نبوءة العقل

نبوءة العقل

الفكر لغز الكون

 

منذ بداية وجود الإنسان على سطح الأرض وهو يعيش  معضلة الحياة في دائرة مغلقة من الغموض العائم  في  وجود مبهم  تحيط به الأسرار والألغاز  لا يعرف عن كهنه وما وراء  تكوينه سوى الهامش المنظور بتجريد الإدراك الحسي للسطح الظاهر في صورة المادة الكونية والماهية المجردة بعناصرها المركبة في تجسيد مظاهر وظواهر الطبيعة الكونية وأنماط الخلق المتعدد..

وقضية الأسرار والألغاز وإن تبلورت إشكالية الغموض فيها  كنتاج  لأزمة المعرفة  إلا أن سُبل  تفكيكها  ظلت  رهناً بفرضية  الكشف  عن لغز الكون بوصفه جذر المعضلة الزمنية المستعصية على  استيعاب العقل البشري والدليل النظري والعملي  لتشخيص ومعالجة جميع المشكلات  والقضايا التي لا تزال تحيط بواقع ومصير الإنسان في الحياة  ..

وفيما يؤسس لغز الكون محور الحقيقة الغائبة فقد ترافقت معضلة الكشف عنه منذ بداية وجود الإنسان على سطح الكوكب مع إشكالية المعرفة  بعلة وجوده  كركيزة لاستيعاب علاقاته الارتباطية بخلفية  الوجود وقوانينه المبهمة في تقييد الغموض  لخلفية الخير والشر في تناقضات الطبيعة الكونية وانعكاساتها العارضة بعوامل التأثير على حياته ومصيره المترابط  مع قوانين الوجود  والحياة ..

وفي غياب المعرفة بعلة وجوده  تلازم امتداد الإشكال مع معضلة فهم الغاية من وجوده والتي اختزلها بداية في صراع البقاء ومن محاذيرها تجسد الخوف من المجهول  والبحث عن وسائل الأمان وعنها تشكلت المعتقدات الأولى على خلفية وجود قوى ماورائية  وتشخيصها في الظواهر المؤثرة على حياته  فآمن بالشجر والحجر والحيوان والسحاب  والرعد والعواصف والمطر والشمس والقمر والنجوم والكواكب  وصولاً لتقييد الوسائط في الأوثان والبشر قرائن جسد فيها ربوبيته تيمناً بقدرتها على حمايته من الأخطار واختزال العلاقة الشرطية في العبوية والتعبد لها..

وبين مسألة فهم العلاقة بين الإنسان والوجود وقضية البحث عن العلة الماورائية  للوجود وقفت إشكالية العقيدة منذ بداية التاريخ ترسم بهو المعضلة مفترقاً لتقييد المعرفة بصيرورة الخير والشر  بالإله  والشيطان واختزال ضديتها قاعدة  كونية  تمثلها الدين في  توظيف الآلهات المتناقضة قاعدة لاهوتية متشابكة  بين توثيق كل منها للمنهج التفاضلي حقيقة ثابتة بتأصيل مرجعيته الكتابية للأمر الإلهي بالتلازم مع توظيف الطقوس والنواميس المتباينة شعائر  للطاعات المحمولة على تطويق النفس البشرية بالترهيب والترغيب  قاعدة للاستلاب والاحتواء التبعي  المتعامد مع  سباق التفرد حول تقرير مصير الإنسان في الحياة وما بعد الحياة..

وكنتاج لأزمة المعرفة تعودنا أن نعيش  الظروف والأزمات على هامش الحياة  واقعاً مفترضاً لانعرف عن كهنه سوى ما تمليه علينا مفاهيم التجارب المسترسلة في تقييد وعينا وسلوكياتنا بطبيعة التناقض والصراع ومقاصدهما الارتباطية بالحاجة الظرفية والتزاماتها كمسلمات عفوية قل أن نبحث عن إشكاليتها ومعوقاتها في تكويننا المعرفي لنستوعب الخلل من ماهيته في تشكيل وعينا وطبيعتنا منطلقاً لأصلاح أنفسنا ومعالجة  قضايا الواقع  ..

ومن حركة التاريخ نستقي الموروث عُرف امتداد الزمن في تشكيل وعينا فنؤمن بالأوهام والأساطير والخرافات مثلما نؤمن بالحقائق الملموسة ونحتكم لمعطيات التناقض والتجريد الغيبي عقيدة مزدوجة مع مسلمات العلم وكشوفه وكثيرا ما نستلهم التجارب الخاطئة بانعكاساتها السالبة على حياتنا دون مراجعة أو تمييز ..

وفي ظل امتداد المعضلة الزمنية  ظل الإنسان ولايزال يبحث عن لغز الكون في محاولات دؤوبة لاستيعاب متاهاته من طبيعة المادة الكونية ولوجاً في التسطيح القياسي والظاهر وتضليله بميتافيزيقيا الخيال وصولاً لاستفراغ العلم الحديث للمعضلة في الاحتمال النظري للانفجار العظيم المتوازي مع قراءات الدين ..

وفيما نستشعر بوعي الإدراك الحسي وجودنا المزدوج بين التجسيد المادي الظاهر بالهيئة والشكل وبين الروح كطاقة للحركة والتفاعل نجد نفس الشعور  يتكرر في حالة النوم أو شرود الذهن حضور نسبي أو كامل نترجمه بحالة اللاوعي إلا أننا قل أن نستوعبه في تكويننا نطاق العالم الذي تشكل بطبيعته وعينا الذهني والحسي قرينة موازية لنسبة استيعاب حركة ونشاط العالم الكلي كمنظومة بناء ودليل استرشاد..

من هذا المنطلق  كإن منظورنا لاستيعاب مكمن اللغز مبنياً على تشخيص الدليل من صلة الإنسان بالوجود  والتي تخضع لمعادلة تكوين الوعي الحسي والذهني في  تقييد المحسوس والمعقول  لنطاق الادراك  واقترانها بفيزياء (الفكر) المتلازم مع  توثيق الدماغ للنظائر القياسية بالظواهر والصور والأشكال والألوان  والأحجام والأبعاد  منظومة بناء تختزل خصائصها  ذاكرة  الاسترجاع الموازي للاستقراء والتشخيص ..

وبحكم أن الإنسان  هو المعني بالبحث عن  أسرار الوجود والحياة فقد اختزل مفتاح اللعزد في تكوين العقل بوصفه صلة الوصل بالوجود في  تقييد المدارك الحسية لمنسوب الأثر المنعكس عن  مظاهر وخصائص وسمات الظواهر المرئية والملموسة وتوثيقها في ذاكرة (الدماغ) بصيغة المفاهيم والصور والأشكال والرموز والألوان والأحجام والأبعاد والتي تؤسس بدورها محور تحلل النشاط والتفاعل الباطن  بدءأً من تصنيف اللاوعي للمقاصد الارتباطية بالوجودإلى  رغبات وأهواء وطباع ودوافع والتي تشكل بدورها منظومة الأحاسيس والمشاعر الباطنة قرائن ومفاهيم كليه مركبة تستحضرها الصفات ملكات وقيم روحية تنتظم بطبيعتها شخصية الفرد بنمط القدرة على التفاعل والأداء والتأثير شمولاً بتمثيل اتجاه السلوك فيما تنتظم بدورها كقاعدة موجهة للعقل في الاسترجاع والتفكير والقياس والتمييز والاستدلال على النظائر ..

ولو تأمل الإنسان بتشكيلة الفكر في  تكوينه لوجد فيه  منطومة الكون بتناقضاته  ووجد كيانه  المادي  والروحي محكوماً بمفاهيمه المتشابكة ناهيك عن كونه يختزل  مصفوقة البناء المتدرج في تقييد طاقاته  بالتركيبة الثلاثية (النفس والروح والعقل )..

ومرجعية الفكر في تكوين الإنسان معلوم بتجسيد الذات لخصائصه ووظائفه وأدواته وقوانينه الفيزيائية عقد كينونة متصلة بالعالم بحصيلة الكسب  تستحضرها المدارك العقلية قراءات يجسدها الوعي في التواصل والاستيعاب المعرفي للمقاصد والغايات والأحكام والقواعد والضوابط والعلاقات والروابط الأخلاقية المتصلة بتوجيه منهج الحياة   ..

وعلى ذات السياق  يخنزل الفكرحركة التاريخ  ولاهوته ومعارفه وقضاياه ومعتقداته وثقافاته ومناهجه وخلافاته  وأحداثه وصراعاته  ومقاصده المترابطة في تشكيل منظومة العلاقات والروابط وسلوكياتها وقواعدها وضوابطها واتجاهاتها المتعارضة في تشخيص ومعالجة معضلات الحياة ..

 وهو  في  عقولنا  جوهر المعرفة بالإله  وقيم وجوده  بدلالاتها  الروحية المجردة بتوصيف أحكام وضوابط الوفاق وأخلاقياته المستقيمة على ثوابت الخير في توجيه حياة ومصير الإنسان وأقداره صلة بتمثيل الفكرة الأعلى تراتباً وحضور لقياد و توجيه إرادة الذات للتفاعل المنضبط والكسب المساوي لحصيلة الجدوى في ميزان الاستحقاق  وهو أيضاً لسان حال الجهل المتجرد في صورة  الشيطان  بغروره وغوايته صلة بتقييد طبيعة  النفس بضدية الشر ومحاذيره ..

وكما يختزل الإنسان محور الوجود ومفتاح  أسراره  نجده أيضاً يتصدر المعضلة  في الارتهان للجهل والشر المتعامد مع  تعقيد سُبل استقراره في الحياة  صلة بتوظيف  الفكر للمعرفة الخلافية  بالقضايا ومعضلاتها المتشابكة  قاعدة  متعارضة أرست طبيعة التفكك في تركيبة العلاقات الغير متوازنة مفترقاً للصراع  ..

وبمقتضى الترابط بين القضيتين فقد كان الإنسان من حيث كونه محور الإشكال معنياً بضرورة البحث عن لغز الكون وأسراره كمنقذ لاستيعاب  خلفية الوجود  قرينه  لمعنى وجوده المتلازم مع انتظام سُبل ومقاصدالاستقرار في  الحياة .. فيما غاب عنه كمون سرها في تكوينه بوصفه يختزل الظاهرة النموذجية في منظومة الخلق المتسلسل صلةً  بتطور جيناته المزدوجة بين استيعاب الجسم المادي لمجمل عناصر الطبيعة الكونية بتناسباتها الوفاقية الموازية لتصفيف الوظائف العضوية لمنظومة القوانين وبين تميزه  بصفة العقل واختزاله للفكر صلة وصل بالوجود في البناء المتوازي مع تقييد نظام تكوينه  بنسق المعرفة  الرافدة لانتظام  سيكولوجيته الباطنة مع روابط وعلاقات الحياة  .. 

وتفسير ذلك أن دلالة الوعي في تشخيص علاقة الإنسان بالوجود والحياة لا يمكن قياسه بموضوعية القضايا المجردة بصيغة المعارف والمفاهيم والقضايا والأحداث وإنما لها في معادلات التكوين المتسلسل ماهية البناء المقروء بتوثيق النشاط الفيزيائي للحركة الزمنية للطاقة  الذهنية والحسية قرائن متصلة بتقييد النطلق الضوئي للصور والأشكال المجردة بالظواهر والأحداث  والعلاقات والمقاصد المنعكسة عن الوجود حضورًا مجسداً بطبيعة الأثر  يختزلها الوعي شواهد مماثلة صيغتها الأفكار المتلازمة مع تشكيل مفارقات الفهم في تكويننا نسيج ارتباط متصل باستيعاب أدوات العقل  لسياقاتها النسبية قراءات ومعارف وعلاقات ومعتقدات وأحكام وقيود وضوابط تختزل تراكماتها في اللاشعور تقييد النفس بطبيعتها رغبات ومشاعر وأحاسيس وأهواء ونزعات ودوافع وقناعات  قرائن انفعالية باطنة دلالتها في تمثيل الأثر المنعكس عن سلوكياتها معنى تجسيد الذات لطبيعة الحياة .

ومن حيث تصدر الإنسان للإشكال فالأمر معلوم بكونه المعنى بتجسيد قضاياها في إشكالية الحياة  بوصفه مصدر الخلل من حيث كونه لسان حالها في  تمثيل الواقع  المتشظي بمنازعات الخلاف والاختلاف وتبعاته العارضة بترسيخ النزعات العدوانية والفوارق والمصالح صلة بالتعاطي مع المواجهات والصراع وانعكاس تبعاتهما على ظروف حياته ومصيره .. 

وهو أيضاً مناط الجهل من حيث  عدم استيعابه لدلالات الوجود في  تكوينه بوصفه المعنيُّ وجوبا ًبفهم حقيقته دليلاً معرفياً لاستدراك الغاية من وجوده  الأمر الذي تعذر تمكينه في سياق توثيق المعرفة العشوائية والمتناقضة والتشكل بطبيعتها عقد بناء ومنهج حياة بالتلازم مع تجذر مفارقات الوعي في استقراء علاقاته الاستثنائية بالوجود على  هامش الجذور الأولى التي استوحى منها معتقداته وتعاطاها كمسلمات ثابته ومتوارثة بين الآباء والأجداد استحكمت بتوجيه علاقاته وسلوكه وفق طبيعة النفس الحيوانية وقوانين الغاب..

 وقضية لغز الكون من حيث ارتباط شفرته بتكوين الإنسان قد لا تنحصر  دلالة الكشف عن حقيقته على استيعاب نشأة الوجود وقوانينه الخلفية وحسب بقدر ما تؤسس مرجعييته مفتاح المعرفة بتركيبة الفكر وقوانينه التي تحكم قضايا الوجود والإنسان والحياة  ..

وفيما يقترن الهدف في موضوع الكشف عن لغز الكون بمحاولة استيعاب الإنسان لطبيعة علاقاته المحورية بالوجود تستوقفنا الأسباب التي حالت دون تمكينه حيث تشكلت في الاتجاه العام كنتاج لأربعة عوامل جوهرية هي  :

الأول : ارتباط الإنسان بالجذور التي صاغت معطياته الأولى على هامش المعرفة العشوائية المتأرجحة بين محاولة التعاطي مع الغموض والأخطار المتلازمة مع تناقضات الطبيعة الكونية وانحسار قدراته على محاولة البحث عن الوسائل الضرورية لمواجهتها  والتي أرست حضوره على استيعاب قوانين الغاب مسلكاً لعقلنة الصراع الكوني والارتهان لطبيعة تداخل الخير بالشر في محاذير البقاء ..

الثاني : اختزال التناقض الكوني دليلاً معرفياً للاحتمال النظري واستيعابه منهجية عقائدية لمحاولة تفسير علاقاته المحورية بما وراء الخير والشرقاعدة مزدوجة بين تعلل النفس بمقاصد الحياة وتوثيق الغاية في المصلحة الارتباطية وحاجتها لتطويق منافذ الخوف من المجهول في تلازمات الوفاق معها عقد احتراز الأمان والتمكين قاعدة للتواكل استحكمت بتوطين السمات الروحية قرينة مضطربة استقام بمضمارها امتداد تشكل النسق الواحد في الوعي المتشابك  ..

الثالث : ويتصل بعدم استيعاب الإنسان لمفهوم النظام الكوني صيغة للفكر المنعكس عن فيزياء النشاط الكوني وعياً ذهنياً وحسياً يختزل مقياس الحركة الزمنية للطاقة الضوئية وعلاقتها بتمثيل تفاعلات الظواهر المادية وانحسار  الدلالة في حدود الاقتران بالعلم دون النظر إلى طبيعة الارتباط بين تجريد الظواهر بمسمياتها أفكاراً معلومة وبين تمثلها للنشاط المحوري في امتداد الفراغ قرائن حسية مجردة باحتواء الأثر في انعكاس الضوء لخصائصها وعي اتصالها بالمدارك صيغة للإدراك والتمييز..

الرابع : ويرتبط بالوسيلة المعرفية للاستيعاب من حيث تعارف الشعوب على تقييد الفكر باللغة كأداة للاستقراء والتواصل بسياقاتها المتعددة في اختلاف الألسن واللهجات الناطقة بها والمنظورة بتوصيف المبادئ والقواعد الأساسية لعلومها والتي شكلت محور تدوين المعرفة  واتصالها بين الأجيال وبوعيها تعودنا أن نربط بين مفهوم الفكر واللغة كقاعدة توثيقية لترجمة المعقول والمحسوس في تقييد مداركنا العقلية للرموز والأشكال والظواهر والأحداث والتفاعلات والمعارف بمختلف اتجاهاتها المقيدة بسماتها المؤثرة في تشكيل طبيعتنا بمقاصد ودلالات الوجود والحياة ..

كما أن معادلة الحقيقة في لغز الفكر وإن برزت كقضية محدودة بإشكالية الدين وتعلله بقصور العقل إلا أنها تؤسس الركيزة العلمية والعملية لموضوع أنسنة المعرفة بقضاياها المتجذرة كمقوم رأسي لاستيعاب الإنسان لعلاقاته المحورية بمنظومة الوجود في متلازمات التحقق باستقامة (منهج الحياة) كقضية مفصلية استنفذت معطياتها كل الاحتمالات النظرية في تجارب العصور دون الوصول إلى نتيجة ..


الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق