نبوءة العقل

نبوءة العقل

العقيدة والحقيقة

 من بين كل المسائل العالقة في معضلات الفكر البشري احتلت جدلية الحقيقة منذ بداية التاريخ أهم قضايا الفكر الإنساني وأشملها تعقيداً حيث شكلت خصوصيتها عقدة الإنسان في استيعاب معنى وجوده في الحياة  كمحور ارتكاز لتشخيص علاقاته الماورائية بخلفية الخير والشر والتي ترافقت بدورها مع انحسار محاولاته  في  البحث  عن تفسير للوجود وصولاً لتجريد العلة في  أن وراء وجوده خالق  فيما وقفت معضلة تشخيصه على التسطيح الاسطوري  لميتافيزيقيا الخيال كقضية متلازمة مع احتواء الخوف من المجهول  في الاعتقاد بقدرة الظواهر المؤثرة على حياته وتوظيفها  قاعدة ربوبية  اختزلت الصلة في احتراز الأمان باستحقاق الامتثال لطاعتها المحمولة  على تأسيس العلاقة الشرطية في العبودية والتعبد ..

وبين مسألة فهم العلاقة بين الإنسان والوجود وقضية البحث عن العلة الماورائية للخلق والتكوين وقفت إشكالية العقيدة  منذ بداية التاريخ ترسم بهو المعضلة مفترقاً لتشظي المعرفة بصيرورة الخير والشر واختزال فرضياتها مشروعية كونية متعارضة بين توظيف الآلهات المتناقضة قاعدة متشابكة وبين توثيق كل منها للعقيدة حقيقة في تأصيل مرجعيتها  الفكرية إلى الله ثوابت مقدسة بالتلازم مع اشتراع الطقوس والنواميس المتباينة مناهج للطاعات المحمولة على تطويق النفس البشرية بالخوف من المجهول قاعدة للاستلاب والاحتواء التبعي في ملتقى سباق التفرد حول تقرير مصير الإنسان في الحياة وما بعد الحياة..

وفي حين شكلت التجارب العقائدية المتسلسلة وعي التدرج المعرفي بمفارقاته النسبية إلا أن طيف (الحقيقة) ظل حبيس الفهم المتباين بخلافاته المتجذرة على هامش التشكل بالهوية وتبعاتها التي انتجت  بدورها ملاحم الصراع  والاقتتال المتسلسل بين الأمم و الأجيال حتى يومنا هذا حيث بلغت شطحاتها الدعوية في عصرنا الحديث أعلى مراحل الجهل والشر الموغل في تمجيد التخلف والانحلال الأخلاقي وتوطين مبادئه في معتقدات  الشعوب  ثوابت كونية ..

وفيما تعارفت البشرية على توثيق صفة الدين بالعقيدة كقرينة متعارضة اختلفت قراءاته حول حقيقة الإله  الواحد والوجود والخلق والإنسان ونظام الحياة إلا أن وعي التابعية لكل دين قل أن يستدرك من منفذ التعدد والاختلاف تماثل كلٍ منها في توثيق المعتقد(حقيقة)رسماً على ترجيح الحق لاهوت هوية مفرغة بشيطنة الإله الواحد في تغييب القاعدة الكونية للخلق في الوسائط وتجزئة الوجود والإنسان ومنهج الحياة مفترقاً للفتنة والشر ضميره ودليله وهم السباق التبشيري والاحتواء الكمي المتجرد بتطبيع كل دين لمفاهيمه وأدواته وقيوده في حدود التابعية كمسلمات غيبية لها حكم  التسليم المقيد بالثبات ..

والقضية بملابساتها أن وعي التشكل المعرفي  في السياق العقائدي قل أن يحتكم بطبيعته للتطور الزمني والحضاري كمعيار للامتداد الموازي للثقافة والتقاليد المتجددة ..  بل وقل أن يقبل الاعتراف بالقصور أو النقص والخطأ في مقابل التسليم بصحة الكشوف العلمية والمعرفية المنافية لأطروحاته ما لم يجد فيها منفذاً للتأويل الإعجازي للنصوص  والقراءات القياسية..

وهذه الإشكالية ليست سمة خاصة برجال الدين وحدهم على اعتبار أنهم متقوقعين في محيط العقيدة وإنما تمتد في الغالب إلى الشريحة المثقفة ومنهم أساتذة وعلماء ومفكرين ممن نشئوا على ثوابت العقيدة مالم يكونوا على درجة أدنى من الالتزام ..

الأمر الثاني وهو السائد في العقائد أن معظم الملتزمين فكرياً قل أن يضطلعوا بفكر مخالف  لاتجاهات العقيدة ما لم يكن الاستثناء مشروطاً بتصدير التفاضل لمحفزات البحث عن مكامن الخطأ والقصور فيه  لدحض أفكاره   ..

وفي الاتجاه الآخر هنالك أناس واسعوا الاطلاع يتابعون كل جديد في العلم والمعرفة غير أن وعي  الالتزام العقائدي غالباً ما يحيط الوعي الذهني بالقيود والحواجز المانعة للتواصل والاستيعاب في حين أن البعض قد يدرك  الكثير من الشواهد والدلالات  المعرفية المتعارضة مع صحة عقيدته إلا أن قيد الالتزام الراسخ في الكينونة يمنعهم من التسليم  بها  فمنهم من يلجأ للتبرير المتوجس  في حكم الالتزام بالثابت ومنهم من يلجأ للهروب  بعدم  التفكير فيها أو مناقشتها..

القضية الثانية في إشكالية الثابت الديني أن معظم الاتجاهات العقائدية لا تؤمن بوجود حقيقة تستثني مسلماتها ولذلك فقد أوقفت الديانات التي قُدر لها البقاء ومنها السماوية قضية الانتظار على المبعوث الذي ينتصر لها إما بوجوب القضاء على الخصوم  أو بإخضاعها للتسليم والدخول في العقيدة ..

ووفقاً لذلك فلا حقيقة غير الثابت  في  مسلمات كل دين  بتعدده  وخلافاته ولا فاصل بينها غير السباق التبشيري وانتظار الخلاص المشروط  بهويته وأهدافه ..

وذلك هو الواقع بمنطقه وقرائنه وموروثه ,  وتلك هي معادلة الثابت في موازين العقيدة وتجاربها المتشعبة.. فصولٌ من الوهم  الراكد في  ظلام  العقل  وصراع  الخصوصية العالقة في  سبات الهوية المتفرد ة   بالحق والاستحقاق  الأعمى ..

وباعتبار تجانس التأصيل الديني للعقيدة الافتراضية حقيقة ثابتة قل أن نستدرك الشاهد المعرفي من أفق ثوابته ومتغيراته صلة باستيعاب العقد الشرطي لاقتران مفهوم العقيدة بالحقيقة في قراءات الفكر الديني المتعدد بخلافاته ونزاعاته وهل تنطبق صحة الاقتران على ثبوت المعرفة بحقائق الوجود والخالق أم بتوظيف كل دين للمشروعية الكونية قاعدة لاهوتية متجانسة بين تغييب الإله في الإيمان والتسليم بمصداقية الرسل المجتباة والنصوص المقدسة كوسائط متناقضة وبين تقييد وتوجيه مشيئة الرب على استحقاق تبعيتها حكماً اقترن بشيطنته في إجازة الفتنة والصراع حول تمثيل الوصاية على وجوده ؟

فعلى بيد السائد في مسلمات الواقع تعارفت الشعوب على تصنيف الحقيقة الماورائية لخلفية الوجود على أنها إشكالية غيبية لا يمكن حصرها أو فهمها خارج نطاق الفكر الديني دون النظر إلى اساس الإشكال من شواهد التعدد والاختلاف وما أفرزته تبعات التأصيل الديني المتباين للنصوص المبهمة حقيقة سندها مرجعية الإله الكوني الواحد ومسوغها توظيف كلٍ دين لمشروعيتها منهج حياة..

 ومن أفق المتاهة لم تستوعب البشرية في الافتراق الديني واختلاف قراءاته ثبوت العلة في غياب الحقيقة أو تغييبها في التوظيف المتجانس للهوية والفكر كإشكالية ممتدة استحكمت بتمزيق وحدة الألوهة في التبعية للوسائط مروراً بتفكيك وحدة الوجود والإنسان والحياة منذ بداية التاريخ وحتى لحظتنا الراهنة؟

وباعتبار الشاهد في القاعدة المعرفية أن للحقائق في المقصد العام ثوابتها المرجحة في الاستدلال كأحكام فاصلة  يلتقى حولها الإجماع البشري على توثيق العائد في ميزان الجدوى  قرائن للوفاق فوجوب احتراز  اليقين في صحتها أن  ترتكز مقوماته على تحديد وتقويم المفاهيم للأسس والمبادئ  المشتركة لانتظام علاقات الحياة صلة وصل بتأصيل الحق الإنساني الواحد في العدالة والمساواة مرجعية  للتعايش الآمن بين المجتمعات بامتداد روابطها بالشعوب، وفي التعارض والاختلاف حولها ما يعلل تقييدها بالترجيح السببي المتعذر بانعدام تمكينها  قرينة منحرفة عن القاعدة ..

وفي حين شكلت التجارب العقائدية المتسلسلة وعي التدرج الحضاري بمفارقاته النسبية إلا أن طيف (الحقيقة) كما أسلفنا ظل حبيس الفهم المتباين بخلافاته المتجذرة على هامش التشكل بالهوية وتبعاتها التي انتجت  بدورها ملاحم الصراع  والاقتتال المتسلسل بين الأمم و الأجيال حتى يومنا هذا والتي بلغت شطحاتها الدعوية في عصرنا الحديث أعلى مراحل الجهل والشر الموغل في تمجيد التخلف  والجهل وتوطين مبادئه في معتقدات  الدين  ثوابت كونية ..

وفيما تعارفت البشرية على توثيق صفة الدين بالعقيدة كقرينة لتقييد النفس بالإيمان بمسلماتها إلا أن وعي التابعية لكل دين قل أن يستدرك من منفذ التعدد والاختلاف تماثل كلٍ منها في توثيق المعتقد(حقيقة)رسماً على ترجيح الحق لاهوت هوية مفرغة بشيطنة الإله الواحد في تغييب القاعدة الكونية للخلق في الوسائط وتجزئة الوجود والإنسان ومنهج الحياة مفترقاً للفتنة والشر ضميره ودليله وهم السباق التبشيري والاحتواء الكمي المتجرد بتطبيع كل دين لمفاهيمه وأدواته وقيوده في حدود التابعية كمسلمات غيبية لها حكم  التسليم المقيد بالثبات ..

وباعتبار تجانس التأصيل الديني للعقيدة الافتراضية حقيقة ثابتة لكل دين  ومتناقضة مع تعدد واختلاف  مناهجه  قل أن نستدرك الشاهد من أفق متغيراته  قاعدة منحرفة  لا  تنطبق على صحة الاقتران بثبوت وحدة  المعرفة بحقائق الوجود والخالق صلة  بتوظيف كل دين للمشروعية الكونية قاعدة لاهوتية متجانسة بين تغييب الإله في الإيمان والتسليم بمصداقية الرسل المجتباة والنصوص المقدسة كوسائط متناقضة وبين تقييد وتوجيه مشيئة الرب على استحقاق تبعيتها المتعارضة حول تمثيله حكماً اقترن بشيطنته في إجازة الفتنة والصراع حول التفرد بالوصاية على وجوده ؟

فعلى بيد السائد في مسلمات الواقع تعارفت الشعوب على تصنيف الحقيقة الماورائية لخلفية الوجود على أنها إشكالية غيبية لا يمكن حصرها أو فهمها خارج نطاق الفكر الديني دون النظر إلى جوهر الإشكال من  تقييدها بالعقيدة  الظنية قاعدة للخلاف والاختلاف وما أفرزته تبعات التأصيل المتباين للنصوص المقدسة حقيقة سندها مرجعية الإله الواحد ومسوغها توظيف كلٍ دين لمشروعيتها مفترقاً لتمزيق وحدته استقام به شيطنة وتعطيل مشروع الحياة ..

ومن أفق المتاهة لم تستوعب البشرية في الافتراق الديني واختلاف قراءاته ثبوت العلة في غياب الحقيقة أو تغييبها في التوظيف المتجانس للهوية والفكر كإشكالية ممتدة استحكمت بتطويق الألوهة في التبعية للوسائط مروراً بتفكيك وحدة الوجود والإنسان والحياة منذ بداية التاريخ وحتى لحظتنا الراهنة؟

 وخلال السنوات الطويلة التي قضيتها بين الـتأمل والدراسة والبحث  والتفكيركان للمقاربة بين إشكالات الواقع وتصدر المعرفة البشرية لتعميقها في صياغة وتوظيف التجارب المتعارضة منفذ الإلهام في استيعاب ومعالجةجذور الخلل من تركيبة الوعي المتباين بمفارقاته المتجذرة في تشكيل طبيعة الواقع بمتناقضاته في تكوين الإنسان المعرفي وتجلي المعضلة في بنية الفكر بوصفه العلة والجوهر ولسان حال المعرفة المتباينة في تشخيص وتوثيق العقل الافتراضي لمجمل القضايا المتشابكة بين  تشكيل مفارقات الوعي واختزال الواقع لتناقضاته قاعدة حياة ..

وعلى بيد تصاعد إشكالات الحياة وصداماتها المصمتة في جدلية المعرفة وقضاياها العالقة في شتات البحث عن معضلة الوجود والحياة استوقفتني كثيراً محاور الاشتباك الممتد في التسلسل الزمني للتجارب ونتاجها المتعثر بين مفترق الحقيقة والعقيدة  حول نقاشات لطالما ظلت عائمة خلف جدران المجهول ويفترض أن تؤسس المدخل النظري لاستيعاب جذر الإشكال الموضوعي في التجارب  البشرية وبيد حضورها في الاتجاه المتعذر عن معالجة قضايا الحياة  منها على سبيل المثال :

-  هل العقيدة  بتعدد مصارفها المتجذرة عبر مراحل التاريخ هي الحقيقة المفترضة كما تجسدها مفارقات الوعي التبعي بالمعرفة الخلافية في تركيبة العقل الديني !! أم أن هنالك حقيقة غائبة  تستوجب البحث عن ثوابتها الكاملة كمنفذ للمعالجة وفض الإشكال؟

وبمقتضى الإشكال وتبعاته تستوقفنا بديهية الاستدلال على خط المقاربة والقياس بين طبيعة المعضلتين وحيثياتها الفاصلة في التشخيص المعني بتفكيك ملابسات المعرفة على هامش النقاشات الآتية :

_   ماهي الحقيقة التي نستقصي ضرورة التحقق من مقاصدها ؟ وما طبيعة الجدوى من بلوغها ؟ وأين تكمن العقدة في استيعابها؟

وتلك إن جاز لنا تعميمها على السائد في طبيعة الواقع فالسؤال المفترض سيكون :

_  هل تقتصر الحقيقة على منظور اللاهوت الديني في المعرفة بخلفية الوجود وروابط الإنسان وعلاقاته ؟ أم بالمشروع الإنساني العام كقضية  شاملة للمعرفة بمجمل تفاصيل ومقومات الحياة ؟

وبمقتضى هذه التساؤلات إن جاز لنا بها تحديد محور الإشكال وهو ما نراه مترابطاً بين ثنائية(العقل والمعرفة) بوصفهما الدليل والنتاج المعنيين بوظيفتي الاستقراء والمعالجة،  إلا أن منفذ التشخيص يستوقفنا أمام السؤال الأهم وهو:

_  هل هنالك حقيقة واحدة  لاتقبل التجزئة  يمكن أن نتجاوز بها السائد في طبيعة الواقع ؟ وما هي الوسائل والأدوات التي تستوجب العمل بها لإثبات وتوكيد صحتها؟

وللإجابة على هذين المحورين قد لا نجد ما يعلل هذه المسئلة سوى تقويم الافتراض بالمنطق القياسي :

 إذ لو لم تكن هنالك حقيقة غائبة عن قراءات الدين والعقل ما جاز أن تكون هنالك مقاربات أو تصورات متباينة ونسبية اقترنت مجازاً بهامش المعرفة! غير أن قراءتها وفهمها يتطلب بادئ ذي بدء معالجة الإشكال الزمني من محاوره المترابطة مع توطين التجارب المعرفية لمسوغات الخلاف والاختلاف قاعدة تمثلها الإنسان قرينة للتناقض..

وتلك في ملتقى الإشكال النظري للحقيقة قد تتجلى بوضوح من خلال التعاطي المتشابك في توظيف الفكر معرفة متباينة تماهى تصديره في كلٍ من الاتجاهين الديني والفلسفي حقيقة متشعبة الآراء والتصورات الافتراضية، الأمر الذي وضع المعرفة في دائرة العبث الفكري العائم بين أرجوحة تصويب المنطق التفاضلي للتناقض الموجه بعوامل التأثير والتأثر المفرغ بسباق الاحتواء وفي انحسار الجدل حول منحنياته ما يعزز من بقاء الحال على ما هو عليه في ترجيح كفة الوهم المتجذر  في سديم العماء..

ورغم أني لا أملك أن أجيز لنفسي صحة قراءاتي بأسانيدها وحججها المؤكدة ثبوتها(حقيقة) كاملة حتى يلتقي الاجماع حولها إلا أن موجبات الاستدلال فرضت نفسها على السياق التفصيلي لعرض ملابسات توظيف الفكر المتباين لمفهوم الحقيقة كقضية جوهرية وجوبها في مرتكز الفصل بين الحقائق والمتغيرات ثبوت التجاوز في توظيف النصوص المقدسة قاعدة إلهية متعارضة مع حقيقة وجوده كمرجعية متناقضة تتنافي مع تجسيد الكمال في صفاته ومشيئته وبين تصدير التبعية لكل منها عقد مشروعية واستحقاق متشابك خطت شواهده تقييد اللاهوت الديني بطبيعة الشر والجهل والقصور والتضارب والتداخل مفترقاً بين الإنسانية الواحدة ..

وبديهية المنطق في هذه القضية أن الحقيقة مهما كانت أسانيدها المعرفية صحيحة فحكمها في استيعاب كل ملة ودين هي حكم الخصم الوالج في محاولة تقويض مصالحه وبقائه كما لا يمكن النظر إليها بوعي المعرفة الحقة بوجود الإله الواحد واستحقاق البشرية  العام ما لم تؤسس دعواها على شاهد اقتران تجيزه مسلماتها قاعدة للتسليم.. 

وباعتبار الشاهد في توظيف العقيدة حقيقة ركيزته المحورية  الإنسان ومعضلة  الحياة فمدخل الاستيعاب النظري للمعالجة ينطلق من تفكيك جذور العقدة الزمنية للإشكال والمترابطة بين ثلاثة محاور رأسية لها في مقتضى وجوب التمييز الفاصل بين العقيدة والحقيقة حكم  الدليل  والمنفذ  وهي:

1-المقارنة بين مفهوم العقيدة ومعنى الحقيقة كقضيتين يتمحور حولها الإشكال

2-المبادئ والغايات في جدوى الضرورة الحتمية للتغيير

3-الحقيقة بين النظرية والتطبيق  

أولاً : مفهوم  الحقيقة والعقيدة في متلازمات القياس والمقارنة

على غرار تعدد واختلاف المناهج الفكرية والعقائدية تعددت مفاهيم الحقيقة واختلفت مصطلحاتها باختلاف  المقاصد المعرفية والتي غالباً ما تقترن  بالوظيفة الاعتبارية ومرتكزاتها القياسية بالصدق  والكذب والحق والباطل والصحيح والفاسد وغيرها الأمر الذي يؤسس  تقييد صحتها بالحجج  الثابتة على خلاف  توصيف المعنى الحصري للعقيدة الملتبسة بتوثيق الاحتمال الظني المتعدد بخلافاته وقرائنه الاستدلالية العائمة في تسطيح المعنى قرينة احتواء ..

وتضليل المعنيين أن كل تعريف قد ينطبق على حالة بعينها بخلاف القضية المنظورة في متناول ايدينا من حيث الإحاطة المعرفية بحقيقة الوجود وعلاقاته الكونية كمنظومة بناء كلي تحتكم شمولية المفهوم على فرضية توثيق الاصطلاح  للموائمة بين الظاهر المحسوس دليلاً معلوم بماهيته بالتلازم مع استيعاب الجوهر الباطن لطبيعة تكوينه قرينة ثابتة لانتظام وظائفه وعلاقاته حجة وبيان..

ونحن بهذا ننطلق من كون الحقيقة التي تشاكل غموضها علينا ظلت على مدى القرون المتلاحقة تدور في لُجِ الغيب ومتاهاته العائمة باستفراغ الخلاف الديني للعقيدة حقيقة ثابتها الإيمان والتصديق بالنصوص والشخوص وتوثيق صحتها بمرجعية النبوءات للإله المغيب كبدائل لليقين المثبت بأسانيده وحججه فيما جاز بأحكامها توثيق التناقض والقصور والجهل والشر في قراءاتها المنسوبة إليه بما يؤسس ضمناً تعميد شيطنته شاهد أكذوبة..

وذلك ما تلتقي حوله معاجم اللغة في شبه إجماع على توصيف الحقائق خلافاً لمنطق الاعتقاد الظني حيث يعد بمثابة الدليل والشاهد الاعتباري على إسقاط ما تعارفت عليه الأديان في توثيق أصول العقيدة بالحقيقة المعرفية حجة وتمكين..

ففي المعجم الوسيط ومعجم المعاني الجامع يلتقي تعريفهما لمعنى الحقيقة على أنها الشيء الثابت يقيناً.. وعند اللغويين  ما استعمل في معناه الأصلي بمعنى(حقيقة الشيء خالصه وكهنه وحقيقة الأمر يقين شابه).. وهو ما نراه مخالفاً للاعتقاد من حيث ارتباط المعنى بتقييد النفس بالقرينة الاحتمالية واختلاف قراءاتها قاعدة توظيفية للغيب المتعذر  تشخيص كهنه بافتراضه حقيقة.

وفي الاصطلاح الفلسفي : الحقيقة هي مطابقة التصور والحكم للواقع.. كما تطلق على تحقق الشيء قطعا ويقينا.. وهي أيضا مطابقة الشيء لصورة نوعه أو لمثاله الذي يراد له.

 وفي موسوعة لالاند(Lalande) الفلسفية ورد تعريف معنى(الحقيقة)في سياق التفصيل الموضوعي لدلالاتها المجردة  وتوصيفها في خمسة قرائن هي :

- الحقيقة هي خاصية كل ما هو حق.

- والحقيقة هي القضية الصادقة.

- والحقيقة هي ما تمت البرهنة عليه.

- والحقيقة هي شهادة الشاهد الذي يتكلم عما رآه أو ما سمعه.

- الحقيقة هي الواقع

 وهو ما نجيز صحة توثيق الفروع الثلاثة الأولى مجملة على معنى الحقيقة المنظورة بين أيدينا بالإضافة إلى التعريف اللغوي مع استثناء التشخيص الرابع والخامس كونها تندرج ضمن المتغير متعدد السمات والقرائن باعتبار تضمين شهادة الشاهد بالحقيقة غالباً ما يستثني تأرجح الدليل في انتظام الضمير البشري على تحقق الصدق في ميزان الأمانة توثيقاً لمجازية الاقتران النسبي المنظور بتقييد مصداقية البعض على توثيق شهادتهم حقيقة ..

كما أن مفهوم الواقع يختزل العديد من الدلالات المقترنة بتشخيص مظاهر الوجود والحياة كالواقع الملموس بالشيء وماهيته والواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني والثقافي وغير ذلك من أنماط التشكل المتناقض في المعرفة وتقييدها للتفاعل المتشابك بعدم الوفاق بالإضافة إلى أن دليل توصيف الواقع حقيقة ينتظم في سياق توثيق الفهم النسبي المتعذر بتوظيف المعنى هامشاً افتراضياً تتماهى في قراءاته تقييد المعنى صفة للمتغير ..

وظلال المعنى أن منطق الحكم على واقع الشيء بالحقيقة غالباً ما يتنافى مع كون القيمة تحتكم لمعايير التناسب بين الصدق والكذب والخطأ والصواب والمقاييس المتأرجحة على توصيفه حقيقة كأن تصف امرأة تخفي الكثير من عيوب القبح بمستحضرات التجميل بالجمال أو تحكم على مقياس الجمال بالشكل الظاهر أو المعرفة المحدودة بقيم الجمال كأمر واقع قد يتنافى مع الحقيقة إذا ما تكشفت الأسباب ..

وباعتبار الشاهد في مقاربة المعنى يقتضي تقييد محاكاة العقل لليقين المعرفي خارج سياق التصورات النسبية والقراءات المتناقضة نستخلص تظليل المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفهوم الحقيقة في التالي:

الحقيقة لغة : مصدرها الحق ومعناها أصل الشيء وكهنه المعلوم قياساًً مرجحاً بسند الإجماع ثبوت اليقين المعرفي  في توثيق  الشواهد لصحة الاقتران ..

واصطلاحاً : الحقيقة هي الشيء المعلوم بماهيته ودلالاته  حكم  تبيان الدليل العقلي على ثبوت البرهان الكامل بمعرفته شرطاً فاصلاً بين الخطأ والصواب والصدق والكذب والشك واليقين والعلم والجهل والحق والباطل والثابت والمتغير في موازين القياس..

فحقيقة الشيء قد يكون منظورٌ في مسلمات البعض بما تعارف عليه المحيط  الحصري حول توصيفه قرينة توافقية غير أن سند اليقين في صحة معرفته يظل حكماً على الوفاق والإجماع العام على ثبوت أسانيده حقيقة ثابتة..

ولأن ما يعنينا في تحديد مفهوم الحقيقة منظور بتشخيص المعايير الجوهرية لاستيعاب العقل لأحكام  العلم اليقين  في تقرير  صحة المعرفة من عدمها فالسياق المتشابك للفهم وقفت إشكاليته بين تكوين الإنسان كوعاء متجرد بحصيلة الكسب  النسبي والتركيب المزدوج لمدارك العقل والنفس في الاستقراء المتداخل واختزال الوعي الذهني للسمات التي رسمت وجهته على خط الغموض ومعضلة تفكيكه بتصدر اللاشعور (الباطن) للتراكم الانطباعي قرينة لتوطين القناعة بالإيمان حاجزاً للفهم والتعاطي  في توصيف القراءات والأحكام ..

مثال ذلك التسليم بالأساطير والمعجزات الخارقة للعادة ثوابت إيمانية جاءت بها النصوص الدينية أو لمجرد السماع والنقل المروي عن شخوص لانعرف عن مصداقيتهم سوى ما شهد به أقرانهم دون التثبت من قابليتها للموائمة مع منطق الواقع كأمر يجافي العقل والمنطق في تحكيم القناعة..

وتلك هي الإشكالية التي استفرغت تغييب معنى الحقيقة كمفهوم ثابت لليقين المعرفي بحججه وأسانيده في تعدد واختلاف القراءات المتشاكلة بتضمين الجهل والقصور والنقص والشر والتناقض والكذب معرفة سندها مرجعية الإله فيما استحكم توثيقها بتداخل الثابت بالمتغير والحق بالباطل والصدق بالكذب والواقع بأوهام الخيال ..

المبادئ والغايات

قد لا يكون هنالك من شك أن لقضية ظهور الحقيقة أسبابها المترابطة مع الظرف الزمني لتصاعد الخلل في تركيبة الواقع وحاجة البشرية لإعادة التوازن لكوكب الأرض وإنقاذ الحياة ، إلا أن لهذه المعضلة جذورها المتأصلة بانحرافات الإنسان التي أرست جسور الشر في الوجود حضوراً ممتد وبمقتضاها تستقصي حتمية المعالجة تفكيك مفاصلها وصولاً لاستيعاب الحلول الممكنة للخلاص..

وفيما يأتي على رأسها الصراع الديني بتبعاته الزمنية كمحور جذري للشر تأصل انحرافه بواقع تغييب العقيدة  لصلة الإنسان بالألوهة الكونية في متغيرات الوسائط توثيقاً لمنهج الحياة في العبادات والبدائل المتناقضة .. تستقصي الحقيقة تأسيس المبدأ الأول لقضية الفصل بين المتناقضات في الكشف عن حقيقة الإله الواحد من جوهر تكوينه كقاعدة كونية  متفردة بثبوت الأولوية في الوجود وتحققه بالصفات والأفعال قاعدة روحية تمثلها النظام عقلاً كونيا خالقاً صاغت مشيئته  موازين الوجود والحياة..

وفي ضوء الترابط بين المعرفة بحقيقة الخالق وصلته بالإنسان تمثل المبدأ الثاني في الكشف عن لغز الوجود في تركيبة الفكر كمعادلة خلفية للنظام له في معنى خلق الإنسان على شاكلته عقلاً حكم تقييد الوعي الذهني والحسي للفكر صلة الوصل في امتداد المكون بالتكوين ..

وباعتبار  الثابت في معضلات الوجود بقضاياه المتراكمة تحتكم بمجملها لقضية المعرفة وإشكالاتها المتعثرة بطبيعة الخلاف والاختلاف فحكم الثابت أيضاً في تحققها باليقين المعرفي منظور بتوثيق الأسانيد المرجحة بالوفاق الجمعي على تمثلها للحقيقة بقرائنها المثبتة صحة وتمكين..

من هذا المنطلق تؤسس الحقيقية الركيزة العلمية والعملية لاستيعاب المبادئ والغايات للقضايا والمعالجات في جدوى التحقق بالآتي :

1-          الكشف عن معضلات العلم في تفسير ماهية وحركة الزمكان والظلام الكوني والقوانين الأزلية لمنظومة البناء وصلتها بنشأة  الحياة  وتطورها في تسلسل الخلق والتكوين..

2-          الكشف عن مجمل تفاصيل القضايا العالقة في ظلام الوعي البشري بدلالاتها المعرفية الكاملة كقيمة جوهرية فاصلة في تشخيص العلل والأسباب والقرائن الملتبسة في جذور الإشكال الزمني بهدف  فك الاشتباك بين التعارض الديني والفلسفي والعلمي المتواتر عبر حركة التاريخ في سياق  تشريح محاور الالتباس..

3-          تحرير العقل البشري من قيود الاستلاب في تركيبة النفس الانطباعية المتجردة  بالنزعة الغوغائية والتعصب الأعمى للموروث والسائد في تشكيل الواقع بمفارقات الوعي  الملتبس  بقيود الفهم كركيزة لاستيعاب المعرفة بالشراكة الروحية في تمثيل العلاقات والروابط الأخلاقية السليمة ..

4-          تمكين العقل من تقويم وإصلاح التجارب البشرية المتلازمة مع  عشوائية التوثيق المعرفي للفكر واتجاهاته في سياق العمل على تأسيس قاعدة البناء والتفاعل المشترك في الحياة وذلك من خلال استحداث منهجية علمية دليلها (توحيد المنهج)  المفترض بتعزيز سبل الوفاق والانتظام وضوابط الانحراف في قوانين التناسب الطبيعي ودلالاتها القياسية بموازين الخير والشر في تشخيص منظومة العلاقات الكونية والتي ترسم بدورها قاعدة الوعي نسيجاً موازياً لطبيعتها..

5-          تفكيك واستئصال منابع الشر واتجاهاتها في توظيف  الفكر المتناقض بجدليته المتشابكة حول تقرير مصير الإنسانية كسبيل لإنهاء عجلة الصراع الزمني المتأصل في تقييد النفس الحيوانية بمقاصدها العائمة في ملكوت التفرد بالحق والاستحقاق والاحتكام للثوابت الإلهية في قاعدة وتوجيه العقل الجمعي وانتظام رسالته في الحياة..

6-          تصحيح المفاهيم المغلوطة في الفكر المتشظي ونزعاته العمياء المتجذرة في تفكيك وتمزيق نسيج العلاقات الإنسانية والروحية في الخارطة الجغرافية للسكان والعمل على معالجة الظواهر الخاطئة في منظومة التعايش المشترك في الحياة..

7-          تجريد الفكر الديني بعقائده ومشاريعه المختلفة من  تمثيل المشروعية الإلهية انطلاقاً من عودة الحق الإلهي إلى نصابه وتوحيد قاعدة وجوده ه في  قيمه بالمنهج الأخلاقي كقاعدة وفاقية مشتركة لانتظام علاقات الانسان بالوجود والحياة ..

8-  توحيد النظام السياسي بمجمل مناهجه ومسمياته تحت مسمى (الدولة العالمية العادلة) كقاعدة ائتمان إلهي ضابط لوحدة العدالة الإنسانية والحقوق المشتركة على الوفاق في التعاطي والبناء بروحانية الالتزام بمرجعية القيم والفضائل والأخلاق كمنظومة بنيوية وجوبها تحقيق السلام بين الأمم عقد مشروعية ثابتة لاستقرار التعايش في  الحياة..

ومنظور الحقيقة في تشخيص الخلل الزمني كنتاج لانحراف العقل الديني والسياسي والمعرفي بامتداد تجاربها ليس مجرد فرضية إقصائية تبحث لها عن مكان في دائرة الفصام الفكري والاجتهاد الموجه للانقضاض على الدين وتقويض وجوده كما قد يراها البعض من دائرة فهمه والتزامه لعقيدته او بوصفها مشروعاً حداثياً يسير على هدي الاستغلال الموجه لتمكين القوى المتنفذة وأهدافها من السيطرة على العالم والاستحواذ على مقدراته وإنما هي بحكم الشاهد التاريخي والضرورة الحتمية لمعالجة المعضلة الزمنية رهناً بجدوى الاستحقاق البشري للعدالة والمساواة ولسلام والأمان والاستقرار كمطلب استثنائي يفترض أن تتجاوز  أدواته محاور الصراع والاشتباك في الواقع بمسلماته في تمثيل موازين القوة لقوانين الغاب في استحقاق التفرد بالسيطرة على موارد الوجود والحياة  ..

الحقيقة بين النظرية والتطبيق   

 تقف إشكالية الحقيقة بين مفترق النظرية والتطبيق عارض سباق مع الزمن قل أن يستوعبها الفهم المتشظي في ضلالة الافتراق والسباق الديني والسياسي والإنساني بشكلٍ عام مرتكزاً لفك الاشتباك والحل بل وقل أن يتقبلها العامة من البشر رسالة معرفية صحيحة تتجاوز ثوابتها ما تعارفت عليه واحتكمت لمصداقية دعاته شواهد حق واستحقاق ثابت ..

وبرغم أن حتمية الظرف بما آل إليه الواقع من أحداث قد تفضي إلى نهاية الحياة وفي تطوراتها ما يستثني الضرورة في مراجعة الالتباس حول الحقيقة ووضعها في أولويات القضايا الإنسانية كمشروع فاصل لمعالجة مجمل إشكالات الوجود والحياة إلا أن المعضلة لم تعد في غياب الحقيقة بقدر ما أصبحت في وعي الغالبية مجرد فصلاً مغيباً يتماهى في مرمى العقول هامشاً مفقود بين إشكالية الالتزام التبعي  والهم اليومي المتداخل بالظروف والأحداث والأزمات أشبه بسديم عائم في مستنقع الصراع المتآكل  ..

ومن منطلق أن الحقيقة باتت ضرورة حتمية ومطلب أزلي تؤسس أولوياتها  سند الخلاص من الشر في الحياة كمعادلة مكتملة ترسي ثوابتها المعرفية أدلة الفصل بين الشك واليقين ، فقد كنت متفائلاً إلى حد بعيد باستجابة العقل الديني  وتسليمه بالنبوءات القديمة كشاهدي اختصاص لاستيعاب وفهم معطياتها كقضية معرفية كاملة تستهدف حل الاشكال المستعصي في تاريخ الفكر الإنساني ومعالجة قضاياه المستعصية برؤية شمولية ثابتة ..

وفيما كانت الصورة في مخيلتي أن معضلة فهم الحقيقة لا تكمن وحسب في الفهم الجامد وحواجز الإدراك عن استيعابها وإنما في غياب الكشف عنها كمعادلة واضحة المعالم فقد وقفت إشكاليتها  تتأرجح بين الغاية والوسيلة

وفي هذا السياق استوقفتني بعض ردود الأفعال التي واجهني بها بعض المنكفئين على التسليم بفرضية الواقع  وغالباً ما تحكمهم مفارقات الفهم بجدليته المنطقية دون قراءة متأنية للتاريخ وتحولاته الزمنية والضرورة الحتمية للتغيير، منها على سبيل المثال قول أحد الملتزمين للفكر الإسلامي على فيء حوار حول الحقيقة وأكذوبة الدين:

-إذا كنت أنت وحدك من يجزم بامتلاك الحقيقة وتريد بها تقويض الفكر الإنساني الممتد عبر مراحل التدرج المعرفي والديني والحضاري والفلسفي والسياسي وغيرها !!  فهل تستطيع بفكرك الأحادي أن تثبت للعالم صحة دعواك لتغير واقعاً امتد حضوره آلاف السنين وتطوي من صفحات الوجود مسلمات عقائدية وفكرية رسخت في عقول الملايين الذين يختلفون معك على امتداد الخارطة؟

الاعتراض الثاني : ورد على لسان متدين وسطي قرأ الجزء الأول والثاني من الرسالة وتمعن في دراستها وتحليلها غير أنه يسير على نفس الاتجاه حيث خاطبني بقوله :

قد أتفق معك أولاً حول ما جاء في رسالتك من كشوف معرفية وأفكار إنسانية مثالية لم يستعرضها أحدٌ من قبل بما في ذلك كبار الفلاسفة والمفكرين ! ولكن هل تعتقد أن الناس بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والعقائدية جُل ما يحتاجون إليه  هي الحقيقة المعرفية حتى ولو كانت نبوءة أو رسالة إلهية!؟..

فأنا كفرد من هؤلاء أستطيع أن أرد عليك بفرضية لا يمكن تجاهلها وهي أن ما صنعته السنين لا يمكن أن تغيره اللحظة، وكونك تريد أن تثبت مصداقية وصحة دعوتك فعليك أن تأتي بمعجزة إلهية يسلم بها الناس إذ ليس هنالك من سيتخلى عن دين آبائه وأجداده أو بقضيته ليعترف بجهله وعبثية دينه بحياته أو يسلم بتكذيب مقدساته وتأريخه ليؤمن بفرضية مستجدة حتى ولو كانت حقيقتها المعرفية صحيحة لا تقبل الشك..

وهنالك من الاعتراضات ما بلغ حد الشطط والإسفاف في  توصيف الرؤية دون فهم أو قراءة لمحتواها بالكفر المبطن واتهامي بالردة عن دين الآباء والأجداد ومنهم من قال أنها فلسفة علمانية تسير في ركب الماسونية وهنالك من وصفها بأنها كلمة حق يراد بها باطل وهلم دواليك ..

وهنا قد لا أجد تبريراً لردود الأفعال الرافضة لتقبل الحقيقة كمّسلم معرفي سوى أن تجربتي في الحوار والتواصل مع العقول بمختلف اتجاهاتها قد لا تحتكم للمنطق الجدلي والتقارب الموضوعي بقدر ما تحتكم للخروج عن السائد في شخصنة المتلقي للفكر المتعارض مع مسلمات عقيدته من أفق الخصومة والارتياب دون تمثيل المعالجة السليمة للمؤثرات النفسية في تركيبة الفهم المتعدد وخلافاته ..

ومن خلالها وجدت معضلة الاستيعاب والفهم تتجاوز كل الثوابت المعرفية بأسانيدها وحججها العلمية في انحسار فرضية التسليم بجدواها على معالجة وتفكيك المعضلة في خمس مشكلات محورها الآتي:

أولاً: أن قضية الالتزام بالعقيدة والثقافة التقليدية لاتحتكم على الإطلاق لعقلنة الفكر والموازنة بين الخطأ والصواب وعوائد الخير والشر في انعكاس الجدوى من نتاجه على حياة الفرد والمجتمع بقدر ما تحتكم لعوامل الارتباط بالواقع والمؤثر النفسي لطبيعة التجربة الزمنية والخصوصية المجردة بتمثيل الهوية بقيودها وحواجزها المانعة للتعاطي مع ما يراه بالفكر الدخيل مهما كانت معطياته مواكبة للتطور المعرفي وتحولاته القياسية مقارنة بالشعوب المتحضرة حيث يستحيل أن يتقبل التغيير ما لم  يتسنى للمعرفة أن تشق طريقها لتحرير العقل من الجمود..

ثانياً: أن قضية التغيير لا تحتكم لإرادة الشعوب بقدر ما ترتبط بطبيعة المصالح الدينية والسياسية للقوى المتنفذة والمستفيدة من بقاء الحال على ما هو عليه وتعاطيها مع توجيه ظروف الواقع مطية للاستقطاب المبرر بتوظيف الحق الديني والتاريخي موروث أحقاد متصلة بين الأمم والأجيال..

ثالثاً : أن رسوخ القناعات بالدين بين العوام كأمر إلهي تعارفت عليه البشرية منذ بداية التاريخ والتزمت بمناهجه ومعتقداته مشروعية ثابتة قد يستحيل أن تتقبل التغيير في التعاطي مع أي فكر يسقط مسلماته التي عاش وهم استحقاقها وتطبع على أن الاعتراض عليها كفرٌ وإلحاد يستهدف تضليله عن الطريق المستقيم لرسالته  مالم يات يتصدر التأثير قبول وإعلان مرجعياته بصحة المستجد والتسليم بحقيقته..

وتلك لا تقتصر فقط على تابعية الدين والإيمان بشخوصه وإنما لها في طبيعة الواقع ما يضع هذه المسئلة تحت طائلة السياسات الإعلامية الموجهة للسيطرة والتأثير على المجتمع في كل محيط حيث نجد الكثير من العوام في شعوب العالم الثالث وغيرها غالباً ما يؤلهون زعامات أقل ما يمكن أن يصفهم الواقع بأراذل الخلق فساداً وطغيان وسقوط بل وهنالك من يضحون بحياتهم وحياة أبنائهم في سبيل الانتصار لقضاياهم حتى وإن تجاوزت سلوكياتهم  المعايير الأخلاقية في تحقير وامتهان كرامة الإنسان أو قهر واستغلال مقدرات الشعوب لأهدافها..

رابعاً: أن سيطرة الرأس المال على الأنظمة السياسية والذي يمثل القضية الأساس من حيث انحسار غالبية مشاريع النهضة الصناعية والاقتصادية الكبرى في أيدي شخوص وشركات معدودة استطاعت في ظل حرية الاستغلال والسياسات الانتهازية للنظم الدولية أن تهيمن على ثروات العالم وتتحكم بمصير الشعوب ومقدراتها قد تشكل أهم المعوقات في طريق الحقيقة من حيث كونها تعيد بلورة النظام الاقتصادي على أسس القضاء على منظومة الفساد التي ترتكز عليه والموجه بدأ من السيطرة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والثقافي والفكري وتسييسها وانتهاءً بتمثيل النفوذ والهيمنة على الأسواق التجارية.

وتلك من حيث المبدأ العام قد يستحيل أن تحتكم للضمير الإنساني في مطلب الحل كرديف للتخلي عن الأطماع والمتاجرة بحياة الشعوب من منطلق استيعاب النهاية المفترضة والمقارنة بين محدودية الحاجة وجموح الأطماع والتي قل أن يستوعب منها أرباب الاستغلال والمستفيدين من بقاء الحال على ما هو عليه أبعد من مساحة الضريح الذي ينتظرهم بما لا يزيد عن حجم الصندوق الخشبي للرفاة ..

والقضية في تجاوز هذه المعضلات هي في واقع الأمر قد تحتاج إلى معجزة تفوق كل المعجزات  التي صاغت حواجز الإيمان والتصديق بأوهام الدين ومرجعياته  بما في ذلك ما رسخ في الأذهان من عوامل التفكك والصراع بكافة أشكاله باعتبار مقتضى استيعاب الحقيقة كثورة فكرية على ما تعارفت عليه البشرية عبر مراحل التاريخ يتطلب من حيث المبدأ تجريد العقل الجمعي من مسلماته التي تشكل بطبيعتها وعياً وسلوك حياة ..

 وفي ذلك ما يعني أن المعجزة المفترضة قد تحتاج لما يمكن توصيفه بغسيل الدماغ  البشري وتطهيره من رواسب الشر والاحتقان بكل أمراضه وانحرافاته وإعادة برمجته وبناء مفاهيمه وقناعاته على قاعدة الشراكة الإنسانية ووحدة الصف عقد السبيل لانتظام توازنات الحياة..

ولأن الحقيقة واحدة لا تتجزأ فهي  أيضا أسمى من أن تقبل التوظيف لاستحقاق هوية أو دعوى نبوءة أو رسالة تتفرد بالحق والاستحقاق مفترقاً لتمزيق الإنسانية الواجدة والطريق الواحد ..

من هنا كان السبيل إلى الخلاص قيداً على استجابة أدوات التمكين من زعامات دينية  ومؤسسات سياسية واقتصادية وإعلامية ورجال دين ومفكرين .. فإن لم تجد قناعاتهم للفهم طريق فتلك عواهنهم التي تشكلوا بظلامية جهلها طوق غيبوبة الغواية مئال استحقاق ومصير ولابد للخلاص أن يجدً طريقه في التمكين مادامت مشيئة الرب  وقدرته هي الشاهد والدليل  .

 

 الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق