مع أخيه الإنسان وبين تضليل الهدف منها ولو في حدود الارتقاء بوجوده إلى مصاف القبول بالآخر مرتكزاً  للتعايش الآمن في الحياة  ..

ولذلك حين نبحث عن العوامل والأسباب التي أرست انعدام التوازن في تركيبة العلاقات البشرية سنجدها وثيقة الصلة بأزمة المعرفة كمعضلة زمنية مستعصية تشكلت ملابساتها بمفارقات الوعي المتناقض العارض بتجسيد مظاهر التفكك والفرقة والخصومة والشتات والنزاع والتي فرضت صداماتها الممتدة عبر مراجل التاريخ تعقيد ُسبل الوفاق على الطريق الواحد في منهج الحياة  ..

وباعتبار الثابت في تشخيص الواقع معلوم باقتران ظروف ومشاكل الإنسان في الحياة بهامش المعرفة المفترضة للحراك الزمني فالقضية من حيث المبدأ تستوجب أن نستوعب الهدف من المعرفة كمنطلق للقياس بين متلازمات الجدوى منها في تمثيل الشراكة الإنسانية في الحياة وبين الاستثناء في التوظيف المتعارض ..

 وتلك في تضليل المقارنة والقياس تستخلصها بعض التساؤلات الموضوعية التالية:

- هل للمعرفة بميادينها المختلفة قضية وهدف إنساني مشترك يستوجبان حتمية الانطلاق من حيثياتهما كمحور ارتكاز لحل الإشكال الزمني؟ أم أن قضيتها المحورية هي قضية الاستثناء الموجه بتأسيس الحضور الزمني لعوامل التفكك والصراع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمعرفي قاعدة لسباق التفرد بالسيطرة المحمول على تطبيع حقوق الاستغلال الصناعي والتجاري لهامش الارتقاء بوسائل الحياة!!..

وهنا لو نظرنا للقضية من تضليل المقارنة والقياس بالتطورات المعاصرة للمعرفة البشرية لوجدناها برغم ما وصلت إليه من حضارة مادية وكشوف علمية ووسائل استطاعت من خلالها النفاذ إلى أبعاد الكون واستطلاع كل ما يدور في محيطة إلا أنها في سياق تمثيل الهدف الرئيس منها لا تزال تسير على خط عقلنة وتوظيف المقاصد الارتباطية بآلية الصراع دون تقييد الهدف  بالعائد منها على انتظام علاقات الحياة بوصفها الدليل والغاية من تمثله للعقل كمقوم للسلوك والأداء المترابط مع تأسيس قواعد الالتزام للثوابت المشتركة عقداً شرطياً لمعالجة القضايا والمشكلات والعوائق المتصلة بظروف ومتطلبات الاستحقاق البشري العام للأمان المعيشي والسلام والاستقرار في الحياة  ..

ومع افتراض أن للأمر الواقع حيثياته التي أرست متناقضات الفكر المعرفي على هامش تعدد واختلاف الثقافات فهل بمقتضى تثبيت آليتها وأدواتها ما يستوجب تأسيس معالجة الإشكال الزمني في بقاء الحال على ما هو علية؟ أم أن الضرورة تقتضي حتمية المراجعة والتقويم انطلاقاً من تشخيص الأمر الواقع لتمحور الإشكال بين أزمة المعرفة واتساع أدوات الصراع بتبعاتها كمطلب جذري لتلبية حاجة البشرية للأمان والسلام  والاستقرار في الحياة !!

وفيما لو افترضنا أن غالبية الأمم والشعوب ممن تحيط بهم لعنة الصراع وتبعاته يؤمنون بحقهم في السلام والأمان هي تلتقي عند تقييد أزمة المعرفة لاتساع قضايا الوجود والحياة فالاستدراك يستوقفنا أيضاً أمام الاستفهام حول طبيعة الإشكال في التالي :

ماهي المعرفة الغائبة عن فهمنا لقضايا الوجود والحياة بموازاة المعرفة التي ظلت ولا تزال تحكم وجودنا ومصيرنا في الحياة ؟ ولماذا تعددت واختلفت قراءاتها ؟ وأين تلتقي الأهداف في جدوى التشخيص المتباين بمنازعاته وتبعاته المتجذرة في تشكيل طبيعة الواقع؟

 وبديهية الاستدراك ترتكز على حيثية أننا كأفراد وشعوب وكيانات تعودنا عبر المراحل الزمنية بتحولاتها على أن نتعاطى مع الظروف والأحداث والأزمات الآنية مروراً بقضايا الوجود والحياة والصراع بلسان حال الواقع وفرضياته العائمة على هامش السباق التقليدي والاستيعاب المقيد بالفهم التبعي دون أن تستوقفنا النتائج الزمنية أمام صحة الجدوى من عدمها ولو من خلال التساؤل الضمني عن ماهية الإشكال في طبيعة التباين والخلاف وأسبابها وكيفية الحيلولة دون تراكم الأخطاء وانعكاساتها على تعقيد سبل الحياة ..

ولذلك حين تحيط بنا الكوارث والأزمات كمحصلة تراكمية لتجذر المشاكل ومعوقات الاستقرار غالباً ما تحكمنا الضرورات الآنية من وعي المطلب الظرفي أن نخوض محاولات البحث عن الحلول والمعالجات الآنية بمنأى عن استيعاب وتشخيص القضايا العالقة في تركيبة الواقع المتناقض وجذوره المتأصلة عن طبيعة المؤثر الزمني بامتداد تبعاته في توجيه مستقبل الشعوب والأجيال .. 

وعلى افتراض أننا كشعوب ومنظومات تقليدية تعارفنا على أن نتعاطى مع المعرفة من خلال قراءة معطيات الواقع الزمني وتجاربه وانعكاساته المرّحلة في توجيه مصيرنا في الحياة فهل استطعنا بذلك أن نتجاوز ولو بعض المشكلات والعوائق المصيرية لنستدرك من شواهدها ما يستوقفنا أمام جوهر القضية بمعطياتها ولو من باب الاحتراز والفهم لطبيعة العائد من مراجعة تجارب الفكر الإنساني ونتائجه والتي ظلت قضاياه عبر المراحل التاريخية بعيدا ًعن تشخيص إشكالية الواقع الزمني وتعقيداته المسترسلة والتي استحكمت بتضييق سبل الوفاق لمبادئ التعايش الأخلاقي بموازاة انعكاس الخلل في تسطيح العدالة الإنسانية  لمقاصد الحق والاستحقاق المنافي لتعزيز الأمان والاستقرار في الوجود الواحد؟

 وعلى اعتبار أن للإشكال الزمني حيثياته وأسبابه التي فرضت تصدره للواقع فجدلية المنطق قل أن تستوقفنا أمام نقاشات موضوعية لها بحكم امتداد المعضلة الزمنية لعصرنا الحديث  ما يستوجب المراجعة : -  هل للمعرفة مفهوم ثابت وقاعدة منهجية يفترض أن يلتقي حولها الإجماع البشري؟ أم أن مفهومها لا يحتكم للثبات  والوفاق باعتبارها قضية كل فرد وتصوراته الافتراضية للقضايا والحلول؟-

وفي ضوء القياس بالحالتين: هل للمعرفة هدف إنساني مشترك يقتضي أن يؤسس لحل مشاكل البشرية مجتمعة ؟ أم أن الحاجة لها محدودة بقضايا الصراع والتوظيف؟

وباعتبار كل التساؤلات متصلة ببعضها في تحديد أبعاد أزمة المعرفة بقضاياها المستعصية على الفهم فتضليلنا لمحورية الإجابة  سوف يحتكم  بالضرورة للقياس العقلي  التالي :

_ ما المقصود بالمعرفة إن لم يكن مفهومها معلوم بتوصيف المقصد الوظيفي لدلالة العلم بحقيقة القيمة المرجحة بثبوت الأدلة والشواهد والحجج والبراهين على توثيق صحتها حقيقة معلومة بتأسيس المردود في المنفعة لعقد الوفاق صلة بتضمين الغاية المشتركة منها لجدوى انتظام العلاقات واستيعاب ومعالجة قضايا الوجود والحياة!!..

 وهي المسألة التي يستوجب الاستدلال عليها من قضية الارتباط بين الحقيقة والمعرفة بوصفهما وجهي المعادلة الواحدة كصفتين متلازمتين بين توثيق الحقيقة لصحة المعرفة والعكس في تأسيس شواهد المعرفة لقرائن التثبت باليقين معياراً لتجسيد الحقيقة فيما وقف الإشكال عند تغييب كلٍ منها للآخر في ساحة التوظيف المتجانس على خط امتداد المتاهة العالقة في استفراغ التناقض والقصور  والجهل معرفة متلازمة مع توصيفها حقيقة..

وكمعيار لليقين الثابت يستوجب تعميد الارتباط بينهما شرطاً جوهرياً لتوثيق قضايا المعرفة للحقائق المنافية للاحتمال النظري قياساً بمعطيات الواقع المتشظي وفي ذلك ما يؤسس تقييد الاستدلال على صحتها بالمرتكزات التالية :

-أن ترتكز منهجيتها على تمثيل الهدف المشترك لعوائد الخير منها على الإنسانية بشكل عام كمبدأ للوفق على صحة جدواها الرافد لانتظام مقومات بناء الإنسان والحياة المنافي للهدم في طبيعة الإخلال بالتوازن أو التعاطي وفق مبدأ التفرد والاحتواء .

-أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية والقواعد والأحكام الضابطة لموازين التفاعل الإنساني المستقيم بحيث تمتثل موضوعيتها لوحدة الفكر في الغاية المشتركة المتجردة عن التوظيف والافتراض المتغير في جدوى تثبيت الواقع المتناقض .

- أن يعكس نتاجها في دراسة ومعالجة القضايا والمشكلات والعوائق لطبيعة الجدوى في تجسيد معطياتها للمقومات الرافدة لتعزيز وحدة  وانتظام  العلاقات والروابط المشتركة للتعايش المنضبط في مشروع الحياة ..

- أن تجسد موضوعيتها مضامين الحقيقة بركائزها العلمية والعملية كمرجعية ثابتة للبناء المتناغم مع تأسيس وحدة  المقاصد في الغاية قاعدة  مسلكية للتمكين .

وبمقتضى تشخيص العلاقة الارتباطية بين الحقيقة والمعرفة ومتلازماتها في تأسيس المراجعة والتقويم تستوقفنا المعالجة النظرية أمام تشخيص جذور الإشكال الذي أرسى امتداد المعضلة الزمنية على انفراط عقد التلازم بين الدلالتين عن المقصد الواحد وصاغ فصام الواقع بمحاذير الخلط والالتباس المتعثر بتوطين أزمة المعرفة لمظاهر الخلاف والاختلاف المتجذر من انحراف الإنسان في توظيف الجهل معرفة تفاضلية لاحتواء الحق والاستحقاق إلى انعكاساتها على تمزيق لحمة الكيان البشري الواحد بتبعاته المسترسلة نحو تضييق سبل الوفاق والتعايش في الحياة..

وتلك من حيث توثيق ميادين المعرفة لمقاصد العلاقة المحورية بين الإنسان وثلاثية الوجود (الإله والطبيعة الكونية والحياة) فالمعايير السليمة للتحقق من صلاحيتها تحتكم بالضرورة للقياس بمتناقضات الخير والشر المتداخلة في تجسيد الواقع لانعكاساتها كقرائن متلازمة مع تأسيس مقاصد الخيرلثوابت البناء ومقاصد الشر للمتغيرات التي انحرف بها الإنسان في توظيف الفكر  لعوامل الافتراق والهدم  ..

 وبناءً على ذلك فإن منظورنا لمعالجة  قضايا أزمة المعرفة  يرتكز على محورين هما:

1- تحليل ومعالجة إشكالية الفكر كمدخل لحل أزمة المعرفة

2-  تفكيك معضلات العلم ومعالجة قضاياها

أولاً:  تحليل ومعالجة إشكالية الفكر

 ثمة حقيقة غابت عن العقل البشري على مدى العصور المتعاقبة قراءتها كما عرضنا لها في لغز الكون والإنسان أن خلفية الوجود بأسراره ومعضلاته وقضاياه المعقدة في تشخيص طبيعة البناء والتشكل هو الفكر المنظور بتقييد وعينا الحسي والذهني للمحسوس والمعقول المجسد بالصور والألوان والأشكال والأعداد والأبعاد والقوانين والظواهر والتفاعلات والأحداث  قرائن مجردة بصيغة المفاهيم اللغوية كدلالات معرفية للاستيعاب والتواصل..

وكما يؤسس الفكر لغز الوجود وقاعدة  تكوينه فهو أيضاَ يختزل ركيزة بناء الإنسان بطاقاته المعنية بتمثيل كيانه وقياده  الموجه لسيكولوجيه العقل الباطن رديفاً لتفاعلاته مع المحيط المتصاعد في التركيبة المتسلسلة صلة بتقييد مقاصده في حركة الحياة بمنظومة علاقاته المترابطة مع مظاهر وظواهر الوجود المقروء بتوثيق العقل الناطق للمفاهيم الكلية معرفة بحيثياتها كصلة وصل بتأسيس الغاية منها قاعدة للتخلق بتوافقات الحياة ..

ولذا كانت المعرفة بالإله ركيزتها في بناء الإنسان بمقاصد وجوده لها حكم التخلق بصفات القدرة الموجهة لانضباط سيكولوجية النفس على جدوى انتظام روابطها بالوجود المركب مع منظومة علاقاته..

 وكانت المعرفة بالوجود هي ركيزة استيعاب توافقات النظام المترابط بين قوانين الطبيعة الكونية وتكوين الإنسان المزدوج صلة بتلازم الارتباط مع تأسيس المعرفة بتوافقات الحياة قاعدة  للتمييز بين معادلتي الخير والشر في احتراز تجسيد الذات لمتناقضاتها وعلى ذلك يكون القياس..

ولأن مفارقات بناء الإنسان وقفت إشكاليته على تجسيد الخلل في التكوين لتداخل الخير بالشر بمعطيات الفكر الموجه لقياد النفس واتجاهاته في تشكيل طبيعة السلوك والتفاعل في الحياة .. فمنظورنا للقياس ينطلق من حيثية أن للفكر في معادلتي الخير والشر ثوابت كونية هي قاعدة البناء ومتغيرات بشرية اقترنت بالهدم المعلل بصياغة وتوظيف المعرفة الاحتمالية للمناهج الخلافية والتي تصدرت تقييد الفهم المتعارض بالنتاج الموازي لتعطيل سُيل الوفاق في تطبيع الافتراق قاعدة أرست بدورها تعزيز الخلاف والاختلاف لانعدام التوازن والاضطراب المتسلسل من بنية تكوين الفرد إلى تفكيك علاقات وروابط المجتمع المركب ..

وتلك في تشخيص معادلة بناء الوجود والحياة بامتداد انحراف الإنسان  انتظمت في محورين:

1- المعرفة الجمعية الثابتة : ودلالتها ِالفكر المعلوم بتوصيف توافقاته للحقائق والمقاصد والمعاملات والفضائل والأحكام والقواعد الأخلاقية والضوابط كدلالات معرفية بمنظومة العلاقات المرجحة بتأسيس كل قيمة لجدوى المنفعة العامة المتصلة بتقييد مقومات الانضباط  المشترك  في تعاملات  الحياة ..

وللفكر الثابت عقد التسلسل في توثيق النظام الكوني للحقائق المتدرجة على تأسيس الموائمة بين قاعدة البناء المترابط وتطور عناصر المادة الكونية وبين تقييدها بالقوانين الفيزيائية لحركة الزمكان التي صاغت طبيعة العلاقة مع الإنسان على تجسيد وحدة الفكر للغاية المضمرة بتوثيق الوعي الحسي للشعور(بالسعادة) في الحياة ركيزة قاعديةً لانتظام حركة التطور والنماء كصلة بتقييد العقل الباطن لمقاصدها الفرعية صفات روحية يسترشد بها العقل الظاهر في تقرير مواطن الحق والاستحقاق مسلكاً للعائد في التمكين المنظور في المطلب الدنيوي للأمان والسلام والاستقرار في الحياة وتحقق الإنسان بنتاجه بعد الموت بالخلود الأزلي في الجنة..

2- الفكر المتغير : وهو النتاج المتعدد لمتغيرات الفكر البشري المحمول على توظيف الإنسان للمصالح الارتباطية بتطلعات  النفس كقرينة للانحراف عن ثوابت الخير في موازين العلم إلى التحول الضدي للجهل والشرفي تمثيل الأنا لمقاصد التفرد باحتواء الحق والاستحقاق قاعدة للخلاف والصراع المتعامد مع تفكيك وحدة العلاقة بالألوهة والوجود والإنسان والحياة مفترقا للهدم والشقاء..

وتلك بدورها هي التي انتجت إشكالية الفكر بتبعاته في تمكين الجهل والشر من الامتداد والسيطرة على مقاصل الحياة صلة بتأسيس الفكر العقائدي لتعطيل المعرفة في تقييد العقل بالغموض والقصور المشروع بالتوظيف اللاهوتي المتعدد للغيبيات بخلافاته ومنازعاته المتجذرة في تشكيل طبيعة الواقع بمفارقات الفهم التبعي المقيد بالقداسة المرجعية للوسائط بمقاصده في السيطرة على الإنسان وانعكاساته على ظروف وعلاقات الحياة..

 وكونه يؤسس الجذر الزمني للمعرفة المقيدة بتجميد العقل فقد كان لـتأصيل مرجعيته قاعدة سلطوية وارتباطها بصراع المصالح حكم امتداد تأثيره الزمني على جميع المعارف البشرية التي انبثقت من محيطه وتشكلت بمعطيات الصراع الفكري الملتبس في الخلط بين الثوابت والمتغيرات..

من هذا المنطلق نرى أن حل أزمة المعرفة يستوجب أن يرتكز على تأسيس وحدة الفكر في الغاية من خلق الوجود والإنسان والحياة كصلة بالتدرج المتسلسل  للتكوين ..

ووحدة الفكر في الغاية إن جاز لنا تصفيف معادلاته في تراتب منظومة القيم ووحدتها في الذات الإلهية فموضوعيته تختزل المعنى القياسي(لوحدة الوجود)في الخالق المغيب بين تأسيس التناقض والغموض قاعدة كونية للتسطيح الغيبي المتشاكل بتعدد واختلاف مظاهر الألوهة والخلق وبين تمحور الواقع حول شتات المعرفة البشرية بمفاهيمها المستنبطة من تجارب الوعي المتشظي في وجدان الحياة حضوراً متلازم مع توظيف مشاريعه الخلافية لتطبيع الخلط بين الخير والشر والمعرفة والجهل والحق والباطل والصحيح والفاسد والصدق والكذب قاعدة تفاضلية استحكمت بتضييق سُبل الوفاق في استيعاب المعرفة المستقيمة مسلكاً للبناء الواحد يتجاوز تعميده ما آل إلية الواقع من شتات وتمزيق للكيان البشري الواحد وتطويقه بمتغيرات الفكر مفترق حياة..

وفيما غاب عن الإنسان حقيقة الإله الواحد والوجود الواحد غاب عنه استيعاب وجوده على سطح الكوكب الذي يعيش على سطحه شاهد امتداد التخلق عن الطبيعة الكونية في التكوين المركب عن عناصرها التناسبية منظومة مزدوجة بين تمثيل طبيعته الحيوية لكيمياء النشاط قاعدة لانتظام الحياة وبين انعكاس النشاط الفيزيائي لحركة وتفاعلات الوجود من حوله وتقييده بصيغة الفكر في المدارك الذهنية والحسية دلالات معرفية يستحضرها الوعي والإدراك صلة الوصل في تمييز واستيعاب النظائر في الوجود قرائن موجهة للتفاعل في  الحياة ..

كما غاب عنه استيعاب تركيبته النوعية لوحدة التناسل المتجذر عن الأبوية الآدمية الواحدة والمتطورة جينياً عن أقرب النماذج المشابهة لطبيعة تكوين الإنسان كما أثبتتها علمياً نظرية التطور كحقيقة يمكن الاستدلال عليها من طبيعة التزاوج والتوالد وتطور السلالات مع تقديري الشخصي لنموذج (الشمبانزي) الذي برغم أنه ما زال يعيش في الغاب إلا أن سلوكياته العشوائية لم تصل إلى ما وصل اليه الإنسان بالمعرفة..

 وتبيان الدليل معلوم بكون وجودنا وبقية الظواهر الحية جزءاً من وحدة الكوكب المترابط مع  منظومة الوجود كما أن علاقتنا بطبيعته هي علاقة الخلايا النشطة المؤثرة سلباً وإيجابا على الجسم الكلي والتي تشكل بدورها عملية التأثير المتبادل في تجسيد سلوكياتنا لعوامل استقرار الحياة أو العكس في الإخلال بتوازناتها..

وتلك بمجملها تندرج ضمن اقتران وحدة الفكر بالقاعدة الكونية لبناء الحياة وتضليلها بتسلسل الخلق والتكوين صلة بتقييد الإنسان بالمنهج الأخلاقي ركيزة لتوحيد الكيان البشري على الغاية المشتركة كمرجعية توافقية للبناء تنتظم بمقاصده  قواعد الانضباط الموجهة لتفاعلاته وأدائه بطبيعة امتداد روابطه وعلاقاته بالوجود والحياة..

فيما شكل انفراط هذا العقد في المعرفة المتباينة مفترق الجنوح المتضارب بين تفكيك وحدة العلاقات والروابط الإنسانية في مشاريع الهوية المتجذرة من الدين إلى الطوائف والكنائس والمذاهب العقائدية فالأعراق والسلالات والأجناس إلى تشكيل الخارطة السكانية في تعدد واختلاف النظم السياسية والاجتماعية كصلة وصل بتمزيق لحمة الإنسانية الواحدة والتي لم تستطع تجاوزها رغم استيعاب غالبية النخب المؤثرة والمتنفذة للأسباب والدواعي في انعكاسات الخلاف والصراع على التحولات التاريخية وحياة الشعوب بإشكالاتها الممتدة عبر العصور ..

 وفي ضوء الشواهد والأدلة نستخلص أن بروز أزمة المعرفة لم يكن سوى النتاج الطبيعي لتحلل وحدة الفكر في التوظيف المتعدد بانحرافاته وبمقتضى انعكاساته على تشكيل طبيعة الواقع استوجبت الضرورة العلمية والعملية تقييده بحل الأزمة وفقاً للمعطيات  السابقة  ..

2- تحليل ومعالجة معضلات العلم

استوقفتني كثيراً معضلات العلم وأنا أحاول إيجاد موطئ قدم لاستيعاب منافذ البحث عن حلول مقنعة لها دون جدوى.. ولكوني مجرد مجتهد يحاول أن يقتحم جدران وحواجز العلم دون المام بالرموز والحسابات الفيزيائية فقد استعصت علي قراءاتي مقاربة الحلول حتى وجدت نفسي عالقاً بين متاهة المادة والطاقة وقوانين الطبيعة وأسراها دون استيعاب المعضلة من آليتها في التشخيص والبحث ومقاييسها المتأرجحة بين سُبل العجز والتمكين..

وفي سياق العمل على دراسة وتحليل قضايا العقل برزت معضلات العلم كأحدي مسائله المستعصية والتي فرضت فضية المعالجة ضرورة مراجعة وبلورة نتائجه بشكل عام في ضوء الأهداف المنوطة بتجسيد انعكاسات جدواها على طبيعة الحياة..

ولذا كانت مسألة الخوض في محاولة البحث عن حلول لمعضلات العلم هي في الأساس قضية التعاطي مع معضلات العقل بوصفه مرجعية العلم ودليله الموجه للاستقراء والبحث عن مواطن الغموض بمقتضى اقتران وظائفه بتوثيق آلية الاتصال والبحث والتفكير والقياس والتحليل والاستنتاج المتلازمة مع تعزيز قدراته على استكشاف الأسرار الكامنة في قوانين الطبيعة الكونية من أفق امتداد روابطه بحركة الوجود ونظام تكوينه ..

وما نرمي إليه في تفسير السياق هو أن معضلات العلم لا يمكن الاستدلال عليها وتفكيكها بمنأى عن استيعاب آليتها في تكوين العقل بوصفه المعني بتوجيه الحس السليم للاستكشاف أو العكس في تقييده بالحيلولة دون إدراكها في تصدر الغموض لتطويقه بمحدودية القدرة على الاستيعاب والتشخيص ..

وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على استحالة حصر إشكالية العلم في المعضلات الخمس التي حددها علماء الفيزياء في ضوء ما توافقوا أو اختلفوا عليه حول النظريات الافتراضية لنشأة الكون والتي لاتزال معالمها في محل إشكال كنظرية التضخم والتطور والانفجار العظيم أو المثبتة رياضياً في الحسابات الفيزيائية للمعادلات الجزئية كالنسبية وجاذبية الكم وغيرها بقدر ما نجد الغموض لا يزال يحيط بالعديد من الأسرار والتي يستحيل تفكيكها أو الكشف عنها دون دراستها وتشريحها من طبيعة تكوين الإنسان..

وتأكيدنا على هذه المسألة يستند على حيثية أن علماء الفيزياء انشغلوا بدراسة المادة والطاقة الكونية كظاهرة منفصلة عن تكوين الإنسان بوصفه محور العلاقة ومناط تشخيصها في ترجمة القوانين الفيزيائية لتحولات(النفس والروح والعقل) بالإضافة إلى كونه يجسد الدليل والغاية من تأسيس جميع العلوم الإنسانية والكونية والذي يفترض أن تتمحور حوله كل قضايا العلم ومعضلاته..

وفي ذلك ما نعني به أن معضلات الوجود ما كان لها أن تبرز على السطح دون ارتباط مسائلها بعلة وجود الإنسان وحاجته لاستيعاب علاقاته بقوانين الطبيعة الكونية كرديف لمعالجة قضاياه المستعصية بيد أن انحراف العلم عن هذه القضية هو الذي ارسى تأسيس غموض الكون على خط تجريد وظيفته عن تمثيل آلية تكوين العقل كرديف للانحراف باتجاهاته عن تشخيص ومعالجة معضلات الإنسان مع الوجود في تصدر رسالته العلمية لأهداف الصراع  ..

ولو نظرنا لهذه المسألة من زاوية محاولة تفكيك معضلات الكون من دراسة تكوين المادة من طبيعة تكوين الذرة وصولاً لاكتشاف الانشطار النووي لوجدنا في النتاج ما يعلل تقييد الهدف  بالارتهان لسباق التسلح كشاهد عملي على توظيف رسالة العلم للهدم الذي تخطى أدائه كل القوانين الطبيعية في تلويث البيئة وبروز التغيرات المناخية حتى تجسيد الخطر لاقتراب نهاية الحياة ..

وغاية ما نستقصى الاستدلال عليه في توضيح هذه المسألة هو أن الدليل على وجود الإنسان كحلقة امتداد لتطور عناصر ومظاهر الطبيعة الكونية وإن تلازمت مع تقييده بمنظومة التكوين المادي إلا أن محور وجوده وحضوره في حركة الحياة لا يمكن قياسه بالمادة المجسدة بماهية تكوينه بقدر ما تحتكم لآلية الإدراك المتلازم مع تجسيد الطاقة الروحية للمحرك الباطن رديفاً لتقييد الوعي الذهني والحسي بفيزياء الفكر المعني باستيعاب وتشخيص الحركة الزمنية لمظاهر ونشاط الوجود والعالم من حوله والتي تتجسد في أحلامنا قرائن محسوسة بطبيعتها كما نراها ونشعر بوجودها في الواقع..

من هنا فإن منظورنا لمعالجة المعضلات يقتضي من حيث المبدأ أن يرتكز على تفكيك معضلات العقل المترابطة مع قضايا الوجود والتي تؤسس جوهر القضية المنظورة بتشخيص واستيعاب علاقات الإنسان المفترضة بقوانين الطبيعة الكونية وخلفياتها في تقييد الوعي بحركة الوجود والحياة..

وما نستند إليه في  توثيق هذا المبدأ هو أن جميع قضايا العلم ومعضلاته برغم أنها تسير على خط محاولة تفكيك لغز الوجود إلا أن محور الإشكال في تأسيس الهدف من تشخيص مكامن اللغز يرتكز في الأساس على محاولة استيعاب علاقة الإنسان بخلفية الوجود وقوانينه والتي تتصدر معضلاتها جذرالقضية بأبعادها ..

وفي ضوء الكشف عن لغز الوجود تسقط تلك المعضلات وتصبح دون الأهمية والجدوى ما لم تستند الضرورة في معالجتها على دليل تحقيق المنفعة للإنسان والحياة والتي يفترض أن تستند المعالجات والحلول على تفكيك معضلات العقل صلة بكونها الإطار الموجه لاستيعاب وتشخيص علاقاته بمنظومة الوجود وقوانينه..

وباعتبار أن معضلات العقل لا تقتصر على علم بذاته بقدر ما تحيط بجميع ميادين المعرفة الإنسانية فمحور الغموض في  تصدر المعضلات للحيلولة دون معالجة القضايا يحتكم لثلاث مسائل متصلة ببعض هي:

1- انعدام وجود قاعدة منهجية ضابطة لتأسيس مبادئ وأهداف العلوم بمختلف ميادينها النظرية والتطبيقية والتي تختزل بدورها مواطن الغموض في النقص والقصور المتسق مع توجيه البحث العلمي وفق متغيرات الاتجاه في الاستيعاب والمعالجة..

2- اعتماد الباحث في دراسة ومعالجة القضايا على مساحة المعرفة التخصصية للعلم والتجربة التقليدية المتداخلة مع الثقافة الارتباطية بالمحيط والتي تحكم توجيه قدرات العقل بالنطاق المحدود لطبيعة الاستيعاب ..

 3- تأثر الباحث بالاتجاه المعرفي للمدارس والشخوص والتي تؤسس بدورها تقييد العقل بالغموض المتداخل بالحواجز التبعية الموجهة لتمحور البحث العلمي في حدود الاسترشاد الملتزم بتمثيل قضايا الصراع وأدواته..

وتلك من منظورنا الشخصي هي الأسباب التي استحكمت بتقييد ميادين العلم بالمعضلات المتلازمة مع تغييب الهدف المشترك من تمثيل اتجاهاتها للبحث عن المعالجات الضرورية لقضايا الإنسان المترابطة مع قوانين الوجود.. 

 والاستدراك الذي يستوقفنا هنا على خط الاستفهام هو : ما هي المعضلات الحقيقية التي لطالما وشكلت عقدة الإنسان مع الوجود والحياة؟ وهل تلتقي مع معضلات العلم؟ أم مع تصورات الفكر الديني للغيبيات ؟ أم تتعدد وتختلف باختلاف ميادين المعرفة بقضايا الإنسان والوجود والحياة؟ ومن ثم كيف لنا أن نستوعبها في ظل التداخل المعرفي المتشابك؟

وتلك إذا ما فرضت الضرورة حصرها سنجدها بارزة في صورة المتاهة الزمنية التي انبثقت من وعي الخوف من المجهول  وتفرعت سُبلها من المعتقدات القديمة إلى تعدد مصارف اللاهوت الديني والفكر الفلسفي وعلوم النفس والاجتماع والتاريخ والاقتصاد والسياسة ثم علوم الفلك والطبيعة والرياضيات والكيمياء الحيوية حتى تقلصت عند معضلات الفيزياء.. فيما لا تزال جميع معضلاتها تستحكم بواقع ومصير الإنسان المتشابك مع  قضايا الوجود  والحياة ..

وما ينبغي توضيح ملابساته حول هذه القضية هو أن الإنسان في عصر العلم وتطور الحضارة المادية لايزال يعيش معضلات العصور المظلمة وسيظل عالقاً في محيطها مالم يستوعب أن للمعرفة بأسرار الوجود والحياة رسالة هو ضميرها المؤتمن على توجيهها لانتظام قاعدة البناء وأن انحرافه بقوانين الطبيعة الكونية لا يبني مجد أمة ولا يستثني بقاء من امتلك مقدرات السيطرة والقوة.. ولو اعتقد أنه قادر على غزو الكون والبحث عن وطن بديل فالأولى به أن يصلح ما أفسدت يداه من أجل حماية وجوده .

وباعتبار معضلات العلم  بقضاياها  المستعصية  على العقل تلتقي مع معضلات الدين والفلسفة وبقية العلوم حول فرضية البحث عن لغز الكون فالمدخل لاستيعاب ومعالجة الإشكالات  المتعددة تتصدره الحقيقة الغائبة ..  

الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق