نبوءة العقل

نبوءة العقل

إطلالة على البداية

 

لكل قضية من قضايا الوجود والحياة  بداية ترسم إشكاليتها خارطة الطريق بحثاً عن معادلاتها الافتراضية اللازمة لتفكيك معضلاتها والتي تخضع في الغالب لمعطيات الأسباب والأهداف المنوطة بتوجيهها نحو وضع المعالجات والحلول الكفيلة بتطويق الإشكال ..

وتلك في تجربتي الشخصية تشكلت بداية من وعي الصراع السياسي والعقائدي المتداخل مع فساد النظام الذي حكم اليمن قبل وبعد الوحدة بتركيبته المتشابكة في تمثيل المصالح وتمحور سياساته بعد إخراج شركاء الوحدة من المعادلة السياسية والتفرد بالسلطة على خلق الفتن  والأزمات والأحداث المسترسلة نحو تضييق الخناق على المواطن كصلة بانحسار مفارقات الوعي الاجتماعي في نطاق التفكك والصراع  ..

كنت حينها عائداً من جمهورية مصر العربية بعد نزوح استمر لثمان سنوات مع المعارضة الجنوبية والذي انتهى بتوقيع الحدود مع المملكة السعودية وإعلان العفو العام مع إعادة جميع العائدين إلى وظائفهم والتي استثمرها النظام في مساومات الاحتواء وتضييق الحقوق والوظائف على من يلتحق بركب الفساد مسلكاً لتثبيت انتصاره على  شركاء الوحدة حيث لم أجد من بديل سوى البقاء على الحياد.. 

وعلى خلفية الموقف تم تكليفي بوظيفة صورية انحصرت على امتهان قدراتي المعرفية والعملية بالتلازم مع تجريدي من كل الحقوق المكتسبة وممارسة كافة الوسائل و الضغوط  التي كادت أن تصل بي إلى مرحلة  الجنون ..

وخلال تلك المرحلة كنت أتردد على بعض المنتديات والمقايل التي تجمع الكثير من المثقفين و النخب السياسية في السلطة والمعارضة لأستمع وأشارك في طرح الآراء عن كافة القضايا والأحداث المتصاعدة في الساحة الدولية ومنها واقع ومستقبل اليمن والتي كانت غالباً ما تشخص وعي الإحباط المتعثر في متاهة الصراع..

وكنتاج لاختلاف الرؤى والأفكار والمصالح التي استحكمت بالوعي السياسي لم أجد من سبيل لتجاوز المعاناة الشخصية سوى اللجوء للانزواء والتعاطي مع إشكاليتي من دلالات المعرفة بالنفس كمقاربة ضمنية لاستيعاب الخلل في تكويني من طبيعة الفكر الذي تشكلت بوعيه ويحكم وجودي وعلاقاتي بالمحيط بتسلسل روابطه المتصاعدة في تشكيل منظومة الوجود والحياة .. 

وعلى بيد الغور في أعماق النفس والخوض في متاهاتها وجدت مفارقة الخلل في تكويني محكوم بنطاق التشكل الذاتي بالمفاهيم والأفكار المعرفية والحواجز والقيود النفسية المانعة لاستيعاب علاقاتي بالمحيط المحمولة على تأسيس التقارب الأخلاقي للوفاق المعني بفرضية تجاوز المشكلات بتبعاتها المنعكسة على مصيري في رحلة الحياة ..

ولأن تكويني السيكولوجي له أخلاقياته التي انطبعت في تكوين النفس على رفض ومواجهة فساد المحيط فالفرضية في تجاوز المعوقات تستدعي ضرورة التحلل منها في سياق التوفيق بين محورين:

الأول :  تغيير مفاهيمي عن السياسة والأخلاق كصلة بالتعاطي مع منظومة الفساد بمحاذيره  كأمر واقع

الثاني: تمثيل الضرورة للتخلق باللامبالاة والنفاق في سياق احتواء التقارب للوفاق مع آلية الفساد بمتلازماتها في التمكين من تحقيق المصلحة الذاتية كمنفذ لمعالجة الإشكال

 لكن شيئاً ما بداخلي كان يمنعني من الولوج في الخطأ حيث لم أجد بداً من العودة لاستقراء النفس من دلالات  الأفكار التي تحكم تكويني الذاتي انطلاقاً من الضرورة المعرفية  ..

وعنها وجدت الأفكار التي صاغت طبيعة تكويني دلالاتها الآتي :

1-افكار تحكم إرادتي في الحياة بمستوى تدرجها الارتباطي بطبيعة التكوين النفسي وهي الغرائز والرغبات والخوف من المجهول والمرض والصحة والحاجات المتصلة بالأمان المعيشي ومتطلبات الحياة .

2-أفكار موجهة للإرادة بمستوى التنشئة الارتباطية بالمحيط وهي الإله والعقيدة والحلال والحرام والمال والنظام الاجتماعي والدولة وقوانين العدالة والمبادئ والثقافة والهوية والانتماء والقيم والأخلاق والوظيفة العامة والطموح الشخصي والجشع والتطلع للظهور وحب التسلط والتفرد بالنفوذ والسيطرة والاستعباد .

3-أفكار مقيدة بمستوى مؤثرات التحكم بالإرادة كانعكاس للتنشئة وهي الحواجز والقيود المتسلسلة من التسليم إلى القناعة فالإيمان إلى التجرد بامتلاك الحق إلى التصدر بتمثيل العصبية التبعية إلى رفض التقارب مع الآخر إلى التخلق بالكراهية والأحقاد والعدوانية الموجهة باقتران المصلحة الارتباطية.

4-الأفكار التنفيذية المرتبطة بنطاق القدرة على التمكين والتي ترسم اتجاهاتي الذاتية بمستوى تدرج قوة سيطرة مؤثرات الأفكار الموجهة للإرادة بطبيعة المصلحة الارتباطية المقيدة بعوامل التفكك والصراع المتدرج في تسطيح الظلم والقهر والفقر والبطالة والفساد المالي والإداري قاعدة للواقع تلتقي محاذيرها مع تعميم الانحراف الاخلاقي نحو استخدام الوسائل المخلة بمنظومة العلاقات المركبة من أدنى السلم الاجتماعي إلى أعلاه  ..

5-الأفكار المرضية التي تنشأ عن مظاهر الاستلاب والعجز والإحباط والهروب من الواقع كالانزواء والتدين والتواكل بالابتهال والدعاء إلى الله أو الإدمان للمخدرات وتماهي اضطراب التكوين النفسي في متاهة السقوط والضياع ..

وعلى خطى البحث عن المعالجات الكفيلة بإصلاح النفس كان سبيلي لتطويق منافذ الخلل محكومًا بفرضية استيعاب الغاية من وجودي في متاهة الحياة حيث تجلت في مخيلتي الذهنية مجموعة من التساؤلات  مثل :

لماذا خلقنا الله على طبيعة العماء المتشاكل بتأسيس مفارقات التناقض المعرفي قاعدة للصراع ؟

وما الغاية من توجيه مشيئته لنا على اختلاف الفهم والإدراك ؟

وهل بالفعل هناك آلهة كونية خالقة لها حكم التصرف بحياتنا ومصيرنا ! !  أم أنها  من خلق الإنسان ؟

وعلى بيد التساؤلات ارتبط المدخل لاستيعاب منبع الخلل في التركيبة المتناقضة بفرضية البحث عن حقيقة وجود الله من ظلال الواقع المتشاكل في معتقدات الفكر الديني ..

ومن نشأتي في بيئة عقائدية ملتزمة بفكر التصوف الإسلامي وقفت قراءاتي لتعدد اتجاهاته الفكرية أمام إشكالية صحة المنهج المتسلسل في الافتراق المحمول على اجتهادات المذاهب المتشعبة في محاولة احتواء مرجعية الدين وكان الاستدلال على بطلانها من ظلال النص الديني المنظورة في الآية (195)من سورة الانعام (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) ومن ثم الحديث النبوي القائل (سيأتي زمان تفترق فيه أمتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة كلهم في النار) وللاستدراك اجتهد رواة الحديث المتناقل في إضافة (إلا من كانوا على ما أنا عليه اليوم) وهي الحجة التي مهدت لجميع المذاهب سبل احتوائها قرينة لكل مذهب والتي تم تذييلها بحديث نبوي آخر ورد فيه تسلسل النقل  المروي بقولة (اختلاف أمتي رحمة) والذي توحي دلالته الضمنية عكس ما ورد في الآيات والحديث مع التصرف..

وعلى بهو التناقض لم أجد من سبيل للبحث عن صحة الدين سوى مقارنته بالتعدد الديني حيث وجدت الافتراق ينصب على احتواء الوصاية على وجود الله واختزال فكرة وجوده في النصوص المقدسة قاعدة منهجية متجانسة بتضليل لاهوته في المبلغين قرائن للكمال المنزهة عن الجهل والشر والتناقض والقصور  في مصداقية وصحة التبليغ..

من هنا كان سبيلي لاستكشاف التناقض من قراءات النصوص والتي كشفت بوضوح على أن كل دين ارتكز على توظيف وجوده في البدائل المقدسة قاعدة للعصبية العرقية والسلالية المتجانسة بتأسيس مشروعيته الكونية قاعدة للوصاية على الحكم والسيطرة على الوجود المتعثر بانتظار الخلاص من خصومة بظهور مبعوث من سلالة المبلغ أو عودته آخر الزمان دون النظر إلى المقصد الوجوبي لعدالته في تمثيل صلته باستحقاق الإنسانية جمعاء..

 وهنا تداخل الشك باليقين فصرخت بعفوية المتسائل مع نفسه : إذا كان لك من وجود فأين أنت مما يحدث في الأرض من فساد وظلم وقهر واستعباد للناس باسمك .. ولم أكد أنتهي حتى شعرت بصوت داخلي يخاطبني أنا أمامك وفيك فانظر إلى بعين وجودي تراني ..

فكررت السؤال : وكيف لي أن أراك أمامي بعين وجودك بي وأنا لا أعرف عن حقيقة وجودك شيء ؟

فرد بلسان الاستغراب : أو لا تراني في خلقك المنظوم إعجاز القدرة على تجسيد الفكر لدلالات وجودي في وعيك قرينة للاستنارة بمنظومة الخلق والتكوين. وتلك هي صلتك بي في خلقك على حقيقتي عقلاً منوطاً بتمييز المعرفة المستقيمة من المنحرفة بنية لتكوينك تراني بها في تشكيلة الخلق جوهر الحياة .

 وبينما كنت على وجل وارتباك من فهم المقارنة استوقفتني بديهية النقاش: ولكني مخلوق على طبيعة الجهل بحقيقتك المرادف للعماء ! فكيف لي أن  أراك بوضوح ؟

وهنا كان جوابه أكثر وضوحاً: عًد إلى مخيلتك واستجمع فيها نقطة الضوء في مساحة الظلام وانظر إلى امتدادها المتسلسلة في الأبعاد..

 وفكرة وجودي بك هي المثال لهذه النقطة كلما كبرت واتسعت يتلاشى ظلام العماء !..

وكما رأيتني في مطلق مخيلتك في نقطة الضوء فأنت في وجودي المطلق تلك النقطة المقيدة بالمجال المحدود لنطاق وجودك وقدرتك على الاستنارة والامتداد في محيط الكون.

وفيما بلغ  اليقين عندي بوجوده حدود الإحاطة استوقفني المقصد من وجوده في سؤال: وماذا عن غيابك عما يحدث في الأرض؟ وهل يعود الخير والشر لمشيئتك في توجيه الحياة ؟

فأجاب : لقد خلقت أباك الإنسان على صورتي في العقل ليكون قادراً على الاستنارة والتمييز والاختيار بين الاسترشاد بمعرفتي مسلكاً للائتمان على جنة الأرض والتحقق بالسعادة والنعيم في الحياة وما بعدها وبين السقوط في ظلام النفس وعماها ولوجاً في محذور الشر والهدم العارض بالامتثال للشقاء فكان خياره حكماً عليه وفيه كل الأبناء وتلك هي مشيئته وليست مشيئتي ..

وعنها سألته: وما ذنب الأبناء في اجترار الخطيئة ؟

فأجاب: ذنبهم أنهم عرفوا طريق الخير من الشر واختاروا أن يسلكوا طريق الأب

وهنا تسلسلت التساؤلات :

أنا-وماذا عن عدالتك في الخلق؟ فهنالك أناس ينعمون بالخير في الحياة وهم قتلة ومجرمين ولصوص ومنحرفين ومنهم من أعطيته الملك والقوة فطغى وتجبر وتكبر وجعل من حياة الناس جحيم!! فيما جعلت غالبية الأمم والشعوب يعيشون على الكفاف!

هو-لو أدركت حقيقتي لما استهجنت عدالتي .. فدلالات عدالتي ميزان .. وحكم صلتي بتصريفها في الخلق دليلة المعرفة المعنية ببناء القدرة على التمكين .. ومن تراهم ينعمون بالحياة وتحققوا بالسلطة والثراء عبر وسائل الاستغلال والجشع والظلم والقهر هم بذرة الشيطان المنحرفة عن الطريق المستقيم.. وكلما تراه من مفارقات الغنى والفقر والقوة والضعف بصروفها ليست إلا نتاج الخلل في التركيبة الغير متوازنة من رأس السلم الإنساني إلى الاجتماعي المتدرج إلى الفرد والموجه بتسلسل صراع الشر مع الشر الذي استحكم  بشيطنة  الحياة ..

أنا-ماذا تعني بصراع الشر مع الشر؟ وما ذنب الضعفاء الذين لا يملكون لاحول ولا قوة سوى الاستكانة والتسليم بالقضاء والقدر ؟

هو-أنت أيها الإنسان من يصنع قدره ومصيره والشعوب التي تعيش لعنة الجهل والتخلف والظلم والقهر والفساد هي من صنعت الظالم والفاسد والواقع الذي تعيشه باستسلامها وخضوعها.. وهذا هو تعريفي لصراع الشر بالشر واستعباد القوي للضعيف؟

أنا- وهل يعد الجهل والاستكانة للأمر الواقع من مظاهر صراع الشر بالشر؟

هو -قد لا يبدوا في الظاهر في ظاهره ! ولكنه بحكم تحقق فئة بوسائل القدرة على التحكم والسيطرة يعد نتاجاً لصراع الشر مع الشر

أنا- سيدي : لقد استعصى عليَّ فهم اقتران وجودك بمقدسات الدين المتعدد والمتجذر بخلافاته العقائدية ! فهل لذلك  تفسير واضح يكشف عن دلالات الخير والشر في متغيرات هذه العلاقة؟

هو-الأصل أن لمبدأ المعرفة بالوجود دليل اقترانه بالواجد والمنوط بتمثيل الحق الاعتباري لمشيئته في التصرف والتوجيه المحكم بتوصيف قوانين الانضباط الكوني لتسلسل روابطه وعلاقاته بين منظومة التكوين.. وتلك لها في التحقق بمقاصد الخير عقد انتظام قاعدة البناء على وحدة الغاية في التمكين المنافي لتأسيس الدين مشروعيته قاعد لاهوتية للحكم والسيطرة على الوجود والإنسان المتجانس بتصدير الوسائط المعرفية بشخوصها ومناهجها بدائل مقدسة اختزلت شيطنة الحياة في التعدد والاختلاف مسلكاً للصراع الموجه بتقييد كل دين لتابعيته بالعبودية والاستلاب المتجذر باختلال موازين العلاقات والمصالح واتساع مظاهر الشر في الحياة ..

أنا-وماذا عن الذين كذبوا على لسانك وجعلوا منك معبوداً للناس على ضالة الغيب والترهيب والترغيب

هو-للشيطان تصاريفه في الغواية وكل دعيٍ بما أضل به الناس وحلت بهم فتنته وشره رهين.. أما من عبدني حوفاً من غضبي أو  طلباً لغاية فعبوديته لي كوسيلة لتحقيق هدفه لها حكم اقتران عبادته للخوف والمصلحة .. ذلك أنه لو جاز  انتفاء العلاقة الشرطية ما عبدني.

أنا -إذا فما هي الغاية من خلق الإنسان؟

هو-لقد خلقت الوجود نظاماً متسلسل البناء على وحدة الغاية وهي السعادة الأزلية كقيمة جامعة لفكر الوجود والحياة وخلقت الإنسان على صورتي في العقل ليكون امتداد وجودي في الأرض المكلف باختيار طريقة بين بناء كيانه على حقيقتي الروحية قاعدة لتوحيد الغاية من وجودي به قرينة لامتداد صلتي بالخلق المتوازي مع تمكينه من القدرة على تجسيدها في طبيعة الحياة.. وبين الانحراف عنها للتجرد بالضدية في تمثيل(الأنا) للتفرد باستحقاقها قرينة للصراع  والشقاء ..

أنا-لأن كان المقصود من وجودك هو تمثيل الدليل المعرفي للخيار  بين السعادة والشقاء !  فما دلالة القيمة من تقييدها بألوهتك؟ وهل تنطبق عليها صفة القداسة الروحية؟

هو-لقد خلقت الوجود نظاماً متسلسل البناء المتوازن على تأسيس توافقاته لوحدة الانضباط.. وفي تخلقك بمقاصد وجودي في الحياة ما يعلل حكم تقييد وحدتها بالألوهة كقرينة للضابط الموجه لانتظام قاعدة البناء مع روابطك وعلاقاتك المتسلسلة في الوجود.. وتلك في جدوى المعرفة بالضرر والنفع عليك تخضع لحرية الاختيار وفي مقتضى تقييد الضرر والنفع بحق الغير فهي تكتسب صفة القداسة الروحية من تمثلها لعقد  الوفاق  الضابط لعلاقات الحياة..

أنا-وأين يكمن  جذر الإشكال الزمني بعضلاته المعرفية الممتدة في تطويق سبل العيش الكريم والتعايش المشترك في الحياة؟

هو-يكمن الإشكال الزمني في تعطيل العقل بين تعدد واختلاف المناهج الدينية كقاعدة لاهوتية مزدوجة مع تمثيل السلطة والتي استحكمت بتوظيف السياسات المتناقضة في حدود مصالح أنظمة الحكم بتسلسل انحرافاتها عن المقاصد الاعتبارية لقاعدة وجودي في تمثيل منهج الحياة ..

أنا-سيدي : لقد علمتني من غزير علمك ما يلزمني بإصلاح نفسي ! ولكن أين رجمتك بالأب والأبناء بعد كل هذا ؟

هو-أنا لم أخاطبك بلسان حقيقتي لتصلح بها نفسك وحسب وإنما لكون الخيار قد وقع عليك من بين جميع الأبناء بأن تكون محط الاختبار الأخير في تجسيد كلمتي لائتمانك بالمعرفة بوصفها عقد رجمتي و أمانة العارف في مسئوليته في التبليغ.

أنا- ولما اخترتني من بين جميع الخلق وأنت تعلم شائنة ضعفي وعجزي وقلة حيلتي وفي الناس من هو أصلح مني لتحمل هذه المسئولية قدرة وإمكان.

هو-ليس خياري لك نتاج لحظة عابرة استحضرتها تساؤلاتك أو مكرمة استحقاق أضمرته نواياك  فأنا ما أجبتك إلا بلسان ما تحققت بروحانيته في عالم الأزل وغاب عنك بين حواجز النقس وظلاميتها.. أما عجزك وضعفك فهو لسان حال قوتك في تجسيد الإعجاز ..

أنا- وأين يكمن إعجازي وقد استحكمت قوة  الشر بكل مقاليد النفس البشرية  والحياة؟  

هو-إن معركتك اليوم غير كل المعارك التي نشبت عبر مراحل التاريخ فهي لا تحتكم لموازين القوة والسلاح والمال وإنما لمواجهة الفكر بالفكر في  ميزان معرفتك بالحقيقة.. وكما صنعت القوة أسلحة الدمار الشامل وبات خطرها يهدد الحياة ستكون معجزتك هي خلاص البشرية من طوفان الشر المستشري عبر مسيرة الحياة ..

أنا-لكن الناس لا تؤمن  سوى بما نشأت عليه ولو خاطبتهم  بالحقيقة لأنكروها ووصفوني بالكافر والزنديق والدجال والشيطان الذي يحاول أن يخرجهم عن الطريق المستقيم !  فكيف لي أن اتجاوزهم وفي عقيدة كل منهم منتظره للخلاص من الآخر طوق امتداد لاهوت الوصاية على حاكمية الوجود ؟

هو-الحقيقة لا تخاطب العامة وإنما الحكام والقادة المعنيين بأمر حياة ومصير شعوبهم  فإن حاولوا تجاوزوها دون تفكير بالعواقب فنور الكلمة كفيل بأن يبدد ظلام الجهل في العقول المتأرجحة بين الشك واليقين ويكشف لعبتهم في امتهان الحق البشري في السلام والأمان والاستقرار ليكونوا عبرة لكل شيطان تسول له نفسة تطويق مشيئة الرب ورحمته بالإنسان.

وعلى الرغم من تسلسل التساؤلات على مراحل مختلفة حول القضايا الفكرية بمعضلاتها العالقة في متاهة المعرفة البشرية إلا أن أكذوبة الدين المتجذرة في حركة التاريخ  بتبعاتها على الإنسان والحياة هي التي شكلت منفذ البحث عن الحقيقة الغائبة ومعادلاتها المعنية بتفكيك مظاهر الشر ومعالجاتها في الاتجاه الموازي لنظريات الحكم واتجاهاتها المتشابكة في توظيف الصراع قاعدة للاستئثار  بمقدرات الحياة ..

من هذا المنطلق  نستخلص المبادى والأسس الجوهرية للحقيقة  في  النقاط التالية  :

 أولاً: أن من البديهيات التي لا تقبل الشك هو أن هنالك إشكالية زمنية ممتدة عاشها الإنسان منذ بداية وجوده على سطح الأرض ولايزال برغم اتساع ميادين العلم وتطور وسائله وكشوفاته في عصرنا الحديث يعيش معضلاتها المتجذرة بين تصاعد معوقات الأمان والاستقرار وبين تعزيز سيطرة الشر على منافذ الحياة ..

ثانياً : أن ا هذه الإشكالية تتجلى بوضوح في ارتباط  قضايا استقرار الإنسان في الحياة  منذ بداية التاريخ بمعضلتي الغموض والتناقض والتي استحكمت  بتقييد ظروف وتعقيدات سبل البقاء  بمحاذيرالخوف من المجهول والصراع وصاغت طبيعة النفس البشرية على  امتداد  الجذر الزمني لقوانين الغاب عبر تحولات العصور..

ثالثاً: أن جوهر الإشكال  ارتبط منذ البداية  بمعضلة لغز الكون  وصلته بما وراء الخير والشر وتعلل الإنسان القديم بوجود قوى روحية تتحكم بوجوده ومصيره في الحياة  وصولاً  لتشخيصها في صورة المؤثرات التي استقاها من مظاهر كل بيئة  وجسد فيها معتقداته في الربوبية انطلاقاً من تقييد الأخطار  الناجمة عنها بفرضية الوفاق معها  وتجريده بالعبودية والتعبد مسلكا للتحقق بالأمان  النفسي ومن حاضنتها ولدت فكرة الدين  وتعددت مصارفه في سياق تجسيد الغموض والتناقض لأزمة المعرفة ..

رابعاً:   أن نشأة الديانات القديمة  بتسلسل امتدد الديانات السماوية اختزلت أزمة المعرفة في توظيف ميتافيزيقا الخيال للأساطير والمعجزات القياسية بمظاهر الطبيعة الكونية  وتوثيقها بالنصوص  المقدسة عقد مشروعية ثابتة ترافقت مع  تعميد المؤسس بلاهوت  الحكمة والقدرة المجتباه  بتأسيس  الخيار والتمكين  لحق الوصاية على الوجود والإنسان  المتلازم مع تطبيع الخوف من  غضب الرب  قاعدة للترهيب والترغيب  واحتراز  الغاية في تقييد التابع بالعبودية والعبادة للمصلحة الارتباطية بتبعية الدين ..

خامسا: أن  القضية في متلازمات الغموض المترابط من  خلفية الخير والشر إلى معضلة لغز الكون و توافق الأديان على وجود آلهة كونية إلى توثيق أزمة المعرفة لاختلافها حول  توظيف الوسائط وتمثيله هي بمجملها تتمحور حول قضية منهج الحياة وإشكالية الإنسان  في المعرفة بالحقيقة   والتي  نستخلصها  في الآتي:

1-أن الحقيقة واحدة  لاتتجزأ أو تختلف وفقاً للتصورات  الاحتمالية كما  لا يمكن تفسير  افتراق الأديان حول وجود آلهة كونية سوى ما يعلل انفراد كل دين بتوظيف ألوهته الخاصة قاعدة  لتعطيل وحدته وتوحيده وفي  الاختلاف حول حقيقته الواحدة ما يؤسس  تمثلها للأكذوبة  في تجزئته وتوظيفه ..

2-  أن الدين دين الله .. وحين تكون وحدة الدينٍ في الله خطيئة وقيم الحياة قاعدة احتواء دعوي يصبح معنى الله مجرد أكذوبة يتقمصها الشيطان في كل معتقد هوية يسوس مشروعيتها بغوايته وغرورجهله عُِرف عصبية عمياء  و فتنة عبثية ممتدة  تدور في ظلام الشر  والاستحقاق الواهم..

3-أن قضية وجود الله دليله  في المعرفة بمقاصد وجوده هو (الإنسان ومنهج الحياة) وتلك لها في استقراء المعادلة:  أن  مثّل الإنسانية في معتقداتها وقيمها وعلاقاتها وفكرها وسلوكها كمثل الجسد الواحد إذا ما اختل جزء من أعضائه أو انحرف عن طبيعة أدائه وتكوينه اختلت موازين الجسد وبنيانه وتلاشى وجوده في غيبوبة الوعي سديم وهم أعمى يتخبط حول قارعة السقوط  ..

4-أن في تعدد واختلاف المناهج والطقوس والنواميس والشرائع والمعتقدات مأ يؤسس بأن الدين صناعة بشرية تجانست في توظيف الألوهة مرجعية لشرعنة الوصاية على الحكم والسيطرة على إرادة الإنسان  وتطويعه  لتبعية الدين قاعدة جبرية تتنافى مع مشيئته في تقرير حرية الاختبار والاختيار المقيد باستحقاقه..

5-أن تعلل الدين بتعدد واختلاف اتجاهاته بالغيبيات اختزل تأسيس الجهل بحقيقتها قاعدة إيمانية  تجانس توظيفها لتطويق إرادة الإنسان بالخوف من المجهول والتسليم المقيد بالحواجز المانعة للتثبت المعرفي كركيزة لتعطيل الفهم بقيود الاستلاب.

6-أن مسوغ العبودية لله ارتكزت على تأسيس التبعية للدين والمنهج قيداً فاصلاً بين الإنسانية الواحدة استهدف توظيف الهوية المتجردة بتمثيل العصبية لكل دين مسلكاً للصراع الموجه لحماية مصالح المتنفذين في السلطة الدينية ومشاريعها في السيطرة المتدرجة من فرض الهيمنة على التابعية إلى تطبيعهم على الاستكانة والرضوخ للظلم والقهر والتسليم بالقضاء والقدر إلى تسخيرهم لمواجهة خصوم الدين.

7-أن تجانس الافتراق الديني في تعميد النصوص  بالقداسة المنزهة وتسويفها بالحقائق الثابتة لا تلتقي تبايناتها في الفكر والاعتقاد الثابت سوى عند شيطنة الإله بالقصور والنقص والجهل والشر المتسامي بتعزيز منطق التفاضل والاجتهاد في التفسير والتأويل وسيلة لسباق الاحتواء والتي استحكمت أدواته بتجزئة وتفصيل الربوبية على مقياس كل عقيدة مشاريع للتفرد في الوصاية على تمثيل وجوده  ألقت بضلالها على استفراغ الجهل معرفة غيبية أرست متاهة الطريق الواحد مفترقاً دانت نزعاته للتفكك والصراع شواهد فاصلة بين الحق والاستحقاق في التبعية المفردة للوسائط..

8- وعلى نفس المنوال تجانست مرتكزات الاعتقاد المتباين في توثيق مصداقية الشخوص بالاصطفاء والتنزيه الإلهي الذي أفرغ الدليل من محتواه المعرفي ليحول بوجهة الهدف من تمثيل مرجعية الإله للمبادئ والقواعد والضوابط الأخلاقية المعنية بتعزيز روابط اللحمة بين الإنسانية الواحدة إلى استفراغ كل دين للجدوى في صكوك الإيمان والتسليم المحمولة على تطبيع العقيدة للخوف من غضب الرب الموجه بالدافع والمانع لتطويق الإرادة في حدود الالتزام بالطاعات وارتباطهما بمحاذير الحساب والعقاب المنظور بتقييد مرجعية الحق للاستحقاق في مطلب التراضي مع الله في التحقق بمنهجية الدين قرينة مستحقة للرضا والتمكين والعفو والمغفرة عن الذنوب يستحضرها التواكل في الابتهال والدعاء مسوغاً لاستيعاب روحانية الأمان في أداء الواجب قرينة لاستشعار اليقين بالاستجابة.

9- أن تجارب الدين بمختلف اتجاهاته ظلت عبر مراحل التاريخ  ولا تزال تسير على هدي تطويق واقع الإنسان والحياة بالجهل والشر والتخلف  الموجه في سياق تطبيع التفكك الديني للصراع  وتوظيفه  قاعدة كونية للتناقض العائم بتأسيس انعدام الأمان والاستقرار   في الحياة.

سادساً: أن إشكالية الدين بأزماته وقضاياه المرحلة بين الأجيال هي بمجمل معضلاتها تلتقي عند انحراف الأنسان عن ثوابت القاعدة الكونية لمعنى وجود الله  والتي يفترض أن تجسد الركيزة المعرفية لتوحيد العلاقات والروبط المشتركة كمنظومة للبناء الواحد والتي ارسى  تغييبها اختلال البنية من أعلى السلم إلى أدناه..

سابعاًً: أن لمبدأ الانحراف في تضليل الجذر الزمني حكم الاقتران بما توافقت عليه بعض المعتقدات القديمة واختزلتها الديانات السماوية قرينة ضمنية لتأصيل أسطورة الخلق في توصيف خلق الإنسان (آدم)على صورة الخالق عقلاً ارتبط تضمينه بتعليمه الأسماء كدلالة رمزية للمعرفة بمقاصد الخير وصلتها بتشكيل منظومة الخلق المتعدد مع تضليل خلقه من طينة الأرض برمزية النفخ فيه من روحه لنظام تكوينه قرينة مجردة بتجسيد صفاته وأفعاله لملكات القدرة والتمكين مع الاكتفاء بتحذيره من الشجرة المحرمة وارتباطها بشيطان النفس الأمارة وانحرافها المتجرد بالضدية في مجازية الاختيار بين الخير والشر والتي أرست بدورها مبدأ الغواية في توثيق الخطيئة على (أبونا آدم) قاعدة  سار على نهجها الأبناء حتى يومنا هذا ..

ثامناً: أن الاستدلال بقصة الخلق في الديانات السماوية لا يعني توثيق مرجعيتها حقيقة بالنظر إلى تناقضاتها وإنما  تندرج ضمن الأساطير الرمزية التي رافقت نشأة الأديان وصاغت متغيرات التوصيف قاعدة للتفرد بالخصوصية المعرفية فيما استوجب تضليلها بالشاهد الزمني من حيث اقترانها بالانحراف المتلازم مع تثبيت الخطيئة في تصدير نبوءة النفس كبديل لاستنارة العقل وصلته بالمعرفة المضمرة  بصلة الخالق في الخلق المنظور بمحاكاة صفاته وأفعاله وأسمائه..

تاسعا: أن الثابت في نشأة الدين باختلاف اتجاهاته هو توظيف المشروعية الكونيةقاعدة  للحكم وليست المعتقدات والوسائط سوى آلية لتطبيع النفس البشرية على الإدانة المضمرة  بالخضوع والتسليم الموجة بتوظيف مشروعية المرجعية الإلهية للحاجز التبعي المانع للخروج عن طاعة السلطة الدينية. 

عاشراً : أن انحراف الدين عن قاعدة العقل اقترن بتغييب الحقيقة في العقيدة المتشابكة بمتاهاتها الراكدة في عمق التاريخ وشتاته المتجذر بتطويق منهج الحياة في العلاقة الشرطية بين المعبود المغيب في تجذر التبعية والعبودية المجردة بالإدانة والالتزام بالطاعات المتغيرة في كل دين بطبيعة تضمين قدسية الوسائط والتي استحكم بالحيلولة دون تقاربها بروز العديد من العوامل كان أهمها :

1-اقتران نشأة الديانات بتوظيف الجغرافيا السياسية للحدود الديموغرافية للسكان والتي فرضت بدورها تشكل المجتمعات بالهوية الدينية المتجذرة في تمزيق خارطة الوجود..

2-ارتباط نِشأة الديانات بظروف البيئة والمؤثر الطبيعي على كل محيط والتي انعكست متغيراتها على تعدد واختلاف المعتقدات وشكلت بدورها مفترق الثقافات والمعارف المتسقة مع تأرجح استيعاب مقومات الحضارة المدنية ..

3-تجانس تطويق الدين لسبل المعرفة وتجريمها كصلة بتجميد العقل في نطاق المعرفة بالعلوم الدينية والتي شكلت بدورها مفترق السباق التبشيري والاجتهاد التفاضلي الموجه لتصعيد الخلاف والاختلاف..

4-تجانس تقييد الأجيال المتعاقبة بالموروث العقائدي المتناغم مع تطبيع تبعات الصراع الزمني لتوسيع وترسيخ دوافع الحقد والكراهية الموجهة بتعزيز الفرقة للخصومة والعداء بين الأمم والشعوب وامتدادها عبر العصور.

5-اقتران عوامل الخلاف والاختلاف بتطبيع حواجز وقيود الفهم لقداسة النصوص والمؤسسين قاعدة ارتباطية بفكر ومنهج العقيدة والتي    ترافق توجيهها مع  تقييد المناهج  بروح  النفور من الاتجاهات المخالفة وصاغ  فصامها انبعاث االكراهية والأحقاد والنزعات  العدوانية بين الأمم والشعوب ..

6-تمحور  الدولة الدينية حول حماية وجودها الموجه من خلال تطويق الوعي الاجتماعي في نطاق الهم اليومي للبحث عن متطلبات الحياة الموازي لتضييق سبل ووسائل العيش وفق مبدأ تعزيز منافذ الجهل والتخلف والفقر والبطالة للتواكل والتسليم بالقضاء والقدر المتناغم مع  تقييد الإرادة في النطاق  المحدود للتسخير الموجه ..

7-تجانس تقييد نشأة الدين بصورة عامة في توثيق مرجعيته بفكرة الخلاص الإلهي من الشر وتضليله المشترك بطبيعة الإنسان انطلاقاً من تأسيس الهدف لفرضية السيطرة عليه واختزال الوصاية على وجوده في تطبيع الخوف من غضب الرب للاستلاب الموجه لحماية مصالح النخب السلطوية وأهدافها في التوسع والانتشار..

احدعشر:  أن القيمة من خلق الإنسان على حقيقة الخالق في العقل قرينة ارتباطية بمشروع الحياة له دلالته المجردة باستيعاب وحدته بالوجود قاعدة ارتباطية بمنظومة البناء الواحد كمعادلة ثابتها تجسيد وحدة الجنس النوعي للسلالة الآدمية المتجردة عن النزعات الذاتية في توظيف الخصوصية الحضارية والمعرفية للتميز المنظور  بتحلل النسيج البشري الواحد إلى عصبيات سلالية وطائفية وعنصرية وعقائدية باختلاف مظاهرها ..

 اثنى عشر: أن  لمتلازمات  تحقق الإنسان بصفة العقل له في مسوغات البناء حكم اقتران وظيفته بخاصية الإحاطة المعرفية  بتوافقات القدرة على التفكير والتواصل  والإستيعاب السليم  المعزز بالتمييز الفاصل بين العلم والجهل والخير والشر والصواب والخطأ والصدق والكذب والثابت والمتغير في الفكر كركيزة موجهة لاستيعاب توافقات البناء الواحد لمنظومة العلاقات المتجذرة بين مظاهر الوجود ومقاصد الحياة..

ثلاثةعشر: أن بناء الإنسان بسياقاته المتدرجة من النقس إلى الروح دلالته في متلازمات تكوين العقل تمثيل حصيلة الكسب المعرفي لمستوى النضج في توثيق المدارك الذهنية والحسية للقدرة على التواصل والإدراك والتمييز والاستنارة الموجهة للاستكشاف والخلق المنافي لتقييده بالنفس البشرية وحضورها المتشاكل في تعارض مسوغات الخلاف والاختلاف ..

أربعة عشر: أن الإنسان بوصفه المعني باستيعاب مقاصد الخير والشر قاعدة للبناء .. فللدلالة أيضاً حكم اقتران الإنسان الكامل بالمعرفة المنوطة بتمثيل خيار التخلق بسمات الربوبية قاعدة روحية مجازها توحيد الذات بصفات الله المتلازمة مع تأسيس طبيعته لتوافقاتها مع المحيط ملكات للقدرة والتمكين كصلة بالكمال المنزه عن الجهل والشر قرينة للسعادة الأبدية المجردة بالغاية من وجوده في الحياة .. أو العكس في التخلق بمتغيرات الانحراف بها نحو الشر المحمول على تجرد النفس بصفات الشيطان قرينة موجهة للاضطراب الباطن نحو تمثيل سيكولوجية الذات لدوافع الأنا المتعثرة بالاشتباك مع الواقع مسلكاً للشقاء..

خمسةعشر: أن قضية الانحراف عن قاعدة العقل لم تقتصر فقط على منهجية الدين بقدر ما شكلت حلقة الامتداد إلى الفكر الفلسفي والعلمي بميادينه المختلفة كما نراه ملموساً بحجم النتاج المعرفي الواسع والكبير مقارنة بانعكاساته على محدودية تطور الوسائل والذي لا يزال محكوماً بعوامل الصراع الزمني ومخرجاته التي أرسى شتاتها سفور امتداد أزمة المعرفة بالغاية من وجود الإنسان وعلاقاته المتجذرة حول مشروع الحياة ..

ستة عشر: أن مسألة اقتران القيم بقاعدة وجود الله ثم بقاعدة العقل ما يعني ثبوت شموليتها لتدرج قضايا العلم والمعرفة كمرجعية كونية محورها الأساس بناء مشروع الحياة كمنظومة واحدة تلتقي جسوره عند وحدة القيم بالغاية من خلق الوجود والإنسان والمجردة بالسعادة في الحياة وما بعد الحياة ..

سبعة عشر : أن دلالة الارتباط بين صحة المعرفة والقيم له حكم  تصفيف التنشئة الأخلاقية للقاعدة الروحية ذاكرة للعقل المعللة بالصفات والتي تشكل بدورها نطاق القدرة الذاتية على التواصل مع المحيط والتفاعل المنظور بتقييد الكسب للتجربة الارتباطية بمقاصد الخير والشر مرتكزاً لنطاق الحضور والتأثير ..

ثمانيةعشر: أن قضية التنشئة الأخلاقية تحتكم مفارقات الخلل في توجيهها للنظم التربوية المتعثرة كنتاج لسياسات أنظمة الحكم واتجاهاتها المتعارضة بين تأسيس مصالحها السلطوية قاعدة لعلاقاتها بالمحيط الدولي وبين استفراغ مسئوليتها نحو المجتمع في حدود وظيفة السيطرة عليه واستخدام الوسائل الكفيلة بتفكيكه وتحجيمه.. وهو ما نراه واضحاً في تخلي غالبية النظم السياسية عن مسئوليتها في التعليم بالإضافة وتحويلة إلى قطاع تجاري للاستغلال الموجه بفرض المناهج الحكومية كعماد لتنفيذ سياساتها المزدوجة..

تسعة عشر: أن في تبيان مفارقات الخلل في تركيبة  النظم السياسية ما يؤسس طبيعة انعكاسها على الإنسان بتسلسل علاقاته المركبة حيث نجده في الاتجاه العام للوعي بمقاصد الخير والشر لم يبلغ  بعد مرحلة النضج العقلي بعلة وجوده حيث لا يزال عالقاً في محور الارتباط بحيوانية النفس محكوم بعقلنة اللاوعي (لاستحقاق الأنا) كمسوغ للجشع والتطلع السلطوي المتنامي في تجسيد تبعاته لاختلال التوازن والانحلال الاخلاقي في كل مجتمع وتماهي غوغائيته في تشظي نسيج العلاقات المتسلسلة بين الأمم والشعوب حتى تركيبة الفرد  السيكولوجية .. 

عشرون: أن قضية التلازم بين وحدة العقل والقيم له في مرجعية الخلاص من الشر ركيزة  القضاء على  مظاهر التفكك والصراع بتبعاتها المتجذرة في خلق الأزمات وذلك من خلال توحيد النظام العالمي على الوفاق والمحبة والشراكة الأخلاقية كضرورة حتمية لتحقيق السلام العادل والأمان والاستقرار في الحياة..

وما تستخلصه قراءاتنا لتلك المحاور بقضاياها المتجذرة عبر تحولات العصور هو أن غياب الحقيقة ترافق مع تغييب العقل بوصفه الضمير الموجه لانتظام وحدة العلاقات والمصالح المشتركة حيث شكل التلازم بينهما محور الخلل في التركيبة البشرية المتشابكة وبهو المتاهة في الإشكال الزمني للمعرفة المتعثرة بتسويف الحقيقة في الفكر الخلافي المتجذر  بتداعياته وتبعاته على الإنسان والحياة ..

وفي ضوء ذلك يستوقفنا الإشكال الزمني أمام  القضية الرئيسة التي  يفترض أن تؤسس المدخل  النظري  لدراسة ومعالجة مجمل القضايا المستعصية على الحل  وهي قضية إلكشف عن  لغز الكون  بوصفه رأس المعضلة الزمنية  الممتدة  بسياقاتها المتسلسلة في تقييد الوعي البشري بالمعضلات المتجذرة   ..

الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق