نبوءة العقل

نبوءة العقل

الحقيقة في إشكالية الفهم

 هب أنك أحد المتابعين لمناظرة فكرية أو حوار مفتوح في منتدى أو على شاشة التلفاز يجمع بين أعمدة الفكر الديني والفلسفي من مختلف الأطياف وموضوع النقاش يدور حول إشكالية الحقيقة وكل مشارك يستعرض رؤيته في سياق الاستناد إلى مسلمات معتقداته ومحاولة تأطيرها ثابتاً معرفياً يبني عليه حججه وأسانيده في اقناع الحضور بصحته! ..

وكونك تنتمي لإحدى هذه العقائد فرأيك بلا شك سيكون مؤيداً لمن يمثل عقيدتك وفكرك مهما كانت حججه وأسانيده دون مستوى الآخرين وكذلك ستختلف آراء وتصورات المتابعين للحوار باختلاف انتماءاتهم العقائدية والفكرية فيما قد يستحيل أن تلتقي جميع الأطياف أو بعضها على ترجيح طرف من واقع تثمين واستيعاب الحجج المنطقية في فكره وأسانيده المخالفه لمعتقداتهم ! ..

وتلك إذا ماوضعناها تحت خط الاستفهام والبحث عن الأسباب سنجدها تترجم مفارقات الفهم في طبيعة التنشئة والتجربة الذاتية المترابطة مع المحيط بتوافقاتهاوحواجزها المانعة للتقارب مع الآخر بمقاصدها الخلافية المعتصمة بلاهوت الهوية وقدسيتها المستحكمة بارتهان الوعي لقيود التبعية والاستلاب..

وبين أسوار وقيود الفهم بمختلف أدواته وتصنيفاته تعودنا كمتلقين أن نتعاطى مع قضايا الخلاف والاختلاف بمعطياتها الخاطئة والصحيحة لطبيعة المؤثر الارتباطي بالتجربة والقناعة الانطباعية للتنشئة لنخوض في كل مسألة معارك جدلية ونقاشات عفوية غالبا ًما تطفوا عليها سطحية المنطق التبريري المتعالي بمحاولة كل طرف فرض قناعاته وآرائه على الآخر على فيء استخدام الوسائل الممكنة للمغالبة والاحتواء ولوجاً بالانحراف العفوي(للانا)بالتصرف اللاإرادي في شرعنة الكذب والتمويه والتضليل والتسطيح والتوظيف المتجانس دون بلوغ الغاية المطلوبة أو الوصول إلى نقطة التقاء نتجاوز بها عقلنة الفهم للدوافع والأسباب إلى استيعاب المشكلات ركيزة لتبديد مواطن الخلاف كقيمة فاصلة بتوثيق الجدوى للعائد والنتاج على وجودنا في الحياة ..

وعلى أرض الواقع تقودنا ارهاصات التناقض بمحاذير السباق المتآكل نحو درب مجهول لا نعلم عن حقيقته شيئاً سوى ما أقره لنا تباعاً موروث الالتزام التبعي والمتجدد على هامش القراءات الارتباطية بالهوية واستحقاقاتها حضورٌ متجرد بالارتهان لمسلمات قل أن يستوقفنا التفكير بالتأمل في صحتها قياساً بنتاجها الزمني المتعثر في مسلة الخلاف ومنازعاته العارضة بتمزيق هويتنا الإنسانية  وانعكاساتها الظرفية على تعقيد سبل العيش صلة بتطبيع صروفه والتزاماته مشيئة إلهية تنأى بالعقل عن فهم الضرورة الحتمية لاستيعاب المصير المبهم في الحياة وما بعد الحياة..

فبين تعدد واختلاف مفاهيم وقيود الالتزام تعودنا كمتلقين أن نتعاطى مع قضايا الخلاف والاختلاف بمجمل معطياتهما الخاطئة والصحيحة بعقل المؤثر الارتباطي والقناعة الانطباعية للفهم لنخوض في كل مسألة معارك جدلية ونقاشات برجماتية غالبا ًما تطفوا عليها سطحية المنطق التبريري المتعالي بمحاولة كل طرف فرض قناعاته على الآخر باستخدام الوسائل الممكنة وغير الممكنة للاحتواء المتجانس بالتصرف المشروع باحتراف الكذب والتمويه والتضليل والتحوير والتفاضل والتأويل والتسطيح العائم بين تسييس القضايا الفكرية في هامش الالتزام التبعي وبين التجرد القيمي والأخلاقي عن استيعاب القصور والجهل والشر والتناقض في دينه قياساً بانعكاس نتاجه الزمني على الواقع  دون بلوغ الأهداف المطلوبة أو الوصول إلى نقطة التقاء نتجاوز بها عقلنة الفهم الانطباعي للدوافع والأسباب إلى استيعاب الركيزة الوفاقية لتبديد مواطن الخلاف كقيمة فاصلة بتوثيق الجدوى للعائد والنتاج على وجودنا في الحياة ..

ولذلك غالباً ما نجد العائق في الاستيعاب المتوازي بين الأطراف ظل محكوماً بجنوح المغالبة  الذاتية في التعاطي بمفارقات الفهم المقترن بتطويق الوعي والإدراك في حدود النطاق المعرفي للالتزام بتعذر قابليته للاستجابة والاستماع للآخر في الحضور  المتجرد بحواجزه وقيوده وخلافاته والتي تشكل الجدار المانع للتواصل والتقارب في الحوار  بالإضافة  إلى تصاعد المحاذير التي غالباً ما تحتكم لردود الأفعال العكسية حول الآراء المناهضة لاتجاهات وسلوك العقيدة..

وعلى خطوط الاشتباك وخلفياته قل أن نستوعب الخلل في تركيبة الفهم المتباين دليلاً منطقياً على غياب الحقيقة المفترضة بتمثيل انعدام الوفاق بأدلته وأسانيده المؤكدة مرتكزاً لفض الإشكال والتعاطي مع المفهوم الصحيح لها كقيمة مشتركة لتوحيد الغاية من وجودنا واستيعابها خارج إطار المنطق التبريري المرجح بتوثيق النزعات الذاتية لقضايا الخلاف والاختلاف وافتراض تأصيلها قاعدة ثابتة تتجاوز الوفاق على الحق الواحد بتأسيس الخلط بين المفاهيم والغايات للمعايير المزدوجة في تداخل الجهل بالمعرفة والخير بالشر قرائن لشخصنة الفكر بالهوية ومتغيراتها الارتباطية لمفارقات الوعي واتجاهاته المتشابكة في الاستيعاب والتواصل  ..  

وبافتراض أن للمعرفة بالحقيقة معادلاتها الثابتة بأسانيدها المحمولة على توصيف قضايا ومرتكزات بناء الحياة فعلى هامش التثبت باليقين المعرفي  قل أن تستوقفنا جدلية المنطق  أمام طبيعة التكوين المتباين ولوجاً بمحاولة تفكيك معضلاته على خط التساؤلات الضمنية :

_   لماذا اختلفت تركيبة الفهم في استيعاب الوعي المتعدد للمعرفة بالحقيقة بمجمل قضاياها الخلافية؟ وهل الإشكالية في عدم وجودموازين ثابتة للمعرفة بها ! أم أن معاييرها متغيرة بتغير تصوراتنا القياسية لها بحيث تحتكم للسائد والمتعارف عليه في تجربة كل محيط ؟ وفي ذلك ما يؤسس تقييد المفهوم بنطاق استيعاب كل فرد لمعايير فهمه قاعدة صحيحة!..

والقضية هنا  أننا لو نظرنا لمفارقات الفهم المتباين من النطاق البشري العام لوجدنا اتساع المعضلة قد تشمل الإنسانية جميعها بتعدد واختلاف استيعاب التجارب الفردية لأنماط واتجاهات المعرفة كمعايير نسبية متفاوتة في التشكل بيد أن لعوامل امتداد الخلل في التركيبة البشرية بشموليتها ما يعلل التجذر عن المبدأ الذي أرسى تحلل الوعي على منهاج التفكك المتدرج من تعطيل وحدة المعرفة كإطار لتوحيد علاقات وروابط البناء المتجانس إلى عقلنة المصالح لتعدد واختلاف المفاهيم المتناقضة في صياغة وتشكيل طبيعة المكونات..

وتلك وإن جاز تضليلها بتقييد الوعي في نطاق المعرفة التقليدية للموروث الزمني بمعتقداته الجامدة والمتحولة  في سياق  تفكك المصالح  إلا أن فرضية المراجعة في استيعاب موازين المعرفة للصحيح والخاطئ ظل حبيس التجارب المحمولة على عشوائية التشكل المتناقض بين توثيق الهوية للخلاف والاختلاف قيداً مانعاً لاستيعاب كل طرف لعلاقاته وروابطه الإنسانية بالآخر وبين انعكاس الظروف على تطبيع الواقع بالمفاهيم التي تحكم كل محيط باستحقاقاتها المتشابكة قاعدة  لاختلال موازين الانضباط والتمكين..

وفيما قد تلتقي غالبية المناهج الفكرية على أن ظاهرة الفهم المتباين سمة طبيعية في التكوين البشري تستمد خصائصها من تركيبة الواقع المتشابك صلة باختزال كل بيئة لخصوصية التشكل بالمؤثر التقليدي والحضاري والذي غالباً ما يشكل حلقة أساسية من حلقات التفاعل والنماء الفكري المتناغم مع تطور الحياة .. إلا أنها لم تستوعب إشكاليته الممتدة عبر التاريخ والتي تبرز واضحة المعالم بين توثيق مجمل قضاياه للخلل في تركيبة الوعي المتناقض بخلافاته ومعوقاته المتصاعدة وبين اختزاله لأزمة المعرفة وتعزيزها لانعدام الوفاق في الحياة مفترقاً لشرعنة التصادم ظلت تسير على هديه الأجيال نحو توسيع دوائر الصراع المتشعب في التجذر كنتاج طبيعي لتمحور اتجاهاته حول تمثيل الغايات والاستحقاقات المتشاكلة بانعدام وجود قاعدة  وفاقية  للفصل في خلافاته  ..

 ولذلك غالباً ما نجد جدلية الفهم وخلافاته حول أي قضية من قضايا الفكر العقائدي بشكل خاص ظلت  ترتكز على تسطيح المنطق الدغمائي للشواهد النسبية والتي يستحيل أن تؤسس بالضرورة  ثبوت الحقيقة المعرفية لهذا الرأي أو ذاك أو الوفاق على رأي يتعارض مع اتجاهاتها.. 

كما أن إشكالية الفهم المتعارض قد لا تقتصر وحسب على مجتمعات بعينها أو على الطبقات الوسطى أو الدنيا من عامة الشعوب محدودي المعرفة بقدر ما تشكل جسر الامتداد المتسلسل في التكوين البشري العام حيث تتجلى خطورته بين طبقة المؤثرين في كل مجتمع كرجال الدين والساسة والمثقفين والباحثين ورجال الصحافة والإعلام والكتُاب والعلماء والمفكرين والتي تعكس قناعاتهم طبيعة التأثير في الأوساط معرفة موجهة بتمكين الخلاف والاختلاف من تمزيق خارطة الواقع..

ولذا حين تحكمنا كملتزمين جدلية الخلاف والاختلاف في محاولة استيعاب وفهم قضية ما غالباً ما نجد أنفسنا أمام إضافة جديدة لحلبة الصراع الفكري دون الوصول إلى الحقيقة المطلوبة  ..

وهو الأمر الذي نستنج من خلاله على أن شواهد الخلاف أيضاً لا تعني بالضرورة  أن قضايا الفكر الغيبية أو النظرية هي حقائق نسبية يستحيل إثباتها أو الوصول بشأنها إلى صيغة مؤكدة  يلتقي حولها الجميع، وإنما تعددت الآراء في غياب الحقيقة القائمة على الدليل والبرهان القطعي في ثوابت العقل وقرائن الإدراك والتفكير بحججه وأسانيده الكاملة ..

وعلى بيد الفهم المتعارض فنحن كثيراً ما نختلف ونخوض معارك جدلية حول قضايانا الإنسانية والمصيرية.. وقد نقحم أنفسنا في موضوعات مثبتة علمياً دون فهم أو  إطلاع نستقصي فيه توثيق تصوراتنا للأحكام والقراءات معرفة صحيحة أو متوافقة مع الاستنتاج العقلي الثابت بحججه وأسانيده..

وكنتاج ذلك تعودنا على أن نعيش رحلة الحياة شبه سديم مظلم يذوي بنا في لج العتمة سفر عناء مسترسل لا نعرف من كهنه سوى الظلال الموسوم بهامش الإحساس بوجودنا على سطح كوكب يحتوينا وتمنحنا طبيعته هبة السماء في مقدرات الأمان والبقاء  فنبادله العطاء بنخر وتمزيق أوصاله وتدمير كل مقومات الحياة في وجوده ..

وحين نبحث عن حقيقة ثابتة لخلفية وجودنا على سطحه تحكمنا غريزة اللاوعي الارتباطي بطبيعة تكويننا المتشابك أن نسترشد بعفوية الاستيعاب المحدود لحصيلة التجربة التقليدية المستقاة عن المحيط العقائدي والثقافي وتصنيفها حقائق ثابتة تهيم بنا في ضالة الجهل مفترقاً يسوسه التفرد الواهم بالخصوصية قاعدة للتمكين المتشابك حول احتواء الغاية في السيطرة عليه والاستحواذ على مقدراته بالغلبة والقوة والارتقاء بوسائل وأدوات الصراع لقتل بعضنا البعض وتدميره دون استدراك معنى وجودنا فيه جزءاً من منظومة وطبيعة تكوينه الموازي لامتداد بنية الحياة في تكويننا قرينة متصلة بعناصر وقوانين وجوده واستيعاب الفكر الذي يحكم علاقاتنا صيغة مماثلة لأدائنا وفاعليتنا في الجسم الذي يحتوينا ويؤطر سلوكنا بالسرطان الذي يستفحل في نسيج أعضائه  نحو تقريب النهاية  المفترضة للحياة ..

ولعل الإنسان اليوم بعد أن بلغ تطور العلم أقصى مدى في اكتشاف أبعاد الكون وأسراره أدعى بأن يستند في منهجيته واستدلاله على الحقائق المعرفية والعلمية الثابتة دون الاحتكام لعاطفة النشأة والتكوين البيئي والطبيعي أو الالتزام العقائدي الثابت للموروث بما يحمل في وعيه من أحقاد وصراعات وأخطاء وجهل وأكاذيب..

ذلك أن المشكل لا يكمن في غموض الكون بخلفيته المتشابكة في محاولة توظيف كل دين لمشروعيته الإلهية وإنما يكمن في جهلنا بحقيقة الوعي في تكويننا كبناء متجرد بتوثيق التجربة الانطباعية لسلسلة المفاهيم المتشابكة قرائن للاستيعاب المقيد بنطاق حدوده ومكوناته..

فالإنسان الذي عاش غمار التجارب المعرفية بمراحل تطورها المتدرج في صياغة الحضارة المادية ظل على مدى القرون المتلاحقة أبعد ما يكون عن فهم حقيقة تكوينه الواعي محكوماً بحصيلة استيعابه المتشابك في ترجمة كل ما يدور حوله ..

وفي حاجته لفهم خلافه مع الآخر من وعيه المتجرد باختلاف تكوينه المعرفي هو لاشك السبيل الأمثل لاستيعاب طبيعة التناقض الذي يحكم معايير الخلل في بنيان تكوينه قرينة لتركيبة الواقع بانحرافاته المتوازية مع تقييد مقاصده وعلاقاته بمصيره المتعثر في رحلة الحياة ..

وبمقتضى توثيق إشكالية الخلاف والاختلاف لاتساع وتشعب نطاق المعضلة فقد وقف تشخيصنا للمعالجة النظرية على دراسة وتحليل مفاصل الفهم من واقع المقارنة والقياس بمفارقات الاستيعاب كنتاج متأرجح يقتضي مراجعته من خلال الاستناد على محاذير الالتباس المحمولة على توثيق القصور والنقص والجهل والشر دليلاً شاهده في توضيح هذه المسألة أن الإنسان بحد ذاته ليس أكثر من مجرد وعاء قابل للتشكل المعرفي بالعلم والجهل والخطأ والصواب والصحيح والفاسد والصدق والكذب المحمولة على توثيق التناقض المعرفي لعدم التثبت باليقين..

وفصل اليقين في هذه المسئلة  أن كل فرد بما أمكن له أن يكتسب من معارف وتجارب تراكمية فهي في معادلة تكوينه لسان حال كيانه واتجاهاته ونطاق وعيه وحضوره في قراءة واستيعاب الآخر في سياق تمثله للمقاصد والقناعات الارتباطية بعوارض النفس وعلاقاتها المتناقضة الموازية لمحدودية الاستجابة في التواصل..

وتلك هي المعضلة التي عايشتها واقعاً من خلال تجربتي الخاصة في طرح واستعراض قضايا الحقيقة والعقيدة مع العديد من المهتمين وحكمت وجهتي في محاولة استيعاب أزمة المعرفة من أفق الحقيقة المتباينة في منازعات الفكر العقائدي والمعرفي الذي يحكم اتجاهات السواد الأعظم في غالبية المجتمعات ، فيما خلصت قراءاتي للواقع المتشابك  إلى محاولة تفكيك معضلاتها من منافذالفهم المتداخل بين إشكالية العقل والمعرفة المتباينة في عشوائية الاستقراء النظري المحمول على عقلنة النفس للتجربة الانطباعية كمصدر لاختلال الوعي في تركيبة الواقع ..

الحقيقة بين إشكالية الوعي والعقل والمعرفة

كثيراً ما نعيش عشوائية الحياة واقعاً مفترضاً يمضي بنا في درب مجهول لا نعلم عن كهنه شيئاً  سوى ما ورد إلينا عن توثيق الآباء والأجداد لتناقضات الوعي المتأصل بهيمنة الظروف والأحداث على مسار العلاقات والمصالح المتضاربة وإفرازاتها التلقائية لعوامل الصراع المعزز بطبيعة الارتهان للمؤثر العقائدي والمعرفي والمتصل بموروث التجارب الزمنية المتباينة بين الشعوب والتي غالباً ما نستقي عنها معارفنا وقيمنا وأعرافنا وتقاليدنا وتعاملاتنا كمسلمات  ثابتة نؤصلها بالحقيقة دون أن  يستوقفنا التفكير والتأمل في صحتها قياساً بنتاجها الزمني والمطلب الضرورة لاستقرار وجودنا في الحياة..

وحين نبحث عن خلفية الإشكال الزمني بتبعاته المتجذرة  نجده وثيق الصلة بما تعارفت البشرية عبر مراحل تطور الوعي على شخصنة الإنسان بالكائن العاقل توثيقاً لخصوصية التميز عن غيره من المخلوقات النوعية مع ثبوت اقتران الجدوى في تمثله للإدراك وسيلة لاستيعاب واكتساب المعرفة ركيزة لبناء القدرة المتعامدة مع اكتشاف الوسائل الكفيلة بحماية وجوده والارتقاء بمقدرات الحياة صلة بتمكينه من التفرد بالسيطرة على كوكب الأرض..

بيد أن هذه الصفة قد تتماهى جملة وتفصيلاً أمام محاولاته المتعثرة في استيعاب معضلة الحياة  بتناقضاتها وغموضها وإشكالاتها الزمنية والتي ظلت ولا تزال تتمحور حول فرضية تشخيص آلية تكوين العقل ووظائفه في اكتساب المعرفة كمسألتين متلازمتين مع تجسيدالواقع لمفارقات الوعي المتباين في طبيعة التشكل بعشوائية المؤثر التراكمي وانعكاساته على تعقيد مجمل القضايا المرتبطة بتوثيق تناقضاته لأزمة المعرفة  بتبعاتها في صياغة الظروف والأحداث المتسلسلة في حركة التاريخ دون الوصول للحلول الكفيلة بمعالجة إشكالية استقراره في الحياة ..

وكنتاج لمحصلة الواقع تتجلي الإشكالية بوضوح في غياب أو تغييب العقل كمعيار للخلل في التركيبة البشرية تلتقي أسانيده عند تأصيل الإنسان للفكر الملتبس بقضاياه المتعثرة في التجارب الزمنية (معرفة) افتراضية أرست ضالة العقل على شخصنة الاستيعاب المتباين لقضايا الفكر مفترقاً للتسطيح المتعارض صلة بتوثيق خلافاته لعشوائية التشكل المتناقض حقيقة نسبية استقام بعاضدها تقييد سيكولوجية التفاعل المشترك بمخرجات الواقع قاعدة منهجية لصراع الاستحقاق..

وتبيان الشاهد في هذه المسألة  أننا حين نبحث عن طبيعة المعضلة الزمنية لمشاكل الإنسان المتصاعدة في تعقيد واقع الحياة سنجدها وثيقة الصلة بغياب العقل وتسطيحه المنظور بعقلنة النفس للمعرفة الانطباعية مناهج خلافية متجذرة استحكمت  تناقضاتها بتعزيز مكانة الجهل والشر في الامتداد والسيطرة على جسور ومنافذ الحياة ..

وباعتبار إشكالية الحقيقة ارتبطت عبر تحولات العصور بمعضلتي العقل والمعرفة كقضية متداخلة في التشكل المزدوج فموضوعية الخلل في تركيبة العلاقة بين الإنسان وقضاياه المتعثرة  ظلت تسيرعلى هدي مراحل التكوين المتدرج لمتغيرات النفس بسياقاتها المتجذرة والتي سنعرض لها بالتفصيل في الجزء الثاني من الرسالة وتضليلها تحت عنواني انطولوجيا العقل ونظرية المعرفة فيما نخلص تحليل مواطن  الإشكال في الثلاث المسائل ومعالجة قضاياها في الآتي :

1- إشكالية  اختلال الوعي

تحتل مسألة تكوين الوعي جذر الإشكال الزمني المتشابك بطبيعة الارتباط بالمشكلات والظروف والأحداث التي صاغت علاقة الإنسان بالوجود على التدرج المتأرجح بين التطور والجمود لتحولات النفس البشرية من الطبيعة الحيوانية إلى التشكل البدائي فالقبلي فالمدني المرادف للتحضر والتي غالباً ما نرى طيف الجذور  لاتزال حتى لحظتنا  الراهنة تحكم اتجاهاته..

من هنا كان استيعاب الإنسان لعلاقاته وما يدور حوله من تفاعلات وأحداث ومتغيرات ومشاكل وأزمات مرتبط بتكوين الوعي بوصفه مناط التأسيس المقيدبالتجربة النمطية التي يستقيها من ثقافة وسلوك المحيط المستقيم أو المنحرف كنتاج لاختلال موازين العلاقات والمنعكسة مبدئياًعن تأثير الظروف والمصالح على طبيعة التركيبة المتناقضة في تفاوت المعاييربين الأفرادفي كل تركيبةاجتماعية بامتدادعلاقات الشعوب في التعاطي مع القضايا المشتركة.. 

وبناءً على ذلك يترجم الوعي طبيعة الخلل في تأرجح مفارقات التركيبة النفسية للأفراد كانعكاس للأمراض الاجتماعية والتي تشكل بدورها نطاق التجربة الزمنية لمنظومة العلاقات في الحضور والتأثير الماثل بتقييد السمات لانطباعات التعاطي مع القضايا والمشكلات بمعايير الاستيعاب..

ولذلك يمكن تشخيص بنية الوعي السليم في تكوين الأفراد بامتدادالمجتمعات من مفارقات الاستيعاب والتفاعل مع الظروف والأزمات والأحداث والاتجاهات والتحولات المرتبطة بتطور النظم الاجتماعية واتجاهاتها القياسية نحو تعزيزتوافقات السلوك المنضبط في تعاملات الحياة كالتحلي بروح الوفاق والمحبة والخلق الرفيع والصدق والأمانة والإيثار والالتزام بتطبيق القوانين واحترام حقوق الغير وحرياتهم والحرص على نظافة ومظهرالبيئة وغيرها من العوامل الرافدة للتعايش الآمن ..

وتلك مع ندرتها في الشعوب المتخلفة وتأرجح حالاتها في المجتمعات المتطوره إلا أنها كمعيار لتطور المجتمعات البشرية في استيعاب القيم المشتركة لمنظومة العلاقات لايمكن فصلها عن تلاقح بعض المؤثرات النسبية والمحدودة كنتاج لروافدالتواصل الحضاري مع الشعوب والتي غالباً ما تظل راسخة في طبيعة الفردوالمجتمع  إذا ما فرضت  تحولات الواقع عوامل التغيير..

وفيما تختزل قضية اختلال الوعي المساحة الأكبرفي تركيبة الشعوب من حيث ارتباطها بالقاعدة الاجتماعية الواسعة وانحسارها في النطاق المحدود بالمؤثر التقليدي والموروث الجامد بمعتقداته وتقاليده وأعرافه،  إلا أنها غالباً ما تتشكل في الاتجاه العام كنتاج للظروف المعيشية الموجهة بتغييب السلطات للقاعدة الاجتماعية في الهم اليومي بالإضافة إلى تطويقها بالمفاهيم والقيود ومظاهر الخصوصية التقليدية التي تستحكم بطبيعة الواقع وعنها تبرز التركمات المحمولة على ترسيخ المؤثر لاتساع مساحة الجهل والتخلف مروراً بانعكاس مفارقات الوعي على تفشي مظاهر البطالة والفقر والفساد الأخلاقي وعنها يتحلل النتاج إلى عوامل التفكك والصراع بتبعاتهما في تعميد مواطن الخلل المتدرج من أعلى السُّلم الاجتماعي حتى قاعدته ..

وباعتباره جذرالتأسيس فمقياس حضوره في خارطةالواقع ظل وثيق الارتباط بالجهل المتعامدمع تطويق منافذ الإدراك بالاستيعاب المحدودلقضايا الوجود والحياة ليس وحسب في تركيبة الطبقات الدنيا لكل مجتمع وإنماغالباً ما يتخطاها إلى طبقة المثقفين والعقول التي بلغت من العلم مرتبة  الإبداع والتمكين من اكتشاف وسائل وأدوات الارتقاء بالحياة ..

وما نرمي إليه في هذا الصدد هو أن بنيان الوعي في تكوين الشخوص والمجتمعات لا يمكن أن يقاس بحصيلة العلم والمعرفة في ميزان توافق القدرة على الإنتاج الفكري مع اتجاهات الوعي بقدر ما يستقيم قياسه بسلوك الأفراد والتزاماتهم الأخلاقية تجاه الغير كمسألة مترابطة مع تمثيل االتفاعل والأداء  لعوائد النتاج  على طبيعة  الحياة ..

ولذلك كان بناء الوعي سابق لبناء العقل والمعرفة من حيث ارتباطه بعوامل التنشئة والتجربة الارتباطية بالمحيط والتي تؤسس بدورها بنية القاعدة الروحية المنوطة بتوجيه الاستيعاب والتعاطي السليم مع قضايا الوجود المشترك في منهج الحياة ..

2-  إشكالية فهم العقل

تعد معضلة فهم طبيعة تكوين العقل وأدواته من أهم القضايا العالقة في شتات الفكر الإنساني بقراءاته المتشابكة بين الدين والفلسفة والعلم وتفرعاتها المتجذرة والتي برزت كنتاج لانحسار تضليل المفهوم في نطاق ترجمة المناهج لمتغيرات النفس حيث ظلت معالجاته تدور حول تشريح آليته بعيداً عن استيعاب وظائفه للعلاقة المحورية بين انطولوجيا العقل والوجود قرينة للتمييز والأداء المتوازي..

والقضية في متاهة الإشكال النظري أن تفكيك معضلة العقل وقفت على خط المحاولات التوفيقية بين من يرى ثبوت المعرفة في الحس كمعيار للتجربة ومن يرى بالمعرفة الفطرية علة جوهرية لاستيعاب الذهن وقراءة ما يدور حوله وآخر يرى أن المعرفة تعتمد على نور الطبيعة الفطري الذي يتيح لنا رفض الاستجابة لتضليل الحواس ويكشف الغطاء عن بنية الواقع الجوهرية..

وتلك القراءات في رأينا رغم إمكانية القبول النسبي بخاصية كل منها في تمثيل جزئية ونمط التشكل المعرفي (الفطري والعقلي والحسي) إلا أن كل قراءة على حده يستحيل أن تؤسس حكماً على تقييد المعرفة البرهانية إذا ما وضعنا في الاعتبار القيمة الاعتبارية لتحقق العقل بالمعرفة المثبتة كحقيقة مسندة بالحجج والبراهين..

وعنها يتبلور  مبدأ الإشكال في انعدام وجود صيغة توافقية على مفهوم العقل تلتقي حول توصيف المعنى لوظائفه المتدرجة من اختزال القضايا الفكرية إلى التمييز والإدراك السليم إلى استيعاب المعالجات لقواعد المعرفة الصحيحة الرافدة لتأسيس مقومات الشراكة الإنسانية في الوجود الواحد والمنوطة بتشخيص أنماط العلاقات والروابط والمقاصدوالغايات وضوابطها الأخلاقية..

وهي القضية التي انعكست على توثيق المعنى في حدوداختزال كل فرد لطبيعة التشكل المتباين وتقييده بصيغة العقل مفترقاً لتسطيح قضايا ومعضلات الحياة والتي ظلت تحتل موقع الجذر الزمني للإشكال المتعذر تقويمه في سياق توثيق القصور في إمكاناته قرينة لمحدودية القدرة على الاستيعاب المتلازم مع توظيف اتجاهاته لتوسيع قضايا الخلاف والتصادم الفكري والارتقاء بوسائل وأدوات الصراع ..

وتضليل القصدأن ما أجيزفي توافق البشرية على توصيف الإنسان بالكائن العاقل لم يستندعلى توثيق القيمة من توظيفه ركيزة لخصوصية التميز النوعي المنظور بجدوى استيعاب العقل لوحدة العلاقات المشتركة بمنظومة الوجودوالحياة قاعدة بناء صلة بتمثيل حضوره وتفاعلاته للسمة المنظورة بتوثيق أنسنته للتجردعن الطبيعة الحيوانية في التعاطي بروح المسئولية والحكمة والتعقل في معالجة القضايا وتقريرالأحكام وفق توازنات القاعدة الوفاقية لانتظام علاقاته مع المحيط العام..

وتحليل هذه المسئلة يستوقفنا بداية أمام تساؤلات افتراضية قد يكون لاستدلالنا بها حكم الشاهد المعرفي على معنى وصفة العقل كقيمة وظائفية لاستيعاب الأهداف المنوطة بتمثيل أدائه  منها على سبيل المثال:

-  هل العقل بالمفهوم العام سمة فردية دلالته تنحصر على تمثيل الوعي الذهني والحسي للإرادة الذاتية في توجيه فاعليته وتعاملاته؟  أم علة تجريدية لاستيعاب كل فرد للمعرفة النسبية والتعاطي بها في تمثيل روابطه وعلاقاته المحدودة؟ أم سمة مشتركة للمعرفة بأسس وقواعد التعايش الأخلاقي والتفاعل المنضبط في جدوى انتظام تعاملات الحياة؟

وبمعيار تجريدنا للواقع ومجازاته الافتراضية في اقتران الإنسان بصفة العقل دون غيره من الأجناس النوعية قد تحكمنا المقاربة المنطقية أن نستًوعب الإجابة على تلك التساؤلات من منطق القياس بموضوعية النتاج وتضليله في سؤال:

_  ماهو معيار العقل في دلالة التميُّز البشري عن سائر المخلوقات الحيوانية ؟ وهل بلغ الإنسان من النضج مع تعدد واتساع دائرة المعارف وتطور الوسائل والأدوات ما يرقى بوعيه إلى مستوى الإدراك والقدرة الذهنية على تجاوز الطبيعة الحيوانية في سلوكه وأدائه؟  إذا ما جاز لنا أن نستقصي معالم الخطأ والصواب في تجاربه الزمنية واقترانها بسلوكياته  !..

وتلك بقضاياها المتعددة تلتقي معضلاتها المتصاعدة عبر حركة التاريخ عند تغييب أو تعطيل العقل كقيمة مجردة بتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات في تحصيل المعرفة  وتمحور إشكالاته في أربع  مسائل متصلة ببعض هي :

المسألة الأولى :  تعطيل  قاعدة العقل

الأصل أن توصيف الإنسان بالكائن العاقل له في دلالة الإسنادمعنى تخلق الفرد بالوعي المنضبط في استيعاب توافقاته  مع المحيط المضمر باقتران الصفة بالحكمة والقدرة على موازنة الأمور والتحكم بردود الأفعال تجاه الغيرفي تعاملاته واستيعابه لقاعدة  الشراكة الأخلاقية في الحياة..

 وتلك القاعدة سبق وأن استوعبها الإنسان منذ بداية التاريخ في(القيم والمبادئ وفضائل الأخلاق) بوصفها ميزان الوفاق الثابت بتأسيس مرجعيتها لوحدة العقل الجمعي ركيزة للتواصل والتمييزالفاصل بين متناقضات الخيروالشروالعلم والجهل والحق والباطل والصدق والكذب والصواب والخطأ صلة بتوثيقها معاييرللمعرفة بالثوابت والمتغيرات .. فيما تلازم تعطيلها مع تشكل الوعي العام بمظاهر التفكك والصراع وتبعاتهما الموجهة باعتماد النظم السياسية لعشوائية التنشئة المتداخلة في توثيق الضدية لمفارقات التكوين المتباين قرينة لشخصنة العقل..

من هنا اقترنت قيمة العقل في تكوين الإنسان باستيعاب منظومة البناء للقاعدة الوفاقية عقداً شرطياً لها صفة الدليل المدون والمترجم لانتظام العلاقات والروابط المتسلسلة حضوراً بتمثيل وحدة الكيان البشري للتواصل المنضبط على توجيه السلوك والتفاعل المشترك نحو التطور والارتقاء واحتراز المعرفة المستقيمة قاعدة عقلية لانتظام روافد الخير واستقرار الحياة..

وقراءة الالتباس في تقييد المعنى أن ثمة فارق بين الوعي والعقل من حيث اختزال الوعي للتجربة الانطباعية المتصلة بتصفيف التداخل المتشابك لمتناقضات الواقع قرينة ارتباطية بتقييدالقاعدة الروحية بمؤثرات التطبع النفسي المتجرد بسمات التراكم وبين وظيفة العقل كرجعية لاستيعاب توافقات البناء للمعايير الثابتة للإدراك والتمييز في توثيق أسس ومرتكزات المعرفة الصحيحة..

ولذلك كان الثابت في اقتران الإنسان بالعقل منظور بتأسيس بنية الوعي الحسي والذهني للقاعدة الوفاقية مع الوجود  صلة امتداد بالعقل الجمعي كمنظومة مشتركة لوحدة العلاقات والروابط المتسلسلة بين الجنس البشري المتناسل عن الأبوية الواحدة في خارطة الوجود الواحد..

المسألة الثانية:  تجميد العقل في المقدس

وهي القضية التي انبثقت عن تعطيل قاعدة العقل وتشكلت في ضوء تضليل صورية المعرفة بوجود الله بأحكام وقراءات النصوص المتناقضةفي توظيف مشروعيته كمسوغ لتوثيق الفكر بملحقاته بالقداسة المتجانسة وإحاطتها بالحواجزوالقيودالمانعةللتفكيروالمراجعة والقياس صلة بتأسيس العلاقة الشرطية بين الإنسان والرب باحتواء الخوف من المجهول في الثواب والعقاب  وتطويقهما بالإدانة الجبرية والطاعة للبلغين والالتزام بمعتقدات ومنهج الدين..

وتفسير المعنى أن تاصيل قداسة الفكر الديني استقام على تطويق العقل البشري  بأربع معضلات  هي:

1- تضليل النصوص الدينية بالعقل الكامل بموازاة توثيق مرجعيتها الإلهية لقصورالعقل البشري كمرتكز لاستلاب الوعي التبعي وتجميده في حدود الارتباط بنطاق الهوية والتسليم الأعمى صلة بتصدره لتعميق  التباين المعرفي للخلاف والاختلاف قاعدة لسباق  الاحتواء .

2- تطويق القداسة الفكرية لمنافذالقصور والتناقض والجهل والشر الوارد في النصوص وقراءاتها العائمة في تسطيح الخيال الميتافيزيقي للغيبيات والمعجزات والخوارق والسحروالشعوذة معرفة لاهوتية  تتنافى مع الواقع.

3- تقييدالقداسة النصية بالتلاوة المجردة بترسيخ التطبع بمسوغاته صلة بتعزيزحواجز الفهم والاستيعاب في المحاذير من وسوسة الأفكار  الشيطانية المانعة للعقل من التفكير بمتناقضاته  .

4- تأسيس القداسة الفكرية للجهل معرفة إيمانية تلازمت مع تقييد النفس بصفة العقل المتناغم مع توجيه قدراته في حدود الاجتهاد التفاضلي صلة بتعميدمشاريعه للانقسام والتشظي في كل دين.

5- تصدير القداسة الفكرية للعصبية الموغلة في تعميق الكراهية والأحقادللعداء التاريخي المسترسل في إشعال الحروب بين الأجيال بالتعامد مع تمزيق الهوية الإنسانية الواحدة ساحة متجذرة لصراع  الاستحقاق.

وتلك حين نستقصي قراءة وتحليل معطياتها الزمنية سنجدها تشكل الحاضنة الرأسية لامتداد الخلل في تركيبة الوعي البشري بشكل عام كمعيار لتطويق الدين لمنافذ العقل المرادف لترسيخ هيمنة الجهل والتخلف على جسور الحياة واتساع مساحة  الشر في تحولات العصور ..

المسألة الثالثة :  أنسنة  العقل

قد تلتقي غالبية البشر على أن ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية معلوم بتفرده بالعقل وهي الصفة المتلازمة مع توافق الفكر الديني على أن الله خلق أبونا (آدم)على صورته فيما يتجاوزها في تغييب العصيان كمبدأ للانحراف عن المعرفة بالأسماء إلى توثيق الخطيئة للنزوع لغواية الشيطان كقرينة لضلالة النفس في تسويف الاقتراب من الشجرة المحرمة وقطف ثمرتها  ..

وتبيان المعنى أن مسألة أنسنة العقل من حيث اقترانها بالأب وتجرده بالعصيان لم تستثني توثيق الشاهد في انحرافه فقط بقدر ما تلازمت في انحراف الأبناء صلة امتداد الخطيئة والتي تبرز بوضوح في تشخيص غياب العقل للجهل المتأصل بتعزيز تطلعات النفس الحيوانية للتفرد بالسيطرة والاستئثار بمقدرات الحياة وتجردها بالغرور المتسامي بتجسيد همجيتها لقوانين الغاب..

وما نستوخي توضيحه حول هذه المسألة أن شخصنة العقل في تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات النوعية وإن تلازمت مع توثيق نتاجه الزمني للارتقاء بوسائل الحياة ،  إلا أن القضية الأساس التي ارتبطت بأنسته هي مسألة تشخيص وظيفته للمعرفة المتصلة  بتأسيس منظومة علاقاته كصلة باستيعابه لمجمل القضايا المتمثلة بمنهج الحياة والتي نجدها في الاتجاه العام ظلت خلف دائرة الضوء تحتكم للطبيعة الحيوانية في تقييد سيكولوجيته بالجذور الزمنية لمحاذير التناقض والصراع وتماهي سطحية التفوق في الارتقاء بهمجيته إلى مصاف التهديد والخطر الموجه لتقويض وجوده المتعامد مع هدم الحياة..

ولعل في ذلك ما يصل بنا إلى حقيقة مثبتة هي أن القضية الغائبة في إشكالية التاريخ البشري بمجمل صراعاته وأحداثه ومعضلاته تلتقي جسوره عندتأطيرالوعي المتناقض بوظيفةالعقل قرينة ارتباطية بتوثيق التعددوالاختلاف لانطباعات النفس  الغوغائية  في التعاطي والالتزام بالجذور الزمنية لبوهيمية الصراع..

وباعتبار أن مناط العقل في الإنسان بناء منظور بتجسيدحضوره لصلة الوصل بالوجود بوصفه الأداة الرابطة بين منظومة العلاقات الكونية وتوافقاتها المعرفية فحكم تقييده بالتعدد والاختلاف في  شخصنته المتناقضة لطبيعة تكوين  كل فرد هو لاشك  يتنافى شكلاً وموضوعاً مع تمثيل وظيفته للهدف من تمكينه كأداة للتواصل والاستيعاب  والتمييزالمعرفي السليم..

  وهو الأمر الذي يضلل الالتباس في توصيف الإنسان بالكيان العاقل بتمحور المفهوم في حدود التقييد والاستيعاب المتناقض لكل فرد دون النظر إلى سياق المعنى من وظيفته كأداة مترابطة بين تأسيس الوعي لصلة الوصل بالوجود واحتراز الغاية من تمثيل شخصنته بالإنسان كمناط لتتشخيص علاقاته وروابطه المشتركة في مشروع  الحياة ..

المسألة الرابعة : عقلنة  النفس

وهي المسألة التي تلازمت مع اختزال صورية العقل في التعددالمتباين وبحيثيتها اقترن التجويز بتأصيل الدين للإعتقاد النفسي قاعدة لتثبيت اليقين استقام بمعيته تضمين الفكرالإنساني بميادينه المختلفة للقناعة والتأثر الانطباعي معرفة نسبية..

ومحور الإشكال في هذه القضية أن ما يصدر عن عقل النفس من أفكار وتصورات يظل محصوراً في نطاق تجربة الفرد وانطباعاته الخاصة والتي غالباً ما تتشكل بمؤثرات المحيط وتنعكس على تمحور التأثير في حدود التقارب النسبي بامتداد تلاقح ثقافات الشعوب  بيد أنه لا يخضع لقاعدة العقل الجمعي وتوافقاته على ثبوت صحته..

وتلك إذا ما أمعنا النظر فيها بعمق سنجدها تصل بنا إلى حقيقة واضحة قراءتها في تشخيص الالتباس أن الإنسان حتى لحظتنا الراهنة لم يبلغ مرتبة العقل وأن كل ماوصل إليه من كشوف ومعارف وتطورات قياسية هي في الغالب تندرج ضمن عقلنة النفس للصراع المتدرج من مواجهة ظروف الحياة  إلى التقيد بقوانين الغاب في محاولة تقويض الأجناس التي استشعر في تفوقها تمثيل الخطرعلى بقائه إلى تنمية وتطوير وسائل وأدوات السيطرة على الوجود إلى اختزال الهدف في الارتقاء بموازين القوة  وتوظيفها للاستئثار بمقدراته في منازعاته مع أخيه الإنسان..

وتبيان الشاهد في هذه المسألة أن كل قضايا ومشاكل الإنسان في الحياة بمختلف تعقيداتها ومعضلاتها المتعثرة لم تكن سوى نتاج طبيعي لغياب العقل أو  بمعنى أصح  تغييبه في عقلنة النفس لمحدودية الاستيعاب المتناقض معرفة  ملتبسة بتأسيس التباين قاعدة تقليدية استحكم نتاجها الزمني بتفكيك وتجذر الكيان البشري الواحدإلى هويات عرقية وسلالية ومعتقدات وطوائف ومذاهب وعصبيات في الاتجاه المتزامن مع تطويق الوعي في كل محيط بالارتهان لمفاهيم الواقع المتشابك  ..

وهو الأمر الذي عكس نفسه على طبيعة توظيف المعرفة النسبية كنتاج لتوجيه قدراته وإمكاناته في الاتجاه الموازي لتقييده بمتناقضات النفس البشرية في التشكل والتي أرست بدورها معضلة التجذر والصراع قاعدة منهجية لاختلال التوازن في منظومة الوجود الواحد..

ثالثاً:  الحقيقة والمعرفة 

قدلايكون هنالك من شك أن حركة التاريخ بأحداثه وظروفه وتحولاته وتجاربه ومعتقداته ومعضلاته المتعثرة في محاولة استيعاب مقاصد واتجاهات روابط وعلاقات وقيم الإنسان الاعتبارية في معادلة الوجود تلتقي جسوره ومساراته عند إشكالية المعرفة بالحقيقة كمتاهة فكرية متشعبة ترجمت تبايناتها الخلافية تماهي اختلال الوعي في تشخيص ومعالجة قضايا وتعقيدات الحياة وصولاًلاحتواء العجزوالقصور والنقص والشر في التناقض والغموض واختزالهما قاعدة كونية ظللت تبريراتها توظيف الجهل معرفة  أرست بدورها متاهة التجذر والفصام وحاجز  القطيعة في ساحة الصراع والانقسام..   

وباعتبار قضية المعرفة بالحقيقة هي قضية استيعاب الإنسان لمعنى وجوده ومصيره في الحياة وما بعدالحياة فقدتعامدت إشكاليتها مع اختلال فهم طبيعة تكوين العقل بسياقاته المتدرجة من تشكل الوعي إلى تجذر مفارقاته في الاستيعاب إلى إفرازات النتاج المتشابك للقضايا والمشكلات المتصاعدة في التعقيدإلى تجسيد الواقع لطبيعة تناقظاتها قاعدة حياة ..

ولأن بهو المعرفة واسع سعة الوجود بمظاهره وتجاربه وعلاقاته وقضاياه ومعضلاته فإشكالاتها ترافقت مع ارتباط الإنسان بالجذور الزمنية لعوامل التشكل بالمؤثر القياسي على طبيعة كل بيئة واختزاله لعوارض الخوف من المصيرالمجهول معتقدات تقليدية اتسمت بتجسيدالوعي المتناقض لخصوصيةكل محيط بموازاة انحسار التأثيرعلى محدودية التواصل كمعيارلاستيعاب هامش التدرج المعرفي للسباق الحضاري وتمحور اتجاهاته بين شرعنة التفاضل الديني للحق قاعدة للتفردوالاحتواء وبين انعكاس النتاج على تطويق الفرقة والشتات بين الجنس البشري الواحد بالجهل معرفة لاهوتية مقدسة حدودها الهوية والمصالح وضميرها صراع الاستحقاق ..

وتبيان المعنى أن إشكالية المعرفة إذا ما نظرنا إليها من خلال انعكاس النتاج الزمني على واقع الإنسان والحياة سنجدها ظلت عبر مراحل التاريخ تتشكل خارج نطاق  المعايير الثابتة للحقيقة والتي قل أن نستوعب في توثيق قضاياها للتباين المتعارض كمتغير فكري حكم اختلال موازين المعادلة الصحيحة للتثبت باليقين المعرفي المرجح بأسانيدوحجج الاستدلال..

 وفي ذلك ما نستخلصه كنتيجة هو أن للمعرفة الصحيحة ثوابتها المرجحة  بتأسيس مفاهيمها قرائن للوفاق على توصيفها حقيقة مؤكدة  يلتقي حولها الإجماع بحيث يستحيل أن تتجزأ إلى مقاربات نسبية أو تحتكم للقياس بمتغيرات الاستيعاب البشري وقراءاته المتناقضة باعتبار الشاهدفي كل من القرينتين يتنافى مع ترجيح صحة ومصداقية الحقائق .. 

وحول هذه المسألة قد تستوقفنا الكثير من الشواهدالقياسية بين ثوابت الوجود ومتغيرات المعرفة البشرية في الاستيعاب المتباين من حيث اعتبار كل ظاهرة مادية أو قضية معرفية حقيقة واحدة تتنافى مع اختلال بنية الوعي في تشخيص معادلاتها كما نراه في توافق الرؤية على أن لخلفية نشأة وتطور الوجود خالق واحدوأن للطبيعة الكونية في كوكب الأرض منظومة بناء واحدوكذلك انتماء البشرية للكيان والنسل الواحد فيما تختلف التصورات في توظيف متغيرات المعرفة للإله والدين المتعدد والخارطة الجغرافية للتشكلات الديموغرافية للسكان وتجذر الصفة الإنسانية في تعدد واختلاف الهويات ..

والقضية التي تستوجب أن نستقصي بموضوعيتها تفكيك مواطن الإشكال هي لاشك قضية فهمنا للمعرفة كقيمة وظائفية تختزل تجارب الإنسان وحضوره في تحولات العصور  قياساً بانعكاس نتاجه الفكري على واقعه ومصيره المتعثر في متاهة الحياة ..

ولذلك فإن مقياس فهمنا لقيمة المعرفة لايمكن أن يقاس بمساحة الفكر وميادينه وقضاياه ومشاكله وكشوفه بقدر ما يستوجب أن نؤسس المعيار بمدى ماوصلت إليه من نتاج عملي تترجم مكتسباته توثيق الأهداف المنوطة بتمثيل وظيفتها لانتظام واستقرار  الإنسان في الحياة ..

 وبديهية الاستدلال هنا لا يمكن النظر إليها كأمر واقع لا مجال لتغييره  بقدر ما يستوجب أن يكون للشواهد استحقاقاتها الموازية لفرضية استيعاب مكامن الخلل في طبيعة تكوين المعرفة البشرية بوصفها أرجوحة الإشكال الزمني المسترسل بتعميق متناقضاتها لتصاعد الأزمات والمعوقات المتجذرة  في تطويق واقع ومصير الإنسان بغوغائية الحياة ..

وتلك من حيث ارتباطها بمعضلات العقل فنتاجها الزمني أشبه بصيغة مماثلة لتكوين الفردالمتدرج من تشكل اللاوعي بالمتناقضات العشوائية إلى تحللها لمشاعر وأحاسيس وانطباعات  ذاتية إلى تفاعلها في العقل الباطن بردود الأفعال إلى توثيقها لمنظومة الروابط والعلاقات سمات أخلاقيةلمتغيرات الوعي في التكوين المتشابك  إلى اختزالها لسيكلوجية الفردقرينة موازية لسيسيولوجيا المعرفة في تمثيل مقاصدها للمعالجات الظرفية للقضايا المتداخلة  في تركيبة الواقع ..

وتبيان المعنى أن خلاصة المعرفة البشرية بقضاياها ومعضلاتها المتعثرة لا تمثل سوى النتاج العام لتحلل تكوين الوعي في التركيبة الإنسانية بإفرازاته المتدرجة في تشكيل طبيعة الواقع والمنظورة  في الآتي :

1-   اقتران المعرفة بذهنية الاستيعاب العشوائي  

وهي الإشكالية المرتبطة بالمراحل الأولى للاستيعاب المتداخل والتي تشكلت في ضوء اختزال اللاوعي لعشوائية القياس المتناقض بتراكماته مؤثرات انطباعية استقام بهاصياغة الوعي الذهني والحسي بطبيعتها المتشابكة قرينة لتأسيس القراءات والأحكام..

وتلك وإن تشكلت جذورها في سياق التحول المرحلي للإنسان من الطبيعة الحيوانية إلى التشكل بمبادئ الوعي في البحث عن الوسائل الكفيلة بحماية وجوده إلا أن وعيه بها تلازم مع تنامي متطلبات النفس البشرية واختزالها للخوف من المجهول والصراع المتسلسل من مواجهة عوامل ومظاهرالطبيعة الكونية إلى تشابك علاقته المتصاعدة مع أخية الإنسان قرينة لاستيعاب التداخل الضدي لمتناقضات الواقع معرفة ارتباطية بالمؤثروتبعاته..

وبرغم تطور المعرفة العشوائية في استحداث التجارب الوفاقية المحدودة وخلق الوسائل الكفيلة بمعالجة الظروف والأخطار والتي بلغت حدود تمكينه من السيطرة على الطبيعة الكونية إلا أن قراءاتها القياسية ظلت مقيدة برسم الانطباع الاحتمالي تهيم بين تسطيح العلاقات المحورية لأرجوحة المصالح والصراع وبين الارتباط بالموروث التقليدي وترسيخه في طبيعة النفس ثابتاً معرفياً للهوية والتي شكلت بدورها عائق الوفاق  في استيعاب قيم   وأخلاقيات الشراكة الإنسانية في الحياة..

ومحذور الاستيعاب العشوائي في النتاج الزمني للمعرفة وإن اقترنت جذوره بمعضلة الغموض كنتاج للتشكل المتداخل إلا أنه شكل حلقة الامتداد المتسلسل في تقييد الوعي بالفهم المتباين للقضايا وتجذر إشكالاته في توطين عوامل الصراع لانحراف قيم الشراكة في الحياة  بما في ذلك انطباع مؤثراته في تفكيك علاقات وروابط الوجود الواحد كما يترجمه الفكر الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وانحسار معالجة قضاياها في النطاق المحدود للأطر المتشابكة وعلاقاتها الظرفية..

2-  تطويق الواقع بالمعتقدات القدسية معرفة لاهوتية

وهي الإشكالية التي اختزلت المعرفة بشموليتها على مجمل قضايا ومعضلات الإنسان في استيعاب معنى وجوده قرينة لمتلازمات الارتباط بمقاصدالحياة المتسلسلة من تمثيل علاقاته مع مظاهر الطبيعة الكونية إلى توافقاته مع خلفيتها المضمرة بلاهوت القدرة في مرجعية الخلق والتكوين وترجمت عواملها تعطيل موازين العقل في تقييد النفس بالإيمان  ..

وتنطبق هذه الحيثية على تشكل الوعي بنطاق المعرفة المفترضة تجربة متلازمة مع تقييدالقدرة على الفهم والاستيعاب  في حدودالتسليم بما أجيز توثيقة مسلمات ثابتة لا تقبل القياس والترجيح كما نراها في تأسيس  الفكر الديني للأساطير والمعجزات والأهام والخوارق والقصص الخيالية والتي غالباً ما تتنافى مع معايير الواقع كقرائن مرجحة برسوخ الاعتقاد النفسي بصحتها استقام بعاضدها تثبيت الجهل معرفة لاهوتية واجبة التصديق والتمكين..

وتلك لو وضعناها في ميزان القياس والمقارنة لوجدنا غالبية الديانات إن لم تكن حميعها ارتكزت في تأسيس المعرفة الافتراضية بداية من ولادة المبلغ برسالة الدين حتى بلوغ الهدف على توظيف التفاضل في إسناد المعجزات والخوارق لكل منهم مجملة بتوثيق الروايات المنافية للواقع لقصص الأولين كقرائن ثابتة للاسترشاد بتجاربهم..

ومحور الإشكال هنا أن أزمة المعرفة في التجارب البشرية ارتبطت في سجل الحضور المتسلسل بالجدور الزمنية التي شكلت وعي الإنسان على هامش تقييد النفس بالمعتقدات المرجحة بتعويم الفكر الديني لقصور العقل عن استيعاب الممكنات دليلاً ترجمت مسوغاته  توظيف السائدفي ثقافة الواقع قاعدة لتعطيل الإدراك في تسطيح ميتافيزيقيا الخيال للشواهدحقائق معرفية ثابتة..

وهي القضية التي ظلت راسخة في عمق النفس البشرية وتجاربها الممتدة على مدى القرون المتلاحقة من حيث ارتباط عامة الشعوب بالدين إذ نجدتأثيرها لم يقف وحسب عند الملتزمين عقائدياً بقدر ما نراه لايزال يشكل جسر امتداد المؤثر على غالبية ميادين المعرفة بمافي ذلك اتجاهات العلم الحديث والذي غالباً ما نجده يستند في قراءاته ومعالجاته للمعضلات الكونية على الاستدلال بالاحتمالات النظرية المحمولة على مسلمات الفكر العقائدي..

3-  انعكاس غياب الحقيقة على تعطيل المعرفة البرهانية

ومعنى غياب الحقيقة هو ما نراه ثابتاً في اختزال الواقع لمتغيرات الفكر واتجاهاته الخلافية قرائن لتفكيك وحدة المعرفة في القراءات المتباينة سفر توظيف متبع استحكم نتاجه بتغييب المعرفة البرهانية في البدائل المعطلة للإدراك بمفاهيمها ودوافعها المتضاربة  في احتواء الهدف منها قاعدة للسباق المتجذر حول منازعات الاستحقاق المتشابك..

وهي القضيةالتي تلازمت مع استفراغ المعرفة بالحقيقة في عقلنة مفارقات الاستقراء النظري بالحقيقة النسبية دون النظر إلى متلازمات التناقض والاختلاف أو استيعاب الخلل في متغيراته مرتكزا للقياس بانعكاس النتاج على طبيعة الواقع ..

وبديهية الشاهد في هذه المسئلة أن للمعرفة بالحقيقة قاعدة وفاقية لها حكم الموازين الفاصلة بين الثوابت والمتغيرات كمعايير ترجيحية لكل منها أسانيده في توثيق عوائدالخير والشرعلى الإنسان والحياة ..

وكون الحقيقة تؤسس الثابت المعرفي فليس معنى ذلك أن يصبح تقييمها حكما ثبوتياً على القراءات النسبية لمفارقات العقول أو التشخيص المتناقض بمتغيراته في كل فكر وإنما ترتكز موضوعيتها على ثبوت المعرفة البرهانية في الوفاق على تشخيص  وحدة الفكر للهدف المنوط بتمثيل قضايا الشراكة في الحياة كمطلب لتمكين الإنسان من الأمان والاستقرار  ..

من هنا يمكن تشخيص إشكالية الحقيقة في المعرفة البرهانية من واقع التركيبة المتناقضة للفكر قياساً بتأسيس وحدة القضايا للغاية المشتركة قاعد لانتظام الحياة وبين انحراف توافقاتها عن المقصد الواحدفي توظيف المفاهيم الثابتة مقاصد للاحتواء ..

وتلك إذا ما نظرنا إليها من توافق الفكرالديني على أن للوجود خالق واحد تلتقي حول توثيق صفته بالإله نجدها تتخطى الثابت إلى المتغير في توظيف كل دين للوسائط بدائل قدسية صلة بتجريد الغاية من تمثيل وجوده مقصداً لتبيعيتها المشروط بجبرية الإدانة في الالتزام بمنهجيتها..

وعلى ذلك يتماثل القياس في خصخصة المفاهيم بداية من توافقها على تمثيل الإنسان للهوية الواحدة  إلى توظيف الهويات للمتغير صلة بتمزيق الوجود الواحد قاعدة لشرعنة التناقض والصراع وتماهي تطويق الحقيقة الواحدة باستحقاقات المحاذير والأسباب..

وحين نبحث عن تلك المحاذير والأسباب نجدها مترابطة مع طبيعة تشكل التجارب البشرية في كل محيط بالعوامل الظرفية لتشابك الواقع  بالتلازم مع توثيق الوعي الانطباعي للمتناقضات التراكمية شواهد ثابتة  ..

وفي ضوء ذلك تتعدد معوقات المعرفة بتعدد واختلاف القضايا المتشعبة في تشكيل مفارقات تكوين الوعي المتداخل في طبيعة النفس البشرية والتي سنعرض لها في سياق تحليل إشكالية الفهم فيما نستهل دراسة العوامل التي أرست تطويق الوعي بالمعرفة المتشابكة قاعدة للفهم المتباين..

وعن هاتين القضيتين تمحورت قراءاتي الأولى حول المقارنة التاريخية واسترجاع ما وصلت إليه البشرية بنتاجها الحافل بالفوضى والصراع المتسلسل بين الأجيال مروراً  بتصدر الواقع الراهن لامتداده في شتى مجالات الحياة وتشخيص الإشكال في قضية (الفهم) كمدخل للبحث عن الجذور التي أرست مفارقات الوعي المتباين في تركيبة الفكر المتشابك بتعميد الجهل معرفة فرضت تداعياتها هيمنة الشر على طبيعة الواقع وتحولاته المتدرجة من سيطرة أنثروبولوجيا الدين إلى تمحور الفكر حول فلسفة أنظمة الحكم وتعاطيها مع المعرفة كوسيلة للارتقاء بموازين القوة وصولاً إلى هيمنة برجماتية الاستغلال وتمكين الرأس المال من السيطرة على منافذ وجسور الحياة ..

وبيت القصيد أن لعلاقة الإنسان بالإله والوجود حقيقة واحدة وقضية محورية مشتركة هي نطاق الفصل بين قضايا الخلاف بمجمل قراءاته ومنازعاته العقائدية والمعرفية باعتبار مقومها الشرطي معلوم بصحة الجدوى الافتراضية لانتظام علاقات وروابط الحياة على قاعدة منهجية للوفاق تلتقي ثوابته حول مرتكزات الغاية من وجود الإنسان واستحقاقاته ..

كما أن حاجة البشرية لاستيعاب الحقيقة من عقدة الفهم المتشابك في ساحات  الخلاف هي قبل أن تؤسس حاجتها للمعرفة بمعنى وجودها في الحياة تلتقي جسورها عند قضية تحرير العقل من ظلامية  الوهم والعماء الذي عاشت على جهل غيبوبته عبر العصور عناء المشقة والصبر مسلوبة الإرادة والوعي بحثاً عن الأمان والاستقرار في صراع الحياة وفي مقاصدها ما يؤسس الهدف كرؤية منهجية للخلاص من الشر المتجذر في طبيعة الإنسان  والواقع مرتكزاً لانتظام علاقاته ووجوده ..

 وتلك إن جاز لنا تشخيص الخلل فيها بمقتضى استرجاع الشواهد الزمنية للفكر الديني بشكل خاص والمعرفي بشكل عام قياساً بمعطياتهما المتشابكة بتوثيق منازعاتها الفكرية لأحداث وقضايا الصراع فقي حضورها اليوم ما يعكس الصورة الواضحة بملابساتها المنظورة في تصدر الإنسان لعقلنتها واقعاً طبيعياً متلازماً مع تجسيد فرضياتها لتعزيز عوامل تجذر وامتداد الإشكال الزمني المتصاعد دليلاً يكشف ثبوت انحراف الدين وما تأصلت عن جسور امتداده المعارف من قرائن استقام بها تغييب العقل في هامش التسليم اللاواعي وتطبيع نزعاته الغائية منطلقاً لتهويم الحقيقة  في صراع الاستحقاق وخلافاته شمولاً بتوثيق الطبيعة الحيوانية المتجردة بالارتهان لقوانين الغاب ..

وغاية القصد في توضيح العلاقة أن مفهوم الحقيقة ظل مرتبطاً بنمط التشكل المعرفي المتعدد وقراءاته المتباينة على هامش الارتباط بالعقيدة وتضليلها بالهوية وقيودها النفسية والاجتماعية لطبيعة الالتزام الدغمائي للهوية قاعدة للعصبية والتي صاغت تجاربها في كل محيط وعي التسطيح النظري للمفاهيم والقرائن المتشابكة في ساحات الانقسام والتشظي ، الأمر الذي عكس بدوره تجريد القراءات العشوائية بصفة العقل وانحسار الوعي في تصنيفها حقائق نسبية كقضية ثبوتية تتمثل اختزال اليقين المعرفي في ثبوت الإيمان والتسليم ..

ومما لا شك فيه أن قاعدة التقييد الأصولي بموضوعية الاحتواء لم تكن لتحتكم للمعرفة الحقة كقاعدة مرجعية فاصلة تتماهى في سطورها القناعات بقدر ما تحتكم للتوظيف المتجانس للمفاهيم والانطباعات لكل كيان عقائدي واحتراز الجدوى في تمثيل التفرد في امتلاك الحقيقة كمرجعية احتمالية تسوسها مفارقات الانتشار والتأثير في معادلة توجيه الاستحقاق..

وتلك هي القضية المحورية التي أرست معالم التوجيه المعرفي للحقيقة وأسدلت الستار عن الفهم الصحيح في تعزيز مواطن الخلاف والاختلاف المتضارب خلال العصور المتسلسلة في تاريخ الإنسان للانقسام والتجذر والذي أرست خلافاته قاعدة الصراع المسترسل في انتاج الشر حتى يومنا هذا..

ولذلك شكلت مسئلة الفهم المعضلة الرئيسة التي ظل يتمحور في ظلالها مفترق الجدل وخلافاته حول مجمل قضايا الفكر الإنساني واتجاهاته المتعارضة في منازعات التعدد المعرفي المتباين وعلى وجه الخصوص حول تمثيل الحقيقة  والتي شكلت مشروعيتها عقدة الوفاق في خارطة التفكك والصراع ومفترق التعثر الزمني المسترسل بين أسوار  التجاذب والتمترس العائم  خلف أطلال الموروث وفلسفة التجديد المساند للتمحور حول دائرة الخلاف ..

والقضية في محور الاشتباك أن جدلية التعدد الخلافي في كلٍ من الاتجاهين الديني والفلسفي وقفت خلف دائرة  الاستيعاب للمبادئ والغايات في مرتكز فهم الحقيقة فيما انطبعت في الذهن المتناقض قاعدة تفاضلية للتمايز المتعذر بتوظيف المنطق في الفلسفة قاعدة عقلية والإيمان في الدين مناهج احتواء صاغ حضورها تشخيص القيمة (بالحقيقة النسبية) والتي أنتجت بدورها وعي التجذر في  الفكر والأهداف في كل ٍ من الاتجاهين خارج سياق عقلنة الفهم على قاعدة وفاقية للمعرفة ..

وفي ذلك ما يعني أن إشكالية الفهم المتباين عكست نفسها على تغييب (الحقيقة) واختزالها في القراءات النسبية للعقل والدين كمرجعية لترسيم القناعة بديلاً للمعرفة  المثبتة خلصت منازعاتها إلى محاولة فك الاشتباك في التعارض في ترجيح الواقع حقيقة مجازية انتظمت في سياق تطبيع حرية الاعتقاد والتفكير كقاعدة لاحتواء التناقض ..

وما يعنينا في هذه المسئلة أن القضية في إشكالية الحقيقة ليست مجرد فلسفة تناظرية لتوطين التناقض منطلقاً عفوياً للفهم ضميره الاستثنائي عقلنة الشك المسترسل في تعارض الفكر الإنساني(حقيقة نسبية) إضمارها تجريد الواقع المتشابك قاعدة ثابته للحياة ، وإنما هي في إشكالية الحياة عقد الوفاق ورسالته الروحية والاخلاقية في مقتضى نزع الفتيل وتطويقه بموضوعية عقلنة الفهم وترسيم أطره وقواعده كقضية فاصلة تقتضي من حيث المبدأ والقيمة تحكيم الضرورة في مراجعة الخلل الماثل في  شواهد العصور  والتجارب جسر امتداد المتاهة ..

ومقتضى عقلنة الفهم أن مجمل قضايا الفكر الإنساني بخلافاته ونتاجه الزمني تتمحور حول قضية واحدة هي في مشروع الحقيقة قضية انتظام الحياة كمطلب رئيس عقد استحقاقه تفكيك جذور الشر العالقة في الفكر المتشظي مشاريع احتواء صكوكها أوهام الجهل المتجذر في حلبة السباق والصراع فصام العقل وانحراف مساراته في تأصيل  كل رؤية بالمسلم الثابت على هامش الانطباع ..

وما نجيزه مسوغاً لعقلنة الفهم أن للحقائق موازين ومحاذير ومبادئ وقوانين لها في معادلة التأصيل حكم القاعدة المعيارية للثابت والمتغير والحق والباطل والعلم والجهل والصدق والكذب والصواب والخطأ ومقتضى الفهم الصحيح لتأصيل الحقائق هي قاعدة الثبات المرجح بمرجعية الانتظام وتلك في ثوابت (القيم والفضائل والأخلاق) هي جوهر العقل الكوني وقاعدته في معنى وجود الله ودلالة الخلق والتكوين ومحور التخلق الموازي لانتظام العقل والفهم المتجرد للفصل بين المتناقضات ..

كما أن حاجة الإنسانية لفهم الحقيقة كقضية ملتبسة في السياق الزمني لا يمكن اختزالها  هدفاً معرفياً بحد ذاته وإنما كان ولا يزال الهدف معنياً بفهم علاقة الإنسان بالوجود والحياة كركيزة للانتظام والوفاق ..

 وفي  هذا السياق قد تستوقفنا بديهية المنطق الجدلي في محور التساؤل والفهم :

-  هل بمشروعية الفهم المتضارب في تشكيل وعينا بالقراءات والمفاهيم والنزعات والمصالح والهويات المتعارضة كمعيار للتجارب المسترسلة في تفكيك العلاقات والروابط الإنسانية يمكن أن تستقيم الحياة؟

-   وهل بجدوى التمحور في التعارض والخلاف والجدل سوف تلتقي المشاريع المتشابكة حول حقيقة تجمع الشتات على قاعدة مشتركة وطريق واحد ؟

وما يعلل الواقع في سلوك ومنهجية التجارب الدينية عبرمراحل التاريخ  أن المعضلة في محور تشاكلات الفهم أن مجمل قضاياها لم تحتكم خلافاتها المسترسلة عبر مراحل التاريخ لثوابت اليقين المعرفي كبديهية منطقية مفترضة تقتضي تصحيح الفهم المتناقض في جدوى معرفة الألوهة الكونية وقاعدتها في الخلق كمرجعية ثابتة لانتظام الحياة، بقدر مانجدها ترتكز على تعطيل العقل وتجميده في التأصيل القداسي للفكر وتوظيفه قاعدة للتسليم الإيماني بصحة ومصداقية الوسيط والرسالة حكماً فاصلاً لتأطير القناعات بالخصوصية المتجردة بامتلاك الحقيقة والتي حكمت تقييد المعرفة  بالأصول المتعارضة والمتناقضة مشروعية استحقاق تفاضلي في جدوى التأثير والامتداد..

وهذا التأطير كان له حكم التطبيع الزمني المتجانس في توجيه النشء المحكم بتقييد الفهم بالانطباع قاعدة شرطية وجوبها الالتزام والطاعة الجبرية في الاتجاه المتناغم مع صكوك الترهيب والترغيب في أحكام المقايضة بين العبد والرب المجازة بالتبعية المفردة لكل دين..

ولأن الشاهد في  هذا السياق له دليل الفصل في الحجة فالاستدراك الذي يستوجب أن يستوقفنا هو:

ماذا لو تسنى لنا أن نجمع بين أطياف الخلاف الديني في محاولة للفصل في الحقيقة وفق موضوعية الضرورة الحتمية للتعايش الأخلاقي في الحياة . فهل سيقبل اليهودي أو البوذي أو المسيحي أو الهندوسي أو المسلم بما في ذلك أصحا ب العقائد الشاذة كعبدة العجل والقضيب والعانة في الهند أن يستوعب دليل التناقض والتباين في الفكر والاعتقاد كظاهرة خاطئة وجوبها إعمال العقل في خلافاتها الزمنية غاية الوصول إلى  حقيقة تجمع الشتات الإنساني على قاعدة واحدة ..

ولذلك حين يجادلك الملتزم للهوية المذهبية أو الكنائسية أو الطوائفية وغيرها من المسميات في الديانات المختلفة والتي تشكل السواد الأعظم في تركيبة الديانات المختلفة تجده يحاور ك بلسان الدين وربوبيته ضمير الحق في توثيق مشروعية منهجه  قاعدة صحيحة للالتزام بمبادئ الدين ، فيما لو استشعر في آراء المخالف لرأيه وجه الغلبة في تفنيد حججه وأسانيده  من مسلماته تراه إما أن يلتمس العذر بالهروب أو التحول للمواجهة العدوانية واعتباره خصماً خارجاً عن الملة والدين ، وبذلك يستحيل أن يستجيب للحق في موجبات الاسترشاد والفهم الصحيح ..

يعلل هذا المبدأ أن طبيعة الحوار مع الشخص الملتزم عقائدياً تختلف كلياً في التعاطي مع غير الملتزم لفكر عقيدته من حيث  التقييد والتواصل الذهني والاستجابة لاعتبارات جوهرية  أهمها أن منطوق  الجدل هو في الأساس حوار بين الأفكار المنظورة في عقل كل شخص وتجربته المعرفية بما استكانت علية طبيعتها في وعيه حضوراً مجسداً بشخصيهما وبذلك يكون مستوى التأثير بين الطرفين منظوراً في احتكام الأول لقيود عصبيته بينما يكون مع الثاني  مقترناً بمحدودية الشفافية في التعاطي بموضوعية الاستجابة القابلة لفهم الآخر..

وعن هذه الحيثية تشكلت جذور القضية التي أحاطت بتفكيري خلال مراحل البحث عن مفهوم ثابت لمعنى(الحقيقة) فيما وقفت إشكاليتها تتأرجح بين أيدولوجية الالتزام والتأصيل المعرفي للمصادر الدينية وانعدام قابليتها لاستيعاب الحقيقة من أسانيدها المعرفية وجدواها في تقديم الحلول والمعالجات كمعيار للهدف المشترك في الحياة ..

وبين سياج المحاذير والعقبات لم أجد من سبيل لدراسة وتفكيك هذه المعضلة سوى الولوج في بعض الحوارات المحدودة مع شخوص من مختلف الاتجاهات لعل أهمها بحكم تواجدي في المحيط الإسلامي نقاشات دارت بيني وبين بعض الملتزمين من مذاهب فكرية مختلفة كان من بينهم مفكرين وأكاديميين ومثقفين كنت أحتمل في ثقافتهم العلمية شفافية العقل المستنير بالانفتاح على المعرفة خارج نطاق الالتزام غير أني لم أجدفي فهمهم سوى القناعة الراسخة بما نشأوا عليه وتشكلوا بوعيه حكم الثابت في تشخيص  مسلماتهم للحقيقة ..

وفي ضوء الاستيعاب المتأرجح لردود الأفعال وقف تشخيص مبدأ الإشكال في القضية على  أن معضلة الحقيقة لا يكمن غموضها في عقدة البحث عن لغز الكون وما وراء الوجود بقدر ما تختزل موضوعيتها معضلة الإنسان في تركيبة الوعي للفكر المتباين والتي يستحيل تصورها أو تفكيك قضاياها بمنأى عن استيعاب تكوينه كقرينة للتشكل المتباين بملابساته المتجردة بتوظيف الفكر الخلافي للحقيقة عقد مشروعية ثابتة بقيودوحواجز الارتباط بايدلوجية الاعتقادواتجاهاته المتعثرة بواقع تغييب القاعدة الوفاقية للفهم بموازينها المستقيمة  المرجحة للثبات ..

وللاستفادة أستدرك منها على سبيل المقارنة بمجمل الفئات بعض النقاشات التي تكررت بيني وبين ملتزم أكاديمي كان ينتمي لأحد المذهب البارزة  في فكر الإسلام السياسي ويدعي استقلاليته وكنت قد أهديته نسخة من قراءاتي الأولى كمدخل لدراسة الحقيقة في فلسفة الفكر الديني بشكل عام واستطلاع وجهات النظر حول صحة وأكذوبة الدين ..

وقبل الولوج في الحوار حاولت استهلال النقاش بالتمهيد في شرح مبسط عن هدف الرسالة من خلاله سألته من باب الاستفسار هل لديك أي تعليق أو  وجهة نظر حول ما تناولته الأطروحة . فاسترعاني جوابه الممزوج بالعفوية ومحاولة التبرير بأنه لم يقرأ شيئاً منها مبرراً ذلك بأن عرضي للكتابين وهما(الحقيقة والأكذوبة) و(نظرية العقل)لم تتقيد بمنهجية الفكر الإسلامي في كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصفحة الأولى ..

ورغم الذهول الذي اعتراني من رده إلا أني لم أجد من وسيلة لاستيعابه سوى محاولة  إزاحة اللبس الذي قد يجعل من فهمه لأطروحاتي كفلسفة مناهضة للدين تسير على خط الخصومة المعلنة بين الفكر الإسلامي والعلمانية معلقاً على رأيه بأن الحقيقة التي أتناولها وإن لم تلتقي مع اتجاهاتك فهي تنطلق من فكرة المعرفة بوجود الله كقضية مشتركة تتجاوز الحق الديني في منهجية الصراع حول توظيفه كما أن(الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية) وحسبي أن أستفيد من علمه ومعرفته بالدين ما يساعدني على استيعاب مفاصل القضية..

وفي البداية كان الحديث مجملاً يدور حول تشخيصي للحقيقة من واقع الافتراق الديني كقضية ملتبسة بين المتعارف عليه في الأوساط بأن الأساس في رسالة جميع الأديان تقوم على قاعدة الالتزام بالقيم والفضائل والأخلاق في معنى وجود الله وما آل إليه السلوك الديني عبر مراحل التاريخ من جهل وصراع مفرغ بالتوظيف المتضارب بشيطنة الفكر الديني   للإله  ضلوعاً بمحاولة احتواء مشروعيته في التفرد بالحق وتصاعد المواجهة بينهم مروراً بالتفكك الذي رافقها والانقسام إلى طوائف وكنائس ومذاهب وغيرها وتحول الصراع إلى محور كل دين والتي نعيشها اليوم في تجارب الإسلام السياسي بدءأ من احتراف التضليل والكذب على الله إلى تكفير الآخر واعتبار مناهضته وقتاله جهاداً في سبيل الله والانتصار لمنهجه بامتداد تصدير هذا الفكر للإرهاب بمجمل اتجاهاته وأهدافه المعلنة وغير المعلنة..

وعلى بيد الاستهلال كانت استجابته تنطوي على بعض الحذر والاحتراز المصبوغ بالشفافية المحدودة في نطاق الاستيعاب المقترن بالواقع الإسلامي تخللها استشهاده بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية في الاتجاه الموازي للتوكيد المعلل بعدم التزام غالبية الأديان ومن ثم المذاهب الإسلامية بالقيم الذي جاء بها دينه واستخدامها للنصوص والأحاديث خارج سياق الاتجاه الصحيح لقراءاتها..

وفي ضوئها حاول الربط بين نظرية المؤامرة وضلوع الصهيونية العالمية وأدواتها في محاولة تمزيق الدين الخاتم وتشوبه رسالته ورسوله على هامش استعراض مثالب الخصوم المناوئة لمذهبة في سياق خط الالتزام الموجه لاحتواء الحق لمذهبه في السير على نهج الرسول وصحابته مبرراً مبدأ الخروج على الدين بنشأة الخوارج وضلوع المدعو عبد الله بن سبأ اليمني المشكوك في  إسلامه في الفتنة بوصفه كان يهوديا إلى غير ذلك من المسائل التي مهدت لظهور التشيع لآل البيت وانحرافاتها منوهاً للعامل السياسي الذي تعيشه اليمن في العصر الراهن كنتاج ..

ووجه المفارقة في هذه المسئلة أن هذا الرأي كثيراً ما نجده يتصدر لسان حال التبرير المتجانس في محاولة إسقاط كل مذهب فرضية الخروج عن الدين على الآخر كقضية ملتبسة عمدت رأس الإشكال المنظور بالخروج عن الكتاب والسنة في تفسير وتأويل الاجتهاد للأصول الدينية على قاعدة توظيف الاحتواء ..

ولذا وقفت معارضتي لرأيه من منطلق تشخيص الواقع بأن طبيعة التفكك الديني بشكل عام ومن ثم المذهبي في الإسلام وفساده ليس سوى نتاج للفكر المقترن بالأصول التي أرست تناقضاتها منهجية كل دين وتشكلت به التابعية في ضوء التعارض والصراع الديني شواهد مماثلة للاحتواء المتجانس ..

ووفقاً لهذا المبدأ تحللت الديانات بأشكالها المختلفة من القيم الإلهية كقاعدة ثابتة للوفاق والتعايش الإنساني الآمن في الحياة إلى تأصيل البدائل المعرفية وتعميدها قاعدة قدسية منزهة عن القصور والجهل والشر أرست بدورها انقسام التابعية على المدى الزمني وتمثلها الإسلام كسابقيه في سياق تصدر الاجتهاد للتفسير والتأويل وتوظيف النصوص والأحاديث المتناقضة مشاريع احتواء مماثل..

ولتوضيح هذه المسئلة ينبغي علينا أن نقيّم انحراف الدين من واقعنا الإنساني بشكل عام باعتبار أن رسالته ترتكز على قضية محورية أساسها توحيد المجتمع على رؤية معرفية للتعايش الأخلاقي ولذا فإن النصوص الدينية والمبلعين برسالاتها إن جازت مصداقيتهم ليسو سوى الوسيلة والتي يفترض أن لا تحل  محل الغاية وفي صراع الأديان واختلافها مروراً بتفكك وانقسام كل دين ما يكشف ثبوتاً مؤكداً على أن كل دين بمقدساته هو بحكم تطويق الإيمان بالوسائط قاعدة منهجية لإلغاء الآخر وتعزيز وسائل مواجهته قد تجرد من القيم وأسقط مرجعية الإله الواحد بإسقاط أحكام وجوده وهو ما نراه تصريفاً منحرفاً بتقييد الإدانة والتسليم لتبعية كل دين شمولاً بتعميد لاهوته بديلاً سنده الظاهر احتواء الإدانة للإله العادل في الترغيب والترهيب واستحقاقاته وباطنه شيطنته في تطبيع الفتنة والصراع قاعدة كونية..

وبرغم تسليم الرجل بسقوط القيم في الاتجاه العام للفكر الديني بشكل عام وتعلله بثبوتها قاعدة إلهية إلا أنه لم يتوانى عن محاولة الاستشهاد بالنصوص والأحاديث المتضاربة على أن تلك القيم والفضائل والأخلاق هي قيم الإسلام ورسالته التي جاء بها الأمين القدوة رسول الإنسانية عليه أفضل الصلاة والتسليم المنزه من كل شبهة وضلالة ..

وهنا حاولت استدراجه نحو القضية الأساس لحقيقة الدين توضيحاً لاقتران الفهم المتحيز لمسلماته وتعقيباً على استشهاده في الاستدراك التالي:

كونك تنظرلقضية الواقع من منظار مسلماتك الإيمانية بدينك فاسمح لي بأن أخاطبك بلسان المخالف الجاهل المعني باستيعاب ما آل إليه الواقع في سؤال :

ماهي قيم الدين التي تتحدث عنها فيما هي نفس القيم التي ظلت ولا تزال تحكم واقعنا الإسلامي منذ بداية ظهور الرسالة حتى اللحظة الراهنة وفق منطق التفرد بالحق الإلهي والاحتواء الموجه باستهجان حق الآخر وتقرير مصيره بدءاً من محاولة تطويع الديانات السابقة بالقوة والغزو وسفك الدماء واستعبادالنساء والأطفال والاستحواذ على حقوق الشعوب وقهرهم وانتهاءً بالتفكك المذهبي والصراع على السلطة ومحاولة كل طرف تقويض وجود الآخر كشاهد مماثل؟

ومن باب المصداقية مع النفس ألم تسأل نفسك؟ أين تلك القيم في سلوكنا وتاريخنا الحضاري سواء مع بعضنا البعض أو مع من نراهم خصوم العقيدة أسوة بما آل إليه واقعنا اليوم من تخلف وسقوط أخلاقي على المستوى العام؟

وهل ترى من ثمارها غير موروث الحقد والكراهية والعدوانية التي أصبحت منهجية نتسابق في تطبيعها منابر الدين ونتشكل بوعيها المجتمعات والشعوب أخلاقٌ وسلوك ممنهح لقتل بعضها البعض !؟

وفي الوقت الذي نتسامى بتخلفنا وجمودنا المتعثر في ظلام الجهل والاستلاب  المتآلف مع منهجية الدين نعتمد في حياتنا على  من نرى فيهم أعداء الدين في الملبس والمأكل وكل وسائل ومتطلبات الحياة ولا نرى في ذلك نتاج لسقوط قيمنا التي صاغت طبيعتنا وشكل حضورها واقعنا ضمير حياة ؟ 

والمشكلة أن شعوبنا وأخص بالذات شعوب العالم الإسلامي وأنت أبسط مثال لهم تؤمنون بدين وكتاب تتعالون على الغير بسمو قيمه نسبة إلى الله فيما تتجردون منها كلية في تفكيركم وسلوككم العدواني مع بعضكم البعض  ومع الآخر دفاعاً وتسليماً بقدسية رسول لا تقبل أن تستوعب  من تاريخ حياته ورسالته سوى ما تشكلت بوعيه جزافاً من روايات مسندة عن تنزيه صفاته وأفعاله..

ولذا فأنت تنطق بلسان ما اختزل وعيك عن تاريخ صاغته يد التابعية والأسلاف عن القدوة الذي آمنت به كما لم تؤمن بالقدوة الأساس وهو الله بوصفه مناط الكمال المنزه عن الشبهة والضلال والقصور والجهل والشر وفي ذلك ما يعني أنك تمثلت البديل في الإيمان بلاهوت الدين كما تمثلته المسيحية واليهودية وغيرها من الديانات الوضعية بمختلف أطوارها واتجاهاتها الوثنية ..

ولو كان صحيحاً بأنه جاء بهذه القيم فالمفترض أن يتمثلها في دعوته ومن بعده تابعيته وعياً وسلوك واحد كونهاعقد الارتباط بالله في تمثيل علاقاته بمخلوقاته جميعاًحضوراً وتمكين غير أن دليل الواقع يكشف غير ذلك.. كما لو صح أن يستقيم إيمانك به دون شريك لوجدت في مذهبك ودينك جزأً من انفراط هذا العقد سلوكاً ومعرفة وتجربة حياة ..

 ولو جاز  لنا أن نستوعب هذه المسئلة من باب المقارنة بالأديان لوجدنا فيمن يعبد العجل والقرد والنار والطبيعة والقضيب والعانة والقرد والفأر  والإنسان والأوثان وغيرها من المعتقدات التي لاتزال قائمة في بلاد الهند وغيرها صورة مماثلة لتمحورك حول ماتشكلت بوعيه  إيمانا ثابت اليقين بصحة عقيدتك والتزامه لها حقيقة ثابتة  والتي قد لا يتوانى في أي ظرف من الظروف عن تقديم حياته لحماية مقدساته والدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة..  

وتلك دليلها في مفارقات الوعي البشري حكم التطبع بالموروث العقائدي عقد استفراغ اليقين المعرفي بالإيمان والتسليم الأعمى وعنها وقف تغييب الإله الواحد في انحراف النفس غواية شيطانية استهدفت تقييد كل تابعية بصكوك الالتزام للرسول والدين قاعدة استلاب أعمى للسيطرة والتحكم بتوجيه حياة ومصير الإنسان عبر العصور المتلاحقة وعلى جسورها تجانس توطين لاهوت الجهل قاعدة قدسية صاغت تمزيق اللُحمة البشرية واستحكمت منازعاته بتمكين سيطرة الشر واتساع مفاسده وأدواته المتعالية بهدم الحياة توثيقاً غيبياً لاستحقاق الجزاء في اليوم الآخر..

ولأن الأديان ترتكز في مسلماتها على ميتافيزيقيا الخيال الأسطوري وليس على حقيقة معرفية ثابتة فقد تعارفت البشرية منذ القدم على تعميم صفة الدين بالعقيدة كقرينة متعارضة اختلفت قراءاتها لحقيقة الإله الخالق والوجود والخلق والإنسان ونظام الحياة كما جاء تصدير كلٍ منها لأدبيات المعتقد(حقيقة) رسماً على ترجيح القدرة على التأثير في السباق التبشيري والاحتواء الكمي وتطبيع الإيمان بمعتقداتها كمسلمات وفاقية لكلٍ دين بقيوده وحدوده المرجحة بتأصيل الثبات..

وبرغم أن الرجل يعرف أن وجهة نظري تنطلق من قضية التسليم بحقيقة الإله الواحد وحقه المتفرد بتمثيل وجوده إلا أنه لم يستطع أن يتجاوز حدود مسلماته ليجد سبيله للمغالبة في محاولة الانتقاص من الرؤية وتحوير مجريات الحديث بالتلميح والتعريض بالكفر والردة والتعاطي مع القضية من خلال قيود الالتزام والتوجس المنافي لقابلية الاستماع والفهم فيما بدت على وجهه ملامح الغضب متأبطاً شراً وهو يبحث عن أدلة المغالبة في مواجهة الخصم الذي لم يرى فيه سوى عدو الله المشكك برسوله وكتابة المنزل ..

وبعد تفكير طويل اكتفى بالقول (إن الدين عند الله الإسلام) وهذا قول الله عز وجل كما لم يجد من سبيل للخروج من هذه الإشكالية سوى محاولة الانتقال بالنقاش إلى الفروع المتشاكلة في فلسفة الدين كالخلافة والإمامة وغيرها من المفاهيم التي بثت روح الكراهية والعدوانية المفرغة بتمثيل الحق الديني والمذهبي في منازعات التشرذم والاحتواء ..

وفيما وجدت طيف المتاهة يدور بنا في نفس الدائرة المحورية للتأصيل العائم في جدلية الحق والخلاف لم أجد بُداً من العودة بالحوار إلى الدائرة المغلقة والتي تشكل محور الالتقاء حول القضايا المشتركة والوفاق على المبدأ العام في مرتكز الحقيقة ..

فاستطردت الحديث بمداخلة بسيطة حاولت فيها أن أشخص رأس المشكلة الزمنية التي فرضت نفسها على الواقع الديني وأنتجت تعدد مفاهيم وصور الحقيقة سياقاً متصلاً للتفرد بامتلاك الحق واستحقاقه بالقول : أنت تعرف وجهة نظري حول أكذوبة الدين ولا شك أنك قرأتها في تحليلي للأصول الدينية الثلاثة وتوظيفها للإله ملكية خاصة ومنها هذه الآية التي تستشهد بها على إن الغاء الآخر وفي ذلك ما يعني بأن الله لم يقم ديناً منذ بدء الحياة سوى الإسلام وبذلك أنت تلغي امتدادك للمسيحية واليهودية كما وثقها النص القرآني في العديد من الآيات تسليماً برسالات أنبيائها وامتداد الدين لها لتجيز مبدأ الحق للهوية دون استيعاب منطوق الآية في كلمة(عند الله)كونها تؤصل تقييد مشيئته وحضوره عبر مراحل الزمان والمكان على تثبيت مشروعية الإسلام وحده..

ولو سألتك ماذا تعني بالإسلام لأجزت في المعنى صفة السلام ولو بحثت عن السلام في دينك لما وجدت له مكاناً يذكر فيه سوى رد التحية بين التابعية والالتزام بها قولاً يجانب الفعل في التصريح بعدوانية الدين للآخر في كل منبر وحضور..

وهنا أنت تستفرغ الحق الإلهي في مشروع الهوية التي تأطرت على نهج توظيف الله استحقاقاً لتبعية دينك تماثلاً مع تقييد عصبيته للعرق في اليهودية وتسلسل النبوءات فيها بامتداد الحلول بالأم في المسيحية وتعاطي الشهوة لانجاب الابن والحلول فيه واستحقاقه للميراث ثم احتوائه في الإسلام في سياق تسلسل العرق اليهودي في إسماعيل واختزال الحقيقة في مشروع السلالة المعمدة (بالخاتم)الناسخ لما قبله الجامع لحقيقة الزمان والمكان..

وما استرعاني في نقاشاتك أنك تستدل في كل صغيرة وكبيرة بالكتاب والسنة كقاعدة مرجعية لدينك وتلك لها في قاعدة الخلاف والاختلاف النصي مرجعية البوذي والمسيحي واليهودي وغيرهم لأصولهم بوصفها تجسد حقيقتهم الموازية لأسانيدك وفي ذلك مايعني أن الحقيقة أصبحت مجزئة بين معتقداتكم العارضة بمجملها بتوثيق شيطنة الإله وتوطين الصراع قاعدة ثابتة للحياة..

من هذا المنطلق فأنت لا تحاورني حول الحقيقة كقضية معرفية شاملة تستقصي الدليل من حقيقة وجود الله والكون والإنسان والحياة وجوباً يستثني منازعات التأصيل المتناقض بالوفاق والإجماع على ضرورة التعايش الآمن في الحياة وإنما أنت تحاور من وعي قناعاتك التي تحاول أن تفرضها على كل من يخالف دينك ومسلماتك وفي ذلك ما يعني أنك لا تؤمن بإله غير الجهل الذي أسلمت عبوديتك له حجاباً مانعاً لمعرفة الإله الواحد ومشيئته المقدرة بحقائق وجوده في تجسيد فضائل التوحيد (للسلام والأمان والعدل والمساواة والمحبة والرحمة)وغيرها قاعدة ثابتة لانتظام الحياة ..

وهنا سأسألك من باب الفهم لا أكثر: هل الحقيقة في إيمانك هي حقيقة الله أم حقيقة الدين الذي نشأت عليه؟ وهل الخلاف والصراع فتنة شيطانية أم رسالة إلهية، وإيهما قرينة للخير والشر في جدوى انتظام الحياة؟

وفيما استشعرت الحيرة في تردد الرجل عادت به ذاكرة الوعي الانطباعي إلى نفس الدائرة فإذا به يجيب على تساؤلاتي وقد بدت عليه علامات الاستفزاز بالقول :

أنا ما عرفت الله إلا من خلال ديني فهل تريدني أن أتجاوز الدين وكتابه المنزل على قلب رسوله الذي علمني أصول وقواعدالحياة وهو الذي جاء بالإعجاز اللغوي والعلمي الذي أذهل في عصرنا هذاكبار العلماء والمفكرين في انحاء العالم..

أما قضية الصراع فقد حسمها سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (ولولا ضرب الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) مختتماً الآية بصدق الله العظيم ..

وفي قضية الخلاف والاختلاف يقول عليه أفضل الصلاة والتسليم (اختلاف أمتي رحمة)..

وهنا استرعاني الذهول كوني أخاطب عقلاً أكاديميا يُفترض في ردوده احتراز الدقة الموضوعية في منطقه وقراءاته فإذا به يقع فريسة التناقض الملتبس بين شرعنة القيم قاعدة منهجية للدين وبين التعاطي مع الخلاف والصراع مشيئة إلهية تتجاوز الدليل في توظيف الدين لشيطنته في تأصيل الفتنة رحمة ورسالة حياة..

ولم يكن مني سوى أن أبتسم للرجل وأنا على وشك الانصراف لاختتم النقاش بجملة واحدة (لقد أجبت على نفسك بقيم دينك التي أنتجت هذا الواقع) ومضيت في طريقي حاملاً خيبة الأمل والتي استوحيت منها وعي البحث عن إشكالية (الفهم) وتحليل جذوره في النفس الانطباعية في سياق تسلسل موضوعات الحقيقة..

وعلى بيد الحوارات المتكررة أستحضر في السياق بعض ردود الأفعال التي عارضني بها بعض المهتمين ممن تحكمهم منهجية التفكير الانطباعي بجدليته المقيدة دون قراءة متأنية لمفردات الواقع والضرورة ومنها على سبيل المثال قول أحد المثقفين المتأثرين بفكر التصوف الإسلامي:

قد أتفق معك بأن هناك إشكالية وأزمة في الفكر الديني المتعدد بخلافاته وانقساماته ولكن ! ليس معنى ذلك أن جميع الأديان والرسائل السماوية أكذوبة وأنت وحدك على الصواب.. فكونك تجزم بامتلاك الحقيقة وتريد بها تقويض الفكر الإنساني الممتد عبر مراحل التطور الحضاري والديني والفلسفي والثقافي وغيره فأنت بهذا تسير على نفس الخط في محاولة إلغاء الآخر.. وهنا لو كنت تستطيع بفكرك الأحادي أن تثبت للعالم صحة دعواك لتغير واقعاً امتد حضوره آلاف السنين وتطوي من صفحات الوجود مسلمات عقائدية رسخت في عقول الملايين الذين يختلفون معك على امتداد الخارطة فأنت بذلك قد بلغت مرتبة الربوبية باستحقاق كامل؟

الاعتراض الثاني ورد على لسان مثقف وسطي قرأ الرسالة وتمعن في دراستها وتحليلها غير أنه يسير على خط الاتجاه المتشائم والمحبط فكرياً حيث خاطبني بقوله : أتفق معك أولاً أن ما جاء في رسالتك من كشوف معرفية وأفكار إنسانية مثالية لم يستعرضها أحدٌ من قبل هو بحد ذاته أنجاز عظيم وإضافة جديدة للمعرفة والعلوم الإنسانية! ولكن هل تعتقد أن شعوب العالم بمختلف مشاكلهم وصراعاتهم واتجاهاتهم الفكرية والعقائدية والثقافية والاقتصادية جُل ما يحتاجون إليه اليوم هي الحقيقة المعرفية حتى ولو كانت نبوءة أو رسالة إلهية..

فأنا كفرد من هؤلاء أستطيع أن أرد عليك بفرضية لا يمكن تجاهلها وهي أن ما صنعته السنين لا يمكن أن تغيره اللحظة. وكونك تريد أن تثبت مصداقية دعوتك فعليك أن تأتي بمعجزة إلهية أو قدرة خارقة تستطيع أن تغير بها عقول الناس إذ ليس هنالك من سيتخلى عن قناعاته التي رسخت في ذهنه أو عن دين آبائه وأجداده ليسلم بجهله وعبثية دينه أو يتخلى عنه لينضوي خلفك  حتى ولو كانت رسالتك المعرفية صحيحة..

وهنالك من الاعتراضات ما بلغ حد الشطط والإسفاف في توصيف الرؤية بالكفر المبطن واتهامي بالردة عن دين الآباء والأجداد ومنهم من قال أنها فلسفة ماسونية أو بهائية وهنالك من وصفها بأنها كلمة حق يراد بها باطل وهكذا دواليك ..

وهي اعتراضات كانت متوقعة وخصوصاً من بين الأوساط الهامشية والمتدنية ثقافياً والتي تستقي المعلومة عبر النقل المتواتر وغالباً ما يستثمر توجيهها المستفيدون من توظيف الدين  لمناهضة أي فكر تنويري من شأنه تغيير الواقع ويرون فيه تجريد لسلطتهم وانتزاع لمكتسباتهم غير أن ملامستها عن قرب كان له كبير الأثر في الاقتراب من عمق المشكلة وتعقيداتها واستيعاب مفاتيحها تيمناً بتمكين الحلول..

والقضية بمدلولها العام أن ردود الأفعال هي في نطاق الفهم وعي ارتباطات كل فرد بعلاقاته والتزاماته الثابتة.. وكل متلقٍ لفكر يخالف ما تشكل به وعيه عن  تجربته ومحيطه هو من منظوره  في حكم الخصم الذي لا يرى فيه سوى النقيض الافتراضي المتعدي على كيانه وقداسة إيمانه، الأمر الذي يؤطر منظور كل شخص للحقيقة في حدود المفاهيم التي استقاها وتقمصها دليلاً معرفياً يترجم قراءاته وحضوره..

وهو الاستنتاج الذي يفضى إلى استيعاب مبدأ الترابط بين التجربة والفهم كمدخل أساس يقتضي تفكيك الحقيقة من تداخلاتهما باعتبار الشاهدفي موضوعيتهما هو ما يؤسس الدليل الذي أرست تناقضاته طبيعة الإشكال الزمني العائم بتعزيز سبل الارتهان للمؤثر الانطباعي قيد التزام عفوي مضمر بسياقاته الارتباطية تلازماً مع تجميد وظيفة العقل عن استيعاب الآخر تستحضره صكوك العصبية العقائدية أو المعرفية حجبًا مانعة للإدراك في التجرد برفص التعاطي أو الاستجابة للفهم..

وباعتبار بوابة الفهم هي المنفذ والدليل العملي لتفكيك المعضلة التي رسمت متاهة الحقيقة في شتات الفكر فللقضية جذورها المترابطة بين تغييب العقل في الإيمان قاعدة لاحتواء النفس بشرعنة الاعتقاد معرفة ثابتة للتسليم وتوظيفها مشاريع للتفرد بمشروعية الحق الإلهي وخلافاته المتشابكة في منازعات الفكر الديني بامتداد تفرعاته المنقسمة في كل دين وبين عقلنة المعرفة النسبية للقناعات الانطباعية  قرينة ارتباطية بتمثيل النفس في اتجاهات الفكر الفلسفي..

  وتلك دون شك هما القضيتين التي استحكمت بامتداد جسور المعضلة الزمنية للمعرفة المتأرجحة بين مفترق الجدل وخلافاته المتعثرة عن معالجة مجمل قضايا الفكر الإنساني دون استيعاب جذر الإشكال في التعدد المتباين واستحقاقاته المتعارضة وعلى وجه الخصوص معضلة الحقيقة كقضية رأسية تسترعي مبادئها تعزيزسُبل الوفاق على مبدأ التعايش الأخلاقي في الوجود الواحد..

ووفقاً لذلك كانت الضرورة لاستيعاب حواجز الفهم في الفكر الديني والفلسفي دليلاً على أن للحقيقة موازين وأسانيد وأدلة وأحكام وقواعد وضوابط لهافي معادلة التثبت باليقين المعرفي حكم القاعدة المعيارية للثابت والمتغير والحق والباطل والخير والشر والعلم والجهل والصدق والكذب والصواب والخطأ موازين فاصلة بين طبيعة الانتظام والانحراف ..

وتلك في موانع الفهم الصحيح متعددة الوجوه والقناعات بحيث تختلف من شخص لآخر باختلاف السمات والقيود الجوهرية التي يتشكل بها الوعي الذهني وأدواته بمحدودية الاستيعاب النمطي للفكر والثقافة الحصرية قرينة مجازية للذكاء والإلهام والتفكير المقيد بمحدودية الشفافية المقترنة بالمقاصد الارتباطية وغيرها من العوامل التي تحيط بتوجيه الإدراك في حدود مسلماته المعرفية وتختزل بدورها مواطن الاستجابة والرفض بوصفها نطاق العقل المستقبل والموجه للتفاعل والأداء ..

غير أنها غالباً ما تتحول إلى حواجز نفسية واجتماعية تنتظم في سياق التطبع بالمفاهيم الارتباطية بعلاقات وروابط المحيط كما هي في دوغماء العصبية للهوية والدين والعرق والسلالة والمذهب والطائفة ومثالها الجزبية  في الفكر السياسي وغيرها فيما قد تتضاءل هذه الحواجز بواقع منسوب التأثر بالفكر مع اتساع دائرة الثقافة المعرفية وتعدد الأطر المعلوماتية..

ووفقاً لذلك نستخلص توصيف حواجز الفهم في عشرة  قرائن :

1-  الجهل : وهو نقيض العلم وله أربعة وجوه :

أ‌-  الوعي المتدني: المقترن بالطبقات الدنيا للتركيبة الاجتماعية وانشغالها في الهم اليومي للمعيشة صلة وصل بالتعاطي بمحدودية التجربة العشوائية المتلازمة مع ضيق الأفق في القدرة على الاستيعاب والارتهان للمفاهيم السائدة  في محيط البيئة والتقوقع حولها في سياق التجانس مع الواقع الحصري والتناغم مع طبيعته عقد التزام ثابت قل أن يقبل التعاطي مع المعرفة ووسائل الارتقاء بالوعي أو متغيرات التطور  فيما يجسد القاعدة الواسعة والتي تعيش على الهامش  ..

ب‌- الوعي التقليدي : وهو الوعي المتناغم مع المحيط المؤطر في نطاق التجربة النمطية المحمول على طبيعة الارتباط بالمؤثر في الاستيعاب المحدود والانسياق وراء تقليده سلوكاً والتزام..

ت‌-  الوعي النفعي : وهو المقنن بطبيعة المصلحة الارتباطية بالظروف والتطلع لتغييرها على هامش القراءة والثقافة السطحية فيما تستحضره في الغالب طبقة (انصاف المتعلمين) في التعاطي مع القضايا وفق حسابات الواقع ومتغيراته في التحول المتناغم مع مستجدات الظروف والسيرعلى نهج الاغلبية في قراءة وتحديدالمواقف ..

ث‌- الوعي السطحي : وهو الجهل المغلف بصورة المعرفة والمنطق المتجرد بتطلعات النزعة الذاتية في استيعاب دغماوية الفكر التبريري قرينة لتقمص الفهم المصكوك بأوهام التجليات الخاصة في الاستعلاء على الغير ومحاولة فرض آرائهم بموازاة عدم الاستجابة لاستيعاب فكر الآخر وفهمه ..

2-  الاعتقاد الثابت

وهو عقد التجربة الارتباطية بالمحيط الاجتماعي الموجه بالتسليم الأعمى لموروث الآباء والأجداد وثاني درجات الحجب النفسية وأضيقها جموداً وارتهان للفكر ومعتقداته وشخوصه وأحكامه في سياق ارتباط معتنقيها بالهوية واستحقاقها كقرينة للاستيعاب المقيد برفض الآخر وعدم الاستجابة  أو الاستماع لأطروحاته وأفكاره وحججه المنطقية ما لم يصطدم بالمؤثرات العكسية على حياته..

وحجاب العقيدة سور فاصل ينتظم بداية في سياق التجربة الارتباطية بالمحيط فيما يتنامى في سياق الالتزام بالنواميس والشعائر والطقوس كمبدأ للتدين المفترض بتجسيد روحانية الطاعات الموازي للاستحقاق النفعي في الحياة وما بعدالحياة والتمحور حول مقاصد الارتباط النفسي والتقوقع في محيطها الارتباطي المنافي للاستجابة والانفتاح على الفكر المضاد إلا في حدود ردود الأفعال الموجهة للمقارعة والتصادم ومحاولة فرض مسلماته على الغير والتعلل بصحة أسانيده مرجعية واستحقاق حتى ولو ثبت له بما لا يدع مجالاً للشك سقوط حجته ..

فإن جادلك في حقيقة الله فهو لا يرى فيه سوى ما استقاه من الدين وقيوده توثيقاً مبهماً على لسانه في كتابه المنزل على نبيه حتى ولو ثبت فيه شيطنته وإن جادلته في خلق الكون وأسانيد العلم أسقط كشوفات العلم على نصوصه المبهمة تأويلاً وإعجازاً متفرداً بعلومه وإن خاطبته بمنطق العقل فهو قاصر وهكذا دواليك!..

3-  الخوف من المجهول

وهوالقيدالارتباطي بالمحذور الغيبي كالخوف من عقاب الله والمصيرالمجهول في الحياة وما بعدالحياة المتصل بربط الظروف والمشاكل بالخطايا والآثام وافتراضها نتاج  للخروج عن الطريق المستقيم للدين ومثاله الخوف من الفقر والحاجة ومن سطوة المتنفذين والمؤثرين على مصالحه وتطلعاته ويتأصل الاستلاب في الانصياع والخوف من المحيط في عدم الخروج عن المتعارف عليه في مسلمات الواقع..

4-  العصبية والانتماء

وهي حاجز الارتباط بالهوية المحمولة على دعاوى الحق والاستحقاق ممثلة بالعرق والسلالة والطائفة والهوية السياسية والدينية والمذهبية والحزبية وغيرها والتي تحتكم بدورها للايدلوجية الارتباطية أو  الموروث الزمني ومؤثراته فيما تتناسب بين العقول وفق مفارقات التجربة الارتباطية والتطبع بثقافة الموروث  المقيد في نطاق الانتماء..

5-   الايدلوجية الفكرية

وهي القاعدة الارتباطية بالاتجاه الفلسفي أو الحزبي المحكوم بالتبعية الموجهة بطبيعة التأثير والانسجام الموازي لمنهجية وفلسفة العقيدة في الاستيعاب والتعاطي المبرمج بنطاق التعبئة المتجردة بالالتزام للسياسات والمصالح والأهداف والقيودوالحواجز التي ترسمها منهجية الفكر لصالح فئة بعينها في سياق توظيفها قضية استحقاق ..

6-   النزعة العدوانية

 وهي العلة السببية المرتبطة بالمؤثر الزمني لطبيعة الصراع وانعكاساته الظرفية في توجيه سلوك واتجاه الفرد والمجتمع تستحضره الكراهية والأحقاد في التعاطي مع الغير كخصم يسترعي تمثيل الأسباب للحاجز المانع للاستجابة عن استيعاب القضايا والتواصل المفرغ بالانتصار لقضيته ..

7-  المصلحة الذاتية 

وهي حاجز الارتباط بالعائد المادي أو المعنوي في طبيعة النفس البشرية وتطلعاتها الذاتية  والتي تتخذ في الغالب أسلوب الاستغلال والمساومة المبطنة بالمغالطة والتعاطي مع القضايا كسلعة تجارية في تحديد المواقف والتواصل والفهم كما تتسع دائرتها في الأوساط السياسية والاقتصادية  وحدود الاستجابة فيها قيداً على صحوة الضمير..

8-  التوجس من الآخر

 وهوالمحذورالمتجردبطبيعة التوجس من نوايا واتجاهات الغير المحمولة على انعدام الثقة المقترنة بفرضياته ومخاوفه الاحتمالية من أهدافه كحاجز مانع لعدم الاستجابة في التواصل والاستيعاب المتعذر بتطويق الهدف للأسباب والمحاذير..

9-  القناعة الذاتية

وهي حد الاستيعاب الانطباعي للتجربة الثقافية واختزالها للمقصد الارتباطي بطبيعة ومحدودية الفهم شواهدمتجردة بحصيلة المعرفة النسبية والتواصل مع الغير بوعيها والتي قد لا تشكل في أغلب الأحوال التزاماً في السلوك فيما قد يسهل تفكيكها بالحجج المنطقية والأدلة المثبتة في السياق المتناغم مع المؤثرات التي تحكم توجيهها والتي غالباً ما نجدها تتسع في أوساط المثقفين الذين يتأثرون بفكر ما على قاعدة الانسجام كالتعاطي مع اتجاهات الفكر الفلسفي والعلمي ومنها أيضاً القناعة السطحية بصحة الدين والمذهب بموازاة عدم الالتزام بالنواميس والطقوس الدينية.

10-                                            الانطباع الشخصي

 وهو أدنى درجات الحجب النفسية باعتبار متغيراته تسير على خط الانفتاح المعرفي والتجدد كأن تسجل في الذاكرة انطباعاتك الشخصية عن شخص أو اتجاه فكري معلومات خاطئة غالباً ما تجسد في الوعي الباطن مشاعر وأحاسيس وانطباعات الرفض المسبق للتواصل ولاستجابة  الذهنية للتحقق من أخلاقياته وآرائه وفيما شاءت الظروف أن تجمعك بالشخص أو تستقي عن فكره حقائق منافية للانطباع السابق يقودك للانفتاح عليهما والتواصل بذهنية منفتحة ..

وتتشكل هذه الحواجز في سياق التجربة التراكمية للاستيعاب المتشابك بين تداخل الخير بالشر والثابت بالمتغير في الفكر والمتدرج في تشكيل نمط الوعي بالعوامل النفسية المقيدة بدلالات الارتباط واتجاهاته المتناقضة كحصيلة لطبيعة البناء تتشكل عنه سمات الشخصية بنطاق الاستجابة الذهنية والاستيعاب والتواصل بمؤثرات القيود والحواجز والتي تؤسس بدورها حالة من الترابط الوفاقي في رفض الفهم..

وفيما تتشكل حواجز الفهم كجزء من منظومة تكوين الإنسان المتداخل بين تشابك الفكر ومحدودية الكسب إلا أنها تستقي مصادرها من مفارقات التركيبة الثلاثية (للوعي والعقل والمعرفة) التي صاغت طبيعة التناقض في الواقع وجسدت محور الإشكال ..

من هنا كانت أهم المشكلات التي رسمت متاهة الحقيقة في شتات المعرفة هي مشكلة(الفهم) المتعارض بين عقلنة الشك في جدلية الفكر الفلسفي وشرعنة الاعتقاد بالثابت في منازعات الحق الإلهي وخلافاته المتشابكة في مقاصد الاحتواء الديني بامتداد  تفرعاته في كل دين..

 وفي ضوء ذلك نستخلص تحليل ودراسة طبيعة الفهم من منظور الفكر الديني والفلسفي في سياق المقارنة التالية :

أولاً: الحقيقة من منظور الفهم الديني

للحقيقة في قراءة الفكر الديني بصفة عامة قاعدة مشتركة تلتقي حول المبدأ الصوري لمنهج الحياة وتتعارض في توظيف المشروعية على هامش الاحتواء كما تتجانس في التأصيل اللاهوتي كقاعدة كونية فيما تختلف في توصيف وتشخيص الوسائط قاعدة بديلة ..

فالإله في المقصد العام هو مرجعية كل دين مع اختلاف صوره ودلالات وجوده ، والنص الديني حقيقته المعرفية كمنهج للحياة مع اختلاف قراءاته واحكامه في متغيرات كل نبوءة وتقييدها قاعدة للتسليم بالتبعية للدين ودعاته مع اختلاف شخوصهم..

ولأن إشكالية الحقيقة درجت في سياق محاولة استيعاب العقل البشري لطبيعة الغموض والتناقض المحيط بأبعاد الكون وقوانينه كمعضلة زمنية  شخصها العقل الديني بالخاصية الإلهية في اجتباء الرسل وتسلسل توجيه الرسالات المعرفية بما في ذلك اكتمال الحقيقة مع الظهور المنتظري آخر الزمان واحتواء تبعيته المتعارضة بين مجمل الديانات فقد شكل هذا التأصيل منذ بداية التاريخ مظلة التوظيف المسترسل بانبعاث النبوءات قاعدة لاهوتية سياقها النصوص المبهمة والمتداخلة في تعارض الشك باليقين والصدق بالكذب والصحيح بالخاطئ والحق والباطل وتقييدها في كل مرحلة بالحقيقة الزمنية الناسخة للسابق في سياق توثيق الدعاة للإصلاح الديني والتمحور حول هدف التفرد بالحق الإلهي حتى ظهور الحقيقة المفرغة بالانتصار لكل دين..

وهم بذلك يرون أن الحقيقة بسيطة في ذاتها غير أن المعضلة تكمن في اكتشاف المبلغ بها وفيما يعتبرون أن أقوال الله هي المقياس الوحيد للحقيقة الروحية والأخلاقية تجدهم يتفقون أيضاً علي مبدأ شخصنتها في المبلغين من حيث كونها تقترن بأفكار وتلك الأفكار ينبغي أن تكون لشخص ما هو العارف والرسول الناطق بفكرها..

من هنا تجانست القاعدة في مرجعية الفكر الديني المتشابك حول احتواء الحقيقة في الوفاق على تقييد (الإيمان) بالنص الديني رسالة إلهية إضمارها النبوءة المعرفية لقصة الخلق والتكوين كمبدأ عقائدي متجانس ينتظم في سياق توظيف الالتزام الروحي الموجه لتطبيع التابعية بالاحتكام لمصداقية المبلغ بصحة الفكر مرجعية لاهوتية مضمرة بالتسليم بشريعته ونواميسه والالتزام بها تحققاً بطاعة الرب وفق معتقدات  كل دين..

و قضية التسليم بالنبوءة لم تقتصر وحسب على تضييق مساحة العقل وتحجيم قدراته بل كان لها حكم التجاوز المتسلسل في تغييب وشخصنه الإله المتناقض وتقييده خصماً لمن يخالف رسالته ومنهجه في كل دين بامتداد توظيف الاجتهاد في إسقاط النصوص على مستجدات المعرفة بما في ذلك الكشوف العلمية والمعارف النظرية بشتى مجالاتها من خلال تأويل القراءات المبهمة كأداة لترسيخ القناعات بصحتها في الاتجاه الموازي لفلسفة الدين..

وباعتبار نشأة الدين ارتبطت منذ بداية التاريخ بالقاعدة الكونية والوصاية على الحكم المتوازي مع التشكل الاجتماعي المتعدد قياساً باختلاف البيئات والظروف إلا أن هذا الارتباط انبثق من وعي التفرد بالخصوصية في اختيار نمط(الآلهة) وتعدد مظاهرها الأمر الذي فرض بدوره تباين القراءات في توصيف قصص الخلق والأحكام الإلهية المفترضة سياقاً مفرغاً بالتمايز الثقافي في توظيف ميتافيزيقيا الخيال ثوابت معرفية جاز بتجريدها للغيب تعميد النصوص المتناقضة قاعدة روحية متجانسة في التقييدالمؤصل بإسناد المرجعية الإلهية لثبوت القداسة للفكر ومرجعيته بالتلازم مع تجميد الفهم في مسلة التسليم المبهم قاعدة للاستلاب والتمكين..

ومرجعية(الإيمان) في توظيف الدين للحقيقة لم تتأصل مجرد قراءة عارضة درجت في سياق الغموض والاشتباك المعرفي حول تفسير ما وراء (الغيب)وحسب وإنما كان لها جذورها الممتدة في عمق التاريخ مع فلسفة الاعتقاد المستوحاة من محاكاة النفس البشرية وطبيعتها النازعة للخوف من المجهول وحاجتها للأمان في سياق الارتهان للمؤثر البيئي قرينة للتسليم بربوبيته جاز بموضوعيته تقييد المعتقد الروحي بنواميس الطاعة قاعدة للملك في مقابل العبودية المفرغة بالتعبد والإدانة قياساً بشرع التراضي والوفاق.

وفي السياق الزمني تماثل تقييد الإيمان بالوسائط قاعدة عقائدية دليلها الاحتمال النظري المتعذر بقصور العقل في استكشاف دينامية وصيرورة البعد الخلفي للوجود واختزال القيمة (بالاختصاص النبوي)والإعجاز التفاضلي الموثق بالتأييد الإلهي كقرينة  احترازية لتقييد التبعية بالإيمان والتسليم بمصداقية الدعاة قاعدة استثناء معرفي مجاز بتوظيف الكمال في شخوصهم مرتكزاً  للتنزيه عن الجهل والقصور والشر وامتراء سُبل المعرفة في التواصل مع الرب عبر الوحي كمسلمات تتجاوز موضوعيتها حكم التثبت باليقين .

وعلى بيد الاختصاص جاز توظيف النبوءات كمسوغ لاهوتي متجانس في تصدير القراءات والأحكام المتعارضة بين شرعنة التوصيف الميتافيزيقي للخيال الأسطوري قرائن لاستفراغ المعرفة بالغيبيات المبهمة وتماهي مشروعيتها عند توثيق الاستحقاق في (الإيمان) عقداً ثبوتياً على مصداقية وصحة الوسائط وتغييب قاعدة العقل في معنى وجود الله هامشاً لاحتواء الحقيقة في شخصنة(اللاهوت) بالمبلغ قاعدة شرطية تتجاوز الحق الإلهي بفرضية الاجتباء واستحقاقه ..

من هذا المنطلق اقترن مفهوم الحقيقة في الدين(بالنبوءة) المسندة بتوظيف الألوهة مرجعية معرفية صيغتها النص الكتابي المبهم والمحمول على تصرف الاجتهاد في التأويل والتفسير القياسي المتباين فيما تجانس التأصيل القداسي لها بشرعنة كل مستجد لانحراف السابق والتعلل بالإصلاح والتجديد قاعدة للتدرج المعرفي والتي تجاوزت بمجملها حيثية الوفاق على كمال وتنزيه المصدر الإلهي من عوارض الجهل والقصور والنقص والتناقض والشر بالتعاطي مع منطوق الرسالات وفق مرجعية الاجتهاد المتشابك شواهد انقسام وافتراق متسلسل ..

وتظليل الفهم في هذا السياق أن انحراف الدين في تجاوز القاعدة الإلهية كمرجعية ثابتة لمعنى وجوده إلى توثيق النصوص بدائل معرفية لم يحتكم للتأصيل المتجرد بثبوت العلة في قصور العقل البشري واعتبار نسبتها إلى الله حكم التثبت باليقين الكامل بقدر ما حكم هذا التجاوز توظيف العقل سياقاً متشاكلاً بين التفسير والتأويل والتفاضل أرست قراءاته ثبوت  الحق في الإيمان والتسليم بمرجعية الاجتهاد بدأ من تصدير الأقوال المنقولة على لسان الأنبياء واختلاف توصيف وتوظيف القراءات للمسائل وانتهاء بانقسام التبعية حول المفسرين كمرجعية للاحتواء المتعارض ..

كما أن حكم النصوص إن جاز لنا فيها تقرير ثبوت المعرفة الحقة في تأصيل مرجعيتها الإلهية فهي بحكم الاقتران بالشاهد الإلهي تستوجب أولاً تجسيد المصداقية في توافق المعرفة مع أحكام قاعدة وجوده وجوباً شرطياً شاهده الكمال في تنزيه صفاته من الجهل والشر والقصور والتناقض المحمولة على  توجيه الفتنة بين الأديان مشاريع خلافية تتجاوز الحق في تمثيل عدالته في الخلق لاستحقاق التبعية للمبلغين برسالاته..

ووجوب التنزيه في مقتضيات الفحص والقياس بين شواهد التاصيل للنصوص المعرفية والإيمان بها وبين مصداقية الرسل مقارنة بالأحكام الإلهية في مسلمات القيم والفضائل والأخلاق الموصولة بمرجعية الأسناد لحقيقة وجوده لها حكم  الاسترشاد بالدليل  الثابت المنظور  بتقييد الحق بموجباته والتي استفرغها الدين في عقلنة النفس للآتي :

اولاً: النبوءات السماوية

 الأصل أن (قاعدة النبوءة) كمرجعية معرفية بحقائق الوجود والخلق والحياة لا صفة لها في الأحكام الإلهية كقرينة لها فضل التثبت باليقين المعرفي بموازاة الاقتران بصفة(العلم) في معنى وجود الله شاهداً قطعياً دليله في تمكين (آدم) من العلم بالأسماء حكم المعرفة بوجوده في صفات مخلوقاته، كما لو أجزنا فرضية الحلول والتجسيدفي شخوص المبلغين برسالاته فحكم الناطق على لسانه هو حكم الوسيط الناطق بعلمه الذي لا يقبل التناقض والقصور والجهل والشر في جواز الإسناد ..

وتلك في تعارض النبوءات واختلاف قراءاتها يستحضرها الآتي:

-  أن تدرج واختلاف النبوءات حول حقيقة الإله الواحد وعلى وجه الخصوص في الديانات السماوية أفضت ضمنا إلى تعدد الآلهات المنافية لقاعدة التسليم بوحدانيته وأحديته بالتوظيف المفرغ بإسناد الحق للأنبياء المنافي لثبوت الحق له وحده في مقتضى التسليم بربوبيته .

-   أن التناقض المعرفي والموضوعي بين النصوص في اختلاف وتعارض مناهجها ومعتقداتها المتباينة له في جواز الإسناد الإلهي حكم شيطنة الرب وتجريده من صفة العلم بوجودة  والحكمة في التصرف كضابط كوني تصريفاً للتفاضل في الاجتهاد.

-   أن ثبوت الشر في الفتنة والخصومة والصراع بين الأديان في السياق المتلازم مع توظيف مرجعية الإله المتناقض لكل دين  كقاعدة للتبعية  المفردة باستحقاق النبوءة لا حكم له  في شخصنة الأسناد سوى تعميد لاهوت الشيطان في صورة النص والدعي بتمثيل الرسالة..

-  أن حكم تعارض النبوءات مع بعضها بالإضافة إلى تعارضها مع كشوف العلم ما يؤكد مرجعيتها لاجتهادات العقل البشري المتناقض واحتمالاته المتداخلة بين الرفض المبدئي ثم التسليم العارض بتوظيف النصوص قرائن احتواء دليلاً يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك عدم صحة مرجعيتها للإله  الواحد..

-  أن تقييد النبوءات بالحقائق يقضي وجوباً ثبوت صحتها قاعدة منهجية لانتظام التعايش في الحياة كقرائن متوافقة مع حقيقة الإله وقاعدة وجوده وفي عدم انتظام تابعيتها في كل دين ما يعللها بالأكذوبة ..

ووفقاً للقرائن والأدلة الواضحة يصبح سند النبوءة هي المعرفة البشرية بوصفها الأداة والوسيلة المنحرفة بتوظيف الجهل معرفة غيبية دليلها الخلط بين الخير والشر والصدق والكذب والخطأ والصواب والشك واليقين والحق والباطل عقد مشروعية متناقضة لا صلة لها بالمرجعية الإلهية سوى  توظيف وجوده لاهوت استحقاق..

وفي شواهد القياس بانعكاساتها على حياة ومصير الأمم والشعوب تصبح قراءاتها وأحكامها دليلاً على ثبوت الأكذوبة في شيطنتها للإله الواحد وتجزئته في الوسائط مشاريع للتفرد بالوصاية على وجوده، وفي تناقضاتها ما يظلل الحكم بسقوط مشروعيتها بوصفها قرائن وضعية انتظمت في السياق الزمني كفرضيات احتمالية للتصور الذهني والاستبطان المعلل بطبيعة الفهم النسبي الموجه للخاطر بوعي الاستشعار الذهني لمقاربات الواقع..

ثانيا: مصداقية الأنبياء

وهي الركيزة القدسية التي شكلت قاعدة الاستثناء في التسليم بأمانة المبلغين المنافية لشرط التثبت من نزاهتهم في التعاطي مع توثيق المعرفة بالمرجعية الإلهية قاعدة للتثبت حيث تأصلت في الاتجاه المتجانس وفق موضوعية الانطباع السائد في العُرف الديني  وتضليله  في ثلاثة محاور:

1-  الاجتباء أو الاصطفاء الإلهي

وموضوع الاجتباء يعتمد صفة التمّيز الافتراضي للاختيار  الإلهي وله جذوره  في الديانات الشرقية كالبوذية والهندوسية والجانتية والممتدة في الفكر الديني حيث تستند في الأساس على فرضية وحدة الإنسان باللاهوت الكوني في التشكل بروحانية الوجود والتي تقوم على مبدأ الزهد والتأمل ورفض الدنيا كمنحي للتطهر المتلازم مع التدرج في الارتقاء بالوعي الحسي إلى مرتبة الاستنارة والانفتاح على حقائق وأسرار الوجود في بلوغ الإنسان سمة الاتحاد بالكون واكتساب صفة الألوهة  ..

وتلك لها في معتقدات التصوف بشكل عام قواعد ونواميس وطقوس ترتكز على إعمال التصور الذهني والحسي للارتقاء بالحس إلى أعلى مراتب التوحيد والمضمرة بأن يصبح الإنسان فيها عين الربوبية في الوجود وحقيقته وأهم قواعدها أن يتصور الموحد وجوده بالأولوية المفردة في عدمية كل شيء (كان الله ولا شيء معه)وفي ضوئها يتدرج في تجسيد ملكات خلق الكون وإخضاعها لطاعته..

وهو ما أخذت به اليهودية والمسيحية والإسلام مع التحوير بوجود آلهة سماوية مبهمة في عالم الغيب واختزال وجوده في التجسيد والحلول والشراكة المعمدة بتقييد مسئلة الاصطفاء منذ بداية الخلق المسند بفرضية التمكين باستحقاقه ..

ولذلك فقد اجتبى الله موسى كليماً ثم تجسد فيه واجتبى يسوع ابناً اقترن بتجسده للأم وإلقاء نطفته في رحمها ثم حلوله فيه بوصفه كلمته الناطق بلسانه ثم روح القدس في كتابه كما اصطفى محمداً حبيبه ورسوله الخاتم للناس أجمعين..

من هنا كان دليل التناقض في فرضية الاجتباء وإن جاء في سياق الإسناد إلى الله ملتبساً بتداخل المصداقية في تعميدهم بالخوارق والمعجزات مع الهدف في سياق اختزال المضمون لاحتواء الألوهة بمضامينها في خصوصية التوظيف لشخصنة الربوبية في كل دعي صورة يتفرد بها في التميزعن الآخر في التوصيف المضمر بتأسيس المشروعية قاعدة تفاضلية وجوبها تمثيل الاستحقاق..

وفرضية الاصطفاء إن جاز بها تقرير المشيئة الإلهية للتدرج المعرفي في تسلسل الرسالات فهي تستوجب من باب الاحتراز  أن تكون كل رسالة مكملة للأخرى وليس النسخ والتصحيح المفرغ بالتحريف بموازاة التماثل في تصدير القصور والجهل والتناقض والشر المتجدد في كل نبوءة  شاهد استفراغ الكمال  في مسوغات التفاضل والتوصيف الأسطوري  للإعجاز المنافي للواقع مرجعية وصاية لتعميد الاختلاف وجوب استحقاق لكل رسول..

2-  العصمة والتنزيه

فكل نبي معصوم بالفطرة من كل خطيئة كامل بعلمه وصفاته وهو الدليل والقدوة الثابتة في إحاطته بقيم وفضائل وأخلاق الربوبية المجازة بثبوت الحق لمنهجه وتبعيته وحكم ظهوره في كل مرحلة هو إصلاح الواقع من الانحراف والفساد الطارئ عليه.، غير أن فلسفة التنزيه لا تقاس إطلاقاً بخطأ ما في منهجيته وسلوكه ..

وتقييد الله في النص بالعصبية المفرغة لتبعيته هي عقد مشروعيته الثابتة بامتلاك الحق الإلهي الموجه بمشيئته للفتنة والصراع والكراهية والعدوانية وقتل الآخر ولها شرع الأمر الإلهي حكم الانتصار لرسالته ومنهجه ودليل الشر في مقاصده وأهدافه الموجهة لإسقاط الآخر هي ميزان الخير في تمثيل عدالته واستحقاقه وقاعدة القدوة النبوية في شريعة كل رسول لتابعيته ..

كما أن حكم التنزيه لا ينطبق مع كونه حالة خاصة تستثني القصور والنقص والجهل والشر والتناقض بالكمال في علمه وصفاته وأفعاله بل أن لها حكم الروحانية المستمدة من الإله الواحد صلة وصل باستفراغ مشيئته في وجوده وخلقه في الالتحاق بركب الدين والتي لا يمكن فصلها عن اختزال الحق المفرد قاعدة متجانسة بتصريف واحتواء الشفاعة في اليوم الآخر لتبعيته ولذلك جاء تصديرها جزافاً لتثبيت مشروعية كل نبوءة مرجعية لتوظيف القداسة في شخص المبلغ قيداً مانعاً للتشكيك في مصداقيته ..

3-  المعجزات والخوارق

وهي القاعدة المتجانسة بين جميع الديانات بتوظيف التفاضل في الولادة والنشأة والتمكين المتشابه بتعميد كل نبي ظاهرة متفردة من ظواهر الإعجاز والخوارق المعززة بالتأييد الإلهي في تسخير ملائكة القدرة لحمايتهم منذ الولادة وحتى الممات، والتي تشابهت واختلفت تصنيفاتها باختلاف الزمان والمكان والظروف إلا أن تصنيفها درج في الاتجاه العام ضمن توثيق الأصول الكتابية والتي تفرد بها كل دين في صياغة تاريخ مؤسسيه ملاحم اسطورية خارقة للعادة تجاوزت معظمها احتراز الدقة الموضوعية في التحقق من ملابساتها ومدى قابلية التصديق بصحتها فيما كان لضيق أفق الوعي حكم امتداد التوظيف الهادف للتأثير المنظور بثقافة الواقع ..

ورغم أن تلك المعجزات والخوارق لم تقنع الكثير ممن شاهدوها كما يروي التاريخ الحصري عن النصوص الكتابية والتي ظهرت في مراحل متأخرة عن ظهور الأنبياء إلا أنها صاغت وعي التصديق المسترسل بين الأجيال في كل دين قرائن ثابته لا تحتكم للقياس والمقاربة والتثبت حتى يومنا هذا..

فموسى واجه الفرعون وقومه بعشر معجزات كادت تهلك المصريين ولم يقتنع بها أحد ممن شاهدها أو نالت منه بضرارها ويسوع قدم من المعجزات ما بلغ أحياء الموتى ولم تقنع أحد من قومه سوى تلامذته الذين كتبوا الأناجيل على لسانه ومحمد شق القمر إلى نصفين نصف في الشرق والآخر في الغرب ولم يقتنع بهذا الإعجاز أحد من قومه فيما لم يخضعوا له سوى بحد السيف ..

وبفرضية التمايز في القدرات العقلية والروحية بين البشر إن جاز بها تحقق الأنبياء بالخوارق كما يعللها غالبية الملتزمين يظل مجال التصديق بالنبوءات والأنبياء حكماً على صحة إسناد النصوص الكتابية إلى الوحي الإلهي قرينة للتصديق بالمعجزات المنافي لضرورة  إعمال العقل فيها بثبوت اليقين في قراءاتها المنصوصة على لسانه بموازاة تضمين الاستحقاق قاعدة توافقية للالتزام بتبعيته..

ثالثا: الإيمان

ومناط الإيمان كما توحي قراءاته المتقاربة في مبادئ الفكر الديني هو عقد التسليم المعلن بثبوت الحق للإله الخالق في تحكيم مشيئته وقدرته المعنية بتوجيه القوانين الماورائية للوجود وطبيعته ومتغيراته بما في ذلك علاقة الإنسان بأخية الإنسان في منهج الحياة..

 إلا أن الشاهد في عقد التسليم بالإله لم يرتكز على أحكام وجوده كقرائن ثابتة للوفاق على المبدأ العام حول تمثيل قاعدة وجوده وإنما تجاوزه في السياق المتجانس للاحتواء إلى تقييد الإيمان بمشروعية الرسالة (النص الكتابي) والرسول الناطق بها قاعدة استثناء مرجعي جاز به توظيف المعية خصوصية تفاضلية في ساحة السباق ..

وفيما ارتبط (الإيمان) بالتوثيق المتجانس لقداسة النصوص والشخوص إلا أن ركيزته الأساس وقفت عند تمثيل الهدف لتقييد النفس بالعقد الشرطي للتبعية والاستلاب المعلن ظاهرياً بطاعة الرب والمبطن بالالتزام بمنهجية الدين ورموزه قرينة لتطبيع الالتزام الموازي لتغييب العقل في التسليم الغيبي المنافي للتثبت باليقين المعرفي بثوابته ..

كما لم يكن له أن يتصدر التقييد المتجانس بالقرينة النصية والمبلغ بها لولا ثبوت الشك في قصور المعرفة بحقيقة الله التي فرضت بدورها تضمين قصور العقل بالتلازم مع تجميده في حدود التسليم المقترن بتوظيف الاجتهاد في تفسير قراءاته المبهمة منهجية خلافية تتعاطى تهويم الحق الإلهي بفرضية الإسناد الغائي واستحقاقاته ..

ولذلك جاء توظيف(الإيمان)كقاعدة بديلة للمعرفة المسندة بتوثيق الخوف من المجهول قرينة لتقييد النفس بالمرجعية الإلهية عقد التزام أجازت فرضيته إلغاء العقل كدليل للصلة بوجود الله في خلق الإنسان على حقيقته المجبولة على حرية الاختيار والاختبار بين الالتزام بثوابت وجوده كمرجعية لانتظام سُبل ومقاصد الخير  أو الانحراف عنها للضد بالامتثال للغواية الشيطانية دليلاً منظوراً بتجذر  وامتداد لاهوت الشر في جسور الحياة ..

رابعاً: الخلاص من الشر

وهو القرينة التي تماثلت في الاتجاه المتشابك حول تمثيل الحق الإلهي واستخلصها الفكر الديني من هامش الوفاق على خطيئة الأب(آدم) في العصيان لأمر الرب والانقياد للغواية الشيطانية المرموز لها في الاقتراب من الشجرة المحرمة في نزوع النفس للشهوة وقطف ثمرتها ولوجاً في الشر والسقوط من جنة السعادة الأبدية إلى دنيوية الشقاء والتي شكلت بدورها مفترق البحث عن الخلاص وإناطته بالمبلغين ودعاوى قربهم من الله في امتراء الشفاعة والرحمة عقداً شرطياً لاستحقاق تابعية كل منهم  ..

وبعلة الغواية وقف اجتزاء الخلاص في هامش الاحتواء المتضارب  للحق الإلهي شاهد تهويم لصورته بالضدية المتناقضة في تصدير الخير والشر دون احتراز العلة من وجوده قاعدة ثابتة لانتظام الحياة ..

والقضية في عارض الالتباس أن نشأة الدين برزت في إطار تصدره لفكرة الخلاص المضمر بتطويق شر الإنسان  على الإنسان المتعذر بتجريد الواقع لإشكالية الصراع وتبعاته مرتكزاً لتشخيص الوسيلة الضابطة لانتظام علاقاته بالوجود صلة بتضليل مرجعية الإله قاعدة لتوظيف الدين كإطار روحي يجمع الناس على رؤية منهجية للتعايش الآمن في الحياة..

 وفيما ارتبط الدين بتأسيس أنظمة الحكم ومتعذراتها في تمثيل السيطرة على الإنسان اختزل قضية الخلاص من الشر في العبودية للإله والتعبد مسلكاً لتطويق النفس البشرية بالخضوع  والاستلاب المقيد بتبعية المنهج صلة بتهويم مسئوليته في معالجة تعقيدات الحياة باستفراغ  التمكين من الخلاص في العالم الآخر..

ثانياً: الحقيقة في فهم الفكر الفلسفي

 بالنظر إلى ما أفرزته إشكالية الفهم الديني المتناقض من معضلات فرضت تعميد الخلاف بمنهجية الافتراق في محاولة كل منها التفرد بامتلاك الحقيقة تصريفاً بتجميد العقل في النص الديني والتسليم الأعمى بمرجعيته الإلهية على قاعدة احتواء النفس إلا أن الفلسفة رغم انطلاقها من فرضية  تحرير العقل من قيود الفكر الديني وتأسيسها للمنطق القياسي لم تأتِ بجديد سوى شرعنة  الفهم المتباين في الحقيقة النسبية  قرينة لتثبيت الواقع ..

وتلك قد يكون لها أسبابها باعتبار موضوع (الحقيقة) ارتبط منذ البداية بلاهوت التاريخ وصلته بسلطة الحكم إلا أن ظهور الفلسفة ترافق أيضاً مع امتداد الإشكال رغم أنها برزت في سياق محاولة تحرير الواقع من مسلمات الجهل والتخلف العائم في معتقدات الخرافات والأساطير والبحث عن الحلول الكفيلة بإصلاح الفكر الديني من ضلالات الوهم والعماء غير أن نظرتها لمسألة الفهم المتعارض لم تتبلور كمعضلة  تقتضي دراسة  ومعالجة محاذيرها بوصفها نتاج لتمحور إشكالية العقل والمعرفة في عقلنة النفس للاستيعاب المحدود بنطاق القناعة الفردية  قرينة شخصت بدورها تأطير الحقيقة في المعرفة النسبية ..

وقد لايكون هنالك من شك أن للفكر الفلسفي دوره العظيم الذي أسهم في تطور المعرفة بالنفس البشرية والارتقاء بها نحو محاولة أيقاظ العقل من ظلام الجمود والتقوقع حول الموروث الزمني بتبعاته حيث تتجلى مظاهره في سياق انعكاس التأثير المعرفي على تطور وازدهار الحضارة الإنسانية بمختلف ميادينها وعلومها بالإضافة إلى تزاوج الفلسفة  بالفكر الديني والارتقاء به إلى مصاف التجديد والتحرر من الجمود..

وبرغم أن هذا التزاوج كان له كبير الأثر في تطور القيم بيد أن النتاج لم تنعكس معطياته على انتظام علاقات الواقع  باعتبار اتجاهاته لم تُعنى باستيعاب الحقيقة كقضية إنسانية مشتركة تستوجب أن تلتقي حول تقويم الأسس والمبادئ الأخلاقية والاعتبارية لمنهج الحياة بقدر  ما شكلت تناقضاتها منحنى الانقسام والاختلاف الموازي للفكر الديني في تغييب الحقيقة في التصورات النسبية المحمولة على توثيق صورية المنطق لقناعة النفس بموازاة الإيمان قاعدة معرفية ظلت تسير على خط الافتراق المنهجي في القراءات المتشابكة حول معالجة قضايا ومعضلات الحياة..

وللقضية في مقاربة المعطى الزمني لها قد يكون له أسبابه التي فرضت نفسها على طبيعة الواقع من حيث انجرار الفلسفة لقضايا الخلاف والصراع الديني والسياسي وانقسام الاتجاهات والمدارس والتي شكلت بدورها نفس المسار في ظل انعدام الوفاق على رؤية منهجية واحدة للعقل والمعرفة فيما شكلت حلقة امتداد التشظي بتبعاته ..

وتفسير ذلك أن ظهور الفلسفة في ظل هيمنة سلطة الدين واتساع دائرة تأثيره في الأوساط الاجتماعية جعلها بمصاف الخصم المنازع لاتجاهاته وأهدافه المضمرة بفرضية إحكام السيطرة على الواقع وإغلاق منافذ التحرر من عبوديته الأمر الذي فرض تضييق الخناق على وجودها وتقييد حضورها في النطاق المحدود..

وفيما تعامد هذا الحضور مع تعدد وتعارض الاتجاهات الدينية عبر تسلسل العصور فقد انعكس هذا الشتات على تشابك التنوع الفلسفي بتضاريس الخلاف والاختلاف كسمة بارزة ترجمت بدورها تعزيز مفارقات الوعي المتضارب أسوة بالدين ..

وهو الأمر الذي عزز  من امتداد الإشكال إلى ميادين المعرفة بعلومها المختلفة كصلة وصل بالدين والفلسفة المتشاكلة بين أرجوحة العقل والمنطق الجدلي وقراءاتهما المتعثرة بين حواجز الإيمان والقناعة، والتي عكست نفسها على تمحور العلم حول البحث عن الوسائل الكفيلة بتقريب الصورة وفيما استطاع بعض رواده أن يقتربوا من محيط الغموض في تفكيك معادلاته إلا أن محدودية الشفافية في تشخيص العلاقة بين الإنسان وانطولوجيا الوجود ظلت ترسم خطوط التباعد النظري بين الفلاسفة والباحثين في الاتجاه الموازي للتفرد المتعارض دون الوصول إلى نتيجة ..

وما يعنيني شخصياً كباحث في هذا المضمار ليس نقد الفلسفة والعلم وتجريدهما من دورهما الريادي في التنوير والإسهام الكبير في محاولة تحرير العقل واستنهاض قدراته على البحث والتعمق في تحليل ومعالجة قضايا ومعضلات الوجود، وإنما لأن القضية التي شغلت تفكيري واستعصى فهمها واستيعاب  محاذيرها الملتبسة في استكشاف معادلة الحقيقة ظلت رهينة العديد من التساؤلات المتشابكة بين إشكالية الوعي المتباين واقترانه بالنتاج الزمني للمعرفة المتناقضة بين الفلسفة والدين والعلم وغيرها من المناهج التي أفرزت تبايناتها طبيعة الواقع ..

ولعل في ذلك ما يقودنا إلى استيعاب إشكالية الواقع كقضية محورية تضعنا اليوم أمام حاجتنا الظرفية لاستقراء الحقيقة من ثوابتها المشتركة كمطلب استحقاق عام لها حكم الضرورة الحتمية لانتظام الحياة ، وتلك في ركيزة المعالجة تقتضي أولاً تشخيص العلة التي صاغت خطوط الاشتباك في العقل المتعارض ونتاجه المسترسل في محاكاة الزمن عُرف امتداد العماء واحتراز الغاية في تحرير العقل البشري من ظلام الجهل والشتات واستقامة رسالته صلة وصل بتمثيل النسيج المترابط لوحدة الإنسان بالوجود ووحدة الإنسان بأخيه الإنسان في تمثيل الضمير الواحد..

ذلك أن إشكالية الحقيقة كمعضلة زمنية لا تكمن وحسب في معضلتي الغموض والتناقض وتضاريسها المصمتة بشتات الخلاف وإرهاصاته التفاضلية بقدر ما تختزل دلالتها قضية منهج الحياة بمجمل مساراته الإنسانية وروابطه الكونية والتي ظلت إشكالياته ترسم مجمل معضلات ومعوقات الوفاق على انتظام العلاقات والتعايش في الحياة ..

ولأن قضية فهم الحقيقة لها حكم الركيزة الأساس لاستدراك الغاية من وجودنا في الحياة فدور الفلسفة والعلم وإن تشكلت في إطار أزمة المعرفة وخلافاتها إلا أن في تعارضها مع تأصيل قداسة الفكر الديني ونتاجها الزمني الرافد لتطور الحياة ما يعكس دورها المبدئي في محاولة تحريرالعقل من ظلامية الوهم وعماء الاستلاب الراكد في سبات الموروث التقليدي وإرهاصاته وفي قابلية معتنقيها للفهم الصحيح عاضداً للتثبت من الحقيقة ما يعزز دورها الريادي في تحمل مسئولية التغيير في الحضور والتنوير كمرجعية لمعالجة الإشكال الزمني والعمل على تجاوز محاذيره بالسبل الممكنة لتحقيق الوفاق والاستقرار في الحياة ..

وعلى بيد الخوض في معترك الحقيقة في أكذوبة الدين أعيد وأكرر بأن قضيتنا مع انحرافه بالغاية من معنى وجود الله والإنسان والحياة وكذلك الفكر السياسي والمعرفي المتناقض بشكل عام ليست قضية خصومة أو صراع  فكري أو مصالحي في سباق التفرد بامتلاك الحق وإنما لكون المسألة  دليلها في المعرفة  بالحقيقة قضية مشروع الحياة والتي بلغت مداها في السقوط بتتويج لاهوت الشر وسيطرته على مقاليدها وأصبحت مشروعية التغيير ضرورة حتمية لإعادة التوازن لكوكبنا الذي يوحد وجودنا تيمناً بعودة الحق إلى نصابه..

وعلى منواله نأمل أن يستوعب رجال الدين مسئوليتهم أمام الله في الاعتراف بالحق والانضواء خلف إرادة التغيير حتى لا تصبح لعنة الشيطان في عصبيتهم للمقدسات الزائفة حكماً على تعجيل المشيئة الإلهية  لنهاية الإنسان والحياة..

 الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق