نبوءة العقل

نبوءة العقل

الحقيقة الغائبة بين أزمة المعرفة ومشروع الحياة

 تعددت المعتقدات والأديان واختلفت نواميسها وطقوسها وقضاياها الفكرية وتجذرت مشاريعها الخلافية في كل عقيدة  والإله واحد..

 وتجذرت الهوية الإنسانية الواحدة إلى أمم وشعوب وأعراق وطوائف ومذاهب وأجناس وسلالات عصبية والبشرية من نسل واحد..

 وتجزئت الخارطة الديموغرافية  للسكان إلى حدود جغرافوسياسية وقيود فاصلة والوجود واحد.. 

وتعارضت قواعد الحقوق والواجبات والمصالح والعلاقات والسياسات والنظم والشرائع ومشروع الحياة واحد ..

واختلت  مبادئ  الآمن  والسلام الدولي باختلال موازين القوة وأرجوحة المصالح  بين المجتمعات والشعوب والاستحقاق واحد..

واختلفت قيم وأخلاق وعلاقات وسلوك وتعاملات البشرباختلاف المعتقدات والثقافات والتجارب  والنظم والمناهج والحقيقة واحدة..

وتجسد انعدام التوازن بمفارقات التشكل البشري المتباين قرينة متلازمة مع اتساع دوائر الخلل في التركيبة وانعكاساتها على تصاعد المشاكل والأزمات ومعوقات انتظام الحياة والغاية  واحدة ..

والخلاصة التي قل أن نستدركها على خط المقاربة والقياس هي أن تطور الحضارة الإنسانية  بما في ذلك اتساع دوائر المغارف البشرية ظلت ولا تزال تقف عند إشكالية منهج  الحياة وتعدد نظريات الحكم كرديف للتفكك والخلاف حول مجمل القضايا التي أرست تشابكاتها تجذر  مفاصل الشر في سلسلة التجارب المتعثرة صلة بتجسيد الخلل لقصور المعرفة في استيعاب  ثوابت  الحقيقة  من متغيراتها منفذاً للوفاق المنضبط على توحيد ومعالجة كافة معوقات انتظام علاقات وروابط التعايش الأخلاقي في الحياة  ..

وعلى خط الاشتباك الزمني المتسلسل قد تبدوا إشكالية الخلاف والاختلاف حول قضايا المصالح والصراع  ومحاذيرهما في خلخلة مشروع الحياة مسألة محسومة في تركيبة الواقع المفترض بامتداد أزماته في خلق وتوسيع  الهوة بين البشرية الواحدة  دون إعمال العقل في دراسة التجارب الزمنية  ومخرجاتها المتعثرة والآثار المترتبة على اختلالاتها  المتصاعدة في تضييق سبل الأمان والاستقرار في الحياة ..

وكما عاشت البشرية مخاضات التفكك والصراع أطوار من المعاناة والشقاء المتصاعد نحو تمكين الشر من السيطرة على مقاليد الحياة لم تستوعب الخلل في الفكر كمنفذ للبحث عن جذور المعضلة الزمنية وتقويمها من أفق القياس بالتركيبة الخلافية وانعكاساتهاعلى تشكيل مفارقات الواقع، بل نجدها ظلت ولا تزال تراهن على تأصيل الموروث الزمني بمحاذيره وأسبابه قاعدة ثابتة لعقلنة  الصراع  وامتراء الغايةً في سباق التفوق بامتلاك  آليته وأدواته والاحتكام لمقاصده وأهدافه حضوراً وتجسيد..

وما نرمي إليه في تشخيص جذور المشكل أن الثابت في استيعاب وفهم الإنسان لمعنى وجوده وحضوره المتصل بحركة التاريخ وتفاعلاته لا يمكن قياسه فقط  بمستوى تحصيله المعرفي الموازي لتأسيس وتحديد اتجاهات الوعي والإدراك والسلوك وانما غالباً ما يتشكل كرديف لتوافقاته الظرفية والانطباعية التقليدية مع طبيعة المؤثر في تركيبة الكيان الاجتماعي صلة باستيعابه لمقياس التحضر أو التخلف والجمود..

وبديهية الفهم أن من نشأ وترعرع على تجربة أو عقيدة ما يستحيل أن يرى في تخلفة عن ركب الحضارة  الإنسانية  وتطوراتهاخللاً في المعرفة أو في صحة الاعتقاد المحمول على  توجيه حياة  ومصير كل مجتمع على توظيف الخصوصية لتجاوز  وتعطيل وحدة العلاقات المترابطة بين الجنس البشري الواحد..

بل ويستحيل عليه أن يستوعب أو يستنتج في تناقض مقدساته الكتابية بمعتقداتها المتباينة مع الديانات الأخرى في الفكر والطقوس والنواميس عامل الاحتواء المفرغ بشيطنة الإله وتوظيفه لاهوت فتنة لاحكم له سوى محاولة التفرد باستحقاقه..

وعلى ذات السياق غالباً ما ينطبق المعنى على من تشكل بنزعة العصبية للهوية العرقية أو السلالية أو الجغرافوسياسية وتعلل بمقاصدها الارتباطية بالمصالح حيث يستحيل عليه أن يرى في انتمائه للسلالة الآدمية ملتقى الكيان البشري في تجسيد الشراكة الإنسانية لعقد الوفاق على التعايش الآمن في الوجود الواحد..

كما تلتقي بقية القراءات حول تشخيص المشكلات بعقدها وأسبابها لتعذر الوفاق والالتقاء حول القضايا المشتركة صلة  بتمحور الخلاف والاختلاف في غياب وتعطيل مقاصد الحقيقة الواحدة  وتماهي بروز المعضلة في تجسيد أزمة المعرفة للتباين المتشابك  بشرعنة الغاية من وجود الإنسان في الحياة في التوظيف الديني والسياسي وأهدافهما المتعثرة بانعكاس الخلاف والصراع على تغييب مشروع الحياة ..

والقضية التي نستقصي في تبيانها تشخيص الحقيقة الغائبة من أزمة المعرفة هي أن جميع المشكلات المتصلة بقضاياها المتجذرة في تمزيق مشروع الحياة ظلت تتأرجح  عبر تحولات العصور بين مسألتين :

الأولى: مسألة المقدس بوصفه الجذر الزمني للفكر العقائدي الذي أرسى صورية المعرفة بالإله الخالق في القراءات الغيبية المتباينة قاعدة لاحتواء الخوف من المجهول في الترهيب والترغيب وعنها تعارفت البشرية منذ بداية التاريخ على فهم الدين مشروع حياة تلتقي أسانيده عند تأصيل ميتافيزيقيا الخيال الأسطوري لقصص الخلق والتكوين والمعجزات والخوارق المبهمة معرفة لاهوتية اختزلها كل دين مشروعية للتمكين تفترق عند شخصنة الفكر بالوسائط والطاعات مشاريع استحقاق تبعي متشابك حول تمثيل الحق الإلهي في الوصاية على الإنسان والحياة..

الثانية: تغييب المرجعية الكونية كقاعدة للعقل الجمعي  في عقلنة النفس الارتباطية بحدود التجربة المحمولة على طبيعة التعاطي مع تناقضات الواقع  وتجسيدها للحواجز الانطباعية للوعي قرينة دغماوية لتعارض القضايا والتي أرست بدورها تغييب الحقيقة في  المعرفة النسبية قاعدة منهجية لاحتواء مشروعية التوظيف ..

والاستدراك المعني بتحديد طبيعة المشكل قد يستوقفنا أمام جدلية العقل : لماذا تعددت الأديان واختلفت قراءاتها المعرفية حول مشروع  الحياة في حين غاب عنها الدليل الذي يستوجب أن تلتقي حوله وهو أن لخلفية الوجود والإنسان خالق واحد وفي توافقها على توثيق صفاته وأفعاله وأسمائه لدلائل القدرة والتمكين ما يعلل اقترانها ثبوتاً بمعنى دين الإنسانية الواحد حقيقة معرفية وقاعدة حياة ..

وعلى خلفية الاستدراك سنجد بما لا يدع مجالاً للشك أن جذور المشكلة وقفت عند استفراغ الدين لمشروع الحياة في صكوك الطاعات وتطبيعه للخوف من المجهول مفترقاً لسباق لترهيب والترغيب المحمول على شخصنة العلاقة الارتباطية بالإله في التبعية للوسائط قاعدة استلاب  متجانس يستثني حق الإنسان في الحياة  باستحقاق الثواب والعقاب في عالم الغيب  ..

وحين نلقي الضوء على كيفية تشكل الفكر الديني بقراءاته المتناقضة لقضايا ومعضلات الوجود والحياة قل أن نستدرك من خلفية النتاج المتشابك بتعدد مسالكه ومشاريعه تمحور الدليل في غياب الحقيقة كقضية متلازمة مع انعكاس طبيعة الخلل على جمود وتخلف الوعي التبعي وانحسار اتجاهاته في محيط الغموض المتعثر بين أزمة المعرفة وتغييب مشروع الحياة في متاهة التعدد والاختلاف المتجذر في خلق وتوسيع  دوائر التفكك والصراع لمعوقات الوفاق  المتصاعد نحو تمكين  الجهل والشر من السيطرة والامتداد في  خارطة الواقع ..

وعلى خط الإشكال الزمني  المتنامي تتصدر قضية أزمة المعرفة  أولوية القضايا المستعصية على الحل عبر مراحل التطور الحضاري والتي ظلت حتى يومنا هذا تدور في متاهة التناقض والاحتمالات النظرية المتعثرة بين شتات الفكر الديني والفلسفي والعلمي وتمحور المعضلة حول إشكالية فهم العقل من طبيعة تكوين النفس دون الوصول إلى نتيجة ..

وباعتبار ما يعنينا في توضيح هذه المسألة هي قضية الإنسان ومنهج الحياة فصلتهما بجميع ميادين المعرفة بإشكالاتها المعقدة هو لاشك من حيث ارتباطها بفلسفة الفكر تلتقي عند كيفية  الفصل بين قضايا الخير والشر والتي ظلت عبر حركة التاريخ  تتمحور حول  صياغة نظرية الدولة والمتصلة بحصيلة التجارب البشرية كنتاج متلازم مع توجيه وبناء مفارقات التشكل المعرفي بالحضور المتشظي بواقع أدلجة الوعي للفهم المتجرد بالخصوصية الثقافية والحضارية مفترقاً لاستيعاب كل اتجاه لمتغيرات الحقيقة قرينة متشاكلة  بالانحراف عن توافقات الحياة ..

والقضية هنا بفصولها المتعثرة بين مفترق البداية والنهاية هي قبل أن تكون قضية المعرفة بالحقيقة فمحورها الرئيس هو مشروع الحكم المعني بتوجيه مصير الإنسان في الحياة والذي قل أن نستوعب إشكاليته من سياق الذاكرة التاريخية ومراحل التدرج المعرفي بتحولاته من عصور الظلام حتى بروز  روافد الحضارة العلمية مقارنة بلاهوت التاريخ وملاحم الصراع الدموي العابث بحياة الإنسان حيث تتجلى المقاربة الموضوعية لانعكاس المعطى الزمني  في انحراف سلطات الحكم عن الهدف من التحضر كوسيلة للارتقاء بالوعي في استيعاب الظروف المستعصية وتمكينه من خلق ومعالجة سُبل ومقدرات الخير لانتظام وجوده في الحياة  إلى تماهي اتساع المعضلة الزمنية في توطين التفكك للصراع المتجذر في امتداد سيطرة الشرعلى خارطة الواقع..

وهذه القضية بتسلسل مفارقاتها في موروث التجارب الزمنية هي التي شكلت حاجز الفصام المتنامي في تطبيع السياسات للوعي المتناقض بتداعياته وأسبابه الرافدة لانعدام التوازن والتي خطت مفارقاته انعدام التوفيق بين الوسيلة والغاية الظرفية والآنيةمعضلة ممتدة ظل يستحكم بتوجيهها التفكك الاجتماعي و العقائدي والسياسي والاقتصادي في ساحات السباق المغلف بصراع المصالح كحتمية مرجحة بمعطيات توازنات القوة  واتجاهاتها في توظيف القدرة لتطلعات السباق الحضاري المغلف بهاجس التفرد بالسيطرة والاستغلال..

وبديهية الواقع  أن الشعوب تعيش متغيرات الحياة بتطور وسائلها وعُقدِها وصراعاتها ومشاكلها واقعاً مفترضاً لطبيعة المؤثر الزمني والظروف والأحداث  دون أن تستدرك الضرورة في تقييم  عوائد الخير والشر على وجودها وانعكاسات الأثر على مستقبل الأجيال من بعدها  أو  تستخلص الدروس والعِبًر من معطياتها الزمنية لتصحيح واقعها واستيعاب النتائج  لجوانب  الخلل  بهدف تعزيز آلية ووسائل الانضباط اللازمة لانتظام علاقاتها في الحياة..

 ولذلك تجد غالبيتها تستقي موروث العصور عُرفاً تقليدياً لاجترار الزمن بمعطياته والتي غالباً ماتتشكل بمفاهيمه دون إعمال العقل في محاذيره انطلاقاً من وعي العاطفة والانتماء للهوية والتراكمات المرحلية للتطبع بالعوامل والظروف والقيم التي شكلت وجدان الإنسان بطبيعة الاستلاب طوق  ارتهان عفوي التسليم قل أن تتخطى حواجزه المنيعة ُسبل الإصلاح و التغيير ..

وحين نستقصي ُسبل البحث عن الظواهر التي أفرزت واقع الشرفي عصرنا الحديث  بنتاجه المسترسل في التاريخ نجد على رأس الشواهد التي صاغت واقع الحياة بظروفه وتعقيداته ماثلة في معطيات الصراع الديني والسياسي المتجذر في الاتجاه المتعامد مع توظيف الخصوصية الحضارية والفكرية لجدلية الخلاف والاختلاف والتي رسمت خارطة تمزيق الهوية البشرية بمختلف اتجاهاتها الجغرافوسياسية والعرقية والعنصرية والطوائفية والسلالية والطبقية وغيرها وشكلت نزعاتها الدغمائية خط امتداد جسور الفتنة في السباق الأعمى عبر تاريخ الإنسان..

وتلك كما سنعرض لها بالتفصيل في فصول الرسالة ترتكز موضوعيتها المبدئية على قضيتين  متلازمتين مع حركة التاريخ هما جدلية الخير والشر واقترانهما بالخلل المستشري في تركيبة الواقع نتيجة مضمرة بتجسيد إشكالية الحكم لأزمة المعرفة في التوظيف الخلافي المتعارض بتهويم الحقيقة في دغماء الهوية المتجردة بوهم الخصوصية الحضارية أو العقائدية وتجسيدها لتطبيع ثقافة الاستلاب..

وتلك هي ساحة العرض المتجدد بنتاجه الزمني في منازعات الفكر المسترسل نحو توطين الخير والشر قاعدة كونية متضادة استقام بوعيها توظيف الألوهة المتناقضة مشاريع وصاية سلطوية لسان حالها التعدد الديني والسياسي المتشابك حول امتلاك (الحقيقة) وتأصيلها عقد وصاية ربوبية واستحقاق متضارب ظللت منازعاته تقوقع الإشكال بين أزمة المعرفة  وتجذر الفهم حول الغاية من وجود الإنسان في الحياة..

وغاية ما نصل إليه أن الحقيقة بمتلازماتها مع  تشخيص أزمة المعرفة لمتغيرات االفكر وتصدره لاتساع  القضايا المختلف حولها بما في ذلك الفكر الديني بتعدد اتجاهاته وكذلك العلوم الإنسانية  والطبيعية والكونية هي بمجملها تلتقي عند تأسيس معطياتها لوحدة النظام كمشروع  متكامل يكفل للشعوب والأمم المختلفة حقها في السلام والأمان  المعيشي والاستقرار في الحياة المنافي لتفرد سلطات الحكم بالهيمنة على مصدر القرار ..

 الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق