نبوءة العقل

نبوءة العقل

لغزالحياة

 

 نحن نعيش عشوائية الحياة سفر رحلة زمنية متلاحقة تحكمنا تصاريفها بمتناقضات الخير والشر دون وعي أو فهم لعلة وجودنا فيها وكيفية التوائم معها أو استيعاب لماهيتها الجوهرية في طبيعة تكويننا في السياق المتوازي مع امتداد علاقتنا بالكون...بل وغالباً ما تحيطنا تعقيداتها بالألغاز والأسرار والغموض الجانح في سديم المتاهة لنخوض معتركها ملاحم وروايات غوغائية من الصراع المتعثر بظلام الجهل والاغتراب في الشتات والضياع ..

وحين تلم بنا المتاعب والظروف والأحداث العارضة نعللها بالأقدار المبهمة في عارض الغيب ونسلم بها أمراً واقعاً قل أن نستشعر الضرورة في إعمال العقل فيها أو نحاول فهم الأسباب والدواعي لاستدراك السبل الممكنة لمعالجتها ..

 ولذلك فنحن نراها بعين التسطيح الظاهر صيغة الواقع بأحداثه الزمنية ورواياته التاريخية وبعين التعلل وجه الغيب المضمر بالتواكل والتسليم ، غير أننا قد نراها بعين نشاطها حركة الزمن في تفاعلات الظواهر وجوهر الروح المتجسد فينا وفي كل ظاهرة كونية قراءتها النفس في طبيعة الحياة..

من هنا تختزل الحياة معنى وعينا بمظاهر الوجود ومقاصده الارتباطية بوجودنا المترابط مع منظومة علاقاتنا المركبة والتي انتظمت عبر حركة التطور التاريخي بشواهد الحراك الزمني للتجارب المعرفية ونتاجها المسترسل في تشكيل كل مرحلة ومحيط اجتماعي بسمات النماء والتغير والتخلف والتطور والجمود  والفناء..

ومحور الحياة بناء هو عِقد التكليف وغايته من خلق الإنسان عقلاً انتظمت في حقيقته صيغة التطور الطبيعي للنموذج الحيواني المتفرد بالقدرة على الارتقاء بمقوماتها وتجاوز معوّقات الانقراض باكتساب الوسائل والأدوات المعنية بتمثيل السيطرة على مقدرات الوجود..

وهذه المكتسبات رغم اتساع دوائرها في محور تفاعل الإنسان مع تناقضات الطبيعة الكونية إلا أن معضلة انتظام الحياة في ظل غياب الفهم لطبيعتها ومفارقات الخير والشر في تعارض قوانينها ظلت متلازمة مع كل مرحلة وتطور حضاري شاهد حضور متصل رسمت إشكالياته معوقات انعدام التوازن في مجمل مفاصل  الحياة وقضايا الوجود البشري الواحد..

وتلك هي القضية الرئيسة في حاجتنا لفهم طبيعة وقوانين  الحياة كدليل استرشاد عقلي لتفكيك المتاهة الدائرة في المسار الزمني نستخلص قراءتها في ثلاثة محاور هي مصدر الالتباس والخلط وأفق المعالجة الفاصلة في تقريب وجهات النظر والوفاق على خيار الطريق الواحد لاستقرار الحياة وهي :

1- طبيعة تكوين الحياة

الأصل في معادلة تكوين الحياة معلوم بمقوماتها الطبيعية التي انتجت صيغة التفاعل والبناء بوصفها الجوهر الكامن في ديناميكية الحركة والنشاط الفاعل بقوانينه التناسبية للتخلق المادي ونظامه التوافقي المقترن بتسلسل التركيب وتعدد واختلاف نماذج ووظائف كل عنصر في تناسق البناء ..

فهي في صيغة النبات طاقة تحلل البذرة مع عوامل النمو(الحرارة والهواء والماء والغذاء) والتشكل بالسمات الجوهرية لكل ظاهرة متفردة بطبيعة تكوينها ونتاجها وتلك هي صفتها في علة الخلق والتكوين لمجمل الظواهر الحية..

من هنا كانت ظاهرة الحياة لها صفة(الروح) أو الطاقة الحركية في كل مظهر من مظاهر الطبيعة الكونية ومنها الإنسان كحلقة امتداد للتجسيد الماثل باختزال عناصرها والتفاعل بخصائصها في الاتجاه المتعامد مع توافقاتها النسبية المعنية بتمثيل الحس والإدراك الواعي شاهداً لتسلسل الحراك الزمني في عالم النفس الفردية ومستجدات  الواقع منظومة حياة ..

وتلك لها في تشكيل أنماط الحياة دلالة التجسيد المقروء بخصائصه المحسوسة لكل ظاهرة حيوية تنفرد بنشاطها وطبيعتها صيغة وجودية معقولة للإدراك يختزلها العقل وعياً حسياً تنتظم فيه سمات المؤثر الحيوي في طبيعة النفس العاقلة ونشاطها الباطن صلة وصل بامتداد الحياة في النسيج الكوني الواحد..

وباستخلاص المعادلة الزمنية لكل ظاهرة طبيعية ومنها الإنسان فنحن نراها من خلال عوامل الانتظام والانحراف التوافقي للتناسب المجمل بانخفاض وارتفاع نسبة كل عنصر من عناصر التكوين المتعذر بتمثيل الخلل في طبيعة الوحدة الجوهرية لانتظام الحياة ومثالها في الإنسان ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة أو الرطوبة أو السيولة أو اليبوسة التي تشكل بدورها انعدام التوازن وتؤدي بدورها إلى تعطيل وظائف الأعضاء وارتفاع نسبة العناصر الضارة وانحسار قدرة المناعة في الحدود الضئيلة وصولاً لتجسيد الأمراض وتماهي الحياة في تسريع النهاية الزمنية للبقاء المقدرة بموت الجسد وتحلل مكوناته العضوية في صيغة التلاشي المجاز ة بفرضية الفناء..

وما نستدرك فهمه في هذا السياق أن لطبيعة تكوين الحياة موازين ثابتة للتناسب والانتظام هي أصل بناء الوجود وتوافقاته المادية ومنها الإنسان وهي التي استخلص عنها منذ القدم مقدرات الخير لوجوده وعلل بأضدادها طبيعة الشر العارض بتمثيل الخطر على بقائه منها على سبيل المثال الصحة والمرض والغنى والفقر والخوف والأمان وصراع البقاء وغيرها من مسلمات التناقض التي حكمت وجهته في البحث عن الحلول عبر المراحل دون الوصول إلى نتيجة..

كما أن مقتضى تشخيص ماهية الحياة لا يقف وحسب عند فهمنا لطبيعتها(الكيمائية)في تفاعلات النشاط المادي وإنما لها أيضاً في معطيات التناسب(الفيزيائي) للطاقة حكم القاعدة الكونية لتحلل الثابت والمتغير في معادلة الانتظام والانحراف المقروءة بصيغة السالب والموجب وتوافقاتهما في البناء والهدم كقرينة مطابقة لخصائص الفكر ودلالاته المعرفية والحسية المقترنة بتشكيل وعي الإنسان وقدراته المفترضة لمواجهة ومعالجة عوائق ومعضلات استقرار الحياة ..

2- التناقض والغموض

 لاشك أن لتعذر فهم الإنسان للحياة علاقة وطيدة بمسألتي التناقض والغموض كمعضلتين كونية شابهما التعقيد والتداخل في تشابك القراءات المعرفية للحقيقة الماورائية للكون واستجلاء قوانينه كمرتكز وصفي لتقرير  ثوابت  الوجود في استقرار الحياة ..

وما يعنينا في قراءة الغموض والتناقض أنهما شكلا أهم المحاذير التي احاطت العقل المعرفي بسطحية المقاربة النظرية والخيال(الميتافيزيقي)وصاغت تقييد الخير والشر سمة طبيعية للحياة انتجت بدورها تضاريس المعرفة الاحتمالية قاعدة اشتباك متجذر في كل قضية من قضايا التعايش البشري وأرست مقاصدها الدنيوية تربع الشر على وجدان الحياة ..

 وذلك ما أفضى بدوره إلى إلقاء التبعية على المشيئة الإلهية في إطلاق الشر وتوجيه الصراع  والتصادم قاعدة كونية وتضليلها بالحكمة الغائية المضمرة بتحقق الرافد البنيوي للحضارة البشرية وتطور مسارات الحراك البشري في بناء الوجود ..

وباعتبار الغموض هو رديف الجهل في استحالة الإدراك والفهم المقيد في قراءة الحقائق الكونية بمحدودية القدرة الذهنية للعقل على استكشاف الأبعاد الماورائية لدلالات الوجود والخلق وقوانين الانتظام في الحياة وفي حيز المعرفة انعدام القدرة على النفاذ في تحليل الأفكار والمعاني بالتلازم مع تجسيد الحواجز والموانع العقلية والقيود الاستثنائية  فالتناقض هو نتاجه الذي تشكل بواقع التلازم الذهني مع المفارقات الكونية وتصدير الاحتمال النظري لتداخل الخير بالشر قراءات متشابكة فرضت بدورها تجريد الواقع بخصوصياتها خارج نطاق الفصل ..

وتبيان الفصل في هذه المسئلة أن إشكالية الغموض والتناقض هي في الأساس إشكالية محورية بين العقل والمعرفة وليست التعقيدات والأبعاد الخلفية سوى نتاج عرضي للمعرفة الانطباعية تعذر فهمها في سياق عدم تفعيل قدرات العقل في تحليل واستكشاف الحقائق من آفاق كمونها ..

 ولذلك كان الإنسان هو صانع الغموض في وعيه لسان حال فهمه وبتشخيص قصور العقل ومحدودية قدراته  ما يعلل محدودية التشكل الواعي بالقراءات الانطباعية حواجز معرفية هي علة الغموض وعقل استنتاجاته وقد أشرنا لذلك تفصيلاً في أكثر من موضع  غير أن ما يعنينا في هذا المبحث هو تحليل الغموض من طرفي المعادلة (العقل والمعرفة)..

ووفقاً لذلك  فإن مقتضى الفصل في متاهة الغموض والتناقض في الحياة كانت حكماً على التمييز بين جوهر العقل وطبيعة النفس البشرية كقرينة متلازمة مع الانحراف المتجرد بتقييد(الفهم) في الاتجاه الموازي للتشكل المعرفي  فيما وقفت قرينة الفصل بين تناقضاته قيداً على تحديد أوجه الخطأ والصواب  والصدق والكذب  والصحيح  والفاسد  والكمال و النقص في موازين الخير والشر  المقننة في تشكيل طبيعة النفس في الاتجاه المتسق مع جدوى الانتظام أو الانحراف..

وعارض الجهل كنتاج للتناقض والغموض وإن كان المعني به هو الإنسان إلا أنه لا يقتصر وحسب على  مفارقات  الشخوص في الوعي واختلاف اتجاهاتهم  في الحياة وإنما هو  في مرتكز البناء متعددة الوجوه والدلالات فهو في الدين تعدد واختلاف مناهجه وتضارب اتجاهاته وفي المجتمع عدم توازن المصالح والعلاقات  وفي الدولة اختزال السلطة في الشخوص والمصالح الفئوية وغير ذلك..

  وتلك هي جذور التناقض التي صاغت معطياتها واقع الحياة سفر امتداد الخلل في ميزان العلاقات الإنسانية المتعذر بصراع الخير والشر وتضليله قاعدة ثابتة للتعايش حكمت مشاريعه بناء وتوجيه إرادة الإنسان ومقدراته في السياق المتعامد مع تمثيل مصالح النخب المستفيدة  وتماهي القيم  والأخلاق في مفترق الضياع..

 ووفقاً لتلك المعطيات نستخلص  أن جذر الإشكال في وعينا البشري مسوغه فكر ملتبس  هو نسيج الكينونة في تشكيل مفارقات الخير والشر وعقل انحرافاته ودلالته في بنية النفس البشرية رغبات وأهواء ونزعات انتظمت في التجارب الزمنية على بساط العشوائية والتراكم الانطباعي اختزال الوعي للمتناقضات قراءات متعددة للصواب والخطأ والصدق والكذب والصحيح والفاسد والانتظام والانحراف المتلازمة مع تجسيد طبيعتها في النفس شعوراً حسيًا للتشكل الانفعالي الباطن تتماهى في خصوصيته توظيف الحق حافزاً للكراهية والأحقاد يستحضرهما السلوك ردود أفعال موازية للانطباع لها حكم التأثير على واقع واتجاهات العلاقات الإنسانية بامتداد روابطها الاجتماعية المتصلة بالوقائع والأحداث والتجارب  شواهد انحراف عن طبيعة الانتظام .. 

3-التطور التاريخي للحياة

بين نشأة الحياة وتطورها وقفت حيرة العقل البشري على جادة البحث عن قوانين ثابتة للحياة على مدى القرون المتلاحقة تدورفي عشوائية التجارب المتشابكة سفر متاهة عائمة في هامش الاحتمالات النظرية وتجاذباتها الفكرية دون الوصول إلى فهم  الجذور الزمنية للإشكال وانعكاساتها المسترسلة في تشكيل الواقع بمؤثراتها  ..

ولمرجعية الخير والشر في فلسفة الحياة قراءات زمنية برزت منذ قدم التاريخ وكان لها حضور التأسيس إذ ارتبطت أولوياتها بفكرة البقاء والتي انتجت بدورها هاجس الخوف من تقلبات  الطبيعة وصروفها وحاجته المتعذرة بالبحث عن مصادر الحياة وكان للتنقل والهجرات نحو أبعاد الكون الممتد حكم التشكل المجتمعي المتباعد الذي نسج بدوره مصوغات التفكك في تعدد الهويات وقواعد التعايش المختلفة وتخلق الثقافات والمعتقدات في كل محيط بوعي الطبيعة الجغرافية وخصوصياتها الانطباعية المحدودة في نطاق البيئة ..

 وفي الاتجاه المرادف للتشكل العشوائي احتكم الإنسان في البدء لحاجته للأمان والاستقرار وتجريد الوعي الارتباطي لمظاهر الخير في روافد المعيشة كمطلب للتوافق والانتظام مع ظروف الطبيعة القاسية واحتراز الشر في النقيض والتي أفرزت بدورها تعدد المعتقدات بالظواهر الكونية وانعكاس مؤثراتها على البيئة والحياة بوصفها الروح الخفية الموجهة للخير والشر وتقييدها(بالربوبية) المجازة باحتراز  الرضا في الإدانة لسلطتها والالتزام  لها بالتعبد والطاعة ..

ومن وعي التفكك والتباعد الجغرافي استقى كل فرد فكر وجوده من محيطه واختزل معارفها في وجدانه  قناعات ومفاهيم وقراءات ومقاصد ومناهج ظللت مفارقاتها مسوغات الانتماء التبعي لفكر العقيدة والثقافة والهوية والمصلحة وأرسى حضورها خارطة العلاقات قواعد محورية متعارضة في الرؤى والمصالح فرضت اتجاهاتها توطين الخير والشر في معطيات الواقع وانعكاس مؤثراته على كل محيط بتعدد مفارقات التمايز الطبقي بالتلازم مع تباين ظروف الحياة ..

وتبيان الفهم في توضيح المسئلة أن معرفة الإنسان بدلالات ومفاهيم الحياة استقامت على قراءة الظواهر المحيطة ببيئته بما اشتملت عليه من تناقضات الخير والشر وعوامل التفكك الجغرافوسياسي دون ملامسة المقاصد الجوهرية لانتظام وجوده مع الحياة بموازاة المعرفة المتدرجة لتدوين الخطأ والصواب ودلالات الخير والشر في  طبيعته ..

وهو الأمر الذي صاغ شتات المعارف الزمنية في تعدد المناهج الخلافية قاعدة اجتهاد تفاضلي حكمت تقييد الوعي المتناقض بالتعاطي مع الموروث التقليدي ومعطياته الخاطئة والصحيحة بعقل الاستجابة الانطباعية للمؤثر الزمني بالتلازم مع تصّدر الخلاف لكل قضية من قضاياه معارك جدلية ومقارعات  حججية كثيراً ما تطفوا علي سطحيتها برجماتية المنطق الدغمائي المصبوغ بالتوظيف واحتراز القيمة الفكرية في التأثير على التابع والمتلقي دون بلوغ الغاية من تحقق المعرفة بالقيم الصحيحة للثبات كضرورة حتمية لتجاوز التعارض والخلاف في جدوى انتظام قوانين الحياة..

ولعل أبرز الشواهد على ذلك أن الفكر الإنساني عبر مراحل التاريخ وإن أثمر بعض نتاجه بروز وتعدد أنماط الحضارة التقليدية إلا أن حضوره في الاتجاه العام مع اتساع ميادين دراساته وعلومه  وقف خارج سياق البحث عن مفاصل وجذور الخلل في متاهة الانقسام والنزاع والقضايا الأساس في إشكالاتهما الزمنية والتي شكلت اضافاتها المعرفية في كل مرحلة امتداد معضلة الوفاق وعدم انتظام الإنسان مع قضايا الحياة  ..

وتلك وإن برزت في سياق تطور المعرفة وانفتاح العقل على العديد من المسائل الغامضة إلا أنها اختزلت إشكالية انعدام التوازن والوفاق العام كحلقة امتداد الجذور التاريخية للفكر البشري بأطواره ومنازعاته المحورية والتي صاغت بدورها مفارقات المعرفة التقليدية على أرجحية التأثير العددي في توجيه الفكر دون تحقق المقاصد من بلوغ الحقيقة أو تجاوز العقل للملابسات والأخطاء ..

وهو الأمر الذي عكس بدورة تفشي الأمراض الاجتماعية والإنسانية بشكل عام واتساع دوائر الصراع كنتاج للتشكل المعرفي والأخلاقي المتباين والمتناقض والتي استحكمت بالواقع وصاغت علاقاته بطبيعتها نسيجاً من التشابك والاضطراب المعزز بتطبيع انعدام التوازن في النظم والقوانين الاجتماعية والدولية قاعدة امتداد متصل بالجذور الزمنية حتى يومنا هذا..

وتلك الأمراض قل أن يراها غالبية المجتمع الإنساني بعقل خطورتها ومؤثراتها في  تفكيك وتمزيق نسيج الحياة في كوكبنا شأنها في ذلك شأن الإنسان حين تستحكم بوعيه الدوافع وردود الأفعال في تشابك الفكر وأعراضه المرضية والتي غالباً ما تعكس نتائج انفعالاتها تقريب نهاية الحياة..

وليس أقل من دليل على ذلك أن حياة أمم وشعوب بما في ذلك الحياة على كوكب الأرض أصبحت رهناً بعارض مرضي أو ردة فعل لحاكم مأفون بجنون العظمة أو الغرور والاستكبار لا يرى في إبادة شعبه أو شعوب العالم سوى التنفيس عن كبريائه وأوهامه باحتراف العدوانية وقهر الآخر مهما كانت النتائج..

4-مقاصد الحياة

من المشكلات التي رسمت عدم انتظام الإنسان مع الحياة هي المقاصد الدنيوية المضمرة بالوسائل والغايات المتجذرة في الوعي الزمني عقد استرسال الواقع بمفاهيمه وتبعاته صلة امتداد الجذر بالساق  وتفرعاته والتي صاغت برمجياته تمحور العقل في  هامش  المطلب الضرورة للبقاء دون احتراز القيمة الكلية لمعنى وجود الحياة..

فبين تجاذبات الحياة هنالك أشياء نعيشها أمراً واقعاً لا حيلولة لإرادتنا فيها منها ما نستشعر فيه الرضا وراحة البال وسعة الخير فتتملكنا السعادة والأمان ومنها ما تحمل صروفه الألم والحزن والشقاء ونرى فيها وجه الشر فنعيش ضرارها على أمل أن نجد سبيلاً لتغييرها ..

وحين تستقر بنا الحياة على بساط العطاء نعيش في ملكوت العناية رغد العيش جزل نعمٍ  ورخاء  قل أن نحمد فضله أو نبحث عن روافده ومسبباته وحين تحل بنا الكوارث والمصائب تحيط بكلالنا المآسي  والويلات فنعيش كوابيس العناء والابتهال والرجاء في نجوى الخلاص من الشر  وهّم البقاء..

وفي مضمار الواقع ومخاضاته قد تتردد في أذهاننا بعض النقاشات المبهمة حول مفارقات الحياة وتعقيداتها لعل أهمها في السياق العام : لماذا لا تعطينا الحياة ما نريد؟

غير أننا قل أن نتساءل :  ماذا تريد الحياة منا لتمنحنا ما نريد؟ 

فأنا اريد.. وانت تريد.. وللحياة شرع ما تريد !.

وتلك هي عفوية التعاطي في أرجوحة المفارقات البشرية وتداعياتها وراس الإشكال في معترك الحياة وتعقيداتها المبهمة وجذورها في الوعي تحلل الرغبة في الإرادة هّمُ استرقاء الذات (الأنا) للخير مطلباً قل أن يحتكم للتناسب مع  القدرة ومطلب التوافق واستحقاقه أو الواقع  وانتظام علاقاته وغالباً ما تنزع بالذات للشر في مواجهة ظروف ومطالب الحياة..

فهذا يعيش الفقر ويريد أبسط متطلبات العيش والأمان من صروف الدهر وتقلباته وهذا يواجه الظلم ويطلب الإنصاف والعدالة والحق في الحياة وغيره يعيش الاضطهاد ويحلم بالسلطة والنفوذ والجاه ليمارس سطوته على مضطهديه وآخر امتلك المال والثروة ورفاه الحياة غير أنه يطلب المزيد وغيره ألم به المرض ويريد الشفاء رغبة بالحياة  وآخر يعاني من عقدة النقص ويحلم بالشهرة والعظمة والتعالي على أقرانه وهنالك من يعيش الصراع مع الواقع ويحلم بالسلام والاستقرار في الحياة وغيره يحلم بالانتصار في معركته مع من يرى فيهم خصومه أو منافسيه في قضيته وكلٌ له أحلامه التي يرى فيها علة الخير في سعادته وتحقيق رغباته ومنهم من يستسلم للعجز ومنهم من يسعى لتحقيق أحلامه باستخدام الوسائل الممكنة وغير الممكنة دون استشعار الأثر أو الضرر بالغير أو انعكاس الشر على الواقع بامتداد علاقات وروابط الحياة ..

ولذلك فنحن نرى الحياة بوعي انطباعاتنا الذاتية قراءات وأحداث ومظاهر ومعالم ومفاهيم وتقاليد وأعراف وسلوكيات متناقضة متناهية في التعقيد، نتفاعل معها بوعي مخزونها التراكمي  واتجاهاته شعوراً حسياً هو علة الحياة فينا وعقل التناقض والتعقيد..

ونعيش صراع الحياة في كينونتنا بواقع ارتباطنا بالمحيط وعلاقاته المتشاكلة في وعينا رغبات وأهواء غالباً ما تعكس ردود أفعالها توجيه فاعليتنا وعلاقاتنا للصراع مع المحيط بحكم طبيعتها..

وفي سياق البحث عن إشكاليتنا مع الحياة وتعقيداتها قل أن تستوقفنا مواطن الخلل في أنفسنا ونبحث فيها عن مواطن القصور والضعف فننزع إلى تفسير ما يحيط بنا من عوائق بإلقاء اللوم على الواقع واختزال العلة في الأسباب والعوامل الظرفية لعدم انتظامه..

 وعلى نفس الاتجاه قد يكون الواقع مختلاً بجدوى تفاعلات المجتمع السالبة في تشكيل انحرافاته غير أن تلك الانحرافات هي نتاج توافقي لعدم انتظامه تشكلت بواقع سلبية الفرد ظاهرة امتداد متجانس صاغ فرضية التعقيد بمسلماته..

مثال ذلك قد يقف بعض المثقفين من الفساد المالي والإداري والبيروقراطية والجهل والتخلف والبطالة والظلم موقف الرفض المعلن بالكلمة إذا ما شكلت عائقاً لاستحقاقاتهم أو طموحاتهم الذاتية غير أنهم إذا ما فرضت الظروف أن يتعاملوا مع الفساد لتحقيق هدف ما كالرشوة أو النفاق السياسي أو غيره غالباً ما تجدهم يعللون انحرافهم بالأمر الواقع والظرف الاستثنائي فإذا ما بلغ أحدهم تحقيق طموحاته يتحول الرفض إلى تبرير براجماتي وسلوك موازي لطبيعة الواقع..

من هنا كان الإنسان هو جوهر الإشكال وعلته السببية وعقل الشر وساحته ولسان حاله وأدواته وكان انحرافه عن ثوابت وموازين الحياة هو جذر المعضلة الزمنية الملتبسة في الفهم والتعقيد بوصفها منظومة التناسب والتوافق الطبيعي التي رسمت قوانينها خط امتداد وتطور البناء ..

وإشكالية الإنسان مع الحياة هي إشكالية العقل والمعرفة الانطباعية في تشكيل الوعي المتناقض الذي جسد بدوره حواجز الفهم وتجذر إشكاليات ومعوقات الانتظام مع الحياة بواقع تخلق الأسباب في كل قضية خط انحراف متفرع أرست تعرجاته امتداد المتاهة..

فمنذ بداية وجود الإنسان على ظهر هذا الكوكب وإشكاليته مع الحياة تسير على خط صراع البقاء ومطلب الاستقرار المعيشي والنفسي كضرورة حتمية وقفت معالجاتها خلف شراع الوعي الجمعي مقيدة بالشك والتناقض لم يتجاوزها العقل رغم تسلسل وتنامي التجارب الإنسانية ومحاولات البحث عن وسائل انتظام علاقاته مع الوجود وقوانينه ..

وفي حين وقفت جهوده الأولى على خط التوافق مع تناقضات الطبيعة الكونية وأخطارها  والتي استطاع تجاوزها بفرض وجوده بجدوى اكتشاف الوسائل التي تفرد بها في السيطرة على الوجود ومقدراته على حساب الكائنات الأخرى وانقراض بعضها إلا أن واقع الإشكال ظل عارضاً ملازماً لمراحل تطور الحياة متجدداً بتجدد الوسائل يختزل وعيه وسلوكه طبيعتها..

وبمعيار أن عامل البقاء له كان حكم الارتباط بوسائل الحياة المعيشية فقد استوعبها العقل البشري قاعدة للمصلحة الذاتية حيث تشكلت من أفق المقاصد والظروف قرينة الإرادة وانتظمت في علاقاته وسلوكه قاعدة استحقاق متضارب ساست وجدانه بحتمية الصراع مع الواقع ..

وعلة التشكل النفسي بهذه القرائن ارتهنت في السياق الزمني المتسلسل لثلاثة عوامل:

1-عامل التشكل العشوائي بمفاهيم وثقافة الواقع

وهو عامل التعاطي مع الحياة بوعي الخوف من المجهول والارتباط بثقافة المحيط حيث وقفت إشكالية الغموض المعرفي منذ بداية وجود الإنسان على ظهر البسيطة عائقاً بينه وبين متطلبات التوافق مع تناقضات الواقع وإشكالياته فلم يجد سبيلاً لتجاوزها سوى استرقاء المقاربة الذهنية وسيلة لتفسير ما وراء الطبيعة الكونية ومؤثرات الظواهر على حياته وتجريد العلة بالقوى الروحية المهيمنة على انتظام علاقته بالوجود فزان عقيدة التوافق معها بالعبودية المطلقة وآمن بها لاهوتاً مقدساً ارتهن لطاعتها والتقرب إليها..

وبتضمين العبودية صلة ائتمان وفاقي اعتمد فرضية التواصل مع المعبود بابتكار الطقوس والنواميس المناسبة لتبجيلها وتقديسها في الاتجاه الموازي للمقايضة والتراضي وانطباعات النفس عن الحاكمية والملُك في شريعة الواقع..

ومع تطور المعرفة وارتقاء الحضارة البشرية انبعثت فكرة الخلود واليوم الآخر والعذاب والجزاء في سياق الائتمان الديني كركيزة للدولة وحاجة الحكام كأوصياء على الآلهة إلى تطبيع ادانة العامة لسلطتها وتقبل الأمر الواقع في استلاب الوعي والإرادة وتسخيرهم لخدمة الأقلية المتنفذة في السلطة ورجال الدين والإثراء الفاحش على حساب مقدراتها بمقتضى الإدانة الطوعية والالتزام للدين حيث كان لهذا العامل أثراً بالغاً في توجيه الوعي في سياق ارتهان العلاقة بالمصلحة الأخروية واعتمادها تعويضاً للعناء في الدنيا ثبوت استحقاق ..

وعلى نفس السياق تجذرت معالم الارتهان الديني والسياسي في كل عصر بمعية تجذر المصالح وتشكل الوعي العام بمفارقاتها نسيج متباين ساست ملابساته نزعات الخلاف والتشظي في كل دين عارض حق واستحقاق أرست معالمه نزيف الدم المتواصل حتى يومنا هذا..

2-عامل التباين في امتلاك الوسائل 

في ظل التشكل المجتمعي الغير متوازن برزت الفوارق الطبقية المتباينة في الملكية والوجاهة والتي صاغت بدورها العامل النفسي للتطلع في سياق الحاجة إلى تغيير الظروف  وأفرغ أثره تفكك العلاقات وانبعاث عوامل الصراع والانحراف ..

كما انتظم هذا العامل في سياسات الدول واتجاهاتها للتوسع والاستئثار بمقدرات الشعوب الأخرى حضوراً متصلاً تحتكم طبيعته لنزعات الطموح السلطوي ودوافع الأطماع المجازة بفلسفة القوة واتجاهاتها العدوانية في السياق المتناقض مع مبادئ الأخلاق والفضائل ومرتكزات الدين والدولة في تحريم وتجريم(القتل والسرقة) وغيرها من المسلمات الإنسانية والتي انحرفت في سياق انحسار تشريع النظم في حدود الهوية الدينية والسياسية المقننة بتوصيف قواعد الانحراف الاجتماعي وضوابطها..

فكان قتل الإنسان لأخيه الإنسان في المحيط الاجتماعي جريمة إنسانية يعاقب عليها القانون في كل دولة ودين غير أن اعتداء الدولة القوية على دولة مستضعفة وقتل النساء والشيوخ والأطفال باستهداف السيطرة على أراضيها واستغلال ثروات وحقوق شعبها ليس من القتل أو السرقة بل هي من البطولات والحقوق المشروعة التي يؤرخ لها الطغيان شاهد انتصارات مؤزرة بتأييد ومشيئة الإله ..

وتلك هي عقيدة الإنسان ومسلماته الدينية والإنسانية عبر مراحل التاريخ وفصوله الدموية وهي في وجدان النفس وعي الشر  المتجرد بعفوية الانحراف ..

3-عامل الارتهان للمصلحة باختزال افكارها في الوعي إرادة غير منضبطة تطلب المزيد

باعتبار الثابت في علاقة الإنسان بالوجود هي الحياة والثابت في ارتباطه بالحياة مقدراً بامتلاك وسائلها واختزال مفاهيمها في وعيه فكراً وسلوك فقد ارتهنت إرادة الإنسان للمصلحة كقرينة متصلة بعوامل البقاء وكانت طبيعة هذا الارتهان متصلة بانطباع أدواتها في الوعي رغبات لاإرادية غير منضبطة تسير على هدي  التمكين  يتعاطى بوعيها مع المحيط  وفق ما تملي عليه إرادتها..

ذلك أن الأساس في قاعدة الارتهان أن فكرة المصلحة بصيغتها الطبيعية(المؤثر النفسي) تنتظم في العقل الباطن إرادة موجهة للتفاعل في سياق التراكم الغير منضبط حيث تتشكل طاقتها بالمكونات الحسية للنفس (الرغبة والدافع والطبع والهوى) كقوة جاذبة متصلة بعناصرها في الوجود ترتهن دوافعها لمحفزات التشبع بالمزيد من مؤثراتها..

فحاجة الإنسان للطعام والشراب والملبس والمأوى ينطبع في النفس بعلة الوسيلة وهي المال والذي يتشكل بدوره بعامل الرغبة في امتلاكه باقتران الدافع بالحافز كسياق متصل بالتطبع بالمزيد من وسائل الحياة تستقصي محفزاته تمثيل الرفاه بتعزيز وجودها بالتشبع المتجدد في كل وسيلة غاية وفي كل غاية سبيل انحراف ..

وهي في السياق العام كنموذج للتوجيه ترتهن  أيضاً مصلحة الفرد لرؤية فكرية أو منهجية يختزل وعيها في النفس سمة الهوية المتجردة بخصوصية النزعة الذاتية والتي تجسد بدورها قاعدة الإرادة العامدة بتحقيق هدف ما تنطبع مسلماته في العقل الباطن قرينة موازية للمصلحة المادية تسوس وعيه على نفس الاتجاه ..

وبواقع ارتهان المصلحة الذاتية للعوامل الثلاث فالإنسان كظاهرة ارتباطية بمفاصل الحياة ترتكز مقومات علاقته بالوجود على ثلاثة عوامل :  

1-المطلب الضرورة للبقاء (الحاجات المادية) المتسقة مع طبيعة تكوينه وتحقيق رغباته..

2-محدوديةالقدرة على توفير هذه المتطلبات بمقوماتها البنيوية للذات (المعرفة والتجربة)..

3-العلاقات والروابط الموجهة للفاعلية والنشاط بطبيعتها..

كما أن قضية المطلب الضرورة إذا ما تجاوزنا فيه تطلعات النفس ورغباتها في امتلاك المزيد من وسائل الرفاه تحتكم لعاملين رئيسيين هما:

-الواقع  كمؤثر  متصل بمنظومة العلاقات الاجتماعية والثقافية والعقائدية ..

_ النظام السياسي والاقتصادي للدولة بوصفه الراعي لحقوق الفرد والمجتمع والضابط الاحترازي لانتظامه..

وباختلال أحدهما أو كليهما يصبح الفرد بامتداد علاقاته وروابطه بالحياة محكوماً بدوافعه النفسية العارضة لاعتماد الوسائل الكفيلة بتلبية متطلباته دون احتراز الضرر بالنفس أو بالغير في السياق الموازي لعدم الانتظام..

وفي الاتجاه الثاني تتباين القدرات بين الأفراد بواقع التجربة العملية والمعرفة العلمية وخصوصاً بين القادرين على العمل كقوة انتاجية متلازمة مع جدوى الاستحقاق يتعذر توجيهها أو تصدر أهليتها لمواجهة الظروف والانتظام في الحياة بتعذر الظروف التي تشكل بها الواقع ..

وهي بدورها أيضاً تخضع لنفس العاملين كمفاصل رئيسة تستقيم قرائنها في عدم انتظام القدرة الفردية على الوفاء بالتزاماتها كعامل متصل بالمجتمع يحتكم لإهمال الدولة في تحمل مسئولياتها نحو بناء الفرد وتوجيه قدراته وفاعليته في الاتجاه الموازي لاستحقاقه كقيمة متصلة بوحدة الشراكة المتضامنة لوحدة البناء المتسق مع انتظام العلاقة وانعكاساتها على استقرار الواقع..

من هنا كانت قضية علاقة الإنسان بالحياة وإن ارتبطت بعوامل البقاء إلا أن هذا العامل ينتظم في سياق الغاية من خلق الإنسان عقلاً موازياً للخالق في الإحاطة بحقائق الكون ونظامه هو مناط التكليف المقترن ببناء النفس صيغة مماثلة لتمثل العلم قاعدة لتوجيه الإرادة واحتراز الإرادة قاعدة لتجسيد القدرة المعنية بالارتقاء بمقدرات الوجود والحياة وروابطها في معادلة البناء ..

والقضية في هذا المضمار أن معيار مسئولية الإنسان في تأمين متطلباته قاعدتها الأساس هي بناء العقل بالمعرفة وتعزيز القدرة بالتجربة كنسيج مترابط ومتدرج في تسلسل الأدوار والوظائف ابتداءً من علاقته بالمجتمع وانتهاء بالأسرة والمحيط الاجتماعي كمفاصل متضامنة في تشكيل الوعي تمتثل بطبيعتها لقواعد النظام الاجتماعي والسياسات الذي يحكم علاقاته..

يتلازم هذا التوصيف مع حيثية العلاقات والروابط الموجهة لفاعلية الفرد بطبيعتها كقضية مفصلية أساسها تجسيد مطلب الاستقرار انتظمت في التجارب الزمنية على العشوائية من حيث انعدام التوافق المتجرد بالالتزام للنفس وتطلعاتها الذاتية في الاتجاه المتعامد مع المفارقات المادية والطبقية والتي أرست بدورها واقع الخلل في عدم الانضباط..

وجذر الإشكال في ارتهان الإنسان لهذه العوامل وإن تباينت مفارقاتها في التأثير من شخص لآخر فعوامل انتظامها في الوعي الفردي والجمعي تعذر بواقع تعذر فهم الإنسان لحقيقة النفس كمعيار للبناء السوي والمتناقض في موازين التكوين المتلازم مع قوانين الحياة ودلالات الواقع ..

من هنا كان جذر الإشكال الأول في علاقة الإنسان بالحياة عماده  عدم الانتظام في بناء النفس كقرينة متصلة بتشكيل طبيعة المجتمع تنتظم في سياق مسئولية الدولة ودورها في استيعاب الواقع كقرينة موازية للنفس تستوجب احتراز تمثيل التناقض والصراع  كقاعدة لانتظام العلاقات وجوبها قبل تمثيل الضابط اعتماد التنشئة والتوجيه المعرفي الصحيح والتطبيع الالزامي للقيم والمبادئ والأخلاق والفضائل العامدة بتجسيد روح الانتظام كقرينة متصلة بالانضباط وجوبها الالتزام بالنظم والقوانين كمرجعية ضابطة عماد مشروعيتها توطين روح الشراكة في النفس البشرية كقيمة جذرية لوحدة المجتمع وانتظام علاقاته في السياق الموازي للتلازم والانضباط  ..

وجوهر الانتظام بطبيعته هو في مرجعية التشكل النفسي وعي القوى الروحية المتدرجة في السيطرة على الذات ك(المال والعقيدة والرغبة والسلطة) وغيرها من المؤثرات التي تهيمن على قياد وتوجيه السلوك باعتبار مكون الإنسان  منظومة علاقات وأحكام وقيود مماثلة للواقع الاجتماعي تختزل بمجملها  صيغة تسلسل القياد والانقياد..

وبحكم تداخل المؤثرات وتشابكها في طبيعة التفاعل الباطن بمعنى محاولة سيطرة المصلحة على توجيه العقيدة ومن ثم توجيه العقيدة للأخلاق بمعية المصلحة أو الطموح والغرور أو الطمع كقوى موجهة لقياد الذات يتولد التناقض والانحراف كعوامل متصلة ببعض في تجسيد الخلل النفسي بعوارضه المرضية المختلفة ..

وما يعنينا في هذه المقاربة أن إشكالية التناقض في تركيبة الوعي البشري العام بأمراضه وسلوكياته المنحرفة هي إشكالية مركبة جذرها الإنسان الفرد قاعدة الامتداد الواسع للنسيج الواحد في تركيبة النفس المتناقضة واختلال موازينها كقرينة متلازمة مع مفارقات التشكل الاجتماعي والدولي وانفصام علاقاته الروحية..

وتفسير ذلك أن قاعدة الانقسام البشري لم تحتكم يوماً عبر التاريخ لإرادة ومصالح الشعوب بقدر ما تحتكم دعويتها لمصالح المتنفذين كأفراد أو مجاميع سلطوية قد لا تتعدى نسبتها في كل مجتمع ال(1.1000%100) هي التي تقرر مصير شعوبها ..

وتلك بدورها هي نتاج حالات فردية اختزلت طبيعتها النفسية وعي القلق والصراع بدوافعهما الانطباعية وأمراضها المستشرية (أطماع وأحقاد وطموحات عدوانية واستغلالية) استمرأت روح التسلط والهيمنة في تمثيل وتوجيه علاقات واستحقاق الشعوب بدوافعها الذاتية..

والقضية في هذا الالتباس أن إشكالية انتظام الحياة وإن جاز فيها قصور الوعي العام في استقراء الواقع كقرينة لعدم فهم النفس فالعلة في ذلك أن التناقض في تكوينها الفردي كان له حكم انحسار الوعي في المقاصد والدوافع التي حكمت اتساع دائرة الشر وتعميد سلطته قاعدة عُرفية لمنظومة العلاقات الاجتماعية ومن ثم الدولية كنسق مترابط أرست تجاوزاته تهويم الحياة..

أسرار الحياة والبعث

وللحياة أسرارها الغامضة في معادلة الوجود المركب تستحضرها بعض المواقف التي قد تفاجئنا تلقائياً على خط التوجس والبحث عن تفسير واضح لدلالاتها كأن تمر بنا حالات أو أحداث نستشعر فيها أننا عشناها قبل تلك المرحلة الزمنية وسجلت أثرها في الوعي صورة مشهدية للتكرار..

وتفسير ذلك أن للحياة دورات متناسخة وللوجود عوالم متدرجة في التشكل من الخفاء إلى الظهور ومرجعية دورات الحياة تحتكم لموضوعية انتظام وفساد الحياة في طبيعة الكوكب والتي تحدد العمر الزمني لبقائه فيما تنتقل الحياة إلى الكوكب الذي يليه في سياق تحققه بمقومات الانتظام مع الدورة الفلكية للمنظومة الشمسية ..

وبطبيعة تحقق الكوكب التالي بمقومات الحياة تعتمد هذه المقومات على ثلاثة عوالم هي :

1-                     عالم المثُل وهي قاعدة القيم الثابتة لانتظام وتطور البناء والتي نطلق عليها عالم الملكوت الأعلى تشخيصاً (بالملائكة) وهي ملكات الكون وقواه الخفية المعنية بتوجيه التناسب الوفاقي لوحدة العناصر وانتظام طبيعته قاعدة للحياة..

2-                     عالم الأزل وهو عالم الأفكار والأرواح الهائمة في فضاء الكون بعد موت الأجسام بما تشكلت به من تناقضات الخير والشر والتي نطلق عليها صفة(الجن والشياطين) وصيغة الأفكار ما تشكل به الواقع من معارف ومقاصد وظواهر وعقائد وأخلاق وأعراف وتقاليد وطباع ونزعات وأحداث وصروف وغيرها اختزلها الوعي البشري طبيعة حياة وصاغت مفارقاتها تقييد الروح  بطبيعتها فكان تحقق الموت للجسد ثبوتاً لبقائها تستحضرها عقول الأجيال بدلالاتها المعرفية صلة وصل باسترجاع الماضي ولها حكم التأثير في توجيه مستقبل الحياة..

وتلك الأرواح تنتقل بدورها للحلول في الأجسام المتخلقة من بشر وحيوان بري أو مائي أو حشري أو طيور سابحة في الفضاء بواقع تفككها وصراعاتها تحققاً بالعقوبة والجزاء المقنن بتمثيل التناسب الشرطي للسعادة والشقاء ..

3-                     العالم المادي وهو عالم التمثيل الطبيعي المجسد في تخلق الأنواع ومنها الإنسان بوصفه الظاهرة الأعلى تراتباً في الارتقاء الحيواني حيث يختزل تكوينه المفارقات الثلاث وفقاً للتناسب المضمر بالآتي:

ا-من حيث  تكوينه الجسماني فهو يختزل السمات الجوهرية لتطور جينات الإنسان الأول الذي تناسلت عنه البشرية وصاغت طبيعته تماثل النوع في التناسب الوفاقي للعناصر مع اختلاف السمات البارزة للفروق التجريدية للصورة والتي غالباً ما تكون مستنسخة عن المثال في الوجود السابق بصيغته الزمنية للتخلق والنماء..

أما من حيث تكوينه الروحي فالأصل الغريزي هو انتقال السابق بصيغته المقيدة بطبيعة النماء تستحضرها مراحل العمر حضوراً متصلاً بتطور العقل والقدرات المتلازمة مع تمثيل الصفات للارتقاء أو السقوط بالذات..

وعلة الارتقاء والسقوط بالذات أن الغاية من خلق الإنسان عقلا موازياً لحقيقة الخالق اختزلت مشروعيته تمثيل الحرية في تحديد الخيار ، كانت القاعدة في وجوبه عقد التحقق الزمني في كل دورة بموجبات الخير والشر والانتظام والانحراف تحققاً بالجزاء العادل ممثلاً بالسعادة والشقاء ولذلك كان لكل دورة حكم الشاهد في الارتقاء بالذات إلى مراتب الاصطياف أو السقوط في مراتب الشقاء تمثلاً لانتقال الروح  المتدرج إلى أدنى مراتب التجسيد الحيواني في طبيعة التناسب ..

ومنطلقنا في التحليل له حيثياته النظرية في معادلة المنطق القياسي حيث ترتكز أسانيده على الآتي :

1-أن الإنسان بوصفه حلقة من منظومة الطبيعة الكونية يحتكم وجوده للفترة الزمنية القياسية للتناسب الطبيعي في دارج الانتظام والانحراف الذي يشكل بدوره منسوب الخلل الجسماني المتدرج في قتل الخلايا وضمور طاقة الحياة وصولاً لتحقق الموت ومثله كوكب الأرض وغيرها من الكواكب العارضة للتحلل الزمني والفناء..

2-أن الإنسان يختزل تكوينه صفة الحياة بخاصية وحدة الجسد  بالطاقة المضمرة بصفة الروح قاعدة بنيوية متدرجة في النماء والتطور المنظور بالشكل والإحساس وصولاً للزمن القياسي للشيخوخة والضمور المتناهي بموت الجسد وتحرر الروح بصيغته الجوهرية المكتسبة للسعادة والشقاء طوق انبعاث حسي  مقيد بطبيعته وجوب استحقاق ..

3-وباعتبار علة التلازم بين الروح والجسد لها حكم الارتباط ببناء الذات وعياً حسياً لدلالات ومقاصد الحياة  فسماتها النمطية تنحدر من  أصولها المستنسخة لطبيعة الخير والشر في الظواهر والأنواع الحيوانية والأفكار والتي تشكل بدورها معادلات التناسب الوفاقي لانتقال الروح إلى طبيعته..

وتلك لها في موجبات البناء ثلاث دلالات :

-دلالة الارتهان للمقاصد الذاتية في الحياة والارتباط بطبيعتها هامشاً غير منتظم يتماهى وجوده في التحقق بالطبيعية الحيوانية والتجرد بحصيلة الجزاء في الحلول بالظاهرة الموازية لمكتسباته.. وتلك قياسها تماثل الصفات والأفعال المتوافقة بين طبيعة الإنسان والحيوان..

-دلالة الاقتران النسبي بالقيم والأخلاق بموازاة المقاصد الذاتية في الحياة وبناء الروح بطبيعة التناقض تحققاً بعودة الروح للجسد في كل دورة والاحتكام للخيار المتجدد تلازماً مع الارتقاء أو السقوط..

-دلالة التحقق بالمقاصد السامية في الفكر الأخلاقي والانتظام مع الوجود في الحياة وبناء الروح بالقيم والقدرات الرافدة لتعزيز وحدة المجتمع الإنساني والارتقاء بالذات إلى مصاف الصفوة..

4-وبواقع أن الإنسان جزءاً من منظومة الوجود الواحد فله حكم الارتباط بالقاعدة البنيوية لنشأة الوجود وتدرجه في التطور والارتقاء نحو تمثيل القيمة الروحية لانتظام العلاقات الكونية تحققاً بالغاية المضمرة بتجسيد السعادة الأبدية .

5-وبموضوعية أن الحياة في كوكب الأرض عارضة للزوال والفناء فهي أيضاً شبيهة بالإنسان من حيث الانتقال والحلول في كوكب آخر تحكمها موضوعية الفكر ونتاجه الزمني في تشكيل كل دورة قرينة حسية (روحية)تمتثل للتدرج في البناء..

6-ومن حيث تمثيل الوجود للمادة المحسوسة وكان ثابت الاقتران بطبيعته تقييد الإحساس بطاقاته فحكم تلاشي المادة وفناء الكون إن جاز تحققه سيظل محكوماً بتراتب دورات  الحياة حتى بلوغ الغاية ..


الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق